توقيع الخصوم على الصلح أثناء التحكيم
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
الصلح
عقد بين الخصوم ينهي الخصومة ويرفع النزاع القائم بينهم حتى لو كانت هذه الخصومة
منظورة أمام هيئة التحكيم، وبإعتبار الصلح عقد فأنه ينبغي أن تتوفر فيه شروط العقد
، ومن أهمها: رضاء المتعاقدين وان يكون هناك ما يدل على رضاء المتعاقدين وأيضاً
يجب أن يكون هناك ما يدل على صدور عقد الصلح من الخصوم المتعاقدين أنفسهم ونسبة عقد
الصلح إلى الخصوم، لذلك ينبغي التوقيع على
عقد الصلح من قبل الخصوم حتى لو تم الصلح أثناء التحكيم حتى ينسب عقد الصلح إلى
الخصوم، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها
المنعقدة بتاريخ 31-1-2011م في الطعن رقم (45565)، وقد ورد ضمن أسباب ذلك الحكم:
((وحيث أن الشعبة قد استندت في حكمها إلى المادة (46) من قانون التحكيم التي تنص
على أنه (إذا اتفق طرفا التحكيم على تسوية النزاع خلال سير إجراءات التحكيم فعلى
لجنة التحكيم إنهاء الإجراءات وإثبات إتفاق التسوية في صورة وثيقة منهية للخلاف)
ومؤدى ذلك أنه في حالة الإتفاق على تسوية النزاع من قبل أطراف التحكيم فإن على
لجنة التحكيم فرداً أو أكثر من فرد أن تنهي إجراءات التحكيم وان تثبت ما اتفق عليه
أطراف التحكيم من تسوية في صورة وثيقة منهية للخلاف...، وما يقتضيه ذلك من توقيع
الطرفين، وبعودة الدائرة إلى حكم التحكيم فلم تجد الدائرة إثباتاً من المحكم لتلك
الإجراءات التي نصت عليها المادة سالفة الذكر أو وجود لتوقيع الطرفين على ما توصلت
إليه هيئة التحكيم من صلح))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في
الأوجه الآتية:
الوجه الأول: ماهية الصلح:
الصلح خير في الشريعة الإسلامية وفي القانون، ولذلك يجوز أن يتم في أية مرحلة قبل الخصومة واثنائها وبعد صدور حكم فيها، وقد اشرنا إلى هذه المسألة في عدة تعليقات سابقة، وقد عرفت المادة (668) من القانون المدني اليمني الصلح بأنه (الصلح: عقد يرفع النزاع ويقطع الخصومة يحسم به الطرفان نزاعاً قائماً أو يتوقيان به نزاعاً محتملاً وذلك بأن يتنازل كلٍ منهما عن جزء من إدعائه)، وقد أخذ القانون المدني هذا التعريف من معين الفقه الإسلامي.
الوجه الثاني: الفرق بين الصلح والتحكيم:
الصلح
عقد بين الخصوم يتضمن البنود التي توصل إليها الخصوم لحسم الخلاف القائم بينهم، ويرجع
لزوم عقد الصلح إلى إرادة المتعاقدين الذين تراضوا عليه، فالصلح ملزم للمتصالحين بإعتباره
عقد، فالعقد شريعة المتعاقدين، ومقتضى ذلك أنه يجب على المتصالحين تنفيذ ما ورد في
عقد الصلح بحسن نية وفقاً لما هو مقرر في القانون، كما أن عقد الصلح يتضمن الإسقاط
والتنازل المتبادل فيما بين الخصوم المتصالحين أو التنازل من أحد الخصوم
المتصالحين للآخر ، فالصلح يتضمن في معناه التنازل والاسقاط ، حسبما هو مقرر في
كتب الفقه الإسلامي ونص المادة (668) مدني السابق ذكرها، وإذا تخلف أي شرط من شروط
عقد الصلح فيتم رفع دعوى إبطال عقد الصلح امام المحكمة الابتدائية المختصة.
