العبرة بما ورد في عقد المرابحة المصرفية
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
إذا
تم عقد المرابحة المصرفية صحيحاً فيما بين البنك وعميله فأنه يكون ملزماً للطرفين،
فضلاً عن أن هذا العقد يكون المرجع في
تنظيم العلاقة فيما بين البنك والعميل، ولان عقد المرابحة المبرم فيما بين الطرفين
هو الأساس والمرجع، فيجب أن تكون الإجراءات والقيود والكشوفات المحاسبية موافقة
لعقد المرابحة ،لأنها عبارة عن اجراءات تنفيذية لعقد المرابحة، فإذا كان هناك
تباين أو إختلاف فيما بينها وبين ما ورد في عقد المرابحة، فإن العبرة بما ورد في
عقد المرابحة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في
جلستها المنعقدة بتاريخ 11-12-2010م في الطعن رقم (41565) ، وقد ورد ضمن أسباب هذا
الحكم: ((فما ذهبت إليه الشعبة قد وافق صحيح القانون، لأنه لا توجد أية مخالصة بين
الطاعن وبين البنك، فلو كانت هناك ثمة مخالصة لأبرزها الطاعن أمام الشعبة، أما الشيك الذي يتمسك به الطاعن
الذي قام بتحرير الشيك، فذلك لا يدل على
المخالصة النهائية ،لأن الشيك لم يشمل
كامل المديونية المتبقية للبنك بذمة الطاعن ، فالعبرة بعقد المرابحة الذي لم يبد
الطاعن أية ملاحظة عليه، فالعقد ملزم للطرفين طبقاً للمادة (13) مدني، وحيث أن
الطاعن مقر بعقد المرابحة ، فإن الإقرار حجة قاطعة على المقر طبقاً للمادة (87)
إثبات))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: تعريف عقد المرابحة المصرفية:
المرابحة في اللغة: مصدر من الربح ، و هي الزيادة،
ويعرف الفقهاء المرابحة بأنها: عقد بيع سلعة معينة موجودة أو تحت التشغيل
وبمواصفات محددة، ويتفق المشتري مع البائع على أن يدفع المشتري قيمة تكلفتها
الفعلية المحددة بمعرفة البائع مضافاً إلى
القيمة نسبة مئوية من الربح يتم الاتفاق
عليها بين الطرفين، ويجوز تسديد قيمة الشراء على أقساط .
وتقوم البنوك
الإسلامية بصيغة المرابحة مع عملائها وذلك في السلع التامة سواء من سوق محلية (مرابحة محلية) أو السوق الخارجي (مرابحة خارجية) وأجاز الفقهاء المعاصرون أن
تكون الزيادة متمثلة في نسبة مئوية من الربح مع عدم ثبات هذه النسبة لكل السلع .
والمرابحة
من أشهر المعاملات الماليّة المصرفية الإسلاميّة، وقد يُطلق عليها اسم التمويل
المضاف إليه التكلفة ، فالمرابحة عقد الذي يتم فيه بيع سلعة بتكلفتها الأساسيّة بالإضافة
لربح محدد يعلمه البائع والمشتري.
والمرابحة
في الوقت الحاضر هي أشهر واكثر المعاملات
المصرفية التي تقوم بها المصارف والبنوك الاسلامية ،والمرابحة وسيلة
اسلامية تلبي الرغبات الائتمانيّة للأفراد ضمن الضوابط الشرعيّة.
الوجه الثاني: حكم المرابحة في الشريعة الاسلامية:
المرابحة جائزة في المذاهب الأربعة لقوله تعالى: {وَأَحَل اللهُ الْبَيْعَ وَحَرمَ الربَا{
[سورة البقرة: آية 275] ، فالمرابحة تندرج ضمن البيوع
المباحة، وان وجود الخلاف بشانها في الوقت الحاضر بين الفقهاء المعاصرين فهو بشان
اجراءات تطبيقها وليس بشان شرعيتها (الفقه المقارن مع معاملات خالية معاصرة ، أ.د.
عبد المؤمن شجاع الدين، ص 182).
