عدم قيام البائع بتسليم مستندات المبيع العقاري

 عدم قيام البائع بتسليم مستندات المبيع العقاري

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

وفقاً لقانون التوثيق اليمني ولائحته التنفيذية فأنه يجب على البائع في البيع العقاري أن يسلم أصول مستندات المبيع إلى المشتري للتدليل على تسليم البائع للمبيع حتى يتمكن المشتري من إستكمال الإجراءات القانونية كالتعطيل للأصول والتوثيق لوثيقة شراء العقار وذلك لدى قلم التوثيق المختص ثم قيام المشتري بتسجيل الوثيقة في السجل العقاري وفقاً لقانون السجل العقاري ، فإذا امتنع البائع عن تسليم أصول المستندات فأنه يحق للمشتري عندئذ أن يحبس عنده جزءاً من ثمن العقار حتى يفي البائع بإلتزامه القانوني بتسليم أصول المستندات ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7-10-2010م في الطعن رقم (42952)، وقد ورد ضمن أسباب ذلك الحكم: ((اما السببان الثاني والثالث من أسباب الطعن وفحواهما بطلان الحكم المطعون فيه المؤيد للحكم الابتدائي بإلزام الطاعن بتسليم وثائق العقار المبيع قبل إستلام ما تبقى له من ثمنه والحكم عليه بالمصاريف إلى آخر ما جاء في الطعن بهذا الشأن، والدائرة تجد: أن هذا النعي مردود عليه : لأن الطاعن البائع عند إبرام العقد لم يسلم أصول مستندات المبيع والتزم بإحضارها إلى كاتب العقد خلال مدة ستة أشهر من تاريخ إبرام عقد البيع إلا أن الطاعن لم يقم بذلك مما حدا بالمشتري المطعون ضده إلى مطالبة البائع بتسليم أصول المبيع، مما يستوجب رفض الطعن بهذا الخصوص))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: ماهية مستندات المبيع العقاري:

المقصود بهذه المستندات هي: المستندات الدالة على ملكية البائع للعقار محل عقد البيع، كالوثيقة التي تثبت إنتقال ملكية العقار إلى البائع عن طريق شرائه للعقار من غيره وهي ما تسمى بالبصيرة أو الحجة، وقد يكون سند ملكية البائع ما يسمى بالفصل أو الفرز أو التخروج الذي يدل على انتقال العقار إلى البائع عن طريق الإرث من غيره، كما قد يكون سند ملكية البائع وثيقة نذر أو هبة أو عطية أو وصية أو غيرها من التصرفات الناقلة للملكية.

ويندرج أيضا في مفهوم مستندات المبيع أو البيع العقاري الوثائق السابقة على التصرف الناقل للملكية إلى البائع ، وهو ما يطلق عليه في اليمن الأمهات مثل الوثيقة التي تدل على ملكية البائع السابق اوالتي تدل على ملكية المورث الذي انتقلت منه الملكية إلى وارثه البائع ،وكذا وثائق ملكية الواهب إلى البائع أو الناذر أو الموصي.

ويدخل كذلك في مفهوم مستندات المبيع العقاري تراخيص البناء للعقار وإتفاقيات تزويد العقار بالخدمات العامة كالماء والكهرباء والهاتف، والوثائق الخاصة بالحقوق المتعلقة بالعقار كحق الإرتفاق أو رهن العقار.

والمقصود بمستندات الملكية العقارية في هذا الشأن: أصول هذه المستندات، لأن الحجية لأصول المستندات وليس صورها.

الوجه الثاني: وجوب إبراز البائع للعقار لمستندات ملكيته قبل إبرام عقد البيع العقاري:

من شروط عقد البيع في الشريعة والقانون أن يكون البائع مالكاً لما يبيع، ومؤدى ذلك أنه يجب على البائع إثبات ملكيته قبل التلفظ بالإيجاب والقبول حتى يتم التحقق من أنه مالك للمبيع، ولذلك فأنه يجب على البائع أن يبرز أمام الكاتب الذي سيتولى تحرير عقد البيع كافة أصول مستندات ملكيته للعقار المراد بيعه، وبعد التحقق من ملكية البائع للعقار الذي يعتزم بيعه من خلال دراسة أصول مستندات الملكية المشار إليها يتم إبرام عقد البيع عن طريق تلفظ البائع بالإيجاب بالعبارة الصريحة بصيغة الماضي (بعت) على أن تشمل صيغة الإيجاب كافة الشروط التي سبق الإتفاق عليها بين البائع والمشتري ،كأن يقول البائع (بعت الأرضية المملوكة لي في مكان كذا وذلك بمبلغ كذا...إلى المشتري فلان) فيرد عليه المشتري بصيغة القبول المطابقة للإيجاب ،كأن يقول المشتري (قبلت شراء الأرض الكائنة بكذا المملوكة لفلان بمبلغ كذا) ، وعندئذٍ يكون عقد البيع قد تم، وعندئذٍ يقوم البائع بتسليم أصول مستندات ملكية المبيع ويقوم المشتري بتسليم ثمن المبيع إلى البائع ثم يتم تدوين بيانات عقد البيع في الدفتر المخصص لذلك ويتم التوقيع عليه من قبل البائع والمشتري والشهود والموثق أو الأمين الذي سيتولى تحرير عقد البيع، وتظل مستندات المبيع لدى الأمين الشرعي أو الموثق الذي يتولى تحرير وثيقة عقد البيع حتى يقوم بالإسترشاد بالبيانات الواردة فيها عند تحرير العقود، وحتى يقوم أيضاً بتعطيلها وهو التأشير بظاهرها كتابة بما يفيد إنتقال ملكية ما ورد فيها إلى المشتري الجديد ثم يسلم الموثق أو الأمين (البصيرة) إلى المشتري ومعها أصول المستندات بعد تعطيلها (مهارات الصياغة القانونية، أ.د. عبدالمؤمن شجاع الدين، ص26).

