الحكم الحضوري بالنسبة للمدعى عليه

الحكم الحضوري بالنسبة للمدعى عليه

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

في حالات كثيرة يتعمد المدعى عليه إطالة إجراءات التقاضي وتعطيل إجراءات نظر الدعوى المرفوعة ضده، وقد تضمن قانون المرافعات معالجات قانونية عدة للحيلولة دون محاولات المدعى عليه تعطيل إجراءات نظر الدعوى المرفوعة عليه، ومن ذلك قيام المحكمة بإجراءات النظر في الدعوى في مواجهة منصوب عن المدعى عليه  بعد اعلانه مرتين  بالإضافة إلى الأمر بإحضاره  قهرا ،فاذا لم يحضر للمدعى عليه او تعذر إحضاره قهرا، فعندئذ تباشر المحكمة اجراءات  نظر الدعوى في مواجهة منصوب عن المدعى عليه سواء امتنع عن الحضور نهائياً أو حضر بعض جلسات المحاكمة أو حضر جلسة واحدة ثم تخلف عن الحضور، إذ تقوم المحكمة بموالاة إجراءات النظر والفصل في الدعوى في مواجهة المنصوب عن المدعى عليه الممتنع أو المماطل أو المتهرب حتى صدور الحكم في الدعوى الذي يكون حكماً حضورياً، وفي هذه الحالة لا يحق للمدعى عليه الإدعاء أو النعي على الحكم بأنه غيابي أو ان المحكمة التي اصدرت الحكم قد عطلت مبدأ المواجهة، لأن الحكم الصادر على المدعى عليه في هذه الحالة يكون حضورياً، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 3-10-2011م في الطعن رقم (45462)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: ((وتبين لهذه الدائرة: أن ما توصلت إليه الشعبة المطعون في حكمها وذلك فيما يتعلق بإجراءات المحكمة الابتدائية وطبقاً لما ورد في اسباب  الحكم  الاستئنافي يتفق مع صحيح القانون، ذلك أنه إذا حضر المدعى عليه في أية جلسة من جلسات المحكمة أثناء نظر القضية أو أودع مذكرة بدفاعه اعتبرت الخصومة حضورية في حقه ولو تخلف بعد ذلك، فالخصومة تنعقد بمجرد الحضور وحده دونما حاجة لتوفر أي شرط أو إتخاذ أية مجابهة))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: مصلحة المدعى عليه في تعطيل إجراءات الدعوى المرفوعة عليه:

في غالب الأحيان يكون المدعى عليه هو الحائز الفعلى  للحق المتنازع عليه محل الدعوى. ويكون ظاهر الحال شاهداً للمدعى عليه في حيازته، فيكون المدعى عليه هو المنتفع بالحق محل الدعوى بإعتبار هذا الحق تحت يده وفي حوزته، وعندما يكون المدعي محقاً في دعواه فإن المدعى عليه يخشى من انتزاع المدعي الحق المدعى به من يده عن طريق حكم القضاء ، ولذلك فإن للمدعى عليه  مصلحة ظاهرة في تعطيل إجراءات دعوى خصمه المدعي، ومن هذا المنطلق فقد تضمن قانون المرافعات المعالجات القانونية المناسبة لمواجهة محاولات المدعى عليه تعطيل إجراءات الدعوى المرفوعة عليه، حسبما سيأتي بيانه.

الوجه الثاني: قيام المحكمة بإجراءات نظر الدعوى إذا لم يحضر المدعى عليه:

سواءً حضر المدعى عليه بعض جلسات المحكمة أو لم يحضر نهائياً، فلا يجوز قانوناً أن تكون إجراءات نظر الدعوى رهينة لمشيئة المدعى عليه بعد اعلانه بالدعوى المرفوعة عليه ، ولذلك صرحت المادة (116) من قانون المرافعات اليمني على أن المحكمة تقوم بإجراءات نظر الدعوى المرفوعة ضد المدعى عليه الذي تقاعس أو تهرب أو امتنع عن حضور جلسات المحكمة المخصصة لنظر الدعوى رغم  اعلانه ، وفي هذا المعنى نصت المادة (116) مرافعات على أنه (إذا حضر المدعي ولم يحضر المدَعى عليه رغم إعلانه إعلاناً صحيحاً أمرت المحكمة بإعلانه مرةً أخرى، فإذا لم يحضر بعد إعلانه إعلاناً صحيحاً للمرة الثانية بدون عذر شرعي مقبول أمرت المحكمة باستدعائه بواسطة الشرطة القضائية مع توقيع غرامة مناسبة عليه، فإذا ثبت غيابه أو فراره نصبت المحكمة منصوباً عنه من أقاربه أو أصهاره حتى الدرجة الثالثة إن أمكن ، وإلا فمن المحامين، وإلا فمن تراه المحكمة، وتنظر الدعوى في مواجهة المنصوب الذي يعتبر نائباً عن المدَعى عليه، ويكون للمنصوب الرجوع على المدعى عليه بأجره الذي تقدره المحكمة بناءً على طلبه، وإذا حضر الخصم أثناء نظر الدعوى نظرت في مواجهته وله حق الدفاع وينحى المنصوب إلا أن يقره الخصم وكيلاً عنه).

