جواز التحكيم الاختياري في الدعاوى العمالية

جواز التحكيم الاختياري في الدعاوى العمالية

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
حدد قانون العمل اليمني في المادة (5) المسائل التي لا يجوز التحكيم فيها وليس من بينها المنازعات أو الدعاوى العمالية ، أو الدعاوى المتبادلة فيما بين العامل وصاحب العمل، ومن جهة ثانية فقد كان قانون العمل يتضمن نصوص خاصة تقرر إختصاص اللجنة التحكيمية العمالية بنظر القضايا العمالية، وهذا النوع من التحكيم هو تحكيم إجباري بقوة القانون وليس إختيارياً، حسبما ذهب أستاذنا المرحوم الأستاذ الدكتور أحمد أبو الوفاء، في كتابه القيم (التحكيم الاختياري والتحكيم الاجباري) ومن جهة ثالثة فقد نصت المادتان (6 و 7) من قانون العمل اليمني على أن حقوق العامل المقررة في قانون العمل تمثل الحد الأدنى من الحقوق وأنه لا يجوز الإنقاص منها أو الإتفاق على خلافها، وعلى هذا الأساس يجوز التحكيم الإختياري عن طريق إتفاق العامل مع صاحب العمل على إختيار هيئة تحكيم أو محكم للفصل في النزاع القائم بينهما.
غير انه إذا كان قانون العمل قد تضمن نصوصا تنص على أن الاختصاص بنظر المنازعات العمالية ينعقد للجنة التحكيمية العمالية فانه لايجوز شرط التحكيم وهو الذي يرد كبند من بنود عقد العمل وهو عبارة عن شرط مسبق على حسم اية خلافات قد تقع في المستقبل بين العامل وصاحب العمل ، اما إذا لم توجد في قانون العمل نصوص تنص على اختصاص اللجان التحكيمية العمالية بنظر المنازعات العمالية فان شرط التحكيم يكون جائزا في هذه الحالة، وقد اشار إلى هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 11-7-2010م في الطعن رقم (43572)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: ((وحيث أن دعوى بطلان حكم التحكيم تنصب أسبابها في بطلان حكم المحكم لتكييفه موضوع الخصومة بين المدعي والمدعى عليه على أنها قضية عمالية وليست قضية تجارية وإغفاله مناقشة مستندات مدعي البطلان المؤيدة لدعوى شراكته للمدعى عليه بحسب دعواه، وبما أن أحكام قانون التحكيم في المادة (29) قد الزمت المحكم التقيد بموضوع التحكيم المحدد في إتفاق التحكيم وعدم الخروج عنه ، وذلك لأن التحكيم هو طريق استثنائي ومن ثم فهو مقصور على ما تنصرف إليه إرادة المحتكمين إلى عرضه على المحكم، ولما كان الأمر كذلك وكان الثابت من إتفاق التحكيم المذكور آنفاً أن الشراكة المدعى بها لم تكن موضوعاً لإتفاق التحكيم فإن ما ذكره الطاعن ليس من حالات بطلان حكم التحكيم، كما أن ما نعاه الطاعن في هذا الشأن ليس من حالات الطعن بالنقض، مما يتعين معه رفض الطعن))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: أساس التحكيم بصفة عامة هو رضاء الخصوم وإختيارهم للمحكم:

ولاية القضاء ولاية إجبارية يقررها القانون، في حين أن ولاية التحكيم تنشأ بموجب إرادة الأشخاص وإختيارهم التي تتم عن طريق إتفاق الخصوم بعد حدوث النزاع اتفاقهم على حسمه عن طريق محكمين يقوم الخصوم بتعيينهم أو تحديدهم في إتفاق تحكيم.
وترجع افضلية حسم النزاعات عن طريق التحكيم إلى أن عماد التحكيم التراضي بين الخصوم وأنه وسيلة أسرع من القضاء في فصل الخصومات وغير ذلك، وعلى هذا الأساس فقد نظمت الدول التحكيم في قوانين وطنية كما نظمته إتفاقيات وقواعد دولية.
ومن هذا المنطلق فإن النزاعات التي تقع بين العمال وأصحاب العمل يمكن تسويتها عن طريق التحكيم للاستفادة من مزايا التحكيم.