اما
حكم التحكيم فهو صادر من محكم أو هيئة تحكيم لها ولاية بموجب إتفاق التحكيم أو شرط
التحكيم ، وشتان بين الحكم والعقد، إضافة إلى أن حكم التحكيم يتضمن القضاء لصاحب الحق بحقه كاملاً من
غير إسقاط، فلا يجوز للمحكم أن يسقط من الحق الثابت أثناء اجراءات التحكيم، كما
انه إذا تحققت أية حالة من حالات بطلان حكم التحكيم المقررة في المادة (53) تحكيم فأن
الخصم المحكوم عليه بحكم التحكيم يستطيع رفع دعوى بطلان حكم التحكيم أمام محكمة
الاستئناف.
الوجه الثالث: إثبات عقد الصلح بصفة عامة :
يتم
إثبات عقد الصلح بصفة عامة بوسائل الإثبات
المقررة في المادة (13) من قانون الإثبات ، ومنها إقرار الخصوم المتصالحين بالصلح
أو بشهادة شاهدين عدلين، وكذا يتم إثبات عقد الصلح عن طريق الكتابة واليمين.
الوجه الرابع: توقيع الخصوم المتصالحين على عقد الصلح: وتوصيتنا للمقنن اليمني بشان عدم صحة إلزام المدعي بإثبات التوقيعات على المحررات:
تثور
مسألة توقيع الخصوم المتصالحين على عقد الصلح عند إثبات الصلح عن طريق الكتابة ، وهي
الوسيلة الشائعة في الوقت الحاضر لإثبات الصلح، والمقصود بإثبات عقد الصلح
بالكتابة أن تتم كتابة عقد الصلح في وثيقة اما من قبل قلم التوثيق المختص أو قبل الأمين
الشرعي المختص أو من قبل أحد الخصوم المتصالحين أو من غير ما تقدم، وتكون الكتابة
حجة لإثبات عقد الصلح إذا تم التوقيع على وثيقة الصلح من قبل الخصوم المتصالحين،
وقد بينت الفقرة (ج) من المادة (103) من قانون الإثبات اليمني كيفية التوقيع، إذ
نصت تلك المادة على أن (المحررات العرفية اقسام ثلاثة: -ج- محررات مكتوبة بخط
الغير وليس عليها توقيع الخصم ويكون التوقيع على المحرر بالخط أو بالختم أو بصمة
الأصبع)، وكذا بينت المادة (104) إثبات حجية عقد الصلح الذي يتم التوقيع عليه من
قبل الخصوم المتصالحين، إذ نصت هذه المادة
على أنه (يعتبر المحرر العرفي الموقع عليه من الخصم حجة عليه وعلى وارثه أو خلفه
مالم ينكر صراحة ماهو منسوب إليه من خط أو امضاء أو ختم أو بصمة، فإذا لم يقم
المدعي البرهان على الخط حلف المدعى عليه البت والقطع اما الوارث أو خلفه فأنه
يحلف على نفي العلم)،وفي تعليق سابق ذكرنا انه يؤخذ على هذا النص انه الزم المدعي
المتمسك بصحة الخط أو التوقيع أو البصمة پإثبات ذلك ،خلافا لقاعدة: ان الأصل في العقود والتصرفات الصحة ، ومقتضى
هذه القاعدة ان المدعي خلاف الصحة وخلاف الظاهر هو الذي يجب عليه ان يثبت عدم صحة الخط أو
التوقيع أو البصمة ، ولذلك نعيد توصيتنا للمقنن اليمني بإعادة النظر في صياغة هذا
النص.
ووفقا
لقانوني التوثيق والاثبات تكون لعقد الصلح الحجية الرسمية إذا تم تحريره أو توثيقه
بنظر قلم التوثيق، لأن قانون التوثيق ينص صراحة على أن المحررات الموثقة من قبل
اقلام التوثيق المختصة تكون لها حجية المحررات الرسمية.
