المركز القانوني للمحامي المناب

المركز القانوني للمحامي المناب

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

من المعلوم أن المحامي وكيل في الخصومة عن الخصم الذي قام بتوكيله يمثله في الترافع في الخصومة بالوكالة عن الخصم ، فالمحامي الاصيل وكيل عن الخصم الذي قام بتوكيله وليس نائبا عنه ، فهناك فرق بين النائب والوكيل ،فالنائب يستمد صفته من القانون والوكيل يستمد صفته من وثيقة الوكالة الصادرة له، ولاريب ان للمحامي الاصيل ان ينيب غيره من المحامين فذلك حق كفله قانون المحاماة اليمني وغيره من قوانين المحاماة في الدول العربية، فقد نصت المادة (58) من قانون المحاماة اليمني على ان (للمحامي أن ينيب عنه في الحضور والمرافعة زميلاً له تحت مسئوليته ودون حاجة إلى توكيل خاص من الموكل مالم يكن ممنوعاً بنص صريح في عقد الوكالة)، ومؤدئ ذلك أن القانون اجاز للمحامي الاصيل صراحة أن ينيب غيره من المحامين من غير ان يشترط موافقة الخصم الموكل باعتبار إنابة المحامي لغيره من المحامين ، لأن ذلك من مقتضيات تنظيم المحاماة سيما في شركات ومؤسسات ومكاتب المحاماة التي تباشر اعمالها عن طريق إنابة المحامين العاملين فيها ،وبناء على ذلك يحق للمحامي ان ينيب غيره طالما ان موكله لم يشترط عليه ان يقوم بالعمل بنفسه وإلا ما الفائدة من نص المادة (58) محاماة التي أعطت المحامي الحق في إنابة غيره?.

 وعلى هذا الاساس فان المحامي المناب يستمد صفته في الترافع من الانابة الصادرة له الصادرة من المحامي الاصيل وليس من الخصم الذي قام بتوكيل المحامي الاصيل ،فالمحامي المناب ليس وكيلا للخصم وانما نائب عن المحامي الاصيل ، ومع ذلك فان الاجراءات التي يباشرها المحامي المناب تنصرف إلى الخصم الموكل وليس للمحأمي الاصيل ،ولهذا فان قانون المحاماة اليمني وغيره قد استعمل مصطلح (الانابة والمحامي المناب) وعلى هذا الأساس فان المحامي المناب يستمد تسميته من القانون ، فالمحامي المناب ليس وكيلا عن الخصم ، فالمحامي المناب نائب عن المحامي الاصيل يقوم مقامه ويحل محله ويتمتع بالصلاحيات ذاتها المقررة للمحامي الاصيل بموجب الوكالة الصادرة للمحامي الاصيل من الخصم، وعلى هذا الأساس فإن المحامي المناب يستمد صفته في الترافع في الخصومة من وثيقة (الإنابة) المحامي الاصيل، إذ تتضمن ما يسمى بمذكرة الإنابة حدود ونطاق ومدة عمل المحامي المناب، وقد استعمل قانون المحاماة اليمني مصطلح (الإنابة والمناب) في المواد (5 و 39 و 44 و 58)، مما يدل أيضا على ان القانون قد نظم عمل المحامي المناب وانه بموجب ذلك يقوم بالواجبات التي يقوم بها المحامي الاصيل ويباشر الصلاحيات ذاتها التي يباشرها المحامي الاصيل حتى ولو لم يصرح المحامي الاصيل بذلك في وثيقة الإنابة.

ومن جهة أخرى فقد اشار الحكم محل تعليقنا الى أنه بالنسبة للتوكيل بالخصومة فانه ينبغي أن تكون الوكالة الصادرة من الشركاء أو الورثة للوارث أو الشريك تخوّل هذا الوكيل الحق في توكيل غيره بما في ذلك توكيل المحامي الذي يكون وكيلا بالخصومة عن الوكيل ، بيد ان الوكيل بالخصومة إذا كان من المحامين فان تتحدد بما ورد في التوكيل الصادر له بالإضافة إلى واجبات واصول مهنة المحاماة المقررة في قانون المحاماة والنظام الاساسي لنقابة المحامين.

