الفرق بين مبلغ الضمان ومبلغ التعويض
معنى الكفالة في الفقه الاسلامي ضم ذمة مالية إلى ذمة مالية أخرى غير أن قانون المرافعات اليمني اطلق على الضمان الذي يقدمه الخصم عن نفسه كفالة مع أنه ليس هناك في هذه الحالة ضم ذمة إلى ذمة أخرى!!!وهذا دليل على عدم عناية المقنن اليمني في استعماله للمصطلحات الشرعية والقانونية. وقد نظم قانون المرافعات اليمني الضمان أو الكَفالة بحسب تعبير القانون في حالات عدة ، فهناك كفالة يجب على الطاعن بالنقض أو الملتمس إيداعها عند الطعن بالنقض أو الالتماس، وكذلك اجاز القانون ذاته للمحكمة ان تكلف طالب التنفيذ للحكم المستعجل بتقديم كفالة أو (الضمان)، وكذا يجوز للمحكمة ان تقرر الضمان بدلا عن الحجز التحفظي أو الحراسة القضائية ، وإذا قامت المحكمة بتقدير مبلغ الضمان ضماناً أو تأميناً لحق المحكوم عليه أو المحجوز لصالحه إلا أن مبلغ الضمان يختلف عن مبلغ التعويض الذي يجب ان يكون متناسباً مع الضرر الذي لحق بالمضرور، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 18-10-2010م في الطعن رقم (43338)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: ((ونعي الطاعن لا سند له، ذلك أن الحكم الابتدائي الذي قضى بالإفراج عن البضاعة المحجوزة بعد تقديم المدعى عليهما ضماناً مالياً بنسبة 10% من قيمتها مودع خزينة المحكمة إلى آخر ما جاء في الفقرة المذكورة في منطوق الحكم الابتدائي، فقضاء الحكم الابتدائي بإيداع النسبة سالفة الذكر ليس تعويضاً حالاً للطاعن وإنما ضماناً لما سيحكم له في نزاعه مع موكله المصنع المذكور في حالة صدور حكم لصالحه من القضاء السعودي فما جاء في الطعن غير مؤثر من هذه الناحية))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: ماهية الضمان أو الكفالة في قانون المرافعات اليمني:
المصطلح الصحيح في هذا الشان هو الضمان وليس الكفالة ، لأن الكفالة في الفقه الاسلامي والقانون المدني والقانون التجاري هو ضم ذمة مالية إلى ذمة مالية أخرى، في حين ان المقصود في الكفالة في قانون المرافعات ان الخصم نفسه هو الذي يقدم الضمان عن نفسه فلاوجود لاية ذمة مالية أخرى، والضمان أو الكفالة في قانون المرافعات بحسب تعبير قانون المرافعات: قد تكون مبلغا معينا من المال يدفعه الطاعن حينما يقدم الطعن بالنقض أو الإلتماس حسبما هو مقرر في المادتين (295 و 307) مرافعات، وهذه الكفالة هي مبلغ خمسة آلاف ريالاً عند الطعن بالنقض ومبلغ خمسة وعشرين ألف ريالاً عند إلتماس إعادة النظر، وتتم مصادرة مبلغ الكفالة وتوريده في هاتين الحالتين إلى الخزينة العامة إذا قررت المحكمة العليا رفض الطعن أو الالتماس اما إذا قبلت الطعن فيتم إعادة مبلغ الكفالة أو الأمانة إلى الطاعن،والكفالة في هاتين الحالتين مقدرة في القانون لايستطيع القاضي زيادتها أو انقاصها ، وقد تكون الكفالة مبلغاً من المال تقوم المحكمة بتقديره عندما يطلب المحكوم له تنفيذ الحكم المستعجل ، ويكون مبلغ الكفالة في هذه الحالة ضماناً أو تأميناً لحق المحكوم عليه عند تنفيذ الحكم المستعجل، وكذلك الحال بالنسبة لمبلغ الضمان الذي تقرره المحكمة بدلا عن الحجز التحفظي ،وهو الضمان المقصود في الحكم محل تعليقنا.
الوجه الثاني: كيفية تقدير مبلغ الضمان (الكفالة) عند طلب تنفيذ الحكم المستعجل:
لا ريب أن القضاء حينما يقدر مبلغ الكفالة في هذه الحالة أن يسترشد بمقدارقيمة المال المطلوب التنفيذ عليه ، لأن الغرض من الضمان في هذه الحالة هو كفالة حق المحكوم عليه ، فبملغ الكفالة او الضمان عندئذٍ ينبغي أن لا يقل عن قيمة المال المطلوب التنفيذ عليه.
الوجه الثالث: تقدير قيمة الضمان اذا لم يوجد حكم وتقرر المحكمة الضمان بدلا عن الحجز التحفظي:
في حالة قرار المحكمة تقديم المحجوز عليه تحفظيا الضمان بدلا عن الحجز التحفظي، فاذا كان لدى الحاجز حكم غير نهائي فان مقدار الضمان ينبغي ان لايقل عن المبلغ المحكوم به ،اما اذا لم يكن لدي الحاجز حكم مثلما كان الحال في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا فان المحكمة تقوم بتقدير قيمة الضمان بحسب مايظهر لها من وجاهة في طلبات الحاجز وادلة طلبه ، وللمحكمة سلطة تقديرية واسعة في هذه الحالة حسبما المح الحكم محل تعليقنا .
ففي بعض الحالات يقرر القاضي رفع الحراسة القضائية أو الحجز التحفظي على المال في حالة عدم وجود حكم أو أمر أداء فيستبدل القاضي الحجز التحفظي أو الحراسة بالضمان المقدم من المحجوز عليه، ويحدث هذا في الواقع العملي كثيراً مثلما وقع في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، وعندئذٍ يقوم القاضي بتقدير مبلغ الضمان على قدر ما يتوقع القاضي الحكم به لمن صدر لصالحه الحجز أو فرضت الحراسة لصالحه في ضوء وجاهة طلب الجاجز وادلة طلبه، فلا يتم تقدير مبلغ الضمان على أساس المبالغ التي يدعي بها المحجوز له أو من صدرت الحراسة القضائية لصالحه ، لأن الحكم له في المستقبل بالتعويض متوقع وليس محقق فقد يحكم له وقد لا يحكم له، وإذا تم الحكم له في المستقبل فلا يعلم القاضي عند تقدير مبلغ الضمان مقدار مبلغ التعويض الذي سيحكم به في المستقبل، فذلك كله يجعل القاضي طليقاً في تقدير قيمة الضمان ، وبناءً على ذلك فقد قضى الحكم محل تعليقنا ببيع البضاعة المحجوزة وحجز نسبة 10% من قيمتها ضماناً حتى يتم الفصل في دعوى التعويض المرفوعة من الطاعن امام القضاء السعودي التي رفعها الطاعن ضد المصنع الذي انتج البضاعة، وقد كان الطاعن يجادل في أن نسبة 10% من البضاعة المحجوزة لا يتناسب مع الضرر الذي لحقه ولا مع التعويض الذي يستحقه، ولكن الحكم محل تعليقنا رد على الطاعن بأن مبلغ الضمان أو الكفالة في هذه الحالة يختلف عن مبلغ التعويض، لأن القاضي لا يقدر مبلغ الكفالة على أساس المبالغ التي يطالب بها الخصم كتعويض وإنما على أساس المبالغ التي من المتوقع أن يحكم للطالب بها في المستقبل، فتقدير مبلغ ا الضمان في هذه الحالة ليس منضبطاً حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، والله أعلم.
![]() |
الفرق بين مبلغ الضمان ومبلغ التعويض |