لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم المنتهي بالصلح

لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم المنتهي بالصلح


أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

إذا تصالح الخصوم أثناء نظر المحكم أو هيئة التحكيم للخصومة التحكيمية ،وتم إثبات الصلح وتضمينه في حكم التحكيم، فعندئذٍ يكون حكم التحكيم المتضمن صلح الخصوم نهائياً وباتا ، فلا يجوز في هذه الحالة لأي من الخصوم الإدعاء ببطلان حكم التحكيم أمام محكمة الاستئناف، كما لايلزم تسبيب حكم التحكيم في هذه الحالة لأن أساس حكم التحكيم في هذه الحالة هو تصالح الخصوم ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 20/2/2010م في الطعن رقم (37235)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: ((ونعي الطاعن على الحكم بالإكراه على الصلح لا أساس له من الصحة، إذ أن البين من الإطلاع على أقوال المدعى عليه الثاني أمام الشعبة أنه نفى وقوع أي إكراه، أضف إلى ذلك أنه لما كان البين أن التحكيم قد انتهى بالصلح فأنه لا حاجة إلى أن يكون الحكم مسبباً في هذه الحالة، وفي ذلك نصت المادة (46) من قانون التحكيم على أنه: إذا أتفق طرفا التحكيم على تسوية النزاع خلال سير إجراءات التحكيم فعلى لجنة التحكيم إنهاء الإجراءات وإثبات إتفاق التسوية في صورة وثيقة منهية للخلاف – وهذا ما قام به المحكمون فعلاً – وحيث نصت المادة (48) تحكيم على أن يكون حكم التحكيم نهائياً وباتاً في حالة إنتهاء التحكيم بالصلح، وبما أن البين أن التحكيم فيما بين الأطراف الثلاثة الطاعنين والمطعون ضده قد انتهى بالصلح، وهو ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف في حكمها، الأمر الذي يصبح معه حكم التحكيم في هذه الحالة نهائياً، ويكون الطعن عليه بدعوى البطلان غير مقبول ،فلا تقبل المنازعة فيه، وحيث توصلت الشعبة في حكمها إلى عدم قبول دعوى البطلان فإن النعي على حكمها يكون على غير أساس من القانون جديراً بالرفض وعدم القبول))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: ماهية التحكيم الذي ينتهي بالصلح:

لا ريب أن حكم التحكيم يختلف عن الصلح، فحكم التحكيم حكم والصلح عقد يرفع النزاع القائم بين الخصوم، غير أن الخصومة التحكيمية المنظورة من قبل المحكم أو هيئة التحكيم قد تنتهي بالصلح بين أطراف الخصومة التحكيمية مثلما تنتهي الخصومة القضائية المنظورة لدى القاضي بالصلح، إذ يوجب قانون المرافعات وقانون التحكيم إثبات أو كتابة ما تصالح عليه الخصوم في محضر جلسة التحكيم أو جلسة المحاكمة ثم يتم تضمين ما تصالح الخصوم في حكم التحكيم أو في حكم القاضي، وفي هذا المعنى نصت المادة (46) من قانون التحكيم اليمني على أنه (إذا اتفق طرفا التحكيم على تسوية النزاع خلال سير إجراءات التحكيم فعلى لجنة التحكيم إنهاء الإجراءات وإثبات إتفاق التسوية في صورة وثيقة منهية للخلاف))، وقد استند الحكم محل تعليقنا إلى هذا النص، حسبما هو ظاهر في أسباب الحكم، وعلى هذا الأساس فإن الخصومة التحكيمية التي تنتهي بالصلح يحسمها الصلح والتراضي والقبول من الخصوم، ومن المعلوم أن الصلح وفقاً للمادة (668) من القانون المدني هو عقد يقوم على التراضي بين الخصوم وتنازلهما عن بعض حقوقهما مقابل حسم النزاع القائم بينهما.

الوجه الثاني: نهائية حكم التحكيم المتضمن عقد الصلح بين الخصوم:

قضى الحكم محل تعليقنا بعدم قبول دعوى بطلان حكم التحكيم المتضمن تصالح الخصوم أثناء نظر الخصومة التحكيمية ، لان حكم التحكيم في هذه الحالة يكون نهائيا وباتا ، واستند الحكم محل تعليقنا في قضائه إلى المادة (48) من قانون التحكيم اليمني التي نصت في نهايتها على أنه (ويكون حكم التحكيم نهائياً وباتاً في حالة إتفاق أطراف التحكيم عليه، وكذا في حالة إنتهاء التحكيم بالصلح)، ومن خلال إستقراء هذا النص يظهر أنه قد تضمن حالتين يكون فيها حكم التحكيم نهائياً وباتاٍ بحسب تعبير النص، وهاتان الحالتان هما: الحالة الأولى: هي إتفاق الخصوم على قبول حكم التحكيم، وهو ما يسمى في اليمن (تشريف الحكم)، والحالة الثانية: إنتهاء إجراءات الخصومة التحكيمية بالتصالح بين الخصوم في الخصومة التحكيمية، وقد صرح النص السابق بأن حكم التحكيم في الحالتين السابق ذكرهما (نهائي وباتٍ) وذلك من قبيل التوكيد على عدم قابلية حكم التحكيم في الحالتين المشار إليهما للإدعاء ببطلانه عن طريق دعوى البطلان.

