إثبات صحة الدفع

إثبات صحة الدفع

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

وفقاً للمادة (179) من قانون المرافعات فإن الدفع دعوى، ومقتضى ذلك أنه يجب على الدافع أن يثبت صحة ما ورد في عريضة دفعه حتى يتم النظر في الدفع على أنه كذلك ، كما أن المادة (180) مرافعات أوجبت على الدافع أن يبين وقائع دفعه واحواله وأدلته والوجه القانوني الذي يستند عليه، وقد تشدد قانون المرافعات اليمني في إثبات صحة الدفع على هذا النحو حتى يسد دريعة التقاضي الكيدي ،فلا يسيء الخصوم إستعمال الدفوع ،وحتى لا تتحول الدفوع إلى وسيلة للكيد بين الخصوم وذريعة لإطالة إجراءات التقاضي وجعل الحق والعدل بعيد المنال وتعطيل الطريق إلى العدالة الناجزة ، سيما ان الدفوع الكيدية قد اضحت ظاهرة عامة في اليمن ، وقد اشار إلى هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 20-9-2010م في الطعن رقم (41506)، وقد ورد في أسباب الحكم المشار إليه: ((وبعد الرجوع إلى الأوراق مشتملات الملف وجدت الدائرة: ان الطاعن ما زال يدفع بعدم صفة ومصلحة المدعي في مخاصمته لعدم وجود علاقة تعاقدية بينهما، وتقرر الدائرة أن هذا الدفع من دفوع النظام العام وفقاً للمادة (186) مرافعات، غير أن الإحتجاج بهذا الدفع يخضع للأصل العام، وهو أن حق التقاضي يقوم على مبدأ حسن النية ، وفقاً للمادة (18) مرافعات، لذا يشترط لقيام هذا الدفع أن يكون الإستناد إليه جدياً ، فالدفع وفقاً لتعريف المادة (179) مرافعات هو دعوى يبديها المدعى عليه الطاعن حالياً، فالدفع كأي دعوى يشترط لقبولها أن يبرز الدافع الادلة على صحة الدفع، عملاً بالمادة (180) مرافعات، اما إذا جاء الدفع مرسلاً دون بيان وقائعه وأدلته فلا تثريب على المحكمة إذا قضت بإعتبار الدفع والقرار الصادر فيه غير منه للخصومة إنطلاقاً من قيام المحكمة بدورها الإيجابي في توجيه الخصوم أمامها بما يكفل حسن سير العدالة ومراقبة الخصوم في ممارسة الإجراءات طبقاً للمادة (20) مرافعات، وعليه تقرر الدائرة: رفض الطعن))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: الغاية من تشريع الدفوع في قانوني المرافعات والاجراءات:

الغرض من تشريع الدفوع في قانوني المرافعات والإجراءات الجزائية سيما الدفوع المتعلقة بالنظام العام أو الجوهرية هو الحيلولة دون إطالة إجراءات التقاضي وتحقيق مبدا الإقتصاد في إجراءات التقاضي ومنع الهدر الإجرائي، فقد يتم تقديم دعوى من شخص لا صفة له ولامصلحة ، وقد يتم رفع دعوى قد سبق الفصل فيها ،وقد تكون تلك الدعوى مسبوقة بما يكذبها محضاً، فالنظر في الدفوع المتعلقة بالنظام العام في البداية والفصل فيها يرشد اجراءات التقاضي ويمنع هدر الاجراءات ، فنظر المحكمة في الدفوع المتعلقة بالنظام العام بداية يحول دون النظر في موضوع الدعوى التي سبق الفصل فيها أو سبق ما يكذبها أو لا مصلحة أو صفة للمدعي فيها، لأن النظر في موضوع الدعوى في هذه الاحوال أو ما يماثلها نوع من العبث والهدر الإجرائي الذي يرهق القضاء والخصوم معاً، فضلا عن ان ذلك سبب لتناقض الاحكام في القضايا التي قد سبق الفصل فيها . (نظرية الدفوع، أستاذنا المرحوم الأستاذ الدكتور أحمد أبو الوفاء، ص76).

الوجه الثاني: ظاهرة إساءة إستعمال الدفوع في اليمن:

لاريب أن تقديم الدفوع الصحيحة يحقق الغايات المبتغاة في ترشيد إجراءات نظر الدعاوى والطعون وتسريع إجراءات التقاضي ومنع الهدر الإجرائي وتحقيق مبدأ الإقتصاد في إجراءات التقاضي، بيد أن الامانة العلمية تقتضي القول: بأن الدفوع الكيدية أو إساءة إستعمال الدفوع تكاد تكون ظاهرة في اليمن، نلاحظ ذلك بجلاء ووضوح من خلال المطالعة المستمرة لأحكام القضاء اليمني التي ترصد هذه الظاهرة السيئة التي تتسبب في إطالة إجراءات التقاضي وتعقيد وتحويل القضايا البسيطة إلى قضايا مركبة معقدة وتجزء القضية الواحدة إلى اجزاء عدة ، وتجعل ملفات القضية كبيرة يتعذر على القاضي دراستها والإحاطة بها، ولذلك فإن ظاهرة الدفوع الكيدية من أهم أسباب إطالة إجراءات التقاضي ومانع من أخطر موانع تحقيق مفهوم العدالة الناجزة، فمن النادر في اليمن أن يبادر المدعى عليه إلى الرد على الدعوى مباشرة ، فهو يعمد إلى إعداد الدفع أو الدفوع قبل أن يطالع عريضة الدعوى!!!؟ ليس هذا فحسب بل أن الخصوم يطلقوا على كل دفوعهم مسمى الدفوع المتعلقة بالنظام العام ويطلبوا من القضاء الفصل فيها بداية وبحكم مستقل ،عملاً بالمادة (185) مرافعات، فإذا قام القاضي بالفصل في الدفع قام الخصم الدافع بإستئناف الحكم ثم الطعن في الحكم الإستئنافي بالنقض ، فتطول إجراءات التقاضي وتتعقد القضايا ويصبح الحق والعدل بعيد المنال ، ويتبدد حلم العدالة الناجزة. (تطور وتطوير القضاء في اليمن، أ.د. عبدالمؤمن شجاع الدين، ص87).

