حجية نظام السويفت في المرابحة المصرفية الخارجية

حجية نظام السويفت في المرابحة المصرفية الخارجية
حجية نظام السويفت في المرابحة المصرفية الخارجية.

حجية نظام السويفت في المرابحة المصرفية الخارجية

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

نظام السويفت نظام الكتروني يتم عن طريقه التحويل الإلكتروني للأموال بين البنوك والمؤسسات االمالية لتمويل صفقات تجارية وغيرها ، ومن ذلك قيام المصرف الاسلامي بشراء السلع والمنتجات في عمليات المرابحة المصرفية التي يجريها البنك الاسلامي مع عملائه ،ونظام السويفت نظام بديل متطور للتلكس ، وبما أن عمليات التحويل التي تتم عن طريق نظام السويفت تتم بطريقة الكترونية ، لذلك تسري على نظام السويفت أحكام القانون رقم (40) لسنة 2006م بشأن أنظمة الدفع والعمليات المالية والمصرفية الإلكترونية اليمني ، إضافة إلى أن المرابحة المصرفية الخارجية التي يتم تمويلها عن طريق نظام السوفت يصاحبها في بعض الحالات ما يسمى بشرط براءة البنك الإسلامي من العيوب الخفية التي قد تشوب البضاعة التي يتم شراؤها في عمليات المرابحة عن طريق نظام السويفت، ولأن نظام السويفت يتم عن طريقه تحويل الأموال من البنك الإسلامي إلى غيره إلكترونياً، فإن إثبات عملية التمويل الإلكتروني تثير جدلاً عند البعض، مع أن قانون الدفع الإلكتروني السابق ذكره قد صرح بحجية المستندات الإلكترونية التي تندرج من ضمنها المستندات الخاصة بنظام السويفت، وقد تناول هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 10-10-2010م في الطعن رقم (41063)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: ((وعليه وبعد الإطلاع على الأوراق مشتملات الملف تبين: أن الطعن بالنقض من البنك قد تضمن أن الشعبة التجارية في حكمها قد خالفت القانون عندما ألغت المديونية في العمليتين البالغة قيمتهما.... دولاراً، لما تعللت به أنها لا توافق محكمة أول درجة فيما قضت به ،على أساس ان التعامل قد كان بنظام السويفت فعن طريق هذا النظام تم سداد قيمة البضاعة إلى الشركة المنتجة خارج اليمن لتمويل العمليتين المشار إليهما ، مع أن هذا النظام معمول به في البنوك عالمياً، لذلك فإن الشعبة قد خالفت المادتين (8 و 9) من قانون أنظمة الدفع المصرفية حيث تنص المادة (9) من ذلك القانون على أنه (يجوز الإثبات في القضايا المصرفية بجميع طرق الإثبات بما في ذلك البيانات الإلكترونية...إلخ)، وإن الشعبة لم تناقش وسائل الدفاع الجوهرية ولم تكلف خبيراً لتوضيح حجية نظام السويفت لأن تلك مسألة فنية.

وبعودة الدائرة إلى محتويات الملف فقد تبين: أن العمليتين المشار إليهما ضمن دعوى البنك الفرعية وإن مبلغ العمليتين يخص في الواقع عدة عمليات مرابحة لصالح الشركة المطعون ضدها ، وقد استدل الحكم الاستئنافي بقول المحاسب القانوني : أنه لم يتضح له ما يفيد إستلام قيمة البضاعة أو عقد مرابحة للعمليتين، مع أن محكمة أول درجة أوضحت أن البنك المدعي فرعياً تعامل بنظام السويفت الخاص بالتحويل ولم تعترض الشركة المطعون ضدها ولم تنكر المحرر المرفق بطلب التمويل وتوقيعها عليه ، وان الشركة الأجنبية أكدت صحة العمليتين، وانتهت محكمة أول درجة إلى القول: أن إستبعاد المحاسب القانوني للعمليتين يعد مخالفة صريحة لمفهوم التعاملات الحديثة في المعاملات البنكية، والبين أن الشركة المطعون ضدها عندما تقدمت بدعواها الأصلية لم تعترض على صحة العمليتين اللتين جرتا بينها وبين البنك الطاعن إلا بعد رفع الدعوى الفرعية من البنك، كما أن الشركة الطاعنة قد عابت على الشعبة التجارية أنها لم تحكم لها بإستعادة المبلغ المقدم منها بشأن المرابحة في العمليتين ،لأن الشعبة قضت بصحة ما توصل إليه الخبير المحاسب القانوني – فلماذا لم ترفع الشركة المطعون ضدها ذلك الطلب ضمن دعواها الأصلية بالمطالبة بالمبلغ المذكور، وعللت الشعبة لحكمها فيما يخص العمليتين أن البنك استند في المطالبة بقيمة العمليتين على طلب حوالة مصرفية من الشركة المطعون ضدها وعلى وثيقة وعد بالشراء وعلى ضمان البراءة من العيوب الخفية وسويفت التحويل، وانتهت الشعبة في قضائها إلى أنها لا توافق محكمة أول درجة فيما قضت به ولا تطمئن إلى ذلك الإستدلال، ولعل إقتناع الشعبة بما ذهبت إليه يرجع الى إستئناسها بما توصل إليه المحاسب القانوني من غير تثبت ونظر إلى ما يحتج به البنك الطاعن .

