الفرق بين التوكيل في الخصومة والتوكيل في التصرفات الاخرى


الفرق بين التوكيل في الخصومة و التوكيل في التصرفات الاخرى
الفرق بين التوكيل في الخصومة و التوكيل في التصرفات الاخرى.

الفرق بين التوكيل في الخصومة والتوكيل في التصرفات الاخرى

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

قانون المرافعات هو القانون الذي ينظم إجراءات التقاضي، ولذلك يطلق عليه في بعض الدول قانون النظام القضائي او قانون أصول المحاكمات، وعلى هذا الأساس فإن نصوص قانون المرافعات هي الواجبة التطبيق فيما يخص إجراءات التقاضي بما فيها التوكيل في الخصومة المنظورة أمام  القضاء ، وعلى هذا الأساس فإن التوكيل في الخصومة  هو أساس صفة الوكيل في مباشرة إجراءات التقاضي وتمثيل  موكله أمام  القضاء ، فالصفة  هي الإجراء الاولي الذي تبنى عليه اجراءات التقاضي التي تليه ، ولذلك ينبغي أن يصدرالتوكيل الخصومة  في تاريخ سابق على مباشرة الوكيل لإجراءات التقاضي بالوكالة عن موكله، فالصفة في التقاضي يجب أن تكون متحققة قبل مباشرة الوكيل لاجراءات  التقاضي ، ولذلك لا  تنطبق على التوكيل بالخصومة المادة (909) مدني التي نصت على أن الإجازة اللاحقة في حكم الوكالة السابقة، بيد انه في الطعون يمكن تصحيح صفة الوكيل أثناء ميعاد الطعن ، ولا يجوز تصحيح الصفة بعد إنقضاء ميعاد الطعن، وكذا ينبغي عند إحتساب  ميعاد الطعن اضافة ميعاد المسافة المحدد في المادة (110) مرافعات ،حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 24-5-2011م في الطعن رقم (52207)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه : ((اما الشق الثاني المستخلص من أسباب الطعن فهو قول الشركات الطاعنة: أن توفر الصفة عند رفع الاستئناف إجراء قضائي من النظام العام، الذي لم ينظمه القانون لمصلحة الخصوم وإنما لمصلحة النظام القضائي، لذلك لا تجوز مخالفته، ويجب أن يتم بالكيفية المنصوص عليها في المادتين (74 و 279) مرافعات، ولذلك فإن تفسير المحكمة الاستئنافية لنص المادة (909) مدني مما لا يحتمله النص حيث اعتبرت الإجازة اللاحقة في إجراء قضائي جائزة مثل الإجازة في العقود والتصرفات كالبيع والشراء ، في حين أن الإجراء القضائي الباطل لا يمكن تصحيحه على النحو الوارد في المادة (909) مدني، ذلك أن الوكالة اللاحقة في التقاضي لا تصحح الإجراءات السابقة .

والدائرة:  تجد انه كان ينبغي على محكمة الاستئناف معالجة الأمر في نطاق الأحكام الواردة في قانون المرافعات إعمالاً للقاعدة التي تقرر أن الخاص يقيد العام، فقانون المرافعات كما هو معلوم قانون خاص موضوعه بيان القواعد التي يتعين على الأشخاص إتباعها للحصول على حقوقهم ، وتلك الاجراءات التي يجب على المحاكم إتباعها للفصل في الدعاوى التي ترفع إليها، كما يشمل الإجراءات والأوضاع الواجب على الأشخاص إتباعها في رفع خصوماتهم إلى القضاء والاجراءات التي يجب على المحاكم اتباعها في حسم هذه المنازعات، وعليه : فإن حكم المادة (909) مدني الذي عوّلت عليه المحكمة الاستئنافية لا يغني عن إتباع القواعد الخاصة الواردة في قانون المرافعات والبحث في نطاقها ، ومن ذلك البحث في حكم المادة (110) مرافعات، وما إذا كان النص يسري في حق الشركات المستأنفة من عدمه، وذلك بالنظر إلى أن موطن هذه الشركات يقع خارج حدود الجمهورية اليمنية في دولة أخرى، ومن ثم فإن من حق هذه الشركات الأجنبية الاستفادة من ميعاد المسافة المنصوص عليه في المادة (110) مرافعات حيث يضاف إلى ميعاد الاستئناف القانوني لخصومة التنفيذ ستون يوماً ميعاد مسافة، كما أنه من المعلوم فقهاً وقضاءً جواز تصحيح العيب الذي لحق بالصفة في الطعون في المواعيد التي حددها القانون وبشرط أن يتم التصحيح في الميعاد الذي حدد القانون للطعن))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: وقت صدور التوكيل بالخصومة وفقاً لقانون المرافعات:

