وجوب التحقق من أدلة الخصوم عند الحجز التحفظي
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
يصدر الأمر بالحجز التحفظي في غيبة الخصم المحجوز عليه، ومع أن الأمر بإيقاع الحجز التحفظي مجرد
تدبير إحترازي وقتي، إلا أنه تترتب عليه
آثار مدمرة بالغة الخطورة في الواقع العملي سيما في اليمن بسبب قلة الوعي القانوني، ومن أهم هذه الآثار: حفض القيمة
السوقية للعقار المحجوز عليه ،وإذكاء
العداوة واللدد والعناد بين الخصوم
والتشكيك في نزاهة القاضي وحياده، ونفور المتعاملين من التعامل مع المحجوز عليه...إلخ.
ولذلك
فانه يجب على القاضي قبل أن يأمر بالحجز التحفظي أن يكون مدركا للاثار المتوقعة للحجز،
كما يجب على القاضي أن يتثبت من توفر الشروط القانونية اللازمة لإصدار الأمر
بالحجز التحفظي كشرط أن يكون هناك دينا ثابتا ومحقق الوجود حال الأداء بذمة
المطلوب الحجز عليه وان هناك أدلة قاطعة تدل على ذلك، ويطلق على الإجراءات التي
يباشرها القاضي قبل قيامه بإصدار أمر الحجز التحفظي بالتحقيق الأولي ،ولأن أمر
الحجز التحفظي يصدر في غيبة المحجوز عليه، فأنه بعد صدور أمر الحجز يجب على من صدر
الأمر لصالحه ان يقوم بإعلان المحجوز عليه
بامر الحجز خلال ثلاثة أيام والا سقط الحجز، ويتم إعلان المحجوز عليه وفقا للقانون
حتى يقوم بدراسة أمر الحجز التحفظي وطلب الحجز والاسانيد التي استند إليها حتى يقدم
أدلته واوجه دفاعه عندما يقدم المحجوز لصالحه
دعوى صحة الحجز بعد ثمانية أيام من تاريخ إعلان المحجوز عليه بامر الحجز.
ومن
المعلوم ان دعوى صحة الحجز هي في حقيقتها دعوى موضوعية وإنها تتضمن جانيين الاول : بيان صحة وسلامة اجراءات الأمر
بالحجز التحفظي وتوفر شروط صدور أمر الحجز كشرط أن يكون الدين الذي يدعيه الدائن محقق
الوجود لاخلاف بشانه وانه ثابت وحال الاداء .
اما
الجانب الثاني من دعوى صحة الحجز: فهو يتناول الحق الموضوعي المدعى به سيما إذا لم
يكن لدى الحاجز حكم سابق او امر اداء ، وامام محكمة الموضوع عند نظرها لدعوى صحة الحجز يتداعى المدعي طالب
الحجز والمدعى عليه المحجوز عليه ، فيقدم أمام محكمة الموضوع كل طرف ادلته
واسانيده واوجه دفاعه ، وفي ضوء ذلك تفصل محكمة الموضوع في دعوى صحة الحجز بحكم موضوعي
واحد يفصل في شقي دعوى صحة الحجز وهما مدى صحة شروط واجراءات أمر الحجز التحفظي وكذا الحق الموضوعي
، وفي كل الأحوال فأنه من اللازم التثبت من صحة الحق الذي يحميه الحجز التحفظي دعاوى
الخصوم ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها
المنعقدة بتاريخ 3-6-2013م في الطعن رقم (52674)، وقد ورد ضمن أسباب هذا الحكم
(فإن الدائرة ومن خلال رجوعها إلى أوراق القضية قد وجدت أن هذه الخصومة كانت بشان الحجز التحفظي على أدوات خاصة بمستأجر
