الضمانة الحضورية في القانون اليمني
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
مصطلح
الضمانة هو المصطلح المتداول في اليمن ،في حين ان مصطلح الكفالة هو المقرر في
القانونين المدني والتجاري، والكفالة أو الضمانة الحضورية لها مسميات عدة في الفقه الإسلامي منا الكفالة بالبدن أو كفالة الوجه أو كفالة النفس
أو الكفالة الشخصية، والمصطلح الشائع في
اليمن هو مصطلح الضمانة الحضورية، ومحل التزام الكفيل أو الضامن أو الضمين في
كفالة الوجه أو الكفالة الشخصية بحضور
الشخص المطلوب إلى الجهات المعنية محل هذه الكفالة هو التزام الكفيل بحضور المكفول
عليه إلى جهة معينة في الوقت والتاريخ المحدد والمكان المحدد في الكفالة أو حضور
الشخص المكفول عليه حينما تقرر الجهة المعنية حضوره إليها، ومع أن هذا النوع من
الكفالة ليس كفالة مالية تتضمن ضم ذمة الكفيل المالية إلى ذمة المكفول عليه
المالية، إلا أن الكفالة الحضورية أو الشخصية أو الكفالة بالبدن أو بالحضور أو بالوجه كفالة لازمة لها
آثارها القانونية المعتبرة التي قد تصل إلى الزام الضامن بتسليم الدين الذي بذمة
المكفول عليه إذا تعذر على الضامن إحضار المدين إذا كان محل
الضمانة أو الكفالة هو إحضار المدين آي ان الضامن يعلم حينما ضمن الشخص انه
مدين بمال ، حسبما قضى الحكم الصادر عن
الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 21-11-2013م في الطعن
رقم (53450)، وقد ورد ضمن أسباب ذلك الحكم: ((وقد عادت الدائرة إلى ما تحرر من
ضمانات من المدعى عليهم فوجدت: أن حكم المحكمة الابتدائية المؤيد بالحكم
الاستئنافي قد كان حريصاً في رجوعه إلى تلك الضمانات وتضمينها في الحكم الابتدائي وإنزال
حكم القانون على ما تضمنته تلك الضمانات ، خاصة المادة (1045) مدني التي نصت على
أنه: ((إذا كانت الكفالة بالبدن حالة وثبت الحق المكفول به لزم الكفيل إحضار
المكفول وإلا أمره القاضي بتقديم ما يخصه، ويرجع الكفيل بالمال الذي لزم المكفول
بوجهه إذا أداه، ولا يرجع بما غرم غير ذلك وإذا رفض ما أمره به القاضي حبسه) ، وسيكون
تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: ماهية الكفالة الحضورية أو الشخصية بحضور شخص:
الكفالة نوعان: كفالة بالمال وكفالة بالنفس.
ويسمى الملتزم بالحقّ ضآمناً وضميناً وحميلاً وزعيماً وكافلاً وكفيلاً وصبيراً
وقبيلاً وغريماً، غير أنّ العرف جار بأنّ الضمين يستعمل في الأموال، والحميل في
الدّيات، والزعيم في الأموال العظام، والكفيل في النّفوس، والقبيل والصبير في
الجمع.
والكفالة الحضورية أو الكفالة بالنفس يطلق عليها
بعض الفقهاء كفالة البدن أو الوجه أو الكفالة الشخصية لأن محلها حضور شخص ،وقد
اطلق عليها القانون المدني اليمني تسمية كفالة البدن وكفالة الوجه ، والتسمية
الشائعة في اليمن لهذا النوع من الكفالة
هو تسميتها بالضمانة الحضورية .
ومعنى الكفالة الشخصية أو الكفالة بالبدن هي: أن
يلتزم الكفيل إحضار المكفول إلى المكفول له، وقد يكون محل الكفالة الشخصية إلتزام الكفيل بإحضار من عليه دين أو بإحضار من
عليه جريمة أو حد من الحدود.
