تعيين المحكم المرجح خلافاً لإتفاق التحكيم

 تعيين المحكم المرجح خلافاً لإتفاق التحكيم


أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

اشترط قانون التحكيم اليمني أن يتضمن إتفاق التحكيم اسماء أو تشكيل لجنة أو هيئة التحكيم، وأوجب القانون ذاته على هيئة التحكيم التقيد والالتزام بما ورد في إتفاق التحكيم وعدم تجاوزه، بل ان القانون صرح بأن خروج هيئة التحكيم أو مخالفتها أو تجاوزها لما ورد في إتفاق التحكيم تعد حالة من حالات بطلان التحكيم ، حسبما هو مقرر في المادة (53) تحكيم، فإذا اتفق الخصوم على تسمية المحكمين في إتفاق التحكيم فلا يجوز للمحكمين أن يختاروا محكماً غيرهم ولو كان مرجحاً ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 31-12-2009م في الطعن رقم (37790)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: ((لذلك وبعد رجوع الدائرة إلى حكم الشعبة المطعون فيه فقد وجدت أن: وثيقة التحكيم حددت لجنة التحكيم بشخصين ، ولكن بعد أن اختلف المحكمان في الحكم وبعد أن حجزا القضية للحكم قام المحكمان المذكوران بتعيين شخص آخر مرجحاً لهما الذي رجح ما توصل إليه أحد المحكمين، في حين أن المرجح لم يسمع المرافعة، وقد صدر الحكم مخالفاً لوثيقة التحكيم التي عينت محكمين اثنين فقط، ولذلك فقد قضى الحكم الاستئنافي بقبول دعوى البطلان مستنداً في ذلك إلى الفقرة (ه) من المادة (53) تحكيم، وحيث أن تشكيل لجنة التحكيم تم بصورة مخالفة لإتفاق التحكيم، فإن الحكم الاستئنافي ببطلان حكم التحكيم قد وافق صحيح القانون))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: إتفاق التحكيم هو أساس ولاية المحكم أو هيئة التحكيم:

ولاية التحكيم استثناءً من ولاية القضاء المختص أصلاً بالفصل في الخصومات كافة، وأساس ولاية المحكم أو هيئة التحكيم هو إتفاق التحكيم الذي يتضمن تعيين المحكمين المختارين للفصل في الخصومة بالإضافة إلى تحديد موضوع الخصومة التي سيتولى المحكم أو هيئة التحكيم النظر والفصل فيها حسبما هو مقرر في المادة (15) من قانون التحكيم اليمني التي نصت على أنه (لا يجوز الإتفاق على التحكيم إلا بالكتابة سواءً قبل قيام الخلاف أو النزاع أو بعد ذلك، وحتى لو كان طرفا التحكيم قد اقاما الدعوى أمام المحكمة ويكون الإتفاق باطلاً إذا لم يكن مكتوباً ومحدداً به موضوع التحكيم ويكون الإتفاق مكتوباً إذا تضمنته وثيقة التحكيم أو برقيات أو خطابات أو غيرها من وسائل الإتصال الحديثة ذات الطباع التوثيقي) ، كما صرحت المادة (17) تحكيم على وجوب تحديد اسماء المحكمين في إتفاق التحكيم، فقد نصت المادة (17) تحكيم على أنه (يجب تعيين شخص المحكم أو المحكمين في إتفاق التحكيم، وفيما عدا التحكيم بين الزوجين أو الحالات التي يتفق فيها الطرفان على خلاف ذلك إذا تعدد المحكمون وجب أن يكون عددهم وتراً وإلا كان التحكيم باطلاً).

ومن خلال إستقراء النصين القانونيين السابقين يظهر أن القانون قد أوجب تعيين المحكمين في إتفاق التحكيم، ومع أن نص المادة (17) قد صرح بوجوب أن يكون عدد المحكمين وتراً (1 أو 3 أو 5 ...وهكذا) إلا أن النص ذاته اجاز للخصوم أطراف التحكيم أن يتفقوا على خلاف هذه القاعدة ، فيجوز لأطراف التحكيم أن يتفقوا على أن يكون عدد المحكمين زوجياً (2او 4او 6).

