مهمة الخبير العدل عند تقدير إيجار المثل
في كل مسائل الخبرة يجب على محكمة الموضوع أن تحدد مهمة الخبير العدل بدقة حتى ينفذ الخبير مهمته على هدي وبصيرة ،وحتى تكون مهمة الخبير واضحة لا تحتاج إلى تفسير أو توجيه جديد من القاضي ،وحتى لاتكون مهمة الخبير محل خلاف بين الخصوم فتتعطل جراء ذلك مهمة الخبير ، وحتى تقل اعتراضات الخصوم وملاحظاتهم على تقارير الخبراء ، مما يسهم في تسريع اجراءات التقاضي وتحقيق هدف العدالة الناجزة .
ويتحرج بعض القضاة من التحديد الدقيق المفصل لمهمة الخبير خشية ان يفهم من ذلك أن القاضي الذي ندب الخبير قد اراد بتوجيهه المفصل الدقيق ان يتوصل الخبير لاحقا إلى نتائج محددة سلفا.
وقد يتم تحديد مهمة الخبير تفصيلا في قرار تكليف الخبير العدل، وقد يتم ذلك بعد أن يقدم الخبير تقريره المبدئي، وفي كل الاحوال يجب على محكمة الموضوع تحديد مهمة الخبير تفصيلا وبدقة كي يتمكن الخبير بسرعة ودقة من دراسة وفحص المسألة الفنية الدقيقة التي اشكل على المحكمة فهمها، فإذا لم تحدد المحكمة مهمة الخبير بدقة فقد يترتب على ذلك بطلان تقرير الخبير بل بطلان الحكم إذا استند في قضائه إلى التقرير المعيب للخبير، مثلما قضى الحكم محل تعليقنا، إضافة إلى ماسبق فانه يجب على الخبير عند تقدير ايجار المثل أن يقدره بحسب تاريخ إستحقاق الإيجار وليس بحسب تاريخ قيام الخبير بالمهمة ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 5-6-2010م في الطعن رقم (40960)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: ((اما السبب الثاني فقد نعى فيه الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، إذ قضى الحكم بتأييد الحكم الابتدائي الذي حدد قدر الإيجارات الشهرية والحال أنه كان يتعين تحديد الإيجار ابتداءً وكل سنة على حدة، والدائرة تجد: أن هذا النعي في محله، إذ أنه بالرجوع إلى الحكم الابتدائي والحكم المطعون فيه المؤيد له وتقارير الخبراء تجد أنهم حددوا إيجارات المثل بتاريخ إعداد تلك التقارير لعدم توضيح المحكمة الابتدائية لمهمتهم وتحديد المدة محل النزاع، مما يستوجب نقض الحكم المطعون فيه جزئياً وإعادة القضية إلى الشعبة التجارية لإستدعاء الخبراء وتوضيح المهمة لهم وإحتساب الإيجارات ابتداءً من تاريخ تجديد العقد ولمدة أربع سنوات تالية ، والحكم بعد ذلك بما يثبت لديها وفقاً للقانون))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: وجوب تحديد مهمة الخبير قبل مباشرته لعمله:
كان سبب قضاء الحكم محل تعليقنا بنقض الحكم المطعون فيه كان سبب ذلك هو عدم قيام محكمة الموضوع بتحديد مهمة الخبير بدقة، إذ يجب على محكمة الموضوع ان تقوم بتحديد مهمة الخبير بدقة حتى لا تكون مهمته محل خلاف فيما بينه وبين الخصوم أو فيما بين الخصوم انفسهم، وحتى يتجه الخبير إلى المسألة الفنية الدقيقة التي اشكل على المحكمة فهمها، وحتى تكون النتائج التي يتوصل إليها الخبير محل قبول الخصوم وحتى تقل إعتراضات الخصوم وملاحظاتهم على تقارير الخبراء عند تقديمها إلى المحكمة ومواجهة الخصوم بها ، وذلك كله يسهم في تسريع اجراءات التقاضي وتحقيق هدف