وانفرد المالكية بذكر نوع خاص من
الكفالة: ضمان الطلب وهو يدخل في ضمان النفس , حيث أنه التزام طلب الغريم
والتفتيش عليه إن تغيب والدلالة عليه دون الالتزام بإحضاره(فقه الجنايات، د.عبد
الرحمن حمدي شافي ،ص21).
الكفالة
المالية تعني: ضم الذمة المالية للكفيل إلى الذمة المالية للمكفول عليه ، فيحق
للمكفول له الرجوع على الكفيل والمكفول عليه منفردين أو متضامنين، اما الكفالة
الحضورية فهي كفالة شخصية لا تعني ضم الذمة المالية للكفيل إلى ذمة المكفول عليه
وإنما: هي ضمانة شخصية بحضور المكفول عليه إلى جهة معينة في وقت معين أو حينما
تطلب ذلك الجهة المستفيدة من الكفالة أو الجهة التي صدرت لمصلحتها الكفالة،
فالكفالة الشخصية أو الحضورية مجرد التزام من الكفيل بحضور المكفول عليه، فإذا
حضر المكفول عليه إلى الجهة المعنية في الوقت المعين فقد نفذ الكفيل كفالته
والتزامه، وهذا هو مقتضى ومحل الكفالة الشخصية أو الحضورية.
وقد
قسم القانون المدني اليمني الكفالة بصفة عامة إلى كفالة بالبدن وكفالة بالمال، فقد
نصت المادة (1028) على أن (الكفالة قسمان هما: -1- كفالة بالمال -2- كفالة بالبدن
(كفالة الوجه))
الوجه الثاني: مشروعية الكفالة الحضورية:
الكفالة الحضورية أو الكفالة الشخصية أو الكَفالةُ
بالنَّفسِ جائزةٌ باتِّفاقِ المذاهِبِ الفِقهيَّةِ :
الحَنَفيَّةِ ، والمالِكيَّةِ ، والشَّافِعيَّةِ -على
المشهورِ- والزيدية ، والحَنابِلةِ ، وحُكِيَ الإجماعُ على
ذلك. والأدِلَّةُ على مشروعية الكفالة الشخصية ماياتي:
1- قال تعالى: (و قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ
مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا
أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ [يوسف:66]. ووَجهُ
الدَّلالةِ في قَولِه تعالى )حَتَّى
تُؤْتُونِ مَوْثِقًا)، والمَوثِقُ هو الكفيلُ؛ ففي الآيةِ امتناعُ يَعقوبَ عليه
السلام من إرسالِ وَلَدِه مع إخوتِه إلَّا
بكَفيلٍ، وفيه دَلالةٌ على جوازِ الكَفالة بالنفس
2- عن أبي
أُمامةَ الباهِليِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: سَمِعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه
وسلَّم يقولُ: ((العارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ، والمِنحةُ مردودةٌ، والدَّينُ
مَقضيٌّ، والزَّعيمُ غارِمٌ) .
وَوجهُ الدَّلالةِ في هذا الحديث في
قَولِه صلَّى اللهُ عليه واله وسلَّم: ((والزَّعيمُ غارِمٌ)) ففي ذلك دَلالةٌ
على مشروعيَّةِ الكَفالةِ، سواءٌ كانت بالنَّفسِ أو بالمال.
3-. عن حمزةَ بنِ عَمرٍو الأسلَميِّ أنَّ عُمَرَ
رَضِيَ اللهُ عنه بعَثَه مُصَدِّقًا، فوقع رجلٌ على جاريةِ امرأتِه، فأخذ حمزةُ من
الرَّجُلِ كفيلًا حتَّى قَدِم على عُمَرَ، وكان عُمَرُ قد جلَدَه مائةَ جَلْدةٍ،
فصَدَّقَهم وعَذَره بالجَهالةِ .
4- قال جريرٌ والأشعَثُ لعبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ
في المرتَدِّين: استَتِبْهم وكَفِّلْهم، فتابوا، وكفَلَهم عشائِرَهم .