من خلال إستقراء النصوص القانونية في قانون المرافعات المنظمة للتوكيل  بالخصومة يظهر أن الوكالة بالخصومة: يجب أن تكون صادرة  للوكيل في تاريخ  سابق قبل مباشرة الوكيل لإجراءات التقاضي بالوكالة عن موكله، ويظهر ذلك من سياق النصوص المنظمة للتوكيل بالخصومة في قانون المرافعات، فقد نصت المادة (74) مرافعات على أنه (لا ينصب أحد خصماً عن غيره بصفته ممثلاً له في الدعاوى إلا بوكالة أو ولاية أو وصاية)، فهذا النص اشترط أن تكون صفة الوكيل متحققة قبل مباشرته لأي إجراء من إجراءات التقاضي بالوكالة عن غيره، وبناءً على ذلك يفهم من هذا النص أن الوكالة بالخصومة ينبغي أن تكون موجودة قبل مباشرة الوكيل بالخصومة للإجراء القضائي أي ينبغي أن يكون  تاريخ التوكيل سابق على مباشرة الوكيل لاجراءات التقاضي وتمثيل موكله أمام القضاء  .

ونص المادة (74) مرافعات السابق ذكره وإن كان قد ورد في باب الدعوى وشروط قبولها إلا أن نطاق تطبيقه عام يشمل الطعون كذلك ، فمن المتفق عليه في القانون والفقه والقضاء أنه يجب أن تكون للوكيل بالخصومة صفة عند تقديمه للطعن نيابة عن موكله.

وقد قضت محكمة النقض المصرية بأن (الطعن في الأحكام يلزم فيه توكيل خاص أو عام. وجوب أن يكون التوكيل ثابتًا وقت التقرير بالطعن. عدم حمل المحامي توكيلاً يبيح له التقرير بالطعن عن المحكوم عليه وقت التقرير به. أثره: عدم قبول الطعن شكلاً).

الوجه الثاني: التحقق من صفات الخصوم إجراء أولي في التقاضي:

من الإجراءات الأولية التي يباشرها القاضي الحصيف  قبل السماح للخصوم أو وكلائهم بمباشرة  أي إجراء من اجراءات التقاضي كتقديم مذكرات  أو الإستماع إلى أقوالهم أو حضورهم  جلسات المحاكمة وإثبات حضورهم  كخصوم هو تحقق القاضي  من صفات الخصوم ووكلائهم، إذ يتحقق  القاضي من صفات الخصوم ووكلائهم قبل مباشرتهم لأي إجراء من إجراءات التقاضي، وهذا يدل على أن الصفة إجراء اولي يجب أن تكون سابقة لمباشرة الإجراء القضائي وليس لاحقة له، بإعتبار الصفة المدخل القانوني لمباشرة حق التقاضي، ولأن الصفة من النظام العام الذي يحرسه القاضي، ولذلك يحق للمحكمة أن تقضي من تلقاء ذاتها بعدم قبول الدعوى أو الدفع أو الطلب أو الطعن إذا تبينت المحكمة  أن لا صفة لمقدميها.

الوجه الثالث: صفة الخصوم من النظام العام:

سبق القول أن تنظيم إجراءات التقاضي من النظام العام، إذ ينظم القانون طرق وإجراءات مباشرة الأفراد لحقوقهم القضائية في سبيل المطالبة بحقوقهم أو الدفاع عنها، وسبق القول أيضاً بأن صفة الشخص في التقاضي كأصيل أو وكيل أو نائب أو وصي إجراء الأولي لمباشرة إجراءات التقاضي أو المدخل القانوني السليم لمباشرة إجراءات التقاضي، كما سبق أن ذكرنا أنه يحق للمحكمة من تلقاء ذاتها أن تحكم بعدم قبول الدعوى أو الدفع أو الطلب أو الطعن  لعدم وجود صفة لمقدميها، لذلك كله : فإن صفة الشخص في التقاضي من النظام العام الذي يجب الإلتزام به وعدم مخالفته أو الإتفاق على خلافه.