العين محل الإيجار، فمالك العقار يدعي أن المستأجر لم يدفع إيجارات مستحقة،
وبالمقابل فإن المستأجر كان يدعي أنه دفع للمؤجر مقدم إيجار حتى عام 2013م ، وليس
في ملف الحجز التحفظي ما يؤيد ما يدعيه كل منهما، وكان هذا الإنحراف الإجرائي بسبب
الفصل في طلب الحجز التحفظي والتظلم منه بصورة مستقلة عن النزاع الموضوعي،
فبالعودة إلى قانون المرافعات تجد الدائرة: أن المادة (387) مرافعات قد نصت على
أنه (مع عدم الإخلال بما ينص عليه أي قانون آخر يجوز للدائن بدين محقق الوجود حال
الأداء ولو لم يكن بيده سند تنفيذي أن يطلب الأمر بإجراء الحجز التحفظي على أموال
مدينه في الحالتين الآتيتين -2- إذا كان الدائن مؤجراً للعقار فيجوز له في مواجهة
المستأجر والمستأجر من الباطن طلب الحجز التحفظي على المنقولات والثمار والمحاصيل
الموجودة بالعين المؤجرة لضمان دين الأجرة...إلخ) ، كما نصت المادة (389) مرافعات
على أنه (يجب على من أمر له بالحجز التحفظي في أي حالة بدون حكم أو أمر أداء أن
يرفع دعوى بحقه وبصحة الحجز يخاصم فيها المحجوز عليه والمحجوز لديه إن وقع الحجز
على ما لديه...إلخ)، وتوضح المادتان السابقتان الأثر المترتب على الامر بالحجز
التحفظي وهو رفع دعوى صحة الحجز، ومن بديهات الإجراءات القضائية عند نظر محكمة
الموضوع للقضية أن المحكمة تحدد ما أقر به
الخصم وما انكره، وتكلف المدعي بإثبات ما انكره المدعي عليه وتسمع أدلته وشهوده،
فالمحكمة تراقب الخصوم في ممارسة الإجراءات طبقاً للقانون حتى تفصل في الموضوع
وفقاً للقانون، وقد لاحظت الدائرة أن الحكم المطعون فيه قد خالف مبدأ التقاضي على
درجتين عندما قضى بإستحقاق المستأنف لمبلغ 26 ألف دولار امريكي تعويضاً عن الأضرار
التي لحقت بالمحجوز عليه جراء الحجز على منقولاته بحسب إدعاء المستأجر، وتأسيساً
على ما سبق فإن الدائرة: تقبل الطعن بالنقض وتقرر نقض الحكم المطعون فيه وتوجه
الشعبة التجارية بالنظر فيما يتعلق بالحجز التحفظي في ضوء الخصومة الموضوعية، ولها
إلزام من يلزم بتقديم الضمان الذي يكفل حفظ حق المتضرر فعلاً)) ، وسيكون تعليقنا
على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الاول: ماهية الحجز التحفظي
واجراءته:
الحجز التحفظي هو إجراء قانوني يلجأ
إليه الدائن لضمان الحصول على حقه في حالة صدور حكم غير نهائي لصالحه، اوهو :
إجراء مؤقت يُصدره القاضي بناءً على طلب الدائن الذي يخشى من تصرف المدين في
أمواله حتى يتمكن الدائن من الحصول على حقه بعد
صدور حكم لصالحه، وبموجب هذا الإجراء يتم
وضع أموال المدين تحت يد القضاء مما يمنع المدين من التصرف فيها أو
تهريبها.
