المحكمة المختصة عند التداخل بين قسمة التركة وتصفية الشراكة

المحكمة المختصة عند التداخل بين قسمة التركة وتصفية الشراكة

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

من الإشكاليات القائمة في الواقع إشكالية التداخل بين تصفية الشراكات وقسمة التركات ، حينما تنشأ شراكة أو شركة عرفية بين المورث وبعض ابنائه فيموت المورث بعد ذلك، فعند قسمة تركة المورث ڤان الأمر يقتضي تصفية الشراكات أولاً لمعرفة ما آل إلى المورث في تلك الشراكات ، فلا تظهر حصص المورث وامواله في الشراكة أو الشركة العرفية إلا بعد تصفية الشراكات، وفي ضوء ذلك تتم قسمة تركة المورث بين الورثة الشرعيين، ولا ريب أن الشركة العرفية التي يكون نشاطها تجاريا.اي تباشر اعمالا تجارية تستهدف منها الربح تخضع للقانون التجاري، بيد أن قسمة التركات مسألة شخصية، حسبما هو مقرر في قانون الأحوال الشخصية والقانون المدني ، وحسبما ورد في الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 5-7-2009م في الطعن رقم (36751)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: ((لا خلاف أنه لو كان النزاع يتعلق بالشراكة التجارية لانعقد الإختصاص للقضاء التجاري، ولكن هذه الخصومة منشؤها تقسيم تركة المرحوم مورث أطراف الخصومة وتفرع عن تقسيم التركة شراكة المورث مع أحد أولاده، ولذلك فإن الإختصاص بقسمة التركة وتصفية الشراكة في هذه الحالة ينعقد للمحكمة الابتدائية ذات الولاية العامة))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: المقصود بتصفية الشراكة لغرض القسمة:

في حالات كثيرة تقع شراكات بين المورث اثناء حياته مع بعض ورثته، ومن عائدات هذه الشراكة يتم إكتساب أموال عقارية ونقدية ومنقولات ربما تفوق حجم التركة الأصلية للمورث، وفي أغلب الحالات يحدث بعد نشوء الشراكة إختلاط بين اموال التركة واموال الشراكة سيما عند إكتساب الأموال الجديدة من عائدات الشركة والتركة معا ، وتحدث إشكاليات كثيرة نتيجة إختلاط أموال الشراكة بأموال التركة سيما عندما تكون الشركات غير نظامية أي لا تتخذ الأشكال القانونية المحددة في قانون الشركات اليمني، وقد ذكرنا في تعليقات سابقة أن غالب التجار اليمنيين يفضلوا مباشرة نشاطهم التجاري عن طريق الشركات غير النظامية تحت اسم تجاري مسجل أو غير مسجل أو مؤسسة فردية مسجلة أو غير مسجلة، وفي حالات كثيرة تتم الشراكات بين الأقارب من غير اسم أو عنوان تجاري، وفي غالب الأحيان يكون رأس مال الشراكة من عائدات أموال المورث أثناء حياته أي من عائدات التركة.

ولذلك فإن إجراءات تصفية الشراكات غير النظامية التي تنشأ بين المورث أثناء حياته وبين بعض ورثته لها طبيعة خاصة تميزها عن إجراءات تصفية الشركات النظامية كالشركات المحدودة وشركات التضامن وشركات المساهمة التي يتم تاسيسها وفقا لقانون الشركات.

ولذلك فقد قضى الحكم محل تعليقنا بأنه عند قسمة التركة التي تشتمل على حصص للمورث في شركات غير نظامية قائمة بين المورث وبين ورثته تختص بنظرها المحكمة العادية ذات الولاية العامة، فلا يختص بنظرها القضاء التجاري ، لأن إجراءات تصفية الشراكة فيما بين المورث وبعض ورثته تغلب عليها في هذه الحالة إجراءات القسمة الشرعية التي تختص بنظرها المحاكم العادية ذات الولاية العادية (القاضي الشخصي).

الوجه الثاني: الشركة العرفية شركة مدنية نظمها القانون المدني:

سبق القول أن الشركة أو الشراكة العرفية التي تنشأ بين المورث وورثته هي شركة غير نظامية لأنها لاتتخذ أحد الأشكال القانونية للشركات النظامية المحددة في قانون الشركات، ولذلك فقد نظم القانون المدني الشركة العرفية أو شركة الواقع، وعلى هذا الأساس فإن إجراءات تصفية الشركة العرفية تخضع لأحكام القانون المدني الذي تتولى تطبيقه المحاكم المدنية العادية ذات الولاية العامة وليس المحاكم التجارية النوعية حسبما قضى الحكم محل تعليقنا.