 وقد قضت محكمة النقض المصرية بأن (المقرر– في قضاء محكمة النقض- أن الصفة فى الطعن من النظام العام تتصدى لها المحكمة من تلقاء نفسها). الطعن رقم ١٠٦٠٨ لسنة ٩٠ قضائيةجلسة السبت الموافق ٢٠ من يونيه سنة ٢٠٢١.

الوجه الرابع: التوكيل بالخصومة وسيلة إثبات صفة الوكيل:

وفقاً للمادة (74) مرافعات فإن التوكيل بالخصومة وسيلة لإثبات صفة الوكيل في تمثيل موكله أمام القضاء ومباشرة إجراءات التقاضي بالوكالة عنه، ويجوز أن يتم تحرير التوكيل قبل مباشرة الوكيل لإجراءات التقاضي عن طريق تحرير التوكيل لدى قلم التوثيق ويجوز أن يتم التوكيل في محضر جلسة المحاكمة قبل أن يشرع الوكيل بمباشرة إجراءات التقاضي عن طريق قيام الموكل الحاضر في جلسة المحاكمة بإملاء توكيله  في محضر الجلسة والتوقيع على المحضر، وفي الحالتين تتحقق صفة الوكيل بالخصومة من تاريخ صدور التوكيل من الموكل أو تلفظه بالتوكيل حتى لو تأخر توثيق التوكيل.

الوجه الخامس: الفرق بين التوكيل بالخصومة والتوكيل في العقود والتصرفات:

خلاصة الفرق بينهما: أن التوكيل في العقود والتصرفات يجوز أن تقوم مقامه الإجازة اللاحقة ، بمعنى أنه يجوز للشخص أن يباشر العقد أو التصرف من غير ان تكون لديه وكالة سابقة من الاصيل وبعد ذلك يحق  للأصيل أن يجيز لاحقاً هذا التصرف أو العقد فيكون صحيحاً عملاً بالمادة (909) مدني التي نصت على ان الإجازة اللاحقة في حكم الوكالة السابقة.

ويتأسس جواز الإجازة اللاحقة بالنسبة للعقود والتصرفات على أساس أن العقود والتصرفات تخضع لسلطان إرادة الأفراد، ولذلك يجوز للافراد التعاقد والتصرف بالطريقة التي تحقق مصالحهم وحقوقهم طالما أن ذلك لا يخالف القانون.

اما التوكيل بالخصومة فقد ذكرنا أنها وسيلة إثبات صفة الوكيل في الترافع عن موكله وتمثيله أمام القضاء ، وان الصفة في الخصومة هي الإجراء الأولي من إجراءات التقاضي، ولذلك فإن الصفة من النظام العام، وبناءعلى ذلك يجب أن تتحقق صفة الوكيل بالخصومة قبل مباشرة أي إجراء من إجراءات التقاضي، فلا يحقق للوكيل بالخصومة وموكله الإتفاق على خلاف ذلك ، ولايحق للاصيل إجازة تصرفات الوكيل بالخصومة السابقة  على التوكيل ،لأن التوكيل  بالخصومة والصفة المترتبة عليه من النظام العام حسبما قضى الحكم محل تعليقنا.

الوجه السادس: جواز تصحيح صفة الوكيل بالخصومة في الطعن أثناء فترة سريان ميعاد الطعن:

إذا كان التوكيل بالخصومة بشأن قيام الوكيل بإعداد طعن أو الرد عليه، وكانت صفة الوكيل غير متحققة عند إعداده للطعن وإيداعه فأنه يجوز تصحيح صفة الوكيل اثناء سريان  ميعاد الطعن، حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، فإذا تم إعداد الطعن أو الرد عليه من غير توكيل أو بتوكيل غير صحيح فأنه يجوز أن يتم إعداد التوكيل الصحيح وإرفاقه مع الطعن أو الرد خلال فترة سريان ميعاد الطعن، اما بعد بذلك فلا يجوز تصحيح صفة الوكيل بالخصومة.

