ضم الدفع المتعلق بالنظام العام إلى الموضوع

ضم الدفع المتعلق بالنظام العام إلى الموضوع
ضم الدفع المتعلق بالنظام العام إلى الموضوع.

ضم الدفع المتعلق بالنظام العام إلى الموضوع

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

نصت المادة (185) من قانون المرافعات اليمني على أنه يجب على محكمة الموضوع الفصل في الدفع المتعلق بالنظام العام بداية قبل الخوض في الموضوع بحكمٍ مستقل، هذا إذا كان الدفع جدياً من خلال وقائعه وأسانيده ووجهه القانوني ، اما إذا كان الدفع ليس له من الدفع المتعلق بالنظام العام إلا الاسم وظهر لمحكمة الموضوع أن لاوجه ولاسند للدفع وان مقصد الدافع من هذا الدفع هو إطالة إجراءات التقاضي وتعطيل النظر في الدعوى بسوء نية وبعثرة اجزاء القضية وتعطيل مبدأ عدم الهدر الإجرائي ومبدأ الإقتصاد في إجراءات التقاضي ومبدأ حُسن النية في إجراءات التقاضي فيحق لمحكمة الموضوع في هذه الحالة أن تباشر دورها الإيجابي في توجيه الخصوم ومن ثم التقرير بضم الدفع إلى الموضوع ولو اطلق عليه الخصم مسمي الدفع المتعلق بالنظام العام ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 10-5-2010م في الطعن رقم (42190)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: ((هذا وإن كان صحيحاً أن المدعى عليه الطاعن حالياً قد تقدم بدفع بعدم صفة المدعي وأن الدفع بعدم الصفة من النظام العام وفقاً لنص المادة (186/2) مرافعات، غير أن الإحتجاج بهذا الدفع يخضع للأصل العام وهو أن حق التقاضي يقوم على مبدأ حُسن النية حسبما هو مقرر في المادة (18) مرافعات، ولذلك فأنه يشترط لقيام هذا الدفع أن يكون الإستناد إليه جدياً لا يجافيه الواقع ولا يكذبه، اما إذا كان الدفع كذلك فإن على المحكمة عملاً بدورها الإيجابي في توجيه الخصومة المنظورة أمامها بما يكفل حُسن سير العدالة ومراقبة الخصوم في ممارسة الإجراءات طبقاً للقانون وفقاً للمادة (20) مرافعات ، وأن تتابع الفصل في القضية عند رفع الدفع أو ضمه إلى الموضوع ، حتى لا يؤدي ذلك إلى تقطيع أوصال نظر القضية الذي يعيق تحقيق العدالة))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: الدفوع المتعلقة بالنظام العام في المادة (186) من قانون المرافعات اليمني:

من خلال مطالعة بداية نص المادة (186) من قانون المرافعات اليمني وتحديداً عبارة (يعتبر من النظام العام الدفوع الآتية) يظهر من صيغة هذه العبارة الواردة في مستهل المادة (186) مرافعات يظهر أن ما ورد في هذه المادة من تعداد للدفوع المتعلقة بالنظام العام ان التعداد للدفوع في ذلك النص ما هو إلا سبيل المثال لا الحصر، فقد نصت المادة (186) مرافعات على أنه (تعتبر من النظام العام الدفوع التاليـة: 1- الدفع بعدم اختصاص المحكمة بسبب نوع الدعوى. 2- الدفع بعدم صحة الدعوى لفقدان شرط من شروطها.3- الدفع بعدم توجه الدعوى لكون أحد المتداعين ليس خصماً شرعياً له ولاية التقاضي عن غيره فيها أو ليس أهلاً للتقاضي. 4- الدفع بعدم سماع الدعوى لتقدم ما يكذَّبها محضاً. 5- الدفع بعدم قبول الطعون التي لها مواعيد لعدم تقديمها في مواعيدها المحددة لها. 6- الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها. 7- الدفع بعدم دستورية القانون وفي هذه الحالة إذا رأت المحكمة أن الدفع قائم على أساس أوقفت نظر الخصومة ورفعت الأوراق المتعلقة بالدفع إلى الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا خلال ثلاثين يوماً من تاريخ قرارهـا بوقف نظر الخصومة وعلى الدائرة الدستورية الفصل فيه خلال مدة أقصاها سبعون يوماً تبدأ من تاريخ وصول الأوراق إلى المحكمة العليا)، وبما أن الدفوع المذكورة في هذا النص قد وردت على سبيل المثال وليس الحصر فإن هناك دفوع أخرى متعلقة بالنظام العام لم يرد ذكرها في هذا النص، وبناءً على ذلك فإن أي دفع يتعلق بالنظام العام يكون كذلك ولو لم يرد ذكره في النص القانوني السابق، ومن المعلوم أن فكرة النظام العام فكرة سامية عصية عن التعريف تمتد في فروع الحياة المختلفة فهناك نظام عام سياسي وهناك نظام عام إقتصادي وهناك نظام عام إجتماعي....الخ ، ولكن ضابط الدفوع المتعلقة بالنظام العام أنها تهدف إلى حماية الحقوق العامة والمصالح العامة لأفراد المجتمع ككل، فالمساس بالقوانين واللوائح المنظمة للحقوق والمصالح العامة للافراد ككل يمس النظام العام، غير أنه لا يكون الدفع متعلقا بالنظام العام إلا إذا كان النص الذي يتم المساس به آمر يفيد الوجوب والإلزام. (الدفوع المتعلقة بالنظام العام، أ.د. عبدالمؤمن شجاع الدين، ص8).

الوجه الثاني: سوء إستغلال الخصوم لغموض وهلامية مفهوم النظام العام وتطبيقاته المختلفة:

ذكرنا في الوجه الأول أن الدفوع المتعلقة بالنظام العام المذكورة في المادة (186) مرافعات مذكورة على سبيل المثال لا الحصر، وذكرنا أيضاً أن مفهوم النظام العام مفهوم هلامي غامض له تطبيقاته المختلفة في جوانب الحياة المختلفة، ولذلك فإن الخصوم يستغلوا وضعية النظام العام في إعتبارهم للدفوع المقدمة منهم من النظام العام، إضافة إلى أن (الدفع بعدم صحة الدعوى لفقدان شرط من شروطها) الوارد في الفقرة (2) من المادة (186) هو دفع تندرج ضمنه دفوعٍ كثيرة كلها تعتبر من النظام العام.

وهذه الوضعية تتيح للخصوم أن يقدموا أي دفع ويطلقوا عليه مسمى (دفع متعلق بالنظام العام).

الوجه الثالث: وجوب الفصل في الدفع المتعلق بالنظام العام بحكمٍ مستقل قبل التعرض لموضوع الدعوى المدفوعة:

نصت المادة (185) من قانون المرافعات اليمني على أنه (إذا كان الدفع متعلقاً بالنظام العام جاز إبداؤه في أية مرحلة من مراحل الخصومة ولو أمام المحكمة العليا وعلى المحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها بحكم مستقل وقبل الفصل في الموضوع)، وهذا النص لا غبار عليه، ولكن المقصود به هو الدفع الحقيقي الذي يستشرف القاضي من وقائعه وأسانيده أنه بالفعل دفع متعلق بالنظام العام وليس دفعاً كيدياً يستهدف الخصم منه الكيد بخصمه وتعطيل إجراءات النظر في موضوع دعواه المدفوعة بالدفع الكيدي.