الوجه الثالث: إلتزام البائع بتسليم مستندات ملكية المبيع ،وصحة البيع ولو لم يسلم البائع مستندات المبيع:

سبق القول أن الشريعة والقانون يشترطا أن يكون البائع مالكاً يبيع ،ولذلك يجب على البائع إبراز أصول المستندات التي تدل على ملكيته للعقار الذي يعتزم بيعه، كما أنه ينبغي أن يقوم الموثق والأمين الشرعي بدراسة هذه المستندات قبل تحرير أو كتابة عقد البيع (البصيرة) حتى تكون بيانات البصيرة مطابقة تماماً لأصول المستندات، كما أنه ينبغي على الموثق أو الأمين تعطيل أصول مستندات ملكية العقار بما يفيد إنتقال العين المذكورة فيها إلى المشتري الجديد، وكذا فأنه يجب توثيق وثيقة البيع (البصيرة الجديدة) لدى قلم التوثيق المختص ومن ضمن إجراءات التوثيق وفقاً لقانون التوثيق اليمني هو التحقق من وجود أصول المستندات التي تم بموجبها البيع حيث تتطلب إجراءات التوثيق مطالعة الموثق لأصول المستندات للتأكد من ملكية البائع لما باعه وكذا التحقق من تطابق بيانات البصيرة الجديدة مع أصول المستندات فضلاً عن التحقق من صحة وسلامة أصول المستندات، وكذلك الحال بالنسبة لإجراءات السجل العقاري التي تتطلب مطالعة المختصين في السجل العقاري لأصول المستندات للتأكد من صحة أصول المستندات وتطابقها مع البصيرة الجديدة.

والأهم من هذا وذاك أن تسليم البائع لأصول مستندات ملكية العقار بمثابة تسليم العقار ذاته لأنه يتعذر تسليم العقار حقيقة وإنما يتم تسليمه بالتخلية، ولذلك ظهرت قاعدة أن تسجيل العقار لدى السجل العقاري يقوم مقام التسليم للعقار.

ومع أن تسليم مستندات ملكية العقار إلتزام شرعي وقانوني يقع على عاتق البائع، بيد أن تسليم أصول تلك المستندات ليس شرطاً أو ركناً في عقد البيع، وبناءً على ذلك فإن عقد البيع يكون صحيحا وحجة بين البائع والمشتري ،غير أنه لا يكون محرراً رسمياً ولا يكون له حجية في مواجهة غير البائع والمشتري، وفي هذا المعنى نصت المادة (31) من قانون التوثيق اليمني على أن (تكون للمحررات الموثقة من قبل الموثق حجية المحررات الرسمية مالم يثبت تزويرها أو بطلانها بالطرق القانونية، اما المحررات الناقلة للملكية العقارية والرهن العقاري فلا تكتسب هذه المحررات الحجية إلا بين طرفيها فقط اما حجيتها امام الكافة فلا تكون إلا بعد تسجيلها في السجل العقاري).

وقد سبق القول: بأنه يترتب على عدم تسليم البائع لأصول المستندات تعذر توثيق بصيرة الشراء لدى قلم التوثيق وتعذر تسجيلها في السجل العقاري.

الوجه الرابع: تعمد البائع إخفاء بعض مستندات ملكيته للمبيع:

في بعض الحالات يتعمد البائع عدم تسليم بعض مستندات المبيع، أو إدعاء فقدانها، ولا شك أن إذا كانت المستندات التي يخفيها البائع هي التي تدل على ملكيته كبصيرة شرائه من الغير أو فصله من تركة مورثه أو الوصية أو الهبة الصادرة له فعندئذٍ لا يجوز إبرام العقد أو تحرير التصرف، غير أنه إذا كانت المستندات التي يدعي البائع فقدانها أو يخفيها غير ما تقدم فيجوز إبرام العقد وتحريره ويتم تضمين البصيرة عبارة (أن البائع قد قام بتسليم المستندات الآتية.... إلى المشتري، وقد اقر البائع بأنه إذا ظهرت أية مستندات أخرى فلا عمل عليها ولا يحتج بها).

الوجه الخامس: جواز اللجوء إلى القضاء لإلزام البائع بتسلم أصول مستندات المبيع:

سبق القول: بأن تسليم البائع لأصول مستندات ملكيته للمبيع واجب شرعي وقانوني على عاتق البائع يجب عليه الوفاء به إختياراً أو جبراً ، ولذلك يحق للمشتري أن يطلب من القضاء إلزام البائع بتسليم أصول المستندات مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا.

ويتعمد بعض البائعين عدم تسليم بعض مستندات العقار المبيع كي يقوموا بإبتزاز المشتري لاحقاً والحصول على مبالغ أخرى مقابل تسليمهم لتلك المستندات كما أن بعض البائعين يحتفظ ببعض المستندات كي يتصرف في العقار مرة أخرى، والله اعلم.

عدم قيام البائع بتسليم مستندات المبيع العقاري
عدم قيام البائع بتسليم مستندات المبيع العقاري