الوقف التعليقي للخصومة في القانون اليمني

الوقف التعليقي للخصومة في القانون اليمني

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
إذا قررت المحكمة التي تنظر الخصومة الاصلية وقف اجراءات نظرها لتعلق الحكم فيها بمسالة اولية اخرى منظورة لدى محكمة مختصة أخرى ،فيطلق على وقف الخصومة في هذه الحالة بالوقف القضائي، لأن الوقف يتم بقرار من المحكمة ، كما يطلق عليه الوقف التعليقي ، لأن الحكم في الخصومة الأصلية متعلق بالفصل في المسألة الاولية المنظورة لدى المحكمة المختصة بنظر تلك المسألة.
فالوقف التعليقـي تقرره المحكمة اثناء نظرها للخصومة الأصلية، فقد تجد المحكمة أن فصلها في الخصومة الأصلية يتوقف على الفصل في مسألة اولية أخرى منظورة أمام المحكمة المختصة بنظر تلك المسألة ، فعندئذٍ يجب على المحكمة المختصة ان تقرر وقف الخصومة ريثما تقوم المحكمة المختصة بالفصل في المسألة الاولية، وفي هذا الشان نصت المادة (205) مرافعات يمني على أنه يجب على المحكمة أن توقف الخصومة حتى يتم الفصل في المسألة الأخرى، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 29-6-2011م في الطعن رقم (45465)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: ((وبمناقشة الدائرة لهذا النعي فأنه غير سديد ، لأن المطعون ضده طلب من محكمة أول درجة الأمر بوقف الخصومة وفقاً للمادة (205) مرافعات لوجود دعوى إدارية تنظرها المحكمة المختصة بشأن شهادة إعادة الملكية، وحيث أن حكم المادة (205) مرافعات اجاز للمحكمة وقف الدعوى انتظاراً لصدور حكم من المحكمة الابتدائية المختصة بشأن الدعوى الإدارية، فإن ما قررته محكمتا الموضوع يوافق صحيح القانون))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: السند القانوني للحكم محل تعليقنا وتوصيتنا للمقنن اليمني:

استند الحكم محل تعليقنا في قضائه إلى المادة (205) مرافعات يمني التي نصت على أنه (في غير الأحوال التي ينص فيها القانون على وقف الخصومة وجوباً أو جوازاً يجب على المحكمة أن تأمر بوقفها كلما رأت تعليق حكمها في موضوعها على الفصل في مسألة أخرى يتوقف عليها الحكم في الخصومة).
ومن خلال إستقراء النص القانوني السابق يظهر أن صياغة هذا النص يشوبها بعض التناقض، إذ أن النص قد تضمن عبارة (يجب على المحكمة) وهذه العبارة تفيد الوجوب أي انه يفهم منها أن وقف الخصومة واجب على المحكمة في هذه الحالة ، لكن النص ذاته تضمن بعد ذلك عبارة (كلما رأت تعليق حكمها) التي تعني أن وقف الخصومة يخضع للسلطة التقديرية للمحكمة التي قد ترى أن حكمها لا يتعلق بالمسألة الأخرى أو يتعلق بها، ولذلك نوصي بإعادة صياغة هذا النص لإزالة التناقض الذي يشوبه،لان الظاهر ان هذا النص قد تم أخذه من القانون المصري لكن تم تحويره صياغته بهذه الصيغة المتناقضة ، مع أن النص المصري الذي أخذ به القانون المصري مستقيم فقد نصت المادة (129) مرافعات مصري على أنه "للمحكمة ان تأمر بوقف الخصومة كلما رأت تعليق حكمها في موضوعها على الفصل في مسألة اخرى يتوقف عليها الحكم، على ان تستأنف الدعوى سيرها فور حسم النزاع في هذه المسألة".