5- لأنَّه لمَّا جاز ضمانُ ما في
الذِّمَّةِ، جاز ضمانُ ذي الذِّمَّةِ؛ إذ لا فَرْقَ بَيْنَ ضمانِ الحقِّ وبَينَ
ضَمانِ مَن عليه الحقُّ.
6- لأنَّ ضمانَ الأموالِ إنَّما كان لِما
فيه من الرِّفقِ والتَّوسِعةِ، فكذا كَفالةُ النُّفوسِ؛ لِما فيها من الرِّفقِ
والتَّوسِعةِ، وهو أن يرتَفِقَ المكفولُ عنه في الإطلاقِ ليَسهُلَ عليه طَلَبُ
الحَقِّ، ويستوثِقَ المكفولُ له فيَسهُلَ عليه التِماسُ مَن عليه
الحَقُّ .
7- لأنَّ الحاجةَ داعيةٌ إلى الاستيثاقِ
بضَمانِ المالِ أو البَدَنِ، وضمانُ المالِ يمتنِعُ منه كثيرٌ من النَّاسِ، فلو لم
تَجُزِ الكَفالةُ بالنَّفسِ لأدَّى إلى الحَرَجِ .
الوجه الثالث: صيغة الضمانة الحضورية أو الكفالة الشخصية:
صيغة
الكفالة الحضورية أو الشخصية في الفقه الاسلامي :
أن يقول الكفيل: تكفلت بنفس فلان
أو بدنه، فلو قال: تكلفت بجسمه وروحه صح ذلك أيضاً، ويقوم مقام ذلك الكفالة بجزء
شائع منه. وكذلك كل جزء لا يبقى الشخص بدونه كالكبد والقلب والرأس والدماغ، وأما
ما يبقى الشخص بدونه كاليد والرجل فلا يكفي. هذا هو مذهب الشافعي في ذلك، وكذلك هو
مذهب الحنابلة ، إلا أنهم ذكروا في الجزء الذي يبقى الشخص بدونه وجهين:
أحدهما: تصح الكفالة، وهو قول أبي الخطاب، لأنه
لا يمكنه إحضار هذه الأعضاء على صفتها إلا بإحضار البدن كله فأشبه الكفالة (1)
بوجهه ورأسه، ولأنه حكم يتعلق بالجملة فيثبت حكمه إذا أضيف إلى البعض كالطلاق
والعتاق.
والثاني: لا يصح لأنه يمكن إحضاره بدون الجملة مع
بقائها.
واشترط الحنفية والزيدية أن يكون الجزء عند إطلاق
الجزء شائعاً كالشافعية، ولكنهم اشترطوا فيما عدا ذلك من الأجزاء أن يكون مما يعبر
به من أعضائه عن جميع البدن. كالرأس والوجه والرقبة والعنق والجسد والبدن.
ويجوز ان تكون صيغة الكفالة شفاهة أو كتابة،
والغالب ان تكون كتابة في العصر الحاضر، وتكون صيغة الكفالة الشخصية في الوقت
الحاضر بأن يقول الكفيل اويكتب انه: كفل أو ضمن لجهة كذا أو لفلان حضور فلان المدين عند طلبه أو عند استدعائه للمحاكمة أو التحقيق او حضوره لسداد الدين الذي
بذمته.
الوجه الرابع: محل الكفالة الحضورية أو الشخصية:
محل الكفالة الشخصية
أو كفالة البدن محلها كفالة من عليه مال وكفالة
من عليه عقوبة، ولاخلاف بين الفقهاء بشان الكفالة الشخصية على الشخص الذي بذمته مآل، اما الكفالة
الشخصية على الشخص الذي عليه عقوبة فهي محل خلاف ، وبين ذلك كما ياتي :
أولا: الكفالة الشخصية على من عليه مال: إذا تكفل
بإحضار من عليه مال، فلا يشترط العلم بمقدار المال، لأنها كفالة بالبدن لا بالمال.