الوجه الثالث: صور عقد المرابحة المصرفية المتبعة في المصارف الاسلامية:
يتم بيع المرابحة المصرفية في أغلب المصارف والبنوك الإسلاميّة عن طريق
الصور الثلاث الاتية:
الصورة الأولى: وهي صورة
الوكالة بالشراء مقابل أجر, فمثلاً يطلب العميل من المصرف الإسلامي شراء سلعة
معينة ذات أوصاف محددة، ويقوم بدفع ثمنها إلى المصرف مضافاً إليه أجر معين للمصرف.
الصورة الثانية: وفي هذه الصورة يطلب العميل من المصرف الإسلامي ان يشتري
له سلعة معينة محددة الأوصاف بعد الاتفاق
مع المصرف على تكلفة شرائها ثم إضافة ربح معلوم عليها للمصرف ، وتتضمن هذه الصورة من
المرابحة وعدا من العميل بشراء السلعة حسب الشروط المتفق عليها، ووعداً آخر من
المصرف بإتمام هذا البيع بحسب الشروط المتفق عليها.
ويطلق على هذه الصورة مسمى المرابحة للآمر بالشراء،
ليقوم المصرف الاسلامي بشراء الأصول أو البضائع بناء على طلب العميل ، ثم قيام العميل
بشراء الأصل من البنك وفقًا للعقد المبرم فيما بين البنك وعميله ، اذ يتضمن هذا
العقد طرق سداد العميل لقيمة هذه الأصول أو السلع.
الصورة
الثالثة: المرابحة السلعية : تختلف هذه المرابحة عن السابقة كونها تحدث بين البنوك
والمؤسسات الإسلاميّة فيما بينها، اذ إنَّها تلبي حاجة البنك أو المؤسسة من متطلبات
السيولة قصيرة الأجل.
الوجه الرابع: شروط عقد المرابحة:
يشترط لصحة عقد المرابحة الشروط الاتية:
الشرط الأول: أن يكون ثمن السلعة التي اشتراها البائع
معلوماً للطرفين سيما المشتري ، و كذلك يجب علم الطرفين بالتكاليف الأخرى للسلعة
محل المرابحة
الشرط الثاني : أن يكون الربح معلوماً لطرفي عقد المرابحة سواء اكان الربح مبلغا من المال أو نسبة من ثمن السلعة.
الشرط الثالث : أن يكون ثمن السلعة
من المثليات، بمعنى أن يكون له مثيل كالمكيلات والموزونات.
الشرط
الرابع: ان لا يكون الثمن في العقد الأول مقابلاً بجنسه من أموال الربا, فإن كان
كذلك بأن اشترى المكيل أو الموزون بجنسه مثلاً بمثل لم يجز أن يبيعه مرابحة، لأن
المرابحة بيع الثمن الأول، و الزيادة في أموال الربا تكون رباً لا ربحاً.
الشرط
الخامس: أن يكون العقد الأول صحيحا؛ لأن بيع المرابحة مرتبط بالعقد الأول, فإن كان
فاسداً لم يجز البيع.
الشرط السادس: أن تكون السلعة موجودة عند البائع
حين إبرام عقد البيع، أي أن يكون حائزا للبضاعة ومالكا لها وقادرا على تسليمها إلى
المشتري؛ لأن عقد بيع المرابحة يقوم على البيع الحاضر.
الوجه الخامس: اجراءات المحاسبة عند تنفيذ بيع المرابحة المصرفية:
من اثار التوقيع على عقد المرابحة ان المصرف
الاسلامي يقوم بفتح حـساب خاص لكل عملية
مرابحة على حده تقيد فيه كافة المبالغ المالية الخاصة بالعملية، ويتضمن هذا الحساب
عناصر التكلفة الآتية:
أ/ ثمن الشراء الأصلي للسلعة.
ب/ المصروفات المباشرة الخاصة بالسلعة (صناعية –
تسويقية- إدارية).
ج/ المصروفات غير المباشرة الخاصة بالسلعة، ويتضمن
حساب عملية المرابحة أيضا إيرادات
المرابحة وهي قيمة العربون والمبيعات
الناتجة من هذه العملية وبمقارنتها بتكلفة المشتريات يكون