وعلى
هذا الأساس فقد قضى الحكم محل تعليقنا بأن عقد الصلح المدعى به لم يثبت ، لأن
المطعون ضده قد أنكر صدوره عنه أو موافقته عليه ، في حين عجز الطاعن عن إثبات تمام
الصلح وموافقة المطعون ضده عليه ،لأنه لم
يتم التوقيع عليه من قبل الطاعن والمطعون ضده للتدليل على صدوره منهما ورضاهما به.
الوجه الخامس: إثبات الصلح الذي يتم أثناء إجراءات التحكيم:
استند الحكم محل تعليقنا إلى المادة (46) من
قانون التحكيم التي نصت على أنه (إذا اتفق طرفا التحكيم على تسوية النزاع خلال سير
إجراءات التحكيم فعلى لجنة التحكيم إنهاء الإجراءات وإثبات إتفاق التسوية في صورة
وثيقة منهية للخلاف). وكذا نصت المادة (32) من قانون التحكيم على أنه يجب على
لجنة التحكيم (ضرورة مراعاة احكام هذا
القانون وعدم الإخلال با حكام قانون المرافعات
التي تعتبر من النظام العام)، في حين نصت المادة (165) مرافعات على أنه
(للمحكمة ان ترغب الخصوم بالصلح وتحثهم على ذلك لا ان تجبر أيا منهم عليه وذلك
قبل البدء في نظر الدعوى، فإذا تصالح الخصوم
فعليهم ان يثبتوا ما تصالحوا عليه
في محضر الجلسة ويحرروا به عقد صلح
ويقدموه للمحكمة لإلحاقه بمحضر
الجلسة والتصديق عليه، ويكون له في جميع الاحوال قوة السند الواجب التنفيذ
) .
وفي
ضوء ماورد في النصوص القانونية السابقة فانه إذا تم التصالح بين الخصوم أثناء سير
إجراءات التحكيم، فعندئذٍ يجب أن يقوم الخصوم المتصالحون بالتوقيع على وثيقة الصلح
وبعدئذ يجب تدوين مضمون وثيقة الصلح في
جلسة تعقدها هيئة التحكيم ويتم التوقيع على محضر الجلسة من قبل الخصوم المتصالحين
وهيئة التحكيم،على ان يتم إرفاق عقد الصلح الذي تم التوقيع عليه بمحضر الجلسة التي
تصادق فيها الخصوم على الصلح وقاموا بالتوقيع على المحضر.
وقد يتم التصالح بين الخصوم في جلسة التحكيم من غير أن يكون هناك وثيقة مكتوبة تتضمن الصلح، وعندئذٍ ووفقا لما ورد في المادة (165) مرافعات السابق ذكرها فان ينبغي على الخصوم تحرير عقد الصلح في وثيقة مستقلة يقوموا بالتوقيع عليها للتاكيد على ان عقد الصلح قد صدر منهم وبعد ذلك يتم إملاء ما تصالح عليه الخصوم في محضر الجلسة ويتم التوقيع على المحضر من قبل الخصوم المتصالحين وهيئة التحكيم،ويتم إرفاق عقد الصلح الذي تم توقيعه من الخصوم بمحضر الجلسة التي تم فيها إثبات الصلح ، وبعد ذلك تقوم هيئة التحكيم بإصدار حكمها المتضمن إنتهاء الخصومة التحكيمية بالتصالح، على أساس أن المحكم أو هيئة التحكيم يجب عليها الإلتزام بالإجراءات المقررة في قانون المرافعات حينما تنتهي الخصومة أمام القاضي بتصالح الخصوم، بيد ان الصلح امام المحكم لايجعل عقد الصلح سندا تنفيذيا، لأن المادة (328) مرافعات قد اشترطت في اتفاقيات الصلح التي تكون سندا تنفيذيا ان تتم المصادقة عليها من قبل المحاكم وليس هيئة التحكيم ، فقد نصت المادة المشار إليها على أن (تتحدد السندات التنفيذية فيما يأتي: -4-إتفاقات الصلح المصدق عليها من المحاكم)، والله أعلم.
![]() |
توقيع الخصوم على الصلح أثناء التحكيم |