الوجه السابع: وجوب ضم ميعاد المسافة إلى ميعاد الطعن عند إحتساب مدة تقديم الطعن:

 مواعيد الطعون من النظام العام ولذلك يجب على محكمة الطعن من تلقاء ذاتها  ان تتحقق من سلامة إحتساب ميعاد الطعن ، ومن هذا المنطلق فقد قضى الحكم محل تعليقنا بأنه : كان ينبغي على الشعبة الاستئنافية عند إحتساب ميعاد الطعن بالحكم الابتدائي أن تضم إلى ميعاد الطعن ميعاد المسافة المقرر في المادة (110) مرافعات وهو يوم لكل مسافة 25 كيلومتر و 15 يوماً لمن يقع محله في مناطق الحدود أو المناطق الجبلية التي لا تصلها المواصلات الحديثة و 60 يوماً لمن يكون موطنه  خارج اليمن ، ولذلك فقد قضى الحكم محل تعليقنا بإحتساب ميعاد المسافة 60 يوماً إضافة  إلى ميعاد الطعن بالنسبة للشركات الأجنبية الطاعنة، لأن موطنها يقع خارج اليمن.

 وقد صدرت عن محكمة النقض المصرية عدة احكام في هذا الشأن 'فقد قضت (( إن المادة 16 من قانون المرافعات توجب إضافة ميعاد مسافة إلى الميعاد المعين في القانون للحضور أو لمباشرة إجراء فيه ومن ثم يجب أن يضاف إلى ميعاد الاستئناف ميعاد المسافة بين موطن المستأنف ومقر محكمة الاستئناف.

وإذ كان من شأن إضافة ميعاد المسافة إلى الميعاد الأصلى للاستئناف أن يتكون من مجموعها ميعاد واحد هو ميعاد الطعن فى الحكم بطريق الاستئناف، والعبرة فى تحديد الموطن فى هذا المقام هو الموطن الذي اتخذه الطاعن لنفسه في مراحل التقاضى السابقة على الطعن ولو كان له موطن آخر بالبلدة التي بها مقر المحكمة التي أودع فيها صحيفة الطعن )).(الطعن رقم 1827 لسنة 58 جلسة 1997/04/24 س 48 ع 1 ص 674 ق 132)

كما قضت محكمة النقض المصرية بأنه ((إذ جرى نص المادة 16 من هذا القانون ” قانون المرافعات ” على أنه إذا كان الميعاد معينًا في القانون للحضور أو لمباشرة إجراء فيه زيد عليه يوم لكل مسافة مقدارها خمسون كيلو مترًا بين المكان الذي يجب الانتقال منه وبين المكان الذي يجب الانتقال إليه، على أن لا يتجاوز ميعاد المسافة فى أية حالة أربعة أيام، وكان الانتقال الذى يقتضيه القيام بهذا الإجراء فيما يتعلق بتعجيل الدعوى هو انتقال المحضر من مقر المحكمة التي قدمت صحيفة التعجيل إليها إلى محل من يراد إعلانه بها، فإن ميعاد المسافة الذي يزاد على ميعاد إعلان صحيفة التعجيل يحتسب على أساس المسافة بين هذين المحلين .)). (الطعن رقم 839 لسنة 68 جلسة 2010/03/08 س 61 ص 352 ق 54)

 وكذا قضت محكمة النقض المصرية بأن ((مؤدى نصوص المواد 252، 213، 16 من قانون المرافعات أن ميعاد الطعن بطريق النقض ستون يوما تبدأ بحسب الأصل من تاريخ صدور الحكم المطعون فيه، وللطاعن أن يضيف إلى ذلك الميعاد ميعاد مسافة بين موطنه الذي يجب عليه الانتقال منه وبين مقر المحكمة التى يودع قلم كتابها صحيفة طعنه – والتي يجب عليه الانتقال إليها، وذلك في الحدود المبنية في  المادة 16 سالفة الذكر والعبرة في تحديد الموطن في هذا المقام هي بمواطن من له سلطة القيام بالعمل الإجرائي خلال الميعاد…….)).(الطعن رقم 1876 لسنة 55 جلسة 1992/06/08 س 43 ع 1 ص 807 . والله اعلم.