الوجه الثاني: معنى التعلق بين حكم المحكمة التي تنظر الخصومة الاصلية وبين المسألة الأخرى الاولية:


اشترطت المادة (205) مرافعات لوقف الخصومة في هذه الحالة محل تعليقنا اشترطت أن يكون حكم المحكمة متعلقا بالمسألة المنظورة أمام محكمة أخرى، ومفاد ذلك أنه ينبغي على المحكمة التي تنظر الخصومة الاصلية ان توقف الفصل في الخصومة الاصلية حتى يتم الفصل أولا في المسألة الأولية، وبعد الفصل في تلك المسألة وفي ضوء ذلك الحكم تفصل المحكمة في الخصومة الاصلية ، ومؤدى ذلك أيضاً أن المحكمة التي تنظر الخصومة الاصلية ينبغي عليها الإنتظار لنتيجة فصل المحكمة الأخرى في المسألة الأولية.

الوجه الثالث: تعلق الحكم بالمسألة الاولية والإرتباط في الدعاوى:

سبقت الإشارة الى بيان معنى تعلق الحكم في الدعوى الاصلية مست بمسألة اولية منظورة أمام محكمة أخرى، اما الإرتباط فقد اشارت إليه المادة (184) مرافعات التي نصت على أنه (إذا كان النزاع أو ما يرتبط به مطروحاً أمام محكمتي مختصتين وجب إبداء الدفع بالإحالة أمام المحكمة التي رفع إليها النزاع أخيراً ، وإذا كانت أحدى المحكمتين غير مختصة وجب إبداء الدفع أمام المحكمة غير المختصة ، وعلى المحكمة أن تحدد للدعوى أمام المحكمة الأخرى جلسة لنظر ذات النزاع أو لنظر القضية المترتبطة بها).
فمن خلال المقارنة بين المادتين (205) مرافعات السابق ذكرها والمادة (184) مرافعات يظهر أن المسألة الأخرى التي يتعلق بها الحكم هي مسألة أولية لا تختص بنظرها المحكمة التي تنظر الخصومة الأصلية، إضافة إلى أنه يتعذر على المحكمة التي تنظر الخصومة الاصلية الحكم فيها إلا بعد أن تفصل المحكمة المختصة في المسألة التي يتعلق بها الحكم، مثلما قضى الحكم محل تعليقنا، فقد كانت المسألة الأولية منظورة أمام المحكمة الإدارية في حين كانت الخصومة الأصلية منظورة امام المحكمة التجارية، فلم يكن يحق للمحكمة التجارية أن تفصل في تلك المسألة الإدارية البحتة وهي دعوى الغاء القرار الاداري: شهادة تمليك عقار صادرة من الجهة الإدارية المختصة.

الوجه الرابع: الحكمة من وقف الخصومة الأصلية حتى يتم الفصل في المسألة الأولية:

الحكمة من ذلك هي تعلق الحكم في الخصومة الأصلية بالحكم الذي سيصدر في المسألة الأولية، فيتعذر الحكم في الخصومة الأصلية إلا بعد أن يتم الفصل في المسألة الأولية مثل أن تكون الخصومة الأصلية منظورة أمام المحكمة التجارية بشأن إيجار محل تجاري في حين تكون ملكية المحل التجاري محل خلاف بين المدعي بالإيجار وأطراف أخرى منظورة أمام المحكمة الإدارية إذا كانت سند الملكية المدعى بها صادر من جهة الإدارة أو كان النزاع على ملكية منظورة أمام القضاء المدني.
فمع وجود إرتباط بين الخصومة الأصلية والمسألة الأولية إلا أنه يتعذر على المحكمة التي تنظر الخصومة الأصلية أن تنظر في المسألة الأولية المرتبطة لأنها غير مختصة بنظر المسألة الأولية كما أن الرياضة في أطرافها آخرين.
فمن شروط الحكم أن يكون حاسماً وفاصلاً في النزاع فلو فصلت المحكمة التي تنظر الخصومة الأصلية دون وقف الخصومة حتى يتم الفصل في المسألة الأولية فربما يصدر الحكم في المسألة الأولية خلاف الحكم في الخصومة الأصلية، كما أن الحكمة من وقف الخصومة في هذه الحالة تحقق مبدأ عدم الهدر الإجرائي والإقتصاد في إجراءات التقاضي.