وضمن (الفرع الثاني من الفصل الثالث
من قانون المرافعات اليمني الخاص بالوسائل التحفظية وهي الحجز التحفظي والحراسة
القضائية ) لم يرد تعريف خاص بالحجز التحفظي ،اما المادة (377) مرافعات فقد عرفت الحجز التنفيذي بأنه : ( الحجز هو
وضع المال تحت يد القضاء لمنع صاحبه (المحجوز عليه) من ان يقوم باي عمل مادي او
قانوني من شانه اخراج هذا المال او ثماره من ضمان الدائن الحاجز ويترتب على حجز
المال حجز ثماره ولا يرتفع الحجز الا بما يقرره هذا القانون)،ولان الحجزان التنفيذي والتحفظي يختلفا من حيث الغاية والهدف منهما فهدف الحجز
التنفيذي بيع المال واقتضاء الدين من قيمة المال المحجوز، لذلك فان الحجز التنفيذي
يمتد إلى ثمار المال المحجوز، بخلاف الحجز التحفظي الذي يقتصر اثره على منع
المحجوز عليه من التصرف في أصل المال أو
تبديده أو تهريبه من قبل المدين ،فلايمتد اثر الحجز التحفظي إلى حجز ثمار
المال المحجوز عليه.
اما الاجراءات
الخاصة بتنفيذ الحجز التحفظي
ققد بينت ذلك المادة(385)مرافعات الواردة ضمن الاحكام
الخاصة بالحجز التحفظي ، فقد نصت المادة (385) مرافعات على أن
(يختص بإصدار الأمر بالحجز التحفظي رئيس المحكمة الابتدائية المختصة إذا طلب الحجز
إبتداءً أو القاضي المختص إذا قدم الطلب تبعاً لدعوى أصلية منظورة أمامه ولا يتم
الحجز إلا بحضور شاهدي عدل مع توقيعهما على محضر الحجز ويجب إعلان المدين بأمر
الحجز خلال ثلاثة أيام من تاريخ صدوره وإلا سقط الحجز).
وتتضمن إجراءات الحجز التحفظي
قيام الدائن طالب الحجز بتقديم طلب الحجز
إلى رئيس المحكمة المختصة نوعيا
ومكانيا إذا لم تكن هناك دعوى سابقة منظورة أمام المحكمة، أما إذا كانت هناك دعوى
سابقة فيتم تقديم طلب الحجز إلى القاضي الذي ينظر الدعوى الأصلية .
وعند صدور أمر من المحكمة بتوقيع
الحجز فيجب أن يتضمن أمر الحجز
التحفظي وصفًا للأموال المحجوزة وقيمة الدين المدعى به، يجب على معاون
المحكمة عند تنفيذ أمر الحجز التحفظي على أموال المدين ان يقوم بتحرير محضر الحجز
بحضور وتوقيع شاهدي عدل ويتم اعلان المدين بذلك ، ويقوم معاون المحكمة بتنفيذ الحجز التحفظي على الأموال
المنقولة من خلال وضع الأختام عليها أو من خلال إحضارها إلى المحكمة.
أما تنفيذ الحجز التحفظي على الأموال
العقارية، فيتم عن طريق تسجيل أمر الحجز في السجل العقاري وابلاغ الامين الشرعي وقلم
التوثيق المختص بذلك ، والتأثير على
العقار المحجوز.
الوجه الثاني: الحالات التي يجوز فيها الأمر
بتوقيع الحجز التحفظي:
حدد قانون المرافعات الحالات التي يجوز فيها
الأمر بالحجز التحفظي وهي ثلاث ، ومن خلال
ذلك يظهر ان القانون قد ضيق للغاية حالات
الأمر بالحجز التحفظي تقديرا من القانون للاثار البالغة الخطورة للحجز التحفظي ،
فقد تضمنت المادة (387) مرافعات حالتين من
الحالات التي يجوز فيها الأمر بإيقاع الحجز التحفظي ،وفي هذا الشان نصت المادة (387) مرافعات على أنه (مع عدم الإخلال بما ينص عليه أي قانون
آخر يجوز للدائن بدين محقق الوجود حال الأداء ولو لم يكن بيده سند تنفيذي أن يطلب
الأمر بإجراء الحجز التحفظي على أمـوال مدينه في الحالتين الآتيتين: -1- إذا كان
الدائن يخشى فقدان ما يضمن له الوفاء بحقه. -2- إذا كان الدائن مؤجراً للعقار
فيجوز له في مواجهة المستأجر والمستأجر من الباطن طلب الحجز على المنقولات والثمار
والمحاصيل الموجودة بالعين المؤجرة لضمان دين الأجرة، ويجوز له طلب الحجز عليها
إذا كانت قد نقلت دون علمه إلى مكان آخر خلال عشرين يوماً من تاريخ نقلها)،
وهذا النص صريح في عدم جواز الأمر بالحجز التحفظي في الحالتين المذكورتين في النص
الا إذا كان الدين المستحق للدائن محقق الوجود أي ثابت يقينا وليس محل خلاف ، وكذا
يجب ان يكون الدين حال الاداء وليس موجلا إلى أجل أو معلقا على شرط، وكذا اشترط
القانون صراحة ان تكون لدى الدائن خشية
حقيقية من ان تصرف المدين بالمال إلى الغير أو تهريبه،ويقع على عاتق الدائن طالب
الحجز ان يثبت تحقق هذه الشروط ، ويجب على القاضي ان يتحقق ويتحرى في ذلك قبل الأمر بإيقاع الحجز التحفظي .