 وإذا قام المحامي بالترافع في القضية نيابة عن بعض الورثة أو الشركاء فإن الحكم الصادر في القضية لا يكون حجة على الشركاء أو الورثة الذين لم يقوموا بتوكيل المحامي ،حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 2-11-2010م في الطعن رقم (41280)، وقد ورد ضمن أسباب ذلك الحكم: ((ذلك أن المحكمة الابتدائية اعتبرت الرد على الدعوى المذكور في محضر جلسة.... من قبل المحامي المناب رداً من جميع المدعى عليهم، وسارت في الإجراءات على هذا الأساس حتى إصدار حكمها في النزاع حسبما يظهر في الملف الابتدائي، بالرغم أن المحامي المذكور مناب بالحضور من قبل المحامي الموكل من احد المدعى عليهم الذي قام بتوكيله عن نفسه فقط ، حسبما جاء في التوكيل، ومع ذلك فقد ترافع ذلك المحامي عن جميع المدعى عليهم كما يظهر من مرافعته الختامية وحافظة المستندات بالمخالفة للوكالة الممنوحة للمحامي الذي انابه، وحضور الأخ.... الجلسات عن موكلاته اخواته بموجب التوكيل الصادر له منهن لم يتضمن أن له الحق في توكيل غيره خاصة أن المذكور لم يرد على الدعوى نيابة عن اخواته، ولذلك فإن حضوره لا يعد تمثيلاً لهن في الخصومة لأنه لم يرد على الدعوى حسبما هو مقرر في المادة (106) مرافعات التي نصت على أنه (يجب على المدعى عليه عند إعلانه بعريضة الدعوى الرد عليها كتابة أو شفاهة))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: ماهية المحامي المناب والوضعية القانونية للإنابة:

المحامي المناب مصطلح قانوني منصوص عليه في قانون المحاماة في اليمن وغيرها ، ومفاد هذا الاصطلاح ان المحامي المناب هو : الذي يقوم مقام المحامي الأصيل بموجب وثيقة الانابة الصادرة من المحامي الاصيل ، وبموجب المادة (58)محاماة يمني ،فيقوم المحامي المناب بالترافع نيابة عن المحامي الاصيل في قضية معينة أو في بعض القضايا أو جميع القضايا الموكلة إلى المحامي الأصيل، وعلى هذا المعنى فقد تكون الإنابة عامة في كل القضايا الموكلة للمحامي الأصيل كما قد تكون الإنابة خاصة في قضية أو قضايا معينة.

 وبموجب الإنابة يحق للمحامي المناب أن يباشر كافة الإجراءات القانونية المقررة للمحامي الأصيل وفقا لقانون المحاماة وقانون المرافعات ، ويستمد المحامي المناب صفته وصلاحياته من الانابة الصادرة له من المحامي الأصيل الذي انابه، مع أن اجراءات الترافع التي يباشرها المحامي المناب تنصرف إلى الخصم الذي قام بتوكيل المحامي الاصيل، فلاتنصرف تلك الاجراءات إلى المحامي الاصيل ، ولهذا تختلف الانابة عن الوكالة.

وقد نصت المادة (58) من قانون المحاماة اليمني على أن (للمحامي أن ينيب عنه في الحضور والمرافعة زميلاً له تحت مسئوليته ودون حاجة إلى توكيل خاص من الموكل مالم يكن ممنوعاً بنص صريح في عقد الوكالة).

ومصطلح المحامي المناب مشتق من (الإنابة)، وهو مصطلح استعمله قانون المحاماة اليمني في المواد (5 و 39 و 44 و 58)، وكذلك استعملته قوانين المحاماة في كلٍ من العراق وسوريا ومصر وغيرها، وقد استعملت قوانين المحاماة العربية مصطلح (الإنابة) ،لأن المحامي المناب يقوم مقام المحامي الأصيل، وإن كان المحامي المناب يقوم مقام المحامي الأصيل إلا أن عمله يتم لحساب ومصلحة الخصم الموكل للمحامي الاصيل ،ومع ان المحامي المناب يستمد صفته من الإنابة الصادرة له من المحامي الأصيل الذي يستمد صفته من الوكالة الصادرة له من الخصم الموكل الا ان قانون المحاماة قد اجاز للمحامي الاصيل صراحة أن ينيب غيره من المحامين من غير ان يشترط موافقة الخصم الموكل باعتبار إنابة المحامي لغيره من المحامين من مقتضيات تنظيم مهنة المحاماة سيما في شركات ومؤسسات ومكاتب المحاماة التي تباشر اعمالها عن طريق إنابة المحامين العاملين فيها ،وبناء على ذلك يحق للمحامي ان ينيب غيره طالما وان موكله لم يشترط عليه ان يقوم بالعمل بنفسه وإلا ما الفائدة من نص المادة (58) محاماة التي أعطت المحامي الحق في إنابة غيره?.

الوجه الثاني: الإنابة حق قانوني للمحامي الاصيل في القانون والقضاء المصري:

إنابة المحامي غيره من المحامين في الحضور أو المرافعة دون توكيل خاص، حق كفله القانون، فورد ذلك في القانون رقم 17 لسنة 1983 بشأن إصدار قانون المحاماة المصري وتعديلاته.

فقد نصت المدة 56 من قانون المحاماة المصري على أن (للمحامي سواء كان خصما أصليا أو وكيلًا في دعوى أن ينيب عنه في الحضور أو في المرافعات أو في غير ذلك من إجراءات التقاضي محاميًا آخر تحت مسئوليته دون توكيل خاص ما لم يكن في التوكيل ما يمنع ذلك).