الوجه الخامس: الوقف التعليقي للخصومة في قوانين بعض الدول العربية:

نظمت قوانين الدول العربية الوقف التعليقـي للخصومة، فقد نص عليه قانون المرافعات المدنية العراقي في المادة (83) منه بقولها "اذا رأت المحكمة ان الحكم يتوقف على الفصل في موضوع آخر قررت ايقاف المرافعة واعتبار الدعوى مستأخرة حتى يتم الفصل في ذلك الموضـوع وعندئذ تستأنف المحكمة السير في الدعوى من النقطة التي وقفت عندها ويجوز الطعـن بهذا القـرار بطريـق التمييز. 2- اذا استمر وقف الدعوى بفعل المدعي او امتناعه مدة ستة أشهر تبطل عريضة الدعوى بحكم القانون".
في حين نصت المادة (129) مرافعات مصري على أنه "للمحكمة ان تأمر بوقف الخصومة كلما رأت تعليق حكمها في موضوعها على الفصل في مسألة اخرى يتوقف عليها الحكم، على ان تستأنف الدعوى سيرها فور حسم النزاع في هذه المسألة"، ونصت م (248) من قانون المرافعات الليبي على هذا الوقف بقولها "في غير الاحوال التي نص عليها القانون على وقف الدعوى وجوباً او جوازاً يكون للمحكمة ان تأمر بوقفها كلما رأت تعليق حكمها في موضوعها على الفصل في مسألة اخرى يتوقف عليها الحكم، وبمجرد زوال سبب الوقف تستأنف الدعوى بقوة القانون سيرها من النقطة التي وقفت عندها، ويقوم قلم الكتاب بتعجيلها اذا أقتضى الحال"، وورد الوقف التعليقي في القانون الكويتي ضمن احكام المادة (143) منه حيث جاء فيها "للمحكمة ان تأمر بوقف الدعوى كلما رأت تعليق الحكم في موضوعها على الفصل في مسألة اخرى يتوقف عليها الحكم في الدعوى". واخذ القانون اللبناني في احكامه بالوقف التعليقي وذلك اذا حدث اثناء نظر الدعوى ان يبدي احد الخصوم دفعاً لا تختص به المحكمة المعروض عليها النزاع اختصاصاً متعلقاً بالوظيفة او اختصاصاً نوعياً ويكون الفصل في ذلك الدفع أمراً لازماً حتى تتمكن المحكمة من الحكم في الدعوى، والقانون الجزائري لم يرد فيه نص يتضمن الحكم بالوقف التعليقي كقاعدة عامة ويرجع ذلك مباشرة الى وحدة النظام القضائي الجزائري واعتباره جهة واحدة، والنظام الجزائري لا يعترف بتعدد الاختصاص الولائي لجهات قضائية مختلفة، لذا فان اية وحدة قضائية تختص بالفصل في اية مسألة فرعية تعرض في النزاع الذي تنظره، من ثم لا حاجة لوقف الخصومة الاصلية انتظاراً للفصل في المسألة الاولية من جهة قضائية اخرى، وان الامر بوقف الاجراءات هو سلطة للقاضي يستعملها كلما كان من الملائم وقف اجراءات خصومة معينة في انتظار انجلاء موقف معين او الفصل في خصومة اخرى، وعليه فأن هذا الوقف يجد له صورة في التشريع الجزائري تطبيقاً لقاعدة الجنائي يوقف المدني ضمن احكام نص المادة (165) اجراءات مدنية التي تقرر أنه اذا رفعت الدعوى العارضة بالتزوير بصورة مستقلة واصلية امام القضاء الجنائي (عن مستند مقدم في دعوى مدنية) فأنه يوقف الفصل في الدعوى المدنية الى حين صدور حكم في دعوى التزوير".
ونص القانون السوري في المادة (164) منه على ان " في غير الاحوال التي نص عليها القانون على وقف الدعوى وجوباً او جوازاً يكون للمحكمة ان تقرر وقفها كما رأت تعليق حكمها في موضوعها على الفصل في مسألة اخرى يتوقف عليها الحكم".
وعلى هذا الأساس فان الوقف التعليقي يتقرر عندما تكون الدعوى محلاً للنظر في موضوعها من قبل القضاء والفصل فيها لكن يعترض هذا السير مسألة فرعية او اولية بحيث يتوقف الحكم في الدعوى الاصلية على الفصل فيها، أي بمعنى ان الحكم في النزاع الاصلي يكون متوقفاً على الحكم في المسألة الاولية.

