محرر الإنفصال في الشركة العرفية

محرر الإنفصال في الشركة العرفية

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

لأسباب كثيرة يفضل غالبية التجار اليمنيين مباشرة نشاطهم التجاري عن طريق الشركات أو الشراكات العرفية، وهي الشركات التي لا يتم إشهارها أو تسجيلها لدى الجهة المختصة قانوناً (وزارة الصناعة والتجارة) ، فالشركات العرفية لا تتخذ الأشكال القانونية المقررة في قانون الشركات اليمني كالشركات ذات المسئولية المحدودة أو الشركات التضامنية أو المساهمة، مع أنه قد يكون للشركة العرفية اسم وعنوان تجاري، وقد تتخذ شكل المؤسسة التجارية الفردية التي يتم تسجيلها باسم أحد الشركاء، كما قد لا يتم تسجيلها مطلقاً لدى الجهة المعنية، ولأن الشركات والشراكات العرفية غير نظامية، فتظهر إشكاليات عدة في أعمال هذه الشركات ، وقد أشرنا إلى بعضها في تعليقات سابقة، ومن ضمن إشكاليات الشركات العرفية إشكالية تصفية هذا النوع من الشركات أو إنسحاب أحد الشركاء أو بعض الشركاء من هذه الشركات، فعند إنسحاب أحد الشركاء من الشركة العرفية يتم تحرير ما يسمى في اليمن (رقم الإنفصال أو محرر الإنفصال) وهو عبارة عن وثيقة مكتوبة تتضمن إقرار الشريك المنسحب بإنفصاله او انسحابه من الشركة العرفية وإستلامه كافة حقوقه ، وانه لم يعد له أي حق أو طلب او دعوى في الشركة العرفية التي انسحب منها، وعلى هذا المفهوم فان محرر الإنفصال أو رقم الانفصال يجب أن يكون دالاً على حقيقة إنفصال الشريك أو إنسحابه بالفعل من الشراكة، بمعنى أن يتم تنفيذ محرر الإنفصال أو رقم الإنفصال حتى يدل على أن الشريك قد انفصل بالفعل عن بقية الشركاء في الشركة العرفية ، وانه قد استلم أو قبض كافة حقوقه، حسبما اشار الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 10-11-2010م في الطعن رقم (40719)، وقد ورد ضمن أسباب ذلك الحكم: ((والدائرة تجد أنه: لا خلاف بشأن صحة ذلك المستند، لأن الطرفين متمسكان به إلا أن الطاعن يفيد أنه متعلق بتصفية حساب بعض أموال الشراكة فحسب، فالمستند غير منه للشراكة، وهذا ما أخذت به محكمة أول درجة ، حيث ذكرت في أسباب حكمها أن دلالة رقم الانفصال لا تقتضي إنهاء الشراكة ،فقد ورد في حيثيات الحكم الابتدائي أن المستند المشار إليه لم يتطرق إلى تصفية الشراكة في كل أموال الشراكة، في حين أن المطعون ضده يحتج بذلك المستند على إنهاء الشراكة بين الطرفين في كل أموال الشراكة ، وقد أخذت الشعبة بوجهة النظر هذه ، لأن دلالة المستند تفيد إنهاء الشراكة ،لأنه رقم إنفصال وقاطع حساب في جميع أموال الشراكة، ولأن الطاعن قد استلم المبلغ المستحق له بموجب ذلك المستند، ولذلك فقد عملت الشعبة بموجب ذلك المستند لصراحة دلالته، كما أنها استندت إلى شهادات الشهود التي افادت أنه لم يبق بين الطرفين أي شيء، وقد اوضحت الشعبة في حكمها ان رقم الإنفصال منه للشراكة بمثابة تصفية لها، وبناءً على ذلك توصلت إلى إلغاء الحكم الابتدائي لعدم صحة دعوى الشراكة بعد تصفيتها، والدائرة تجد أن: ما قضت به الشعبة موافق للقانون لبناء الحكم الاستئنافي على أسباب وأسانيد قانونية لها أصلها الثابت في الأوراق))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: ماهية رقم الانفصال أو محرر الإنفصال ومسمياته:

رقم الإنفصال أو محرر الإنفصال هو: عبارة عن وثيقة مكتوبة تتضمن إقرار أو مصادقة الشريك في الشركة العرفية بأنه قد اطلع على حسابات الشركة خلال فترة شراكته ، وانه قد تأكد من صحة تلك الحسابات، وصحة المبالغ أو الأموال المستحقة له من الشراكة أو الشركة المبينة في الكشوفات المرفقة بالمحرر، وأنه قد قبض مستحقاته قبضاً شرعياً ، وأنه لم يعد له لدى الشركة العرفية أو الشركاء الآخرين أي حق أو دعوى أو طلب ، وأنه قد انفصل عن الشركة ولم يعد شريكاً فيها.

وقد يتضمن رقم الإنفصال أو محرر الإنفصال ذاته كافة مستحقات الشريك المنفصل ،اذ يتم تضمين محرر الانفصال الكشوفات المبينة لكافة حقوق الشريك المنفصل وذلك في محرر الانفصال ذاته وهو الافضل .