 ومن خلال التأمل والمناقشة للمستندات يظهر: أن تسبيب الشعبة بالقول: أنها لا تطمئن إلى ما يحاجج به البنك الطاعن دون إحاطة شاملة بمدلول مستندات مترجمة إلى اللغة العربية لغة التخاطب عملاً بالمادة (3) من قانون السلطة القضائية التي تنص على أن لغة المحاكمة هي اللغة العربية، ومن ثم يتبين مما سلف: أن ما نعاه البنك الطاعن في محله وان ما انتهت إليه الشعبة في قضائها فيما يخص العمليتين غير سديد لإفتقار النزاع إلى مزيد من الإستيفاء والتثبت، الأمر الذي يتعين معه نقض حكم الشعبة جزئياً فيما يخص العمليتين المذكورتين))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: ماهية نظام السويفت في البنوك والمصارف:

نظام السويفت نظام إلكتروني تستعمله البنوك والمصارف لتحويل الأموال إلى المستفيدين وتمويل عمليات شراء البضائع والمنتجات ، وتستعمل المصارف الإسلامية نظام السويفت في تمويل عمليات المرابحة عن طريق شراء المنتجات والسلع من الخارج وتسليمها للمشتري الآمر للبنك بالشراء، ويتم إثبات عمليات التمويل للأموال بواسطة هذا النظام عن طريق المستندات الإلكترونية. (مستندات غير ورقية).

ونظام سويفت (SWIFT) هو جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك ولاتهدف للربح. وهي مملوكة للأعضاء، وتقوم بتقديم خدمة على مستوى عال من الكفاءة وبتكلفة مناسبة،وقد نشأت فكرة نظام سويفت (SWIFT) مع تطور التجارة العالمية في نهاية الستينيات من القرن الماضي،فعندها تأسست جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك سويفت (SWIFT) عام 1973 وبدأ نشاطها عام 1977 وهي تتخذ من مدينة بروكسل في بلجيكا مقراً رئيسياً لها،وعدد الدول المشتركة فيها أكثر من 209 دولة، من بينها اليمن والدول العربية، ويزيد عدد المؤسسات المالية المشتركة فيها على 9,000 مؤسسة، وطبقًا للوائح نظام سويفت (SWIFT)، يجب اشتراك الدولة اولاً قبل السماح لمؤسساتها بالاشتراك، وقد اشتركت مصر عام 1994، ويزيد عدد المشتركين في مصر على 55 مؤسسة مالية.

ويهدف نظام سويفت (SWIFT) إلى تقديم أحدث الوسائل التقنية في مجال ربط وتبادل الرسائل والمعلومات المالية بين جميع أسواق المال، من خلال البنوك والمؤسسات المالية المسؤولة عن تنفيذ ذلك بمختلف الدول، وبذلك يتمكن المشترك من تلبية احتياجات العملاء الأجانب والمحليين على حدٍ سواء، وذلك باستخدام كود تعريفي خاص بكل مستخدم (BIC) على نظام سويفت (SWIFT).

ومن أهم مزايا نظام السويفت (SWIFT) سرعة إنجاز التحويلات المالية ووصولها إلى المستفيدين وتوفير عنصر الأمان ، كما أن هذا النظام أقل تكلفة بالنسبة للبنوك من أساليب التحويل الأخرى ، إضافة إلى ان هذا النظام يعمل على مدار 24 ساعة.

ويعد نظام (سويفت SWIFT) بديلًا متطورًا للتلكس، ويغطي جميع المراسلات المتعلقة بالمعاملات المالية والبنكية التي تتم بين البنوك والمؤسسات المالية، فهذا النظام يوفر الحماية والسرعة الكاملة للمعاملات المالية والبنكية بما فيها التحويلات ومتابعة تسليمها للجهات المعنية.(تعريف السويفت، موقع البنك المركزي المصري)

الوجه الثاني: حجية المستندات الإلكترونية في القانون اليمني:

صدر في اليمن القانون رقم (40) لسنة 2006م بشأن أنظمة الدفع والعمليات المالية والمصرفية الإلكترونية الذي عرَّف في المادة (2) أنظمة الدفع بأنها: (مجموعة الإجراءات والطرق والوسائل غير التقليدية المنظمة لعمليات الدفع التي تتم عن طريق الوسائل الإلكترونية كإستخدام الصراف الآلي ونقاط البيع وبطاقات الإيفاء أو الدفع أو الائتمان وأوامر الدفع والتحويلات الإلكترونية وعمليات المقاصة والتسويات العائدة لمختلف وسائل الدفع والأدوات المالية) ، ومن خلال إستقراء هذا التعريف يظهر أنه يشمل نظام السويفت ، لأنه وسيلة للتحويلات الإلكترونية المذكورة في هذا النص، ومن جهة ثانية فقد عرَّف القانون المشار إليه العمليات الإلكترونية بأنها: (العمليات المالية والمصرفية التي يتم تنفيذها أو عقدها عبر الوسائل الإلكترونية) وهذا التعريف يشمل أيضاً العمليات المصرفية التي تتم بواسطة نظام السويفت، وكذا عرَّفت المادة (2) من القانون ذاته السند الإلكتروني بأنه: (أي بيان أو رسالة أو قيد أو عملية أو معلومة أو عقد أو توقيع أو برنامج أو سجل أو إجراء أو شهادة أو رمز أو توثيق أو أية أوراق مالية أو تجارية يتم الحصول عليها بوسيلة الكترونية)، ومن خلال إستعراض هذا التعريف يظهر أنه: يشمل العقود والعمليات والتحويلات المصرفية التي تتم عن طريق نظام السويفت.

وفي هذا السياق نصت المادة (9) من القانون المشار إليه على أنه (-1 يجوز الإثبات في القضايا المصرفية بجميع طرق الإثبات بما في ذلك البيانات الإلكترونية أو البيانات الصادرة عن أجهزة الحاسب الآلي أو مراسلات أجهزة التلكس أو الفاكس أو غير ذلك من الأجهزة المشابهة)، وهذا النص صريح في تقرير حجية البيانات المستخرجة من الأجهزة التي يتم إستعمالها في نظام السويفت.

الوجه الثالث: التحويل عن طريق نظام السويفت لتمويل المرابحة:

المرابحة المصرفية عقد بين البنك الإسلامي وعميله يقوم المصرف بموجبه بشراء السلعة حسب طلب العميل وبيعه على أساس التكلفة مع الربح ، ويلتزم البنك بالكشف عن هامش التكلفة والربح للعميل، فالبنك يقوم بشراء البضائع من طرف ثالث وإعادة بيع هذه السلع إلى العميل على أساس الربح، فيحدد العميل المنتج الذي يريده والبائع الذي بحوزته المنتج ويقوم البنك بشراء السلعة ثم إعادة بيعها للعميل ويتم إجراء هذه العملية عن طريق نظام السويفت السابق الإشارة إليه. (النظرية العامة للمصرفية الاسلامية، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص302).

وقد ظهرت في الفترة الأخيرة المرابحة الإلكترونية، إذ تقوم بعض المصارف الإسلامية بتمويل المرابحة الإلكترونية لتلبية حاجة الراغبين بشراء سلع على أساس المرابحة، فيتم شراء السلع لصالح البنك والبيع مرابحة للمتعاملين من خلال بطاقة خاصة تسمى بطاقة المرابحة الإلكترونية، وهذا يدل على جواز إستعمال الوسائط الإلكترونية في عمليات المرابحة. (المرابحة الإلكترونية، د. أحمد سالم ملحم، مستشار شرعي للمؤسسات المالية الإسلامية، ص1).

الوجه الرابع: شرط البراءة من العيوب الخفية في المرابحة المصرفية:

تشترط بعض المصارف الإسلامية البراءة من العيوب الخفية في السلع التي تشتريها المصارف الاسلامية ثم تعيد بيعها مرابحة لعميلها، فهذه المصارف تطلب من الآمر بالشراء التوقيع على وثيقة أو بند ينص على أنه لايجوز له الرجوع على المصرف بالعيوب الخفية إذا ظهرت في السلع والمنتجات المشتراة عن طريق المرابحة.

 فبيع المرابحة للآمر بالشراء يتطلب تنفيذه عقدين، الأول: عقد بيع بين المصرف بصفته مشترياً ومالك السلعة بصفته بائعاً ، وبموجب هذا العقد يملك المصرف الإسلامي السلعة التي أمر بشرائها، والعقد الثاني: بيع مرابحة بين المصرف بصفته بائعاً وبين الآمر بالشراء بصفته مشترياً.

ومن المقرر عند جمهور الفقهاء أنه إذا ظهر في المبيع عيب فإن المشتري يكون مخيراً بين أن يمضي في العقد بالثمن كاملاً أو يفسخ العقد ويسترد الثمن إذا كان قد دفعه أو يعفى من ادائه وعليه أن يرد المبيع إذا كان قد استلمه، اما إذا اشترط البائع براءته من ضمان العيب أو عدم مسئوليته عما يمكن أن تظهر من عيوب خفية في المبيع فرضي المشتري بهذا الشرط، فالحكم يختلف في هذه المسألة، فإذا كان البائع لا يعلم بالعيب فيجوز ذلك ، وإذا كان يعلم بالعيب فلا يبرأ البائع بهذا الشرط من ضمانها، وبناءً على ذلك يجوز للمصرف الإسلامي أن يشترط على الراغبين بالشراء مرابحة عدم مسئوليته عن العيوب الخفية التي قد تظهر في المنتجات إذا لم يكن المصرف عالما بها. (الاستشارات الشرعية لمرابحات المصارف الإسلامية، د. أحمد سالم ملحم، ص8). والله أعلم.