اما الحالة الثالثة التي بجوز فيها
للدائن ان يطلب الحجز التحفظي على اموال المدين فقد وردت في المادة (386)
مرافعات ، اذ نصت هذه المادة على أنه: (يجوز للمحكوم له بحكم ابتدائي
قابل للطعن فيه بالاستئناف او من صدر له امر اداء ان يطلب الامر باجراء الحجز
التحفظي على اموال المحكوم عليه) .
الوجه الثالث: خصائص الحجز التحفظي
وشروطه:
يختص للحجز التحفظي بعدة خصائص منها:
1.
الأولى: الحجز التحفظي
إجراء مؤقت: أي أنه لا ينشئ أي حق دائم للدائن في أموال المدين، بل هو إجراء مؤقت
يهدف إلى حماية حق الدائن إلى حين صدور حكم نهائي في النزاع يتم بموجبه التنفيذ
على الأموال المحجوز عليها لاقنتضاء الدين المحكوم به.
2.
الثانية: يهدف الحجز التحفظي إلى حماية حق الدائن: فالحجز التحفظي إجراء
مهم في سبيل حماية حق الدائن، لانه يمنع المدين من التصرف في أمواله، مما يضمن
للدائن الحصول على حقه عند صدور حكم لصالحه أو صلاحية الحكم التنفيذ .
3.
الثالثة: يضمن الحجز التحفظي تنفيذ الحكم عند صلاحيته للتنفيذ ، فهو
إجراء يضمن تنفيذ الحكم النهائي في حالة صدوره لصالح الدائن.
اما شروط إصدار الأمر بالحجز التحفظي
فيمكن تلخيصها كما ياتي:
1.
الشرط الأول: وجود دين ثابت محقق: فيجب أن يكون هناك دين ثابت على المدين، أي
أن الدائن يجب أن يثبت أمام المحكمة أن له حق ثابت محقق حال الاداء بذمة المدين،
ويكون الدين ثابتًا، إذا كان مستندًا إلى سند تنفيذي، مثل حكم قضائي أو سند أو
ورقة رسمية.
2.
الشرط الثاني: الخشية من تأخر إجراءات التنفيذ على اموال المدين: فيجب أن يكون
هناك خشية حقيقية من تأخر إجراءات تنفيذ الحكم على اموال المدين المطلوب الحجز
عليها ، أي أن الدائن يجب أن يثبت أمام المحكمة أن هناك خشية حقيقية من ضياع أو
تهريب أو تبديد اموال المدين اذا لم يصدر
الامر بالحجز التحفظي، فينبغي ان تكون
هناك خشية حقيقية تهدد اموال المدين
إذا تركت أموال المدين من غير حجز حتى
حصول الدائن على سند تنفيذي سيما إذا كان المدين يعاني من مشاكل مالية أو إذا كان
من المحتمل أن يهرب أو يخفي أمواله.
3.
