رقابة المحكمة العليا على تطبيق القانون على الوقائع

رقابة المحكمة العليا على تطبيق القانون على الوقائع

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

المحكمة العليا محكمة قانون ، وظيفتها الأساسية الرقابة على سلامة تطبيق أحكام محاكم الموضوع للقانون، ومن مظاهر هذه الرقابة ، رقابة المحكمة العليا على سلامة تطبيق محاكم الموضوع للنصوص القانونية على الوقائع والمسائل الموضوعية التي فصلت فيها أحكام محاكم الموضوع المطعون فيها أمام المحكمة العليا، ولذلك يجب على الطاعن بالنقض أن لايثير في طعنه الوقائع أو المسائل الموضوعية إلا إذا كان ذلك بغرض استدلال الطاعن على مخالفة الحكم المطعون فيه عند تطبيقه للقانون على المسألة الموضوعية أو الواقعية أو عند الخطأ في تطبيق القانون على مسألة موضوعية أو واقعة ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 2-3-2010م في الطعن رقم (39259)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: ((وتجدر الإشارة إلى أن عريضة الطاعن اشتملت على وقائع ليس فيها حالة من حالات الطعن المقررة في المادة (292) مرافعات، ومن القواعد المستقرة في أحكام المحكمة العليا أنه: يجب عدم إقامة أسباب الطعن على وقائع تتطلب تحقيقاً موضوعياً، لأن هذا من إختصاص محاكم الموضوع، ويقتصر إختصاص المحكمة العليا على مراقبة صحة وسلامة إنزال أحكام القوانين على الوقائع المثارة في القضية، إذ أنها محكمة قانون))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: الطبيعة القانونية للطعن بالنقض أمام المحكمة العليا:
عند التأمل في حالات الطعن بالنقض المحددة في المادة (292) مرافعات نجد أنها جميعها ذات طابع قانوني، فقد نصت المادة (292) مرافعات على أنه (يجـوز للخصوم أن يطعنوا أمام المحكمة العليا في الأحكــام الصـادرة من محاكم الإستئناف ومن المحاكم الابتدائية التي لا تقبل الطعن بالاستئناف في الأحوال الآتية: -1-إذا كان الحكم المطعون فيه مبنياً على مخالفة الشرع والقانون أو خطأ في تطبيق أيٍ منهما أو تأويله أو لم يبين الأساس الذي بُنيَ عليه -2- إذا وقع بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثَّر في الحكم أو كان منطوق الحكم مناقضاً بعضه لبعض -3-إذا حُكم بشيء لم يطلبه الخصوم أو بأكثر مما طلبوه -4-إذا تعارض حكمان نهائيان في دعويين اتحد فيهما الخصوم والموضوع والسبب)، فحالات الطعن بالنقض المحصورة في النص القانوني السابق جميعها ذات طابع قانوني ، فمخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه مسائل قانونية، وبطلان الإجراءات مسألة قانونية ، لأن الإجراءات الباطلة هي التي نص القانون على إعتبارها كذلك أو أن الإجراءات قد وقعت خلافاً للنصوص القانونية، وكذا الحال بالنسبة لتناقض الحكم وعدم ذكر أساس القانون أو الحكم بما لم يطلبه الخصوم أو التعارض بين الاحكام ، فكل هذه الحالات تعد مخالفات للقانون، وخلاصة الأمر: أن حالات الطعن بالنقض المقررة في المادة (292) مرافعات في مجملها هي مسائل قانونية.
الوجه الثاني: الهدف من الطعن بالنقض أمام المحكمة العليا:
سبق القول أن حالات الطعن بالنقض أمام المحكمة العليا مقررة على سبيل الحصر في المادة (292) مرافعات وسبق ان ذكرنا أيضا ان حالات الطعن بالنقض عبارة عن مسائل قانونية، ومع أن الطاعن بالنقض يستهدف من طعنه بالنقض نقض الحكم المطعون فيه الذي ليس في صالحه ، إلا أن الطعن بالنقض هو الوسيلة القانونية لإتصال المحكمة العليا ووقوفها على المخالفات للقانون أو الأخطاء القانونية التي قد تشوب الأحكام المطلوب نقضها، فعن طريق الطعون المرفوعة أمام المحكمة العليا تتمكن المحكمة من بسط رقابتها القانونية على احكام محاكم الموضوع للتثبت من احترامها والتزامها بنصوص القانون ،بإعتبار المحكمة العليا محكمة القانون، ومن جانب آخر فإن الطعون التي يتم رفعها أمام المحكمة العليا تبصر المحكمة العليا وترشدها إلى مواضع المخالفات أو الاخطاء في تطبيق القانون التي قد تشوب أحكام محاكم الموضوع، وعلى هذا الأساس فإن الطعون بالنقض من أهم الوسائل والضمانات لترشيد أحكام محاكم الموضوع وتحقيق الرقابة القانونية عليها من قبل المحكمة العليا، ولذلك فإن الحق في الطعن من أهم ضمانات المحاكمة العادلة . (الطعن بالنقض، الأستاذ الدكتور نبيل إسماعيل، ص116).
الوجه الثالث: الوقائع والمسائل الموضوعية التي يجوز ذكرها في الطعن بالنقض:
الطعن بالنقض ينبغي أن لا يتضمن الوقائع أو المسائل الموضوعية إلا إذا كان ذكر هذه الوقائع أو المسائل بمناسبة الإستشهاد أو الإستدلال على خطأ الحكم الطعين في تطبيق القانون على تلك الوقائع أو مخالفة الحكم للقانون في تطبيقها، لأن المحكمة العليا لن تستطيع الوقوف على الأخطاء أو المخالفات للقانون في الاحكام المطعون بها إلا إذا ذكر الطاعن بالنقض في طعنه الواقعة أو المسألة الموضوعية التي خالف الحكم الطعين القانون عند تطبيقه عليها، لأن ذلك يعد من مسائل القانون ، فالمحكمة العليا لا تستطيع النهوض بوظيفتها في الرقابة القانونية على أحكام محكمة الموضوع إلا إذا ذكر الطاعن الواقعة المثارة أمام محكمة الموضوع وذكر مع الواقعة أو المسألة النص القانوني الذي لم يعمله الحكم المطعون فيه إعمالاً صحيحاً على الواقعة المثارة.
الوجه الرابع: إشكالية المسائل الموضوعية المثارة في الطعن التي تحتاج إلى تحقيق موضوعي:
من المعلوم أنه لا يجوز للطاعن أن يثير في طعنه بالنقض المسائل الموضوعية التي تحتاج إلى تحقيق موضوعي، لأن ذلك من إختصاص محكمة الموضوع، ولأنه يتعذر على المحكمة العليا وهي محكمة القانون أن تجري تحقيقاً موضوعياً للوقوف على صحة المسألة أو الواقعة المثارة في الطعن بالنقض، بيد أنه في بعض الحالات لا تقوم محاكم الموضوع بتحقيق بعض المسائل الموضوعية خلافاً لأحكام القانون، وعندئذٍ يقوم الطاعن بإثارة هذه المسائل في طعنه بغرض تبصير المحكمة العليا بمخالفة الحكم المطعون فيه للقانون وتجاهل محكمة الموضوع لواجبها القانوني في تحقيق المسألة الموضوعية، فإذا ثبت للمحكمة العليا صحة ما ذكره الطاعن في بشان عدم قيام محكمة الموضوع بتحقيق الواقعة أو المسألة الموضوعية ، فعندئذ تقضي المحكمة العليا بنقض الحكم وتوجيه محكمة الموضوع بإجراء التحقيق الموضوعي ، والحكم في ضوء ما يسفر عنه التحقيق الموضه الذي تجريه محكمة الموضوع، وبما يتقرر شرعاً وقانوناً حسبما يرد في احكام الاحالة الصادرة عن المحكمة العليا عندما تحيل إلى محاكم الموضوع القضايا بعد نقضها لاجراء التحقيق الموضوعي في المسائل الموضوعية التي لم تقم محكمة الموضوع بالتحقيق فيها خلافا للقانون، وأحكام المحكمة العليا في هذا الشأن كثيرة، والله اعلم.

رقابة المحكمة العليا على تطبيق القانون على الوقائع
رقابة المحكمة العليا على تطبيق القانون على الوقائع