الوجه الثاني: الدعاوى العمالية لم ترد ضمن المسائل التي لا يجوز التحكيم فيها:

الأصل أن التحكيم جائز في كل المسائل حسبما هو مقرر في قانون التحكيم الذي اكتفى بتحديد المسائل التي لا يجوز التحكيم فيها حيث ذكرها على سبيل الحصر، ومعنى ذلك أنه يجوز التحكيم في كافة المسائل الأخرى عدا المسائل التي لم يرد ذكرها ضمن المسائل التي لا يجوز التحكيم فيها، وفي هذا الشأن نصت المادة (5) من قانون التحكيم اليمني على أنه (لا يجوز التحكيم فيما يأتي: -أ- الحدود واللعان وفسخ عقود الزواج –ب- رد القضاة ومخاصمتهم – جـ- المنازعات المتعلقة بإجراءات التنفيذ جبراً – د- سائر المسائل التي لا يجوز فيها الصلح –هـ- كل ما يتعلق بالنظام العام).
وبما أنه لم يتم ذكر المسائل أو الدعاوى العمالية أو المسائل العمالية ضمن المسائل التي لا يجوز التحكيم فيها فأنه من الجائز التحكيم في المسائل العمالية وفقاً لما ورد في قانون التحكيم.

الوجه الثالث: جواز التحكيم الإختياري وفقا لقانون العمل:

سبق القول بانه يجوز التحكيم الاختياري في المسائل العمالية وفقا لقانون التحكيم اليمني ، إضافة إلى أن قانون العمل اليمني قد نظم التحكيم في القضايا العمالية وجعل ذلك التحكيم إجبارياً على صاحب العمل والعامل، على أساس الأفضليات والمزايا التي يحققها الفصل في النزاعات عن طريق التحكيم. (التحكيم الاختياري والتحكيم الاجباري، استاذنا المرحوم الاستاذ الدكتور أحمد أبو الوفاء ،ص152).
وقد كان نظام التحكيم الإجباري في قانون العمل اليمني من أهم مظاهر التحكيم الإجباري في النظام القانوني اليمني بصفة عامة، إلا أنه قد صدر مؤخراً من الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا في (صنعاء) حكم بعدم دستورية المواد الواردة في قانون العمل اليمني بشأن التحكيم الإجباري للجنة التحكيمية العمالية ، وبموجب ذلك صار الإختصاص بنظر القضايا والنزاعات العمالية معقوداً للقضاء العادي في اليمن، بيد أن ذلك لا يخل بجواز التحكيم الاختياري في المسائل العمالية.

الوجه الرابع: النظام العام في قانون التحكيم والنظام العام في قانون العمل:

في الوجه الثاني سبق أن عرضنا المادة (5) من قانون التحكيم التي صرحت بأنه لا يجوز التحكيم في (كل ما يتعلق بالنظام العام)، والمسائل المتعلقة بالنظام العام التي لا يجوز التحكيم فيها هي: المسائل المتعلقة بالحقوق والمصالح العامة المقررة لأفراد المجتمع ككل أو المسائل التي حدد القانون وسيلة أو طريقة معينة للفصل فيها غير التحكيم ، وكذا الإتفاق على التحكيم على خلاف ماورد في النصوص القانونية الامرة .(الدفوع المتعلقة بالنظام العام، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص8).
في حين نصت الفقرة (1) من المادة (7) من قانون العمل اليمني على (1- عدم جواز تنازل أو إبراء حقوق مترتبة للعمال عن عقد العمل إذا كان ذلك مخالفاً لأحكام هذا القانون)، ومفاد هذا النص أنه لا يجوز أن يتنازل العامل من تلقاء نفسه عن حقوقه أو بعضها المترتبة عن عقد العمل ، كما أن هذا النص يعني عدم جواز تصالح العامل مع صاحب العمل على إسقاط العامل لبعض حقوقه، غير أن هذا النص لا يعني عدم جواز التحكيم الجوازي في المنازعات بين العامل وصاحب العمل، وإنما يجب على هيئة التحكيم أو المحكم عند الحكم عدم المساس أو الإنتقاص من حقوق العامل المترتبة على عقد العمل.