الشرط الثالث: وجود
أموال للمدين يجوز الحجز عليها تكفي لاقتضاء الدين: فيجب أن تكون هناك أموال
للمدين تكفي لأداء الدين، أي أن الدائن يجب أن يثبت أمام المحكمة أن المدين لديه
أموال يمكن الحجز عليها.
فإذا تحققت هذه الشروط، فان المحكمة
تقوم بإصدار أمر بالحجز التحفظي على أموال المدين.
الوجه
الرابع :آثار ومخاطر الأمر بالحجز التحفظي :
مع
أن الأمر بإيقاع الحجز التحفظي مجرد تدبير
إحترازي وقتي، إلا أنه تترتب عليه آثار مدمرة بالغة الخطورة في الواقع
العملي سيما في اليمن بسبب قلة الوعي
القانوني، ومن أهم هذه الآثار: حفض القيمة السوقية للعقار المحجوز عليه
،وإذكاء العداوة واللدد والعناد بين الخصوم والتشكيك في نزاهة القاضي وحياده،
ونفور المتعاملين من التعامل مع المحجوز عليه.
فقد حدث بالفعل إنهيار شركات ومؤسسات ومشاريع
تجارية عملاقة بسبب توقيع الحجز التحفظي عليها
، لأن العمل التجاري حساس للغابة في اليمن، اذ
يترتب على توقيع هذا الاجراء فسخ الوكالات التجارية الاجنبية للشركات المحجوزة عليها، لأن عقود الوكالات التجارية للشركات
الاجنبية تنص صراحة على انفساخ عقد الوكالات وليس فسخها إذا تم الحجز على الوكيل اليمني، وتنهار قيمة اسهمها، بل ان
الجميع يحجم عن البيع والشراء منها.
والواقع العملي في المحاكم في اليمن يشهد على قلة
بل انعدام المقبلين لشراء العقارات المحجوزة التي يتم بيعها في مزادات علنية
في المحاكم ، اما اذا تم بيعها خارج
المحكمة فانها تفقد ربع اثمانها على الأقل، وهذا الامر معروف ومشهور في اليمن،فضلا
عن ان إجراءات الحجز التحفظي تعقد القضايا واجراءات التقاضي.
ولذلك فإن هذه الآثار السلبية للأمر بالحجز
التحفظي ينبغي أن تكون حاضرة في إعتبار المحكمة قبل الأمر بالحجز التحفظي وعند
التعامل مع الأمر بعد صدوره، وقد المح الحكم محل تعليقنا إلى أنه ينبغي على محكمة
الموضوع بعد إعادة القضية إليها أن تفرض على
المحجوز عليه تقديم الضمان اللازم
بدلا عن توقيع الحجز التحفظي
الوجه الخامس: وجوب بحث القاضي لأسباب الخشية أو
الخطر العاجل على المال المطلوب الحجز عليه:
سبق القول أن الأمر بالحجز التحفظي إجراء تحفظي
أو تدبير وقتي،الا أنه تترتب عليه اثار
بالغة الخطورة تفوق الخطر الذي يكون سببا لطلب الحجز حسبما سبق بيانه في الوجه
السابق .
ولذلك يجب على القاضي أن يحقق ويبحث أسباب الخشية
على المال المطلوب الحجز عليه، وأن يتحقق
من ان الخطر عاجل بالفعل وان الاثار المتوقعة لتوقيع الحجز التحفظي لا تفوق
الخطر المدعى به، وعلى القاضي الموازنة بين الامرين، لأن ذلك يخضع للسلطة التقديرية للقاضي، حسبما قضت محكمة النقض المصرية، ولا ريب أن ذلك يستدعي من القاضي الوقوف على
مسائل وادلة موضوعية، غير أنه لا يجوز
للقاضي وهو في سياق بحثه لأسباب الخشية أو الخطر العاجل أن يفصل في المسائل
الموضوعية التي بحثها، كما لا يجوز أن يفهم من خلال بحث القاضي في المسائل الموضوعية
للوقوف على أسباب الخشية أن القاضي قد أفصح عن رايه في تلك المسائل الموضوعية أو
الادلة التي بحثها القاضي ، ويجب على القاضي عند نظره أو فصله في طلب الحجز أن
يكتفي بتوقيع الحجز كإجراء وقتي تحفظي أو تدبير وقتي إحترازي ،فلا يمس أصل الحق
المتنازع عليه.