بل يشترط أن يكون المال مما يصح ضمانه أو كفالته.
ثانيا- الكفالة
الشخصية على الشخص الذي عليه عقوبة أو
المتهم بتهمة.
العقوبة إما أن تكون حقاً لآدمي كقصاص وحد قذف
وتعزير، وإما أن تكون حقاً لله تعالى، كحد الخمر وحد الزنا وحدّ السرقة، فإن كانت
العقوبة حقاً لآدمي فالمذهب عند الشافعية صحتها، لأنه حق لازم فأشبه المال، وفي قول عند الشافعية أنها لا تصح، لأن العقوبة
مبنية على الدفع فتقطع الذرائع المؤدية إلى توسيعها، والمذهب عندهم أيضاً أنها
تمنع في حدود الله تعالى، لأنها يسعى في دفعها ما أمكن.
وذهب الحنفية وبعض الزيدية إلى جواز الكفالة بالبدن، في القصاص
وفي حد السرقة والقذف إذا بذلها وتبرع بها المدعى عليه، فإن لم يبذلها لا يجبر
عليها عند أبي حنيفة، وقال الصاحبان يجبر، قال في البدائع: "ويجوز الكفالة
بنفس من عليه القصاص في النفس وما دونها، وبحد القذف والسرقة إذا بذلها المطلوب
فأعطاه بها كفيلاً بلا خلاف بين أصحابنا وهو الصحيح، لأنها كفالة بمضمون على
الأصيل مقدور الاستيفاء من الكفيل فتصح، كالكفالة بتسليم نفس من عليه الدين.
وقد أخذ القانون اليمني بالقول الذي إلى جواز
الكفالة في العقوبة مطلقا.
وذهب الحنابلة إلى عدم صحة الكفالة ببدن من عليه
حدّ، سواء أكان حقاً لله تعالى كحد الزنا والسرقة، أم كان لآدمي كحد القذف
والقصاص.
واحتجوا على ذلك بادلة منها:
1- ما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن
النبي صلى الله عليه واله وسلم قال:
"لا كفالة في حد".
2- أن الكفالة استيثاق والحدود مبناها على
الإسقاط والدرء بالشبهات، فلا يدخل فيها الاستيثاق.
3- أنه حق لا يجوز استيفاؤه من الكفيل إذا
تعذر عليه إحضار المكفول به، فلم تصح). فقه
الجنايات ، د. عبد الرحمن حمدي شافي ،ص15).
الوجه الخامس: احكام الكفالة الحضورية أو الشخصية أو كفالة النفس في القانون المدني اليمني:
احكام
الكفالة الحضورية في القانون المدني اليمني مختصرة جدا ، فقد تناول القانون تلك الاحكام في مادتين فقط
، ولذلك فان المرجع في الاحكام التي لم يتضمنها القانون المدني هو كتب الفقه
الاسلامي، وفقاً للمادة (18)مدني التي صرحت
بان المرجع عند تفسير النصوص القانونية هي كتب الفقه الاسلامي والكتب
الشارحة الصادرة من السلطة التشريعية
المختصة ، وبما أنه ليس هناك وجود للكتب
الشارحة فلم يبق إلا كتب الفقه الاسلامي التي ينبغي الرجوع اليها عند تطبيق احكام الضمانة أو
الكَفالة الحضورية، ولذلك فقد توسعنا في هذا التعليق في بيان احكام الضمانة
الحضورية في الفقه الاسلامي.
أما احكام الضمانة أو الكفالة الحضورية في القانون
المدني اليمني قخلاصتها انه : إذا عجز الكفيل في الكفالة الحضورية او الشخصية
عن إحضار المكفول عليه إلى الجهة المعينة في الكفالة وفي الوقت المحدد لذلك:
فإن الأثر المترتب على ذلك يختلف بإختلاف الإلتزام القائم على المكفول عليه
وهو سبب صدور الكفالة، فإذا كان الإلتزام القائم بذمة المكفول عليه للمكفول له
ديناً فأنه يجب على الكفيل الشخصي أو الضامن حضور الشخص أداء الدين الذي بذمة
المكفول عليه لتخليص نفسه أي الكفيل من الكفالة ، ويحق للقاضي أن يحبس الكفيل
لحمله على إحضار المكفول عليه أو أداء ما يخلص الكفيل وهو الدين أو الإلتزام الذي
بذمة المكفول عليه للمكفول له.