 وقد يتم بيان حقوق الشريك المنفصل في كشوفات مرفقة بمحرر الانفصال ، اذ يتم إرفاق قائمة أو كشف يتضمن الأموال المستحقة للشريك بعد إنفصاله، وينبغي ان يتم التأكيد في رقم الإنفصال على أن الشريك المنفصل قد قبض واستلم الأموال التي تقررت له من انفصاله عن الشركة العرفية سواء أكانت هذه الأموال مذكورة في محرر الانفصال أو مذكورة في الكشف المرفق بمحرر الإنفصال، وقد يتم تحرير محرر رقم الإنفصال بخط الشريك المنفصل كما قد يقوم بكتابته شخص آخر وقد تتم طباعة المحرر، غير أنه في كل الأحوال يجب الإشهاد على رضا وموافقة الشريك المنفصل وتوقيعه على محرر الإنفصال.

 وكلمة (الرقم ) في لهجات بعض المناطق اليمنية تعني الكتابة، وكلمة (الرقم) عربية فصحى حسبما هو مثبت في لسان العرب، ومن ذلك حديث النبي صلى الله عليه واله وسلم (الا رقما في الثوب)، فعلى هذا المفهوم فان رقم الانفصال هو كتابة اقرار الشريك بإنفصاله عن الشركاء الآخرين في الشركة العرفية.

الوجه الثاني: التكييف الشرعي والقانوني لرقم إنفصال الشريك عن الشركة العرفية:

سبق القول بأن رقم الإنفصال عبارة عن إقرار من الشريك المنفصل بإنفصاله عن الشركة وإستلامه لكامل حقوقه إذا كانت صيغة رقم الإنفصال تفيد نسبة الكتابة الواردة في المحرر للشريك المنفصل مثل: انا فلان أقر صراحة...إلخ.

 وقد يكون رقم الإنفصال عبارة عن قبول وموافقة ومصادقة من الشريك المنفصل على ماتقرر له من الشركة العرفية التي انفصل عنها ، وذلك إذا كانت صيغة المحرر منسوبة للشركة أو مديرها أو الشركاء الآخرين فيها الذين يذكروا في المحرر أنه قد تقرر أن حصة الشريك المنفصل كذا أو كذا، فقام الشريك المنفصل بالتوقيع أو البصمة على المحرر بما يفيد قول الشريك وموافقته على ما تقرر له ، ففي هذه الحالة يكون محرر أو رقم الإنفصال بمثابة قبول وموافقة من الشريك المنفصل على ما ورد في رقم الإنفصال ومصادقة من الشريك المنفصل على صحة البيانات الواردة فيه، وفي كل الاحوال يجب الإشهاد على رقم الانفصال.

الوجه الثالث: قاطع الحساب ورقم الإنفصال:

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا كان جانب من النقاش يدور بشأن المحرر هل هو قاطع حساب أم محرر إنفصال، إذ كان الطاعن يناقش بأن المحرر هو عبارة عن قاطع حساب في بعض أموال الشركة وليس رقم إنفصال، لأن المحرر لم يتضمن أن الطاعن قد انفصل عن الشراكة كلها ، وقد ذهبت محكمة أول درجة في قضائها إلى هذه الوجهة ، اما الشعبة فقد ذهبت في قضائها إلى أن المحرر رقم إنفصال، لأن الشهود قد شهدوا بأن علاقة الشريك بالشركة قد انتهت بموجب ذلك المحرر وان الطاعن كان قد استلم حقوقه في الشركة العرفية التي انفصل عنها ، وقد اقر الحكم محل تعليقنا قضاء الحكم الاستئنافي.

فالعبرة بفحوى المحرر وليس بمسماه ، فإذا كان قاطع الحساب قد تضمن أن الشريك قد استلم مستحقاته من الشركة المحددة في قاطع الحساب ،وانه لم يعد له أي حق أو دعوى لدى الشركة فان قاطع الحاسب يكون بمثابة رقم إنفصال.

الوجه الرابع: عدم تنفيذ رقم الإنفصال:

اشار الحكم محل تعليقنا إلى ان النقاش كان بين الطاعن والمطعون ضده بشأن تنفيذ رقم الإنفصال أو قاطع الحساب، فمحرر الإنفصال إذا تم تنفيذه عند التوقيع عليه من قبل الشريك المنفصل ،فإن ذلك يعني إنفصال الشريك بالفعل عن الشركة العرفية بصفة نهائية، اما إذا لم يتم تنفيذ محرر الإنفصال عند التوقيع عليه وبقاء مستحقات الشريك المنفصل لدى بقية الشركاء فإن ذلك يعني أن الشريك المنفصل مستمر في شراكته بالقدر المحدد له في رقم الإنفصال، ولا يخل ذلك بحجية ما ورد في محرر الإنفصال، (الشركة العرفية بين التاصيل الفقهي وموقف القانون اليمني، د. صالح محمد أحمد الشامي، ص123) . والله اعلم.

محرر الإنفصال في الشركة العرفية
محرر الإنفصال في الشركة العرفية