الوجه
السادس: حالات سقوط الحجز التحفظي :
قانون المرافعات حينما نظم الحجز التحفظي نظمه
على أساس انه إجراء وتدبير وقتي يتم إتخاذه حتى لا يبدد المدين أمواله أو يهربها أو
يخفيها ، ولأن الحجز التحفظي مجرد إجراء وقتي له عواقبه الوخيمة والخطيرة فقد حصر
القانون حالات اللجوء إليه، وكذا صرح القانون بسقوط أمر الحجز التحفظي في الحالات
الآتية :
الإولى: اذا لم يقم من صدر الحجز لصالحه
بإعلان المحجوز عليه بامر الحجز التحفظي خلال ثلاثة أيام من تاريخ صدوره والا سقط
الحجز.
الثانية: إذا لم يقم من صدر أمر الحجز
التحفظي لصالحه برفع دعوى صحة الحجز خلال
ثمانية ايام من تاريخ اعلانه للمدين المحجوز عليه بامر الحجز التحفظي، وفي هذا المعنى
نصت المادة (389) مرافعات على أنه (يجب
على من أمر له بالحجز التحفظي في أي حالة بدون حكم أو أمر أداء أن يرفع دعوى بحقه
وبصحة الحجز يخاصم فيها المحجوز عليه والمحجوز لديه إن وقع الحجز على ما لديه خلال
ثمانية أيام من تاريخ إعلان المدين بالحجز
والاسقط الحجز واعتبر كان لم يكن... الخ).
الثالثة: إذا حكم ببطلان أو إلغاء الحجز
التحفظي، فقد يفتقد الأمر بالحجز التحفظي أساسه القانوني وقد تتخلف شروطه القانونية فتحكم المحكمة ببطلان الحجز
التحفظي أو إلغائه فيسقط، وفي هذا الشأن نصت
المادة ( 391 ) مرافعات على أنه (إذا حكم ببطلان الحجز التحفظي أو بإلغائه لإنعدام
أساسه أو حكم برفض دعوى الحق الموضوعي
يرتفع الحجز التحفظي وتحكم المحكمة على الحاجز بغرامة لا تتجاوز خمسين ألف ريالا
وبالتعويضات للمحجوز عليه أو للمحجوز لديه عما اصابهما من ضرر بسبب الحجز، وإذا
طعن الجاجز في الحكم أمام الاستئناف جاز له طلب الأمر بوقف تنفيذ حكم رفع الحجز
بشرط الكفالة وفقا لما هو منصوص عليه في
هذا القانون).
الرابعة:
إذا حكم برفض دعوى الحق الموضوعي يرتفع
الحجز التحفظي، وفي هذا المعنى نصت المادة ( 391 ) مرافعات على أنه (إذا حكم ببطلان
الحجز التحفظي أو بإلغائه لإنعدام أساسه أو حكم
برفض دعوى الحق الموضوعي يرتفع الحجز التحفظي وتحكم المحكمة على الحاجز
بغرامة لا تتجاوز خمسين ألف ريالا وبالتعويضات للمحجوز عليه أو للمحجوز لديه عما
اصابهما من ضرر بسبب الحجز، وإذا طعن الجاجز في الحكم أمام الاستئناف جاز له طلب
الأمر بوقف تنفيذ حكم رفع الحجز بشرط الكفالة
وفقا لما هو منصوص عليه في هذا القانون).
الخامسة: إذا سقطت دعوى الحجز أو بطلت أو
شطبت سقط الأمر بالحجز التحفظي.