اما
إذا كان المكفول عليه متهماً بجريمة وليس بذمته التزام أو دين، فإن الجهة المكفول
لها لا تملك إلا المطالبة بحبس الكفيل لحمله على إحضار المكفول عليه.
وفي
المادة (1029) حدد القانون المدني محل الكفالة
الحضورية، فقد نصت هذه المادة على أن (الكفالة بالمال تكون في المطالبة بعين
مضمونة أو دين أو حق، والكفالة بالبدن (كفالة الوجه) تكون في المطالبة بإحضار
خصم).
وإذا كان المكفول عليه في الكفالة الشخصية مدين
بحق أو مال، وكان هذا الحق أو المال هو سبب الكفالة الشخصية أو الحضورية كان يضمن الضامن حضور المدين أمام القضاء للفصل
في النزاع على الدين بين المدين المكفول عليه
ودائنه فإن الكفالة الشخصية أو الحضورية
تكون في هذه الحالة مثل الكفالة المالية ، فاذا لم يحضر المدين وعجز الكفيل عن إحضاره ،فعندئذٍ يحق للمكفول له
أو الجهة التي صدرت لصالحها الكفالة أن تطلب حبس الكفيل لحمله على إحضار المكفول
عليه أو الزام الكفيل نفسه بأداء الدين أو الحق الذي على المكفول عليه، وفي هذا
المعنى نصت المادة (1045) من القانون المدني على أنه (إذا كانت الكفالة بالبدن
حالة وثبت الحق المكفول به لزم الكفيل إحضار المكفول وإلا أمره القاضي بتقديم ما
يخلصه، ويرجع الكفيل بالمال الذي لزم المكفول بوجهه إذا أداه ولا يرجع بما غرم غير
ذلك وإذا رفض ما أمره به القاضي حبسه).
اما اذا كانت الكفالة الحضورية أو الكفالة بالبدن
قد تعلقت بحضور مدين أو شخص بذمته مال أو حق عيني ،ففي هذه الحالة يجوز تطبيق احكام الكفالة على مال على الكفالة على مال ، وفي هذا المعنى نصت المادة (1047) مدني على أنه (إذا
كانت الكفالة بالبدن لضمان مال جاز تطبيق أحكام الكفالة بالمال المبينة في الفرع
السابق للحصول على الحق ويغني ذلك عن طلب حبس الكفيل).
اما إذا كان المكفول عليه ليس مثقلاً بحق أو مال
فأنه يخلى سبيل الكفيل إذا تعذر الوصول إلى
المكفول عليه ، حسبما هو مقرر في المادة (1048) مدني التي نصت على أنه (إذا تعذر
تسليم المكفول عليه بالبدن لغيابه وجهل مكانه يخلى سبيل الكفيل وتعود الكفالة إن
عاد المكفول عليه أو امكن إيصاله).
الوجه السادس: احكام الكفالة الحضورية في الفقه الاسلامي:
سبق
القول بأن : احكام الكفالة الحضورية في القانون المدني اليمني مختصرة جدا ، فقد تناول القانون تلك الاحكام في مادتين فقط
، ولذلك فان المرجع في احكام الضمانة الحضورية التي لم يتضمنها القانون المدني هو
كتب الفقه الاسلامي، وفقاً للمادة (18)مدني التي صرحت بان المرجع عند تفسير النصوص القانونية هو كتب
الفقه الاسلامي والكتب الشارحة الصادرة من السلطة
التشريعية المختصة ، وبما أنه ليس
هناك وجود كتب الشارحة للقواين فلم يبق إلا كتب الفقه الاسلامي التي ينبغي الرجوع اليها عند تطبيق احكام
الضمانة أو الكَفالة الحضورية، ولذلك فقد توسعنا في هذا التعليق في بيان احكام
الضمانة الحضورية في الفقه الاسلامي.