الوجه السادس: شروط الوقف التعليقي للخصومة:

يشترط في هذا الوقف ان يكون الفصل في المسالة الاولية خارجاً عن الاختصاص الوظيفي او النوعي للمحكمة المختصة بالفصل في الخصومة الاصلية ويستوجب من المحكمة الفصل في هذه المسألة وذلك بغية التمهيد للحكم في الدعوى الاصلية، وعليه اذا كانت المسألة الاولية تختص محكمة الدعوى الاصلية بالنظر في موضوعها والبت فيها ، ففي هذه الحالة لا تقرر وقف الدعوى الاصلية الى حين البت في تلك المسألة وأنما تقضي فيها مع قضائها في الدعوى الاصلية مثال ذلك ان ترفع دعوى بصحة ونفاذ عقد فيتدخل خصم فيها طالباً رفضها استناداً الى ملكيته للعقار محل الدعوى، فحينئذ يكون طلب المتدخل مسألة اولية يجب على المحكمة الفصل فيها اولاً وعلى هدى هذا القضاء يكون قضاؤها في الدعوى، فأن خلصت الى ان المتدخل هو المالك قضت برفض الدعوى اما ان خلصت الى انه غير مالك قضت بصحة ونفاذ العقد. اذ تلتزم المحكمة بالفصل في كل نزاع يطرح في الدعوى، فأن كان مما تختص به فصلت فيه اما ان لم يكن كذلك قررت وقف الدعوى حتى يتم الفصل فيه من المحكمة المختصة اولاً.
ومع اشتراط ان يكون الفصل في المسألة الاولية خارجاً عن الاختصاص الوظيفي او النوعي لمحكمة الدعوى الاصلية وبخلافه فليس لها ان تقرر وقف الدعوى الاصلية وانما تفصل في المسألة الاولية ومن ثم على ضوء قضائها في هذه المسألة تصدر حكمها في الدعوى الاصلية دون ان تقرر وقف السير فيها.
يحتاج في ذلك الى وقف السير في الدعوى المرفوعة اليه اصلاً، وغاية ما هناك انه يتوقف عن الفصل فيها الى ان يتم الفصل في تلك المسألة الفرعية اولاً وقد يقضي فيهما بحكم واحد، وان كون هذه المسألة من اختصاص المحكمة التي تبت في النزاع الاصلي وجب عليها ان تبت فيها اولاً باعتبارها من وسائل الدفاع التي يعتبر تحقيقها والفصل فيها من اجراءات الخصومة ذاتها فلا يتحقق الوقف.
فشرط الوقف التعليقي ان يكون موضوع المسألة الاولية خارجاً عن الاختصاص الوظيفي او النوعي لمحكمة موضوع النزاع الاصلي، فالبت في المسألة الاولية اذا كان من اختصاص محكمة النزاع الاصلي نوعياً او وظيفياً يكون لذات المحكمة الحق في الفصل فيها باعتبار ان هذه المسألة الاولية هي من فروع الخصومة الاصلية ذاتها فلا يتحقق الوقف.
فعند خروج المسألة الاولية عن الاختصاص النوعي او الوظيفي لمحكمة الدعوى الاصلية فيجب عندئذ ان تقرر وقف سير هذه الخصومة، فالمسألة الاولية قد تعرض في صورة دعوى يجب ان تُنظر في خصومة اخرى غير الخصومة الاصلية، ويحدث هذا اذا كانت الدعوى التي تتعلق بالمسألة الاولية تخرج من اختصاص المحكمة التي تنظر الدعوى الاصلية ، كما لو كانت الدعوى الاصلية منظورة أمام القضاء المدني والمسالة الاولية تدخل في ولاية القضاء الجزائي او الاداري او قضاء الاحوال الشخصية فعندئذ يجب على المحكمة ان تأمر بوقف الدعوى الاصلية الى حين الفصل في المسألة الاولية من قبل المحكمة المختصة ، فالوقف التعليقي مشروط بشرط اساسي الا وهو ان يكون الفصل في المسالة الاولية لازماً وضرورياً للفصل في الدعوى الاصلية ولا غنى عنه وان يكون حتمياً والفصل في الدعوى الاصلية متوقف على الفصل في المسألة الاولية.
وقضت محكمة النقض المصرية بأن "مناط الحكم بوقف السير في الدعوى طبقاً للمادتين 16 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972، 129 من قانون المرافعات عند اثارة احد الخصوم دفعاً لازماً للفصل في الدعوى ان تكون هذه المسألة التي يثيرها الدفع خارجة عن اختصاص المحكمة المتعلق بالوظيفة او بالاختصاص النوعي والا تعين عليها الفصل فيها". (عوارض الخصومة، د. منال فايق عباس حمودي، ص 25-56).