وقد قررت هذا الحق أحكام عدة صادرة عن محكمة النقض المصرية منها الآتي:

1- قضت محكمة النقض المصرية في (الطعن رقم 83 لسنة 56 ق – جلسة 21/1 /1992 – س43 ج1 ص 200) أن للمحامى أن ينيب عنه فى اجراءات التقاضى محاميًا آخر تحت مسئوليته دون توكيل خاص ما لم يكن في توكيله هو ما يمنع ذلك. عرض الصلح على طرفي النزاع في حضور المحامي الذي أنابه وكيل المطعون ضدها في الحضور عنه ورفضه كافٍ لإثبات عجز المحكمة عن الإصلاح.

2- قضت محكمة النقض المصرية في (الطعن رقم 312 لسنة 63 ق – جلسة 5/1 /1998 – س49 ج1 ص 57) للمحامي أن ينيب عنه محاميًا ً آخر تحت مسئوليته في إجراءات التقاضي دون توكيل خاص مادة 56 ق 1٧ لسنة 1983، شرطه ألا يكون توكيله يمنع من ذلك، عدم التزام المحامي النائب بأن يثبت للمحكمة وكالته حسبها الأخذ بما يقرره أمامها تحت مسئوليته من نيابته عن زميله الغائب.

3- قضت محكمة النقض المصرية في (الطعن رقم 3996 لسنة 69 ق – جلسة 16/1 /2020) أن المحامي حقه في إنابة محامٍ آخر تحت مسئوليته لمباشرة إجراءات التقاضي دون توكيل خاص، الاستثناء: تضمن توكيله ما يمنع ذلك، مؤداه: حق المحامي المقبول أمام محكمة النقض في التوقيع على صحيفة الطعن نيابة عن المحامي الأصيل، شرطه: كون توكيل الأصيل له لايحظر إنابة غيره، مادة 56 من قانون المحاماة 1٧ لسنة 1983.

4- قضت محكمة النقض المصرية في (الطعن رقم 3996 لسنة 69 ق – جلسة 16/1 /2020) أن المحامي رافع الطعن نيابة عن وكيل الطاعنين بموجب توكيلات تبيح توكيل غيره، مقتضاه: عدم الحاجة لتقديم توكيل من الطاعنين له، مؤداه: الدفع بعدم قبول الطعن غير سديد (إنابة المحامين غيره، علي عبد الجواد، ص2).

الوجه الثالث: امدى لزوم إذن الموكل للمحامي الاصيل بالإنابة:

في الواقع العملي يظهر أن هناك من يذهب الى ان الانابة لاتجوز الا إذا تضمنت الوكالة الصادرة من الخصم للمحامي انه يجوز للمحامي أن ينيب أو يوكل غيره أي لزوم ان يأذن الموكل للمحامي الأصيل بإنابة غيره ،والإذن بالإنابة يرد دوماً في نهاية وثيقة التوكيل للمحامي الأصيل، وذلك في العبارة المألوفة في اليمن (وللمحامي الحق في إنابة من يراه) ،غير ان قانون المحاماة اليمني وغيره من القوانين العربية قد منحت المحامي الاصيل الحق في إنابة غيره سواء اذن له الموكل أم لم يأذن .

غير أنه لا يجوز للمحامي الأصيل أن ينيب المحامي تحت التمرين الذي لم يكمل ستة أشهر من التدريب وفقاً للمادة (44) من قانون المحاماة اليمني.

الوجه الرابع: توكيل بعض الورثة أو الشركاء للمحامي:

سبق القول ان المحامي يستمد صفته في تمثيل موكله والترافع نيابة عنه يستمد ذلك من الوكالة الصادرة له من موكله، فلكل وارث او شريك في شركة أو تركة شائعة لم يتم تقسيمها لكل واحد من الورثة أو الشركاء صفة ومصلحة في رفع الدعوى أو الرد عليها أصالة عن نفسه لحماية نصيبه أو حصته الشائعة في كل اجزاء أموال التركة أو الشركة الشائعة، فاذا قام بعض الورثة أو الشركاء فقط بتوكيل محام برفع الدعوى أو الرد عليها فان ذلك جائز لوجود الصفة والمصلحة ، بيد أن الحكم الذي يصدر في الخصومة لا يكون حجة إلا في مواجهة الشريك أو الوارث الذي قام بتوكيل المحامي للترافع نيابة عنه لحماية أموال الشركة أو التركة الشائعة عملاً بمبدأ نسبية حجية الأحكام، فحجية الأحكام قاصرة على أطرافها.

الوجه الخامس: حضور الشريك أو الوارث الوكيل عن بقية الشركاء وعدم رده على الدعوى بوجب الوكالة عمن وكله:

مجرد حضور الشريك أو الوارث الوكيل عن بقية الشركاء جلسات المحاكمة دون ان يبدي صفته أو وكالته عن بقية للشركاء أو الورثة لايعد تمثيلا لهم طالما انه لم يبرز صفته تلك ولم يقم باثباتها في محضر جلسة المحكمة وطالما انه لم يرد على الدعوى، وعلى ذلك فان الحكم الصادر في الدعوى لايكون حجة على بقية الشركاء أو الورثة، والله اعلم.

المركز القانوني للمحامي المناب
المركز القانوني للمحامي المناب