فالفقه الاسلامي توسع في بيان وشرح احكام الكفالة الحضورية، فإذا كانت الكفالة الحضورية
أو الكفالة بالبدن صحيحة فتتعلق بالكفيل
الشخصي الأحكام التالية:
أولاً: إذا
شرط الكفيل تسليم المكفول في وقت معين، لزمه إحضاره فيه إذا طالب الطالب بإحضاره
في ذلك الوقت، وفاء بما التزمه، كالدين المؤجل إذا حلّ، فإن أحضره فذاك، لأنه وفى
ما عليه، وإن لم يحضره حبسه القاضي لامتناعه عن إيفاء حق مستحق، ولكن لا يحبسه أول
مرة لعله لم يدر لماذا دعي.
ثانياً: لو
غاب المكفول بنفسه أمهله الحاكم مدة ذهابه وإيابه، فإن مضت ولم يحضره، يحبسه لتحقق
امتناعه عن إيفاء الحق.
ثالثاً: ذهب
الشافعية إلى أنه إذا عين الكفيل مكاناً لتسليم المكفول تعين تبعاً لشرطه، وإن لم
يعين مكاناً فمكان الكفالة مكان التسليم كما في السلم فيهما، فإن لم يكن موضع
الكفالة صالحاً للتسليم حمل على أقرب مكان صالح للتسليم.
وذهب الحنابلة إلى أنه إذا عين في الكفالة تسليمه
في مكان فأحضره في غيره لم يبرأ من الكفالة، لأنه سلم ما شرط تسليمه في مكان في
غيره فلم يبرأ، كما لو أحضر المسلم في غير هذا الموضع الذي شرطه، ولأنه قد سلم في
موضع لا يقدر على إثبات الحجة فيه لغيبة شهوده أو غير ذلك، وقد يهرب منه ولا يقدر
على إمساكه، وإن وقعت الكفالة مطلقة فهم كالشافعية في ذلك.
وذهب الحنفية وبعض الزيدية إلى أن المطلوب هو
تسليم المكفول إلى الطالب، وهو التخلية بينه وبين المكفول بنفسه في موضع يقدر على
إحضاره مجلس القضاء، لأن التسليم في مثل هذا الموضع محصل للمقصود من العقد، وهو
إمكان استيفاء الحق بالمرافقة إلى القاضي، فإذا حصل ينتهي حكمه، فيخرج عن الكفالة،
ولو سلمه في صحراء أو برّية لا يخرج، لأنه لم يحصل المقصود، ولو سلم في السوق أو
في المصر يخرج، سواء أطلق الكفالة أو قيدها بالتسليم في مجلس القاضي، أما إذا أطلق
فظاهر، لأنه يتقيد بمكان يقدر على إحضاره مجلس القاضي بدلالة الغرض، وكذا إذا قيد،
لأن التسليم في هذه الأمكنة تسليم في مجلس القاضي بواسطة.
رابعاً: يبرأ
الكفيل إذا سلم المكفول إلى المكفول له في المكان المعين -على الاختلاف في هذا
المكان- شريطة أن لا يكون هناك حائل يمنع المكفول له من الوصول إلى حقه، كأن يكون
هناك متغلب يمنع المكفول له عنه، فإن أحضره مع وجود الحائل لم يبرأ الكفيل، لعدم
الانتفاع بتسليمه.
وكذلك يبرأ الكفيل إذا حضر المكفول به وقال: سلمت
نفسي عن جهة الكفيل، كما يبرأ الضامن للمال بأداء الأصيل الدين.
ولو سلم المكفول به نفسه عن الكفيل فأبى أن يقبله
قال الماوردي: إن أشهد المكفول أنه قد سلم نفسه عن كفالة فلان برئ الكفيل منها.