الوجه السابع: السلطة التقديرية للمحكمة التي تنظر الدعوى الاصلية في الوقف التعليقي للخصومة:

لمحكمة الموضوع التي تختص بنظر الدعوى الاصلية سلطة تقديرية واسعة في الحكم بالوقف او عدم الحكم به، ولكن قرار المحكمة بالوقف او عدمه انما يخضع لرقابة المحكمة العليا، فليس لها ان تقرر الوقف الا اذا وجدت ان هناك تعلقا وثيقاً لحكمها في الخصومة الأصلية بالفصل في المسألة الأولية المنظورة أمام المحكمة المختصة على نحو يجعل الفصل في المسالة الأولية مفترضاً ضرورياً للفصل في الاصلية، وبغير هذا الارتباط لا نكون بصدد مسألة اولية بالمعنى الصحيح ، وهذا الامريخضع لرقابة المحكمة العليا، اما فيما عدا ذلك فمحكمة الموضوع لا تخضع لرقابة المحكمة العليا عندما تستخلص تحقق أو عدم تحقق حالات الوقف التعليقي من الدفوع والوقائع والمستندات التي تعرض عليها، فلها ان تقدر فيما اذا كانت كافية للحكم بالوقف او عدم الحكم به حيث ان ذلك يعد من قبيل الوقائع التي تستقل بتقديرها محكمة الموضوع ، فرقابة المحكمة العليا تقتصر على تطبيق القانون وليس لها أي رقابة على الوقائع فهي من اختصاص محكمة الموضوع فقط، وفي هذا الشان قضت محكمة النقض المصرية في الطعن رقم 754 في 5/11/1992 بأن "قرار الوقف التعليقي جوازي للمحكمة ومتروك لمطلق تقديرها والطعن في حكمها لعدم استعمالها هذه الرخصة لاسباب سائغة غير جائز" ، ويذهب قضاء محكمة النقض الفرنسية الى هذا الاتجاه ويقرر ان للقاضي مطلق الحرية، في تقدير ظروف الدعوى وفي الحكم بالوقف او عدم الحكم به ويقرر ان الحكم بالوقف لا يعدو ان يكون في الواقع حكماً انما هو عمل من اعمال الادارة القضائية، ولذا لا يلزم تسببه، كما لا يخضع لرقابة محكمة النقض على اعتبار ان فهم الواقع هو عمل منطقي من اختصاص محكمة الموضوع لا تراقبه محكمة النقض.