الوجه الخامس: إتفاق التحكيم الجوازي بين العامل وصاحب العمل وشرط التحكيم:

في ظل وجود نص أو نصوص في قانون العمل تنص على أن اللجنة التحكيمية العمالية هي المختصة بنظر منازعات العمل أو القضايا العمالية في هذه الحالة لا يجوز لصاحب العمل أن يضمن عقد العمل بنداً ينص على أنه (عند حدوث أي خلاف بسبب هذا العقد أو تفسيره أو تنفيذه فيتم حسمه عن طريق التحكيم أو هيئة تحكيم) ، وهو ما يسمى ب( شرط التحكيم) الذي يتم من خلاله الإتفاق ضمن بنود عقد العمل على التحكيم قبل حدوث النزاع وليس قبله :، لأن شرط التحكيم في هذه الحالة يخالف قانون العمل الذي نص صراحة على إختصاص اللجان التحكيمية العمالية بنظر منازعات العمل التي تقع فيما بين العامل وصاحب العمل.
اما إتفاق التحكيم فهو يتم بين العامل وصاحب العمل عند حدوث النزاع بينهما بالفعل حيث يكون التحكيم بهذا المفهوم جائز سواءً في ظل وجود نصوص في قانون العمل تنص على أن يتم حسم منازعات العمل من قبل اللجان التحكيمية العمالية أو لم توجد هذه النصوص، لأن التحكيم الإختياري بين العامل وصاحب العمل جائز قانوناً حسبما تقدم بيانه.

الوجه السادس: مزايا حسم منازعات العامل مع صاحب العمل عن طريق التحكيم الإختياري:

المزايا التي تتحقق في هذا الجانب تكون لصالح الطرفين العامل وصاحب العمل، ومن أهم هذه المزايا: أن جلسات التحكيم علنيتها في التحكيم محدودة بحدود هيئة التحكيم وأطراف النزاع وهما العامل وصاحب العمل، فلا يحضر الجمهور جلسات التحكيم كما هو الحال في جلسات المحكمة العمالية أو اللجان العمالية، كذلك لا يتضرر العامل أو صاحب العمل من عرض بعض المسائل التي قد تكون سرية بالنسبة للعامل أو صاحب العمل أثناء إجراءات التحكيم، خاصة أن العامل قد يتعمد أمام القضاء أو اللجنة العمالية مطالبة صاحب العمل بإبراز كافة المستندات المتعلقة بحقوقه لعدة سنوات مثل كشوفات ومستندات الرواتب والإجازات والمكافآت...إلخ، لأن قانون الاثبات يجيز للعامل مطالبة صاحب العمل بتلك المستندات ،لأن صاحب العمل هو الذي يحتفظ قانوناً بتلك المستندات ،فقانون الإثبات يجيز للخصم أن يطالب خصمه بتقديم المستندات المشتركة مع خصمه المحفوظة لديه ولو كانت هذه المستندات ضد الخصم الذي يحتفظ بها، إضافة إلى أن إجراءات التحكيم أقصر مدة من حيث إجراءات التقاضي، فضلاً عن أن العامل الذي يلجأ إلى القضاء لمقاضاة صاحب العمل يكون حظه ضئيلاً في العودة إلى عمله لدى صاحب العمل الذي يقاضيه وفي الوقت ذاته فإن حظه يكون ضئيلاً أيضا في الحصول على فرصة عمل أخرى لدى الغير، لأن أصحاب العمل يحجموا عن تشغيل العمال الذين سبق لهم مقاضاة اصحاب العمل، اذ الذي يطلق في اليمن على العمال الذين يتركوا عملهم السابق بعد منازعة أمام القضاء (العمال المشارعون)، والله أعلم.
جواز التحكيم الاختياري في الدعاوى العمالية
جواز التحكيم الاختياري في الدعاوى العمالية