الوجه الرابع: رصانة القاضي وحكمته في التعامل مع الدفوع التي يسميها الخصوم من النظام العام وهي ليست كذلك:

صرح قانون المرافعات اليمني في المادة (179) بأن الدفع دعوى، وهذا يلزم المدعي أن يثبت صحة الدفع بدايةً ، وذلك يمكن القاضي من فحص الدفع (الدعوى) بداية بموجب الصلاحية المقررة للقاضي في المادة (104) مرافعات حينما يفحص الدعاوى ويصرحها ، إضافة إلى أن المادة (180) مرافعات قد أوجبت على الدافع أن يبين وقائع الدفع وأسانيده وأحواله وأدلته والوجه القانوني حتى يتكمن القاضي من تقدير مدى وجاهة الدفع، وعلى هذا الأساس فإن القاضي يقوم بالفحص والتحقق من أسانيد الدفع وأدلته والوجه القانوني له فإن ظهر للقاضي من خلال تدقيقه الأولي جدية الدفع وأدلته فأنه يكلف المدفوع ضده بالرد على الدفع المتعلق بالنظام العام حتى يتسنى للقاضي الفصل في الدفع بداية قبل الخوض في موضوع الدعوى المدفوعة تطبيقاً للمادة (185) مرافعات.

اما إذا ظهر للقاضي من خلال فحصه ودراسته الأولية لعريضة الدفع أنه غير متعلق بالنظام العام أو عدم جديته أو عدم وجاهته فأنه يقرر ضم الدفع إلى الموضوع ،لأن الدفع في هذه الحالة ليس دفعا متعلقا بالنظام العام في حقيقته.

الوجه الخامس: الدور الإيجابي للقاضي في مراقبة الخصوم:

لا ريب أن القاضي السلبي الذي لا يرحب بالخصوم ولا يلقنهم ولا يضيفهم ولا يستضيفهم ، حتى أنه لا يجوز له النظر إليهم إلا أثناء التداعي لا ريب أن القاضي السلبي بهذا المفهوم هو أفضل القضاة وأعدلهم. (أدب القاضي،للامام الماوردي ،1/628).

 بيد أنه من المتفق عليه أن يجب أن يكون للقاضي دور إيجابي في إدارة الخصومة ومراقبة الخصوم حتى لا تتعطل إجراءات المحاكمة وتتعطل القضايا ويتعطل معها الحق والعدل، ولذلك فأنه ينبغي أن يكون للقاضي دور إيجابي في مراقبة الخصوم أثناء التقاضي وتوجيه دفة الخصومة وان تكون الدفة بيده يمسك بزمامها.(نظرية وظيفة القضاء ، د. أحمد محمد حشيش، ص124) .

ومن مظاهر الدور الإيجابي للقاضي في إدارة الدعوى ومراقبة الخصوم تحقيق القاضي وتحققه مما إذا كان الدفع متعلقاً بالنظام العام أم ان الخصم يستهدف منه الكيد بخصمه وتعطيل دعواه وتقطيع أوصال القضية الواحدة حسب تعبير الحكم محل تعليقنا.

الوجه السادس: مدى إفصاح القاضي عن قناعته عند تحققه مما إذا كان الدفع متعلقاً بالنظام العام:

عندما يقوم القاضي بدوره الإيجابي في فحص عريضة الدفع وأدلتها للتحقق مما إذا كان متعلقاً بالنظام العام فأنه دوره يقتصر في هذه الحالة على التحقق من وجاهة الدفع ووجاهة السند القانوني مثلما يقوم القاضي بدراسة عريضة الدعوى وأدلتها قبل تصريحها وترسيمها وقيدها، فالفحص الأولي للدفع لا يتعرض لموضوع الدفع وإنما للجوانب الشكلية للدفع.

والأمانة العلمية تقتضي القول بأن :هذه المهمة عسيرة على القاضي وخطيرة في الوقت ذاته، فقد سبق لنا التعليق على ثلاثة أحكام للمحكمة العليا صدرت في طعون من الخصوم بقرارات ضم الدفع إلى الموضوع حيث قضت المحكمة العليا بنقض الأحكام ،لأن ظاهر تلك الدفوع كان يشهد بوجاهة تلك الدفوع وتعلقها بالفعل بالنظام العام غير أن محكمة الموضوع قررت ضمها إلى الموضوع، ونخلص من هذا الوجه إلى القول: أن القاضي لا يقرر ضم الدفع إلى الموضوع إلا إذا انعدم الوجه القانوني للدفع الذي يطلق عليه الخصم أنه متعلق بالنظام العام اوانعدمت أدلة وأسانيد هذا الدفع، والله أعلم.