الوجه الثامن: جواز الطعن في قرار الوقف التعليقي للخصومة:

مع ان قرار وقف الخصومة غير منه للخصومة الا ان قانون المرافعات اليمني قد صرح في المادة (274) بجواز الطعن استقلالا في قرارات وقف الخصومة بصفة عامة استثناءا من القاعدة العامة: وهي عدم جواز الطعن استقلالا في القرارات غير المنهية للخصومة، فقد نصت المادة (274) مرافعات يمني على انه " لايجوز الطعن فيما اصدرته المحكمة من احكام غير منهية للخصومة اثناء سيرها إلا بعد صدور الحكم المنهي لها كلها عدا الاتي :-ا- ما اصدرته المحكمة من احكام بوقف الخصومة أو بعدم الاختصاص أو بالاحالة على محكمة أخرى للارتباط ،فيجوز الطعن في هذه الاحوال استقلالا خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدورها وعلى محكمة الإستئناف الفصل فيها على وجه الاستعجال).
وعلة جواز الطعن بالوقف هو انه لا سبيل لالزام المتضرر من الحكم بأن ينتظر حتى يزول السبب المعلق عليه الايقاف، خاصة إذا كان الفصل في النزاع المتعلق بالمسألة الأولية غير مؤثر من الناحية القانونية في حسم النزاع الأصلي.
وقد صرحت المادة (274)مرافعات يمني السابق ذكرها على ان الطعن في قرارات الوقف التعليقي يتم الفصل فيها على وجه الاستعجال، وعلة ذلك ان مثل هذه الاحكام لا تمس موضوع الخصومة الاصلية ولا تؤدي الى الفصل في موضوع النزاع وبالنظر لما تقتضيها طبيعة هذه الاحكام من سرعة الفصل فيها بغية عدم تأخير النظر في موضوع الدعوى الاصلية، بقصد التيسير على المتقاضين في الاجراءات ، وجاء في الاسباب الموجبة لقانون المرافعات العراقي ان يكون الطعن في هذا القرار بطريق التمييز "أي جعل الدعوى مستأخرة لان صدور هذا القرار يعالج مسألة قانونية لا موضوعية فضلاً عما في ذلك من توفير في الوقت وتبسيط الاجراءات".

الوجه التاسع: مدة الوقف التعليقي:

اما عن مدة الوقف التعليقي والفترة التي ينقضي بها، فالقانون اليمني وكذلك القوانين المقارنة لم تضع اجلاً محدداً لانتهاء هذا الوقف سيما ان الفصل في المسألة الاولية مرهون بالمحكمة التي تفصل في موضوعها والاجراءات التي تقررها في البحث والتحقيق والتفسير للتوصل الى الحكم الذي يحسم موضوع النزاع في المسالة الاولية، مع أن قانون المرافعات اليمني قد حدد مدة الوقف الاتفاقي للخصومة الذي يقع بإتفاق الخصوم وذلك بمدة ستة أشهر حسبما هو مقرر في المادة في المادة (204) .

الوجه العاشر: مدى جواز وقف الدعوى التي تتضمن قضاءً مستعجلا:

ثور التساؤل عن مدى جواز وقف الدعوى التي تتضمن قضاءً مستعجلاً الى حين الفصل في النزاع المتعلق بالمسألة الاولية، نلاحظ على العموم ان الوقف لا يتصور بطبيعة الحال في هذه الدعاوى حيث ان طبيعة هذه الدعاوى تتنافى مع الحكم بالوقف لما تتطلبه من سرعة الحسم في موضوعها، وان القضاء المدني المستعجل لا يتأثر بقاعدة "الجنائي بوقف المدني" فهذه القاعدة موجهة الى المحكمة المدنية الموضوعية ولا تقيدها في اختصاصها بل تنظم اجراءات سير الدعوى امامها، ومن ثم اذا ثبت ان القضاء المستعجل مختص بنظر المنازعة المتصلة بمسألة جنائية فأن هذا الاختصاص يستمر ولو تحركت الدعوى الجزائية امام المحكمة المختصة والمحكمة الجنائية، ونصت على ذلك صراحة م (6) من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي بقولها "للمحكمة ان تقرر ما تراه من الاجراءات الاحتياطية والمستعجلة" وذلك في حالة وقف الدعوى المدنية الى حين الفصل في الدعوى الجزائية بشأن الفعل الذي اسست عليه الدعوى المدنية تلك".
وبناء على ذلك فان وقف الخصومة يتنافى مع تحقق صفة الاستعجال وذلك خشية ضياع معالم الواقعة المراد تثبيتها او تلف الاموال المراد وضع الحجز عليها اذا كانت سريعة التلف او خشية وفاة الشهود او سفرهم خارج البلاد بالنظر للصبغة الخاصة لهذه الدعاوى وما تقتضيه من سرعة الحسم في موضوعاتها. الا ان ذلك لا يمنع من الوقف التعليقي في بعض الحالات الضرورية والتي لا يستطيع معها قاضي الامور المستعجلة الفصل في الاجراء الوقتي المعروض امامه قبل الفصل في مسالة اولية اخرى من الجهة صاحبة الاختصاص ، وتأسيساً على ذلك قضي بوقف السير مؤقتاً في الاستئناف المستعجل الى حين الفصل في الدعوى حول تنازع الاختصاص والمقامة امام المحكمة الدستورية العليا في مصر وتحديد أي من الحكمين المتناقضين هو الأولى بالتنفيذ ومنعاً لتضارب الاحكام وحسن سير العدالة يتعين وقف السير في الاستئناف مؤقتاً الى حين الفصل في تلك الدعوى المقامة امام المحكمة الدستورية العليا. (عوارض الخصومة، د. منال فايق عباس حمودي، ص 25-56).

