قاعدة لا يفيد الطعن إلا من رفعه واستثناؤها
الطعن في الأحكام حق وليس واجباً، فللمحكوم عليه أن يطعن في الحكم وله أن لا يطعن، وعندما يقوم المحكوم عليه بالطعن بالحكم فإنه يهدف من ذلك تبصير محكمة الطعن بالعيوب التي شابت الحكم الطعين ويطلب منها نقض الحكم أو إبطاله أو تعديله، لأن الطاعن يرى أن ذلك في صالحه ، وبناءً على ذلك فلا يجوز ان يضار الطاعن بطعنه، وبالمقابل فإنه لا ينبغي أن يستفيد الخصم الذي لم يطعن في الحكم من الطعن، عملا بمبدأ نسبية أثر الطعن،حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 30-10-2010م في الطعن رقم (41288)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار اليه: ((فقد ورد في الطعن ان الحكم الاستئنافي خالف المادة (283) مرافعات حينما قضى بالغاء الفقرة الثانية من الحكم الابتدائي لصالح المستأنف ضده، خلافاً لقاعدة لا يضار المستأنف باستئنافه...إلخ، والدائرة تجد: أن النعي في محله، لأن الحكم الاستئنافي قد ايد الفقرة الاولى من الحكم الابتدائي، والغى الفقرة الثانية من منطوق الحكم الابتدائي التي قضت بالزام المستأنف ضده بتسليم مبالغ مالية للمستأنف، فقد فات على الحكم الاستئنافي المطعون فيه مراعاة احكام المادة (283) مرافعات التي تنص على انه (لا يفيد الطعن إلا من رفعه ولا يحتج به إلا على من رفع عليه)، وحيث لم يستأنف المحكوم عليهما الحكم فذلك يدل على القنوع، وعليه فإن ما قضى به الحكم المطعون فيه غير صائب لمخالفته للنص القانوني السابق ذكره، مما يستوجب نقض الحكم))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الاول: قاعدة لا يفيد الطعن إلا من رفعه في قانون المرافعات اليمني:
استند الحكم محل تعليقنا في قضائه إلى المادة (283) مرافعات التي نصت على انه (لا يفيد الطعن إلا من رفعه ولا يحتج به إلا على من رفع عليه فيما عدا الأحكام الخاصة بالطعون التي ترفعها النيابة العامة وطعن المدين الأصلي الذي يستفيد الضامن منه على أنه إذا كان الحكم المطعون فيه صادراً في موضوع غير قابل للتجزئة أو في التزام بالتضامن جاز لمن فوت ميعاد الطعن من المحكوم عليهم أو قبل أن يطعن فيه أثناء نظر الطعن المرفوع في الميعاد ممن لم يقبل الحكم من زملائه منضماً إليه في طلباته فإن لم يفعل أمرت المحكمة الطاعن بإدخاله في الطعن وإذا رفع الطعن على أحد المحكوم لهم في الميعاد في موضوع مما ذكر في هذا المادة وجب اختصام الباقين ولو بعد فوات الميعاد).
الوجه الثاني : قاعدة لا يفيد من الطعن إلا من رفعه ولا يحتج به إلا على من رفع عليه ومبدأ _نسبية أثر الطعن:
تنص المادة( 283) مرافعات على أنه( لا يفيد من الطعن إلا من رفعه ولا يحتج به إلا على من رفع عليه)، وعلى ذلك إذا تعدد المحكوم عليهم؛ وطعن بعضهم في الحكم دون بعضهم الآخر الذي فوت ميعاد الطعن وقبل الحكم، فلا يفيد من أثر الطعن إلا من رفعه، بمعنى أنه إذا تعدل الحكم المطعون فيه فلا يستفيد من ذلك إلا الطاعن دون باقي المحكوم عليهم الذين أسقطوا حقهم في الطعن.
كما أنه إذا تعدد المحكوم لهم فلا ينتج الطعن أثره إلا بالنسبة لمن رفع عليه الطعن في الميعاد، فإذا تعدد المحكوم لهم ورفع المحكوم عليه طعنه في مواجهة بعضهم دون بعضهم الآخر؛ وبناء على ذلك قضت محكمة الطعن بتعديل الحكم المطعون فيه، فإن الحكم الصادر من محكمة الطعن لا يحتج به إلا في مواجهة من رفع عليه الطعن من المحكوم لهم. بينما يظل الحكم الأصلي قائما بالنسبة لمن لم لم يتم الطعن ضدهم.