الوجه الثالث: الطبيعة القانونية لعدم قبول دعوى بطلان حكم التحكيم المتضمن تصالح الخصوم:

قضى الحكم محل تعليقنا بعدم جواز قبول دعوى بطلان حكم التحكيم المتضمن تصالح الخصوم أطراف الخصومة التحكيمية، وعدم قبول دعوى بطلان حكم التحكيم في هذه الحالة يعني أن محكمة الاستئناف تكتفي بالتحقق من حقيقة وجود صلح بين أطراف الخصومة التحكيمية أثناء إجراءات التحكيم وانه قد تم إثبات أو تدوين الصلح في مدونة حكم التحكيم ، فإذا تحققت محكمة الاستئناف من ذلك فإنها تقضي بعدم قبول دعوى البطلان من غير حاجة إلى النظر في مدى تحقق حالات بطلان حكم التحكيم المقررة في المادة (35) من قانون التحكيم اليمني.

الوجه الرابع: الفرق بين عقد الصلح وحكم التحكيم المتضمن تصالح الخصوم:

وفقاً للمادة (668) من القانون المدني فإن الصلح عقد يُرفع النزاع القائم، فعقد الصلح مثل غيره من العقود يجوز الإدعاء وطلب إبطاله أمام المحكمة الابتدائية المختصة إذا تخلف أي ركن أو شرط من شروطه (أركان الصلح: الصيغة والمصالح فيه والمصالح عليه، وشروطه الرضا والأهلية...إلخ).

فعقد الصلح إذا تم خارج نطاق الخصومة القضائية أو التحكيمية، فأنه يجوز لصاحب الصفة والمصلحة الإدعاء ببطلانه عن طريق دعوى إبطال عقد الصلح التي يتم رفعها أمام المحكمة الابتدائية المختصة، اما إذا تم الصلح أمام القاضي وقام بتضمينه في الحكم فأن حكم القاضي في هذه الحالة يكون سنداً تنفيذياً، وإذا تم الصلح أمام هيئة التحكيم وتمت كتابته في مدونة حكم التحكيم فأن حكم التحكيم في هذه الحالة يكون نهائياً وباتاً بحسب ما ورد في المادة (48) تحكيم السابق ذكرها، وبحسب ماقضى به الحكم محل تعليقنا.

الوجه الخامس: عدم لزوم تسبيب حكم التحكيم المتضمن تصالح الخصوم:

قضى الحكم محل تعليقنا بأنه لا يلزم تسبيب حكم التحكيم المتضمن تصالح الخصوم أطراف الخصومة التحكيمية ، لأن حكم التحكيم في هذه الحالة يتأسس على عقد الصلح الذي تم أثناء إجراءات التحكيم، وعقد الصلح كما سبق القول يقوم على التراضي بين الخصوم والقبول بما ورد في بنود الصلح، ولذلك لا يلزم تسبيب حكم التحكيم المتضمن عقد الصلح ،فيكفي أن يتضمن حكم التحكيم عبارة (واستناداً إلى ما ثبت في جلسة.... من تصالح أطراف الخصومة) ثم يتم ذكر بنود الصلح ويتم بعد ذلك التوقيع على حكم التحكيم من قبل المحكم أو هيئة التحكيم وكذا من قبل أطراف الخصومة المتصالحين، لأن حكم التحكيم في هذه الحالة قد تضمن عقد الصلح بين الأطراف وكذا قضاء حكم التحكيم ، ويكفي في قضاء حكم التحكيم في هذه الحالة أن يكون على شاكلة عبارة (ولثبوت تصالح أطراف الخصومة فقد قضت هيئة التحكيم بوجوب العمل بما ورد في بنود الصلح وهو ما حكمنا به، وهذا الحكم نهائي وبات). (التحكيم الإختياري والإجباري، أستاذنا المرحوم الأستاذ الدكتور أحمد أبو الوفاء، ص182). والله أعلم.

لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم المنتهي بالصلح
لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم المنتهي بالصلح