ووفقاً لهذا النص فإن إجراءات نظر الدعوى في مواجهة المنصوب عن المدعى عليه تكون كما لو أنها في مواجهة المدعى عليه نفسه، فيكون الحكم الصادر فيها حضورياً حسبما قضى الحكم محل تعليقنا.

الوجه الثالث: عدم وجود مصطلح الحكم الغيابي في قانون المرافعات اليمني:

رغم وجود مصطلح الحكم الغيابي في قانون الإجراءات الجزائية اليمني عند محاكمة المتهم الفار من وجه العدالة، إذ عالج قانون الإجراءات الجزائية صدور الحكم الجنائي في غياب المتهم الفار عن طريق ما يسمى بالإعتراض الذي يقدمه المتهم الفار حتى لا تفوته درجة من درجات التقاضي.

إلا أن قانون المرافعات اليمني لا يعرف فكرة الحكم الغيابي، لأن إجراءات المحاكمة المدنية تتم في مواجهة المنصوب عن المدعى عليه، فيكون الحكم حضورياً كما لو أنه قد صدر في مواجهة المدعى عليه نفسه.

ووجود الحكم الغيابي والإعتراض عليه في قانون الإجراءات الجزائية له ما يبرره لخطورة الاحكام الجزائية ومساسها غالباً ببدن أو حرية المتهم بخلاف الحال بالنسبة للحقوق المدنية محل النزاع امام القضاء المدني. (المعارضة في الأحكام الجنائية، د. عبدالفتاح مراد، ص182).

الوجه الرابع: مبدأ المواجهة بين الخصوم ونظر الدعوى في مواجهة المنصوب عن المدعى : وتوصيتنا للمقنن اليمني:

الصحيح كلمة (المنصوب) وليس (المنصب)، والمنصوب هو الشخص الذي تقوم المحكمة التي تنظر الدعوى بإقامته مقام المدعى عليه لدراسة الدعوى وأدلتها والرد عليها أو دفعها والقيام بكافة الإجراءات اللازمة في مواجهة الدعوى المرفوعة على المدعى عليه، وللمنصوب مباشرة كافة الحقوق القضائية المكفولة وذلك نيابة عن المدعى عليه، وعلى هذا الأساس فإن المنصوب بمثابة نائب عن المدعى عليه يستمد صفته بالترافع نيابة عن المدعى عليه إلى قرار المحكمة بتنصيبه عن المدعى عليه، والمنصوب بهذا المعنى يختلف عن الوكيل الذي يستمد صفته من إرادة المدعى عليه الذي قام بتوكيله، إضافة إلى أن المنصوب يختلف عن النائب القانوني كولي القاصر الذي يستمد ولايته من نص القانون، وعلى ذلك فإن نيابة المنصوب عن المدعى عليه من نوع خاص. (خصوصية إجراءات التقاضي في قضايا الأحداث، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص19).

ونظام التنصيب في اليمن تشوبه عيوب من أهمها: أن المنصوب يتلقى اتعابه في غالب الأحيان من المدعي بصورة أو بأخرى أو قد لا يتلقى اتعاباً رغم أن المادة (116) مرافعات السابق ذكرها قد صرحت بأن المنصوب يستحق اتعابه من المدعى عليه، ولأن أتعاب المنصوب تحيط بها هذه الظروف فإن أداء المنصوب لا يكون مناسباً، إذ يكتفي المنصوب بالإنكار حتى يمكن المدعي من إثبات دعواه، ولذلك فإننا نوصي المقنن اليمني بمعالجة هذه الإشكالية، والله أعلم.

الحكم الحضوري بالنسبة للمدعى عليه
الحكم الحضوري بالنسبة للمدعى عليه