وقاعدة (لا يفيد من الطعن إلا من رفعه ولا يحتج به إلا على من رفع عليه) الواردة في المادة (283) مرافعات يمني هي تطبيق لمبدأ نسبية الأثر المترتب على الطعن في الأحكام أو نسبية الأثر المترتب على إجراءات المرافعات ، فلا يفيد من الإجراء إلا من باشره؛ ولا يحتج به إلا على من تم إتخاذه في مواجهته.
وعلى ذلك إذا قضى الحكم المطعون فيه ببعض طلبات الطاعن دون بعضها الآخر وطعن المحكوم عليه في هذا الحكم؛ ولم يتقدم الخصم بطعن بدوره بالنسبة لطلباته المرفوضة، فلا يجوز لمحكمة الطعن أن تبحث الطلبات التي رفضتها محكمة أول درجة، لأن ذلك قد يلحق ضررا بالطاعن، وإنما يقتصر حكمها في الطعن على المسائل التي عرضها الطاعن، فإما أن تجيبه إلى طلبه أو ترفض طعنه وتؤيد الحكم المطعون فيه.
الوجه الثالث : إستفادة غير الطاعن من أثر الطعن استثناء من قاعدة : لا يفيد الطعن إلا من رفعه :
نصت المادة(283 ) مرافعات يمني على أنه( لا يفيد الطعن إلا من رفعه ولا يحتج به إلا على من رفع عليه فيما عدا الأحكام الخاصة بالطعون التي ترفعها النيابة العامة وطعن المدين الأصلي الذي يستفيد الضامن منه على أنه إذا كان الحكم المطعون فيه صادراً في موضوع غير قابل للتجزئة أو في التزام بالتضامن جاز لمن فوت ميعاد الطعن من المحكوم عليهم أو قبل أن يطعن فيه أثناء نظر الطعن المرفوع في الميعاد ممن لم يقبل الحكم من زملائه منضماً إليه في طلباته فإن لم يفعل أمرت المحكمة الطاعن بإدخاله في الطعن وإذا رفع الطعن على أحد المحكوم لهم في الميعاد في موضوع مما ذكر في هذا المادة وجب اختصام الباقين ولو بعد فوات الميعاد).
ويتبين من هذا النص أن القانون ذكر اربع حالات أجاز فيها للمحكوم عليه الذي فوت ميعاد الطعن أو قبل الحكم أن ينضم لمن طعن في الحكم في الميعاد، وأوجب اختصامه إن لم يطلب الانضمام، كما أوجب اختصام باقي المحكوم لهم إذا رفع الطعن على أحدهم في الميعاد ولو بعد فواته بالنسبة إليهم، وذلك حتى يكون الحكم الصادر في الطعن عليهم، وهذه الحالات هي:
الحالة الأولى : الطعون المرفوعة من النيابة العامة : فقد نصت المادة(283 ) مرافعات يمني على أنه( لا يفيد الطعن إلا من رفعه ولا يحتج به إلا على من رفع عليه فيما عدا الأحكام الخاصة بالطعون التي ترفعها النيابة العامة)، فمن المقرر وفقا للمادتين(126و127 ) من قانون المرافعات اليمني أنه يحق للنيابة العامة بصفتها تنوب عن المجتمع أن ترفع بعض الدعاوى أو تتدخل فيها مثل دعاوى القصار وعديمي الأهلية وناقصيها والغائبين والمفقودين، ومؤدى ذلك أنه يحق للنيابة العامة أن تطعن في الأحكام الصادرة في تلك الدعاوى إذا قدرت أن في ذلك مصلحة للمجتمع، وعندئذٍ قد يفيد طعن النيابة بعض أطراف الدعوى الذين لم يطعنوا في الحكم .
الحالة الثانية: حالة عدم التجزئة: مثل حق ارتفاق مقرر لعقار أو على عقار مملوك على الشيوع لعدة أشخاص، وذلك لأن طبيعة الحق نفسه وما يقتضيه عدم قابليته للتجزئة، تستوجب حتما أن يكون الحكم الصادر في الدعوى واحدا بالنسبة لجميع ذوي الشأن؛ لاستحالة تنفيذ أحكام متعارضة في مسألة غير قابلة للتجزئة.
الحالة الثالثة : التضامن: ويشترط لاستفادة الخصم من هذا الاستثناء أن يكون خصما في الخصومة التي صدر فيها الحكم المطعون فيه، ويكفي أن يطلب التضامن من المحكمة، ولا يشترط أن يقضي الحكم بالتضامن.
الحالة الرابعة : الدعاوى التي يوجب القانون اختصام أشخاص معينين فيها: كدعوى الشفعة في بعض القوانين العربية التي توجب اختصام بائع العقار ، حيث يجب اختصام بائع العقار المشفوع فيه والمشتري منه، فهذه الدعاوى تعاملها تلك القوانين معاملة الدعاوى في حالة عدم التجزئة؛ حتى لا تتعارض الأحكام في الطلب الواحد. فالطلب الذي اعتبره القانون واحدا رغم توجيهه إلى متعددين؛ اعتبر بحكم القانون مما لا يقبل التجزئة.
الوجه الرابع : شروط الاستثناء من مبدأ نسبية أثر الطعن :
يشترط للاستثناء من مبدأ نسبية الأثر النسبي للطعن في الحكم المقرر في المادة( 283) مرافعات يمني السابق ذكرها توفر الشروط الثلاثة الآتية:
الشرط الأول - أن يكون هناك على الأقل طعن صحيح مرفوع من أحد المحكوم عليهم، حتى يستطيع باقي المحكوم عليهم الآخرون الاستفادة من رفع الطعن بعد الميعاد، أو بعد قبولهم الحكم.
وإذا تنازل مقدم الطعن الصحيح عن استئنافه، أو حكم باعتبار خصومة الاستئناف كأن لم تكن، انقضى مبرر قبول الطعون الأخرى المرفوعة بعد الميعاد، لأن هذه الطعون تستمد بقاءها واستمرارها من صحة الطعن الأول واستمراره.
أما إذا تعدد المحكوم لهم، ورفع الطعن على أحدهم صحيحا وفي الميعاد، فإن الطاعن يلتزم باختصام المحكوم لهم الآخرين من تلقاء نفسه أو بناء على طلب المحكمة، وإذا لم يفعل أو يمتثل لأمر المحكمة، فإنه يجوز للمحكمة أن تحكم بعدم قبول الطعن.
الشرط الثاني -أن ينضم المحكوم عليه الذي فوت على نفسه حقه في الطعن إلى الطاعن في طعنه وان لا يطالب لنفسه بحقوق متميزة أو مستقلة عن حقوق رافع الطعن الصحيح أو تزيد على طلباته.
الشرط الثالث : أن يثبت المحكوم عليه – الذي يريد الانضمام إلى الطعن الصحيح المرفوع من زميله – بأن الدعوى المحكوم فيها تندرج ضمن الحالات الواردة في المادة ( 283) مرافعات، وتقدر المحكمة المرفوع إليها الطعن مدى تطابق هذه الحالة مع المادة( 283)، وبصرف النظر عن حكم أول درجة.( القواعد العامة للطعن في الأحكام. أ. د. عثمان التكروري. ص5).
الوجه الخامس : قاعدة لا يفيد الطعن إلا من رفعه في قضاء محكمة النقض المصرية :
في هذا الشأن قضت محكمة النقض المصرية بالآتي :
1-قضت بأن( حكم "الطعن في الحكم". تجزئه. دعوى "الخصوم في الدعوى". استئناف. نقض. نظام عام.(1) نسبية أثر الطعن. مؤداها. ألا يفيد منه إلا من رفعه ولا يحتج به إلا على من رفع عليه. الاستثناء. الطعن في الأحكام الصادرة في موضوع غير قابل للتجزئة أو في التزام بالتضامن أو في دعوى يوجب القانون فيها اختصام أشخاص معينين م 218 مرافعات. علة ذلك.(2) المحكوم عليه الذي فوت ميعاد الطعن أو قبل الحكم الصادر في موضوع غير قابل للتجزئة أو في التزام بالتضامن أو في دعوى يوجب القانون فيها اختصام أشخاص معينين له أن يطعن فيه أثناء نظر الطعن المقام من أحد زملائه. قعوده عن ذلك. التزام محكمة الطعن بتكليف الطاعن باختصامه كما تلتزم محكمة الاستئناف دون محكمة النقض بتكليف باختصام باقي المحكوم لهم. علة ذلك. امتناعه عن تنفيذ أمر المحكمة. أثره. عدم قبول الطعن. تعلق ذلك بالنظام العام)-( الطعن رقم 3188 لسنة 61 القضائية).
2- قضت محكمة النقض المصرية بأن( المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه لا يفيد من الطعن في الحكم إلا من رفعه ولا يحتج به إلا على من رفع عليه ، غير أن المشرع بعد أن أرسى تلك القاعدة العامة لنسبية الأثر المترتب على الحكم و الطعن فيه ، بين في المادة 218 من قانون المرافعات في فقرتها الأولى و الثانية الحالات المستثناة منها في رفع الطعن ، و هي تلك التي تنظر في موضوع غير قابل للتجزئة أو في التزام بالتضامن أو في دعوى يوجب القانون فيها اختصام أشخاص معينين ، و قد استهدف المشرع من ذلك استقرار الحقوق ومنع تعارض الأحكام في الخصومة الواحدة بما يؤدي إلى صعوبة تنفيذ تلك الأحكام و استحالته في بعض الأحيان ، و هو ما قد يحدث إذا لم يكن الحكم في الطعن نافذاً في مواجهة جميع الخصوم في الحالات السالفة التي لا يحتمل الفصل فيها إلا حلاً واحداً بعينه ، كما أجاز المشرع للمحكوم عليه أن يطعن في الحكم أثناء نظر الطعن بالنقض أو الاستئناف المرفوع في الميعاد من أحد زملائه منضماً إليه حتى لو كان قد فوت ميعاد الطعن أو قبل الحكم ، فإن قعد عن ذلك وجب على المحكمة أن تأمر الطاعن باختصامه في الطعن ، كما أوجب على محكمة الاستئناف دون محكمة النقض – لما نصت عليه المادة 253 من قانون المرافعات الواردة في الفصل الرابع الخاص بالطعن من حكم مغاير- أن تأمر باختصام جميع المحكوم لهم ولو بعد فوات الميعاد ، و هو ما يتفق مع اتجاه الشارع إلى الإقلال من دواعي البطلان بتغليب موجبات صحة إجراءات الطعن و اكتمالها على أسباب بطلانها أو قصورها باعتبار أن الغاية من الإجراءات هو وضعها في خدمة الحق، فإذا تم اختصام باقي المحكوم عليهم أو باقي المحكوم لهم استقام شكل الطعن و اكتملت له موجبات قبوله ، بما لازمه سريان أثر الطعن في حق جميع الخصوم و منهم من تم اختصامهم فيه ولو بعد رفعه ، أما إذا امتنع الطاعن عن تنفيذ ما أمرت به المحكمة فلا يكون الطعن قد اكتملت له مقوماته ، ويجب على المحكمة ولو من تلقاء نفسها أن تقضي بعدم قبوله، لما كان ذلك ، و كانت القاعدة القانونية التي تضمنتها الفقرة الثانية من المادة 218 من قانون المرافعات على نحو ما سلف بيانه إنما تشير إلى قصد الشارع تنظيم وضع بذاته على نحو محدد لا يجوز الخروج عليه التزاماً بمقتضيات الصالح العام أو تحقيقاً للغاية التي هدف إليها و هي توحيد القضاء في الخصومة الواحدة ، و من ثم فإن هذه القاعدة تكون من القواعد الآمرة المتعلقة بالنظام العام بما لا يجوز مخالفتها أو الإعراض عن تطبيقها و تلتزم المحكمة بإعمالها ، ولما كان المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدعوى بطلب إخلاء عين مؤجرة و تسليمها للمؤجر لا تقبل التجزئة بحسب طبيعة المحل فيها ، و كان البين من الأوراق أن المطعون ضده اختصم الطاعن و آخر هو حسن..... باعتبارهما المستأجرين للعين محل النزاع طالباً الحكم بإخلائهما من المحل المؤجر لهما و التسليم ، و حكم ابتدائياً بالإخلاء ، فاستئناف الطاعن وحده هذا الحكم بالاستئناف رقم 11615 لسنة 114 ق القاهرة دون المستأجر الاخر للعين الذي لم يختصمه في الاستئناف ولم تأمر المحكمة باختصامه وفقاً لنص المادة 218 مرافعات ، و كان الاستئناف يتعلق بحكم صادر في موضوع لا يقبل التجزئة ، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بقبول الاستئناف شكلاً دون اختصام المحكوم عليه الأخير فإنه يكون قد خالف قاعدة قانونية إجرائية متعلقة بالنظام العام كانت عناصرها الموضوعية مطروحة على محكمة الموضوع بما يبطل الحكم و يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن ".( الطعنان رقما 1176 لسنة 68 ق ، 1880 لسنة 69 ق – جلسة 8/2/2009 – المستحدث في أحكام النقض و الدستورية – الصادر عن النقابة العامة للمحامين – الكتاب الأول 2009 – ص 111 و ما بعدها )، والله اعلم.
![]() |
قاعدة لا يفيد الطعن إلا من رفعه واستثناؤها |