الوجه الحادي عشر: منح صاحب الدفع بالمسألة الأولية اجلا لاقامة دعوى بالمسألة الأولية:

لم يتضمن القانون اليمني اوالعراقي نصاً صريحاً يقضي بمنح الخصم صاحب الدفع بالمسألة الاولية اجلاً محدداً لاقامة الدعوى به امام المحكمة المختصة، ولكن هذا لا يمنع من منح الخصم مثل هذه المهلة لاقامة الدعوى بالدفع المتعلق بالمسألة الاولية امام القضاء وذلك تحقيقاً لسير العدالة ولتفادي صدور احكام متناقضة لا توافق بينها في موضوع واحد او في دعويين كل منهما ذات ارتباط وثيق وصلة بالاخرى وقضت محكمة التمييز العراقية بانه "كان على المحكمة فسح المجال امام المدعي ومنحه مدة مناسبة لاقامة الدعوى بما يدعيه (وهو طلاق والده المدعى عليه (المميز عليه) لوالدته المتوفاة (ن. أ) طلاقاً رجعياً وعدم اعادتها الى عصمته خلال فترة العدة وبذلك لا يكون وارثاً لها وطلب اخراجه من القسام الشرعي وتصحيح المسألة الارثية واستئخار هذه الدعوى المتضمنة طلب تصحيح القسام الشرعي الى حين صدور حكم بات في دعوى تصديق الطـلاق واستناداً لاحكام المادة (83) مرافعات".. (عوارض الخصومة، د. منال فايق عباس حمودي، ص 25-56).

الوجه الثاني عشر: الوقف التعليقي للخصومة في مرحلة التنفيذ:

وفقا للمادة (439)مرافعات يمني تقف الخصومة وقفاً تعليقياً في مرحلة التنفيذ حيث يتم وقف الاجراءات في التنفيذ وذلك عند اقامة دعوى الاستحقاق للمطالبة من قبل المدعي أمام المحكمة المختصة، فقد نصت المادة (439)في نهايتها على أنه (وتقضي المحكمة بوقف اجراءات بيع العقار إذا قبلت دعوى الاستحقاق)، وفي القانون العراقية يتم وقف التنفيذ إذا ادعى الغير بالاسحقاق للمال المنفذ عليه وبتثبيت ملكيته الاموال المنقولة او العقارية التي تم ايقاع الحجز عليها بعائديتها له وعدم منازعته في هذه الملكية، فقد نصت المادة (245/2) مرافعات مدنية عراقي على ان "لمن يدعي عائدية الاموال التي صدر حكم بتصديق الحجز الاحتياطي عليها او من يدعي بأي حق فيها اقامة دعوى الاستحقاق لدى المحكمة المختصة أو الطعن بطريق اعتراض الغير على الفقرة الحكمية.." وان يكون للمدعي في هذه الحالة من المستندات والبيانات ما يكون كافياً من الناحية القانونية لاثبات الملكية والعائدية واثبات الحقوق ويكون لمحكمة الموضوع التي وقع النزاع امامها بحث اهمية هذه المستندات والبيانات في اثبات الحق المدعى به ، ويعد ذلك من قبيل المسألة الاولية التي يترتب على الحكم في موضوعها تعديل او الغاء الحكم الذي تم تنفيذه، ويكون لمحكمة الموضوع اصدار قرارها بوقف التنفيذ الى حين حسم النزاع في هذه الدعوى ،والوقف لا يكون الا بقرار حكم قضائي يصدر عن هذه المحكمة.
ونص القانون المصري في المادة (454) مرافعات على ان "يجوز طلب بطلان اجراءات التنفيذ مع طلب استحقاق العقار كله او بعضه وذلك بدعوى ترفع بالاوضاع العادية ويختصم فيها مباشر الاجراءات والمدين او الحائز واول الدائنين المقيدين".
ووفقا للمادة (67) من قانون التنفيذ العراقي اذا كانت المستندات التي يستند اليها من اقام دعوى الاستحقاق ثابتة التأريخ ووجد المنفذ العدل ما يؤيد ملكية المعترض للاموال التي تم حجزها فيصدر القرار بالغاء الحجز، اما اذا كانت هذه السندات غير ثابتة التاريخ فلا يجوز للمنفذ العدل ان يفصل في عائدية تلك الاموال ويكون الفصل في هذا الموضوع من قبل محاكم البداءة المختصة. واذا تبين ان الممانع في التنفيذ واضع اليد حقيقة على العقار بصفة مالك لا بصفة مستأجر او مزارع فيتعين في هذه الحالة الحكم بوقف التنفيذ.
ويكون هذا القرار بالوقف قضائياً يستلزم صدور حكم به من قبل قاضي التنفيذ في اليمن ومصر وقاضي محكمة البداءة في العراق. وصرح القانون المصري بوقف التنفيذ لمجرد رفع دعوى استرداد المنقولات حسبما هو مقررفي المادة (393) مرافعات مصري، فاذا تم رفع دعوى استرداد المنقولات المحجوزة تقف اجراءات التنفيذ ولا يتم البيع الا بعد الحكم في الدعوى ، والوقف هنا قانوني يتم دون صدور حكم به.
وفي القانون العراقي يكون الوقف الصادر في دعوى استحقاق المنقولات المحجوزة وقفاً قضائياً لا يتم إلا بناء على صدور حكم قضائي عن قاضي محكمة البداءة المختص بنظرها، واذا قرر قاضي التنفيذ وفقاً لاحكام القانون المصري الاستمرار في التنفيذ عند اقامة دعوى استرداد المنقولات يكون ذلك بشرط ايـداع الثمـن او بدونـه المادة (394-397) مرافعات مصري، ويكون لل قاضي المختص بنظر دعوى الاستحقاق المضي في اجراءات البيع والتنفيذ اذا لم يكن لمدعي الاستحقاق سند ظاهر يؤيد ملكيته للعقار المستحق وان يكون ثابت التأريخ ويكون هذا التأريخ قبل توقيع الحجز الاحتياطي او التنفيذي على العقار لضمان جدية الدعوى وتمكين الخصوم من الرد عليها ولما يترتب عليها من أثر في التنفيذ، وقضت محكمة النقض المصرية بأنه يجب ان تقام دعوى الاستحقاق الفرعية من غير اطراف التنفيذ… وان وارث المحجوز عليه المختصم في اجراءات التنفيذ بهذه الصفة، له اقامة دعوى استحقاق فرعية متى استند في ملكيته الى حق ذاتي غير مستمد من مورثه" طعن رقم 473 في 20/6/1979. (عوارض الخصومة، د. منال فايق عباس حمودي، ص 25-56)، والله أعلم.
الوقف التعليقي للخصومة في القانون اليمني
الوقف التعليقي للخصومة في القانون اليمني