الوجه الثالث: التفرقة القانونية بين الدفع الصحيح والدفع الكيدي ووسيلة القاضي في مواجهة الدفوع الكيدية:

حدد قانون المرافعات اليمني الفروق الجوهرية بين الدفع الصحيح والدفع الكيدي، وذلك في المادة (180) مرافعات التي نصت على أنه (على الدافع أن يبين وقائع دفعه وأحواله وأدلته والوجه القانوني الذي يستند إليه . فإذا كان الدفع متعلق بالنظام العام فعلى المحكمة إرجاء السير في الدعوى الأصلية والنظر في الدفع على نحو ما تسير في الدعوى الأصلية والفصل فيه استقلالاً بحكم مسبب ، وفيما عدا ذلك من الدفوع فيجوز للمحكمة ضم الدفع إلى الموضوع ، وعليها حينئذ أن تبين ما حكمت به في الدفع) ، فهذا النص قد حدد بدقة ملامح كل من الدفع الصحيح والدفع الكيدي كما تضمن النص سلاح القاضي في مواجهة الدفوع الكيدية، وبيان ذلك كما يأتي:

أولاً: شروط الدفع الصحيح: بحسب ما ورد في المادة (180) مرافعات السابق ذكرها، فإن شروط الدفع الصحيح هو ثبوت وقائع الدفع وأدلته والسند القانوني له ، فإذا ارفق الدافع بعريضة دفعه أو قدم ما يثبت قطعاً صحة الواقعة موضوع الدفع وارفق أو قدم الأدلة المؤيدة لذلك، وتضمنت عريضة الدفع النص القانوني الذي يدل على صحة الدفع، فعندئذٍ يكون الدفع صحيحاً، وفي هذه الحالة ينبغي على القاضي أن يتعامل مع الدفع على أنه مطابق للقانون ،فيقوم القاضي بتكليف المدفوع ضده بالرد على الدفع توطئة للفصل في الدفع بداية إذا كان من الدفوع المتعلقة بالنظام العام .

ثانياً: الدفع الكيدي; وهو الدفع الذي لايبين الدافع في عريضة دفعه الواقعة محل دفعه او لم يثبتها او لم يقدم الأدلة على وجود هذه الواقعة المدعى بأنها موضوع الدفع او إذا لم يبين الدافع السند القانوني للدفع، ففي هذه الاحوال يكون الدفع كيدياً، وعندئذٍ يقوم القاضي بتكليف المدفوع ضده بالرد الذي قد يتضمن أن الدفع غير صحيح ، وعندئذٍ يقرر القاضي ضم الدفع إلى الموضوع والسير في إجراءات نظر القضية من غير أن يفصل القاضي في الدفع إستقلالاً ، وفي بعض الاحوال يلجأ القاضي إلى تكليف المدفوع ضده بالرد على عريضة الدفع الكيدي حتى يبعد القاضي عن نفسه شبهة أن لديه قناعة مسبقة بعدم صحة الدفع حينما يقرر ضم الدفع إلى الموضوع، وبعض القضاة عندما يظهر له عدم صحة الدفع يمضي في إجراءات نظر القضية دون أن يقرر ضم الدفع إلى الموضوع، لأن بعض الخصوم يقوم بالطعن في قرار القاضي ضم الدفع بالموضوع حتى لو ان قرار ضم الدفع إلى الموضوع مجرد عبارة ضمن محضر الجلسة أي لم يكن القرار في وثيقة مستقلة عن المحضر، وفي كل الأحوال إذا قرر القاضي ضم الدفع إلى الموضوع فانه يقوم بعد إستكمال اجراءات نظره الخصومة يقوم بالفصل بالقضية كلها بما فيها الدفوع التي ضمها إلى الموضوع ،فيقوم القاضي بمناقشة ماورد في الدفوع التي قرر ضمها إلى الموضوع ، وذلك في بداية أسباب الحكم ثم الحكم برفض تلك الدفوع الكيدية في بداية منطوق الحكم.

وفي هذا السياق فقد قضى الحكم محل تعليقنا بان محكمة الموضوع غير ملزمة بالفصل في الدفع الذي يسميه الخصم دفعاً متعلقاً بالنظام العام إلا إذا اثبت الخصم الواقعة موضوع الدفع المدعى بها واثبت أدلة وقوعها وكذا اثبت السند القانوني لدفعه، اما إذا عجز الدافعوعن ذلك فإن دفعه عندئذٍ كيدي يحق لمحكمة الموضوع ضمه إلى الموضوع والفصل فيها مع الموضوع، والله أعلم.

إثبات صحة الدفع
إثبات صحة الدفع