العدالة الناجزة، ونخلص من هذا الوجه إلى القول بأن: هناك فوائد عدة للتحديد الدقيق والمفصل لمهمة الخبير ، والأهم من هذا وذاك أن قانون الإثبات قد اوجب على محكمة الموضوع أن تحدد مهمة الخبير العدل حسبما ورد في المادة (165) من قانون الإثبات اليمني التي نصت على أنه (على المحكمة في المسائل الفنية كمسائل الطب والهندسة والحساب وغيرها مما يدق فهمه أن تعين خبيرا (عدلا) أو أكثر من المؤهلين علميا وفنيا أو ممن لهم خبرة خاصة المشهورين بذلك لتستعين بهم في كشف الغامض من هذه المسائل مما يفيد إثبات الواقعة المراد إثباتها ويجب على المحكمة أن تذكر في قرارها بيانا دقيقا لمأمورية الخبير والأجل المضروب لإيداع تقريره فيه ويكلف الخبير بتقديم تقرير بما أدت إليه أبحاثه في الموعد المحدد، ويجوز أن يتفق الخصوم على خبير(عدل مرجحاً) أو أكثر تعينهم المحكمة بناء على طلبهم كما يجوز أن يختار كل من الخصمين خبير(عدلا) مرجحاً على أن تختار المحكمة خبيرا عدلاً مرجحاً).
الوجه الثاني: وقت تحديد المحكمة لمهمة الخبير العدل:
من خلال المطالعة المستمرة للأحكام نلاحظ أن بعض المحاكم تقوم بتحديد مهمة الخبير تفصيلاً في قرارها بتعيين الخبير حيث يتضمن قرار تعيين الخبير ما ينبغي على الخبير القيام به ، في حين ان بعض المحاكم تؤجل ذكر تفاصيل مهمة الخبير إلى الفترة التالية لتقديم الخبير لتقريره المبدئي المتضمن بيان طبيعة مهامه ومراحل قيامه بمهمته ونطاق مهمته والأجور المستحقة له ، فعندئذٍ تستمع المحكمة إلى ملاحظات الخصوم على التقرير الأولي، وفي ضوء ذلك تقوم المحكمة بتحديد التفاصيل الدقيقة لمهمة الخبير العدل.
الوجه الثالث: تقدير الخبير لإيجار مثل العين خلال عدة سنوات سابقة:
تشترط القوانين كقانون الوقف وقانون أراضي وعقارات الدولة والقانون المدني عند عدم وجود إتفاق على مقدار الإيجار أو عند الخلاف بشأن مقدار الإيجار أو عند تاجير عقار او مال القاصر أو عند عدم الإتفاق المسبق على تحديد مقدار الإيجار ، ففي هذه الاحوال تشترط القوانين ان يتم تقدير الإيجار على أساس إيجار المثل أو إيجار العين المماثلة، والعين المماثلة هي: العين المماثلة للعين المطلوب تقدير إيجارها التي تماثلها من حيث مساحتها وموقعها أو مكانها وغرض الإنتفاع بها وكذا زمان الإنتفاع بها، وعند تقدير الإيجار في ضوء المعايير السابق ذكرها فأنه يجب الأخذ بجميع هذه المعايير معاً حتى يكون تقدير إيجار المثل سليماً وصحيحاً، ولذلك فقد لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا قد نقض الحكم الاستئنافي الذي قضى بتاييد الحكم الابتدائي الذي اعتمد على تحديد إيجار مثل العين على أساس زمان إعداد تقرير الخبراء وليس على أساس الإيجار الذي كان سائداً قبل ذلك بأربع سنوات، إذ كان يجب على الخبراء تقدير إيجار السنوات الأربع السابقة على تاريخ إعداد التقرير على أساس الإيجار الذي كان سائداً في كل سنة من تلك السنوات وليس على أساس إيجار المثل في تاريخ إعداد التقرير حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، والله أعلم.
![]() |
مهمة الخبير العدل عند تقدير إيجار المثل |