الوجه الثالث: تصفية الشركات النظامية مسألة تجارية:

إذا لم يكن هناك خلاف بين الشركاء بشان اجراءات تصفية الشركة النظامية فتتم إجراءات الأصلية بنظر الشركاء أنفسهم وفقا للاجراءات المحددة في قانون الشركات .

وقد سبق القول بأن الشركات التجارية النظامية هي تلك الشركات التي تتخذ الأشكال القانونية المحددة في قانون الشركات اليمني كالشركات المحدودة والشركات المساهمة وشركات التضامن، وبما أن قانون الشركات قد نظم الشركات النظامية من حيث إجراءات تأسيسها وإدارتها وتوزيع أرباحها وإجراءات تصفيتها، وبما أن قانون الشركات فرع من فروع القانون التجاري، وبما أن قانون الشركات قد حدد إجراءات تصفية الشركات النظامية، ولما كانت إجراءات تصفية الشركات النظامية تحتاج إلى خبرات تخصصية وإجراءات تباشرها الجهة المختصة (وزارة الصناعة والتجارة) لذلك فانه اذا تحققت احدى الحالات التي تستدعي تصفية الشركة النظامية وحدث الخلاف بين الشركاء بشان تصفية الشركة فإن الإختصاص بتصفية الشركة ينعقد للمحاكم التجارية النوعية وليس للمحاكم العادية ذات الولاية العامة.

وبناء على ذلك فإن تصفية الشراكة في هذه الشركات النظامية العائلية تكون مسألة أولية يتوقف الفصل في قسمة التركة على الفصل في هذه المسألة الأولية، فتختص المحكمة التجارية بالنظر في إجراءات التصفية للشركة النظامية ،وفي ضوء نتائج التصفية وبعد استكمالها يباشر القاضي الشخصي إجراءات القسمة.

وقد لايتم اللجوء الى تصفية الشركة النظامية عند قسمة التركة ، وذلك لاتتحقق الحالات والظروف التي تقتضي تصفية الشركة النظامية، فبدلا من التصفية يتم تحديد المركز القانوني والمالي للشركة ومن ثم تحديد قيمة حصص المورث في الشركة، ويتم إحتساب قيمة حصص المورث في الشركة ضمن اموال التركة القابلة للقسمة .

الوجه الرابع: حوكمة الشركات النظامية العائلية خشية تصفيتها بعد وفاة المورث:

عندما يموت أحد الشركاء في الشركات النظامية فان موته لا يثير أية إشكالية، لأن قانون الشركات قد صرح بان ورثة الشريك المتوفي يحلوا محل مورثهم في حصصه في الشركة ، وبما ان الشركة النظامية فيما بين الوالد وبعض أولاده تكون من الشركات العائلية، فاذا كانت حصص الوالد أو المورث هي غالب حصص الشركة فيتم حوكمة الشركة أثناء حياة المورث عن طريق قيام المورث نفسه بتقسيم حصصه كلها أو غالبها بين الورثة المحتملين، وذلك على أساس للذكر مثل حظ الانثيين، لأن قانون الأحوال الشخصية قد اجاز للمورث اثناء حياته أن يهب ورثته بعض امواله شريطة أن يتم ذلك على أساس للذكر مثل حظ الانثيين وشريطة أن يساوي المورث بين الورثة فيما يهبه ، وبموجب هذه الهبة يصير الورثة المحتملون شركاء في الشركة النظامية، ويتم تسليم كل واحد منهم شهادة بملكيته للحصص التي صارت له في الشركة بموجب الهبة حتى يتحقق قبض الوارث للحصص أثناء حياة المورث ، حسبما اشترط قانون الأحوال الشخصية، فإذا مات المورث بعدئذٍ لم تكن الشركة عرضة للتصفية إذا اختلف الورثة بشأن قسمة التركة ، اذ يؤدي الخلاف بين الورثة في هذا الشان إلى تصفية الشركة النظامية، والله أعلم.

المحكمة المختصة عند التداخل بين قسمة التركة وتصفية الشراكة
المحكمة المختصة عند التداخل بين قسمة التركة وتصفية الشراكة