التنازل عن إلتماس إعادة النظر في القضاء اليمني

التنازل عن إلتماس إعادة النظر في القضاء اليمني

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

الطعن بإلتماس إعادة النظر في الأحكام طريق إستثنائي للطعن في الأحكام إذا تحققت حالة من حالات الالتماس المقررة في المادة (304) من قانون المرافعات اليمني.

ومع ان إلتماس إعادة النظر حق للخصوم بموجب نصوص قانون المرافعات، إلا ان هذا الحق ليس واجباً على الخصوم، وإنما مجرد حق ، لذلك فمن حق الخصوم أن يستخدموا هذا الحق أو لا يستخدموه، وإذا استعمل الخصم حقه في طلب إلتماس إعادة النظر في الحكم ،فله أيضا أن يتنازل عن طلبه في الإلتماس ، وعندئذٍ تقضي المحكمة المرفوع إليها الإلتماس بشطب الإلتماس ومصادرة مبلغ الأمانة الذي سبق ان دفعه الملتمس كشرط لقبول الإلتماس، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 31-5-2010م في الطعن رقم (42898)، وقد تضمن ذلك الحكم: ((بعد الإطلاع على مشتملات ملف الإلتماس بما في ذلك عريضة الإلتماس فقد تبين أن الملتمس قد تنازل عن طلب الإلتماس الذي قدمه وأنه راضٍ بالأيمان التي حلفها الملتمس ضدهما، هذا وبناءً على محضر التنازل عن الإلتماس المحرر أمام رئيس قلم التوثيق بمحكمة...... المؤرخ...... والمعمد من قبل رئيس المحكمة، وبناءً على ذلك تم تحرير مذكرة من رئيس محكمة إستئناف..... إلى أمين عام المحكمة العليا بتاريخ... ، جاء فيها أنه تم التخاطب مع محكمة..... بخصوص التنازل ، وبموجب ذلك تم إيصال أصل رقم التنازل المؤرخ..... بخط وتوقيع رئيس قلم التوثيق بتلك المحكمة وعلى هذا الرقم إبهام المتنازل عن الإلتماس، وعليه وبعد النظر والمداولة يصدر الحكم الآتي: 1- شطب الإلتماس المقدم من الملتمس..... ضد الملتمس ضدهما وذلك لثبوت التنازل عن الإلتماس -2- مصادرة مبلغ الأمانة لخزينة الدولة))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: تحقق حالة الإلتماس لا يوجب على الخصم تقديم طلب الإلتماس:

الطعن بإلتماس إعادة النظر طريق إستثنائي للطعن في الأحكام إذا تحققت حالة من حالات الالتماس المقررة في المادة (304) من قانون المرافعات اليمني، فإذا تحققت إحدى حالات الإلتماس المقررة في هذا النص فيجوز عندئذ للخصم أن يتقدم بالطعن بإلتماس إعادة النظر في الحكم الملتمس فيه.

وقيام الخصم بتقديم إلتماس إعادة النظر أمر جوازي وليس وجوبيا حسبما هو معلوم، فلم يقل أحد من شراح القانون أن ذلك وجوبي، وبناءً على ذلك يجوز للملتمس أن يتنازل عن الإلتماس الذي سبق له تقديمه.

الوجه الثاني: تكييف التنازل عن الإلتماس:

لا ريب أن هناك بواعث ودوافع تدفع الملتمس إلى التنازل، فغالباً ما يكون هناك تصالح بين الملتمس والملتمس ضده على تسوية الخلاف بينهما مثلما حدث في القضية التي أشار إليها الحكم محل تعليقنا، إذ تدخل بعض الموفقين للاصلاح بين الملتمس والملتمس ضدهما ، فقام الملتمس بتوجيه اليمين الحاسمة إلى الملتمس ضدهما فحلفا، وبعدئذٍ قام الملتمس بالتنازل عن الإلتماس أمام قلم التوثيق بالمحكمة الابتدائية.

وبناءً على ذلك فإن التنازل عن الإلتماس عبارة عن: إقرار من الملتمس يصرح فيه بأنه قد تنازل عن التماسه الذي سبق له تقديمه ، وأنه يرغب بسحب الإلتماس ويطلب الملتمس المتنازل في إقراره من المحكمة التي تم تقديم الإلتماس إليها عدم النظر والفصل فيه، وعلى ذلك فإن التنازل عن الإلتماس إقرار من الملتمس بأنه قد عدل عن إلتماسه وأنه يطلب من المحكمة عدم النظر والفصل في الإلتماس.

الوجه الثالث: توازي الشكل القانوني بين تقديم الإلتماس والتنازل عنه:

ذكرنا في الوجه السابق أن التنازل عن الإلتماس هو إقرار من الملتمس بذلك، بيد أن هذا الإقرار لا يحقق المراد منه إلا إذا قام الخصم المتنازل بتقديم تنازله إلى المحكمة التي سبق له تقديم الإلتماس اليها حتى يتصل علم المحكمة بمحرر التنازل ، ولذلك فقد لاحظنا أن المتنازل عن الإلتماس في القضية التي اشار إليها الحكم محل تعليقنا لاحظنا أن المتنازل قد حضر أمام رئيس قلم التوثيق بالمحكمة الابتدائية الذي قام بتحرير محضر اثبت فيه حضور الملتمس وتنازله ثم قام رئيس المحكمة الابتدائية بتعميد ذلك المحضر والتوجيه الخطي إلى قلم الكتاب بتحرير خطاب إلى رئيس محكمة الاستنئناف بتوقيع رئيس المحكمة الابتدائية وتم إرفاق محضر التنازل بمذكرة المحكمة الابتدائية، وبدورها قامت محكمة الاستئناف بمخاطبة الأمانة العامة للمحكمة العليا بالتنازل، وبموجب ذلك قضت المحكمة العليا بشطب الإلتماس لثبوت تنازل الملتمس عنه.

الوجه الرابع: إثبات التنازل عن الإلتماس:

كان الحكم محل تعليقنا قد اشار إلى أنه قد تم إثبات تنازل الملتمس عن طريق محضر قام بتحريره رئيس قلم التوثيق بالمحكمة الابتدائية ، ويتم تحرير التنازل على هذا النحو حتى يتم إثبات التنازل بمحرر رسمي صادر من موظف عام مختص، وبحسب علمي أن المحاكم اليمنية تتبع هذه الوسيلة حتى لو كان الطاعن أو الملتمس قد قام بإثبات تنازله عن طريق المحررات الأخرى مثل إثبات التنازل بوثيقة يحررها الأمين الشرعي أو بوثيقة بخط وتوقيع المتنازل والشهود على ذلك، وتحتاط المحاكم اليمنية عند قبولها لتنازلات الخصوم عن الطعون ،وذلك طريق حضور المتنازل نفسه أمام المحكمة التي سبق له تقديم الطعن اليها وتحرير محضر يتضمن حضور الطاعن نفسه وإقراره بانه قد تنازل عن الطعن، وتلجاء المحاكم اليمنية إلى هذه الوسيلة للحيلولة دون التلاعب في عملية التنازل نظرا لخطورة الاثار المترتبة عليها، كما أنه من الواجب أن تقف المحكمة التي تم رفع الإلتماس إليها على أصل محرر التنازل مثلما اشار الحكم محل تعليقنا، والله أعلم.

التنازل عن إلتماس إعادة النظر في القضاء اليمني
التنازل عن إلتماس إعادة النظر في القضاء اليمني