الوجه الثاني: وجوب إلتزام المحكم أو هيئة التحكيم بما ورد في إتفاق التحكيم:

بما أن ولاية المحكم وحدود صلاحياته وسلطاته في إجراءات نظره الخصومة التحكيمية تتحدد بحسب ماورد في إتفاق التحكيم على النحو السابق بيانه في الوجه السابق، فأنه يجب على هيئة التحكيم أو المحكم الإلتزام الصارم بما ورد في إتفاق التحكيم وعدم مخالفة أو تجاوز السلطات والإجراءات المحددة فيه، بالإضافة إلى عدم تجاوز موضوع التحكيم المحدد في إتفاق التحكيم أو تعيين محكمين خلاف الاسماء الواردة في إتفاق التحكيم .

الوجه الثالث: تعيين المحكم المرجح يجب أن يكون من قبل أطراف التحكيم وليس من قبل المحكمين أنفسهم:

قضى الحكم محل تعليقنا بذلك، لأن تعيين المحكمين جميعاً منوط بأطراف التحكيم بما في ذلك تعيين المحكم المرجح، سيما أن قانون التحكيم اليمني قد اجاز لأطراف التحكيم عدم التقيد بقاعدة الوترية في إتفاق التحكيم بمعنى أنه إذا اتفق الخصوم أطراف التحكيم على ان يكون عدد المحكمين زوجيا (2او4او6) ، وتم إثبات ذلك في إتفاق التحكيم فإن ذلك جائز بالنسبة لاطراف التحكيم على النحو السابق بيانه .

وعلى هذا الأساس لا يجوز للمحكمين أنفسهم تعيين محكم مرجح لهم، لأن المحكمين جميعاً يستمدوا ولايتهم من إتفاق الخصوم الذي يعبر فيه الخصوم عن إرادتهم.

فإذا اختلف المحكمون الذي يكون عددهم زوجياً وليس وترياً فأنه يجب عليهم في هذه الحالة الرجوع إلى الخصوم أطراف التحكيم لتعيين المحكم المرجح.

الوجه الرابع: قيام هيئة التحكيم بتعيين المحكم المرجح يعد تجاوزاً من هيئة التحكيم لإتفاق التحكيم:

قضى الحكم محل تعليقنا بذلك، لأن تجاوز المحكم أو المحكمين لإتفاق التحكيم حالة من حالات بطلان التحكيم وفقاً للمادة (53) تحكيم التي نصت على أنه (مع مراعاة أحكام هذا القانون لا يجوز طلب إبطال حكم التحكيم إلا في الأحوال الآتية: -هـ- إذا تجاوزت لجنة التحكيم صلاحياتها) ، فقيام هيئة التحكيم بتعيين محكم مرجح يعد تجاوزاً لصلاحيات المحكمين المحددة في إتفاق التحكيم، مما يجعل حكم التحكيم الصادر عن الهيئة باطلاً في هذه الحالة

الوجه الخامس: عدم جواز تعيين المحكم المرجح بعد قفل باب المرافعة:

اشار الحكم محل تعليقنا بأنه لا يجوز تعيين المحكم المرجح بعد قفل باب المرافعة، لأن قانون المرافعات يصرح بأنه لايجوز أن يشترك في المداولة إلا من اشترك في المرافعة، فإذا قام الخصوم أطراف التحكيم بتعيين المحكم المرجح بعد قفل باب المرافعة ، فإنه يجب إعادة فتح باب المرافعة كي يستمع المحكم المرجح المرافعة، وهذه القاعدة من النظام العام وفقاً لقانون المرافعات التي يجب على هيئة التحكيم العمل بموجبها تطبيقاً للمادة (32) تحكيم التي أوجبت على لجنة التحكيم (عدم الإخلال بأحكام قانون المرافعات التي تعتبر من النظام العام)، والله أعلم.

تعيين المحكم المرجح خلافاً لإتفاق التحكيم
تعيين المحكم المرجح خلافاً لإتفاق التحكيم