الوجه السابع: ورطة الامر بالحجز التحفظي غير القانوني:
أشار
الحكم محل تعليقنا إلى أن محكمة الاستئناف كانت قد قضت على المؤجر بدفع 26 ألف
دولار أمريكي تعويضا للمستأجر عن الحجز التحفظي غير القانوني لادواته، لأن الحكم
الابتدائي كان قد قضى بعدم قانونية الحجز التحفظي غير أنه لم يحكم للمستأجر بالتعويض
عن الحجز التحفظي المخالف للقانون، ولذلك فإن الأمر بالحجز التحفظي بصورة مخالفة
للقانون يحتم على القاضي عند الفصل في القضية أو دعوى صحة الحجز أن يقض بعدم صحة الحجز الذي سبق له
أن أمر به!!!، ولذلك يلجأ البعض إلى معالجة إجراءات الحجز التحفظي غير المطابقة
للقانون قبل الفصل في الدعوى الموضوعية .
الوجه الثامن : ماهية دعوى صحة الحجز :
يذهب الفقه العربي إلى أن هذه الدعوى وان سميت
“دعوى صحة الحجز” إلا أنها في حقيقتها دعوى موضوعية غايتها ثبوت حق الدائن الحاجز
في ذمة المدين، وهذا هو الطلب الأساسي الذى ترفع به، أما طلب صحة إجراءات الحجز
فهو طلب فرعى أو تبعي أو مكمل للطلب الأساسي الذى ترفع به الدعوى، ولذلك فإن
تسميتها باسم “دعوى صحة الحجز” هى تسمية مضللة، لأن ذلك قد يوحى بأن صحة إجراءات
الحجز هى الهدف الرئيسي فيها، في حين أن طبيعتها أو تكييفها القانوني الصحيح يوكد
انها دعوى موضوعية بثبوت الحق (حق الدائن الحاجز): و تتضمن دعوى صحة الحجز عادة طلبين (أحدهما) أساسي وهو
طلب الحكم على المدين المحجوز عليه بثبوت حق الدائن في ذمته أو بتحديد مقداره بشكل
نهائي. (وثانيهما) ثانوي وتبعي وهو طلب الحكم بصحة إجراءات الحجز سواء من حيث
شكلها أو من حيث موضوعها، وفى هذا الطلب (الفرعي) تبحث محكمة الموضوع الحجز شكلاً
وموضوعاً، وقد تنتهى إلى الحكم بصحة الحجز – كما أنها قد تنتهى إلى رفض هذا الطلب،
غير أن هذا الرفض لا يؤثر على الطلب الأساسي الذى يبقى قائماً، ويكفى وحده لحمل
الدعوى، بمعنى أنه قد يحكم بالمديونية مع الحكم بأن الحجز غير صحيح (شكلاً أو
موضوعاً)، ولا يكون هناك تعارض بين رفض الطلب الفرعي وإجابة الطلب الأساسي لعدم
التلازم بينهما- أي أن إجابة المحكمة للطلب الأساسي لا تستتبع حتما إجابة الطلب
الفرعي ولا عكس، لأن رفض الطلب الأساسي يؤدى بالضرورة إلى رفض الطلب الفرعي
باعتباره نتيجة له، فإن من مفترضات صحة الحجز أن يكون ثمة دين يرتكز عليه الحاجز
وإلا فإن الحجز يكون قائماً على غير سبب.
ولذلك لا يتصور أن تقضى المحكمة بالرفض بالنسبة للمديونية وبالقبول بالنسبة لصحة الحجز، وان كان من المتصور أن تقضى قضاء إيجابياً (لصالح الدائن الحاجز) في طلب ثبوت المديونية وتقضى في الوقت ذاته برفض طلب صحة الحجز إذا تبين لها الخلل في إجراءاته.(ضوابط وإجراءات دعوى صحة الحجز في القانون الكويتي، مقال منشور في محاماة نت)، والله اعلم.
![]() |
وجوب التحقق من أدلة الخصوم عند الحجز التحفظي |