قال الخطيب: وقياس ما تقدم أنه يتعين الرفع إلى الحاكم ثم الإشهاد. هذا ولا يكفي
مجرد حضور المكفول من غير أن يقول: سلمت نفسي عن فلان لأنه لم يسلمه إليه ولا أحد
من جهته.
خامساً: يبرأ
الكفيل بموت المكفول بنفسه، لأن الكفالة بمضمون على الأصيل، وقد سقط الضمان عنه
فيسقط عن الكفيل.
سادساً: إذا
قال الكفيل للمكفول له: كفلت نفس فلان، فإن لم أحضره في وقت كذا فعلي الألف التي
عليه. ثم لم يحضره.
فذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه عليه الألف،
وتبقى الكفالة كما هي، لأنه لا منافاة بين الكفالتين ولاحتمال أن يكون عليه حق آخر
غير الألف.
حتى ولو قال المكفول له: لا حق لي قبل المكفول
به، فعلى الكفيل تسليمه، لاحتمال أنه وصي أو وكيل.
وذهب الشافعية في هذه المسألة إلى بطلان الكفالة،
لأنه قد اشترط شرطاً ينافي مقتضاها، وذلك بناء على أنه لا يغرم عند الإطلاق.
سابعاً: إذا
أبرأ الطالب الكفيل من الكفالة بالنفس خرج عن الكفالة، لأن حكم الكفالة بالنفس حق
المطالبة بتسليم النفس، وقد أسقط المطالبة عنه بالإبراء، فينتهي الحق ضرورة، ولا
يكون هذا الإبراء للأصيل، لأنه أسقط المطالبة عنه دون الأصيل، ولو أبرأ الأصيل
برئاً جميعاً، لأن الكفالة بمضمون على الأصيل، وقد سقط الضمان عنه فيسقط عن
الكفيل.
ثامناً: في
الكفالة بالنفس هل يشترط رضا المكفول؟
ذهب الشافعية في الأصح إلى أن الكفالة بالنفس لا
تصح إلا برضا المكفول الذي يعتبر إذنه، أو الولي حيث لا يعتبر، بناء على أن الكفيل
لا يغرم المال عند العجز، فلا فائدة لها إلا حضور المكفول، وهو لا يلزمه الحضور مع
الكفيل إذا لم يكن راضياً بكفالته إياه.
وذهب الحنفية إلى أنه لا يشترط رضا المكفول،
فتجوز الكفالة بأمر المكفول عنه وبغير أمره، لأنه التزام المطالبة، وهو تصرف في حق
نفسه، وفيه نفع للطالب ولا ضرر فيه على المطلوب بثبوت الرجوع إليه، إذ هو عند أمره
وقد رضي به لقوله عليه الصلاة والسلام الزعيم غارم.
وذهب الحنابلة في ذلك إلى وجهين: أحدهما
كالشافعية والثاني كالحنفية.
وأما رضا المكفول له: ذهب الشافعية في الأصح
والحنابلة صح والحنابلة إلى أنه لا يشترط، كما لا يشترط رضا المضمون له، لأنها
وثيقة له لا قبض فيها فصحت من غير رضاه فيها كالشهادة. ولأنها التزام حق له من غير
عوض، فلم يعتبر رضاه فيها كالنذر.
- وذهب الحنفية إلى أنه لا تصح الكفالة إلا
برضا المكفول له في المجلس عند أبي حنيفة وفي قول للحنفية : يجوز إذا بلغه فأجاز،
ولم يشترط في رواية عنه الإجازة، بل الكفالة على هذا نافذة وإن كان المكفول له
غائباً.
هذا وقد استثنى جمهور الحنفية من اشتراط رضا
المكفول له مسألة واحدة، وهي أن يقول المريض المليء (1) لوارثه: تكفل عني بما عليّ
من الدين فيتكفل به مع غيبة الغرماء، فإنها تصح، لأنها في الحقيقة وصية، ولهذا تصح
وإن لم يسم المكفول.
تاسعا :كفالة
اثنين بإحضار واحد، وفي كفالة واحد لاثنين:
ذكر
الحنابلة أنه إذا تكفل اثنان بواحد صح، فإن سلم المكفول به نفسه برئ كفيلاه، لأنه
أتى بما يلزم الكفيلين، وهو إحضار نفسه، فبرئت ذمتهما، كما لو قضى الدين.
وإن أحضره أحد الكفيلين لم يبرأ الآخر، لأن إحدى
الوثيقتين انحلت من غير استيفاء، فلم تنحل الأخرى، كما لو أبرأ أحدهما أو انفك أحد
الرهنين من غير قضاء الحق.
وفارق ما إذا سلم المكفول به نفسه، لأنه أصل
لهما، فإذا برئ الأصل مما تكفل به عنه برئ فرعاه، وكل واحد من الكفيلين ليس بفرع
للآخر، فلم يبرأ ببراءته، ولذلك لو أبرئ المكفول به برئ كفيلاه، ولو أبرئ أحد
الكفيلين برئ وحده دون صاحبه.
ب- وذكر الحنابلة أيضاً أنه لو تكفل واحد لاثنين
فأبرأه أحدهما أو أحضره عند أحدهما لم يبرأ من الآخر، لأن عقد الواحد مع الاثنين
بمنزلة العقدين، فقد التزم إحضاره عند كل واحد منهما، فإذا أحضر عند واحد برئ منه،
وبقي حق الآخر، كما لو كان في عقدين، وكما لو ضمن ديناً لرجلين فوفى أحدهما حقه.
الوجه السابع: انتهاء الكفالة الحضورية أو كفالة النفس:
تنتهي الكفالة الحضورية بإحدى الحالات
الاتية:
الحالة الأولى : تسليم
الشخص المكفول عليه نفسه إلى الجهة
المكفول لها.
فائدة: إذا حبس القاضي الكفيل ثم ثبت عنده
عجزه بشهادة الشهود أو غيرها، أطلقه وأنظره إلى حال القدرة على إحضاره، لأنه
بمنزلة المفلس، لكن لا يحول بين الطالب والكفيل، بل للطالب أن يلازمه، ولا يحول
الطالب أيضاً بينه وبين أشغاله، ولا يمنعه من الكسب وغيره.
الحالة الثانية : الإبراء
وذلك أن يبرئ صاحب الحق الكفيل من الكفالة بالنفس، لأن مقتضى الكفالة ثبوت حق
المطالبة بتسليم النفس، فإذا أسقط حق المطالبة بالإبراء فينتهي الحق ضرورة.
الحالة الثالثة: موت
المكفول عليه فإذا مات بطلت الكفالة، لأنه
بموته برئ هو بنفسه، وبراءته توجب براءة الكفيل لأنه أصيل والكفيل تبع، فإذا عجز
عن تسليم نفسه والحضور بالموت سقط عنه، فكذا عن التبع.
وتنتهي أيضاً بموت الكفيل، لأنه لا يتحقق التسليم
منه، وورثته لا يقومون مقامه، لأنهم يخلفونه فيما له لا فيما عليه، وماله لا يصلح
لإيفاء هذا الحق، وهو إحضار المكفول به، بخلاف الكفيل بالمال إذا مات، لأن ماله
صالح لذلك، وحكمه بعد موته ممكن فيوفى من ماله، ثم يرجع الورثة على المكفول له إن
كانت الكفالة بأمره، وإلا فلا شيء لهم، كما إذا أدّى هو بنفسه حال حياته.
وإذا مات الطالب -المكفول له- فلا تسقط الكفالة، ويخلف الطالب وصيه أو وارثه، فلا يبطل حقه، إذ هم قائمون مقامه في استيفائه. )فقه الجنايات ، د.عبد الرحمن حمدي شافي ، ص ص11). والله أعلم.
![]() |
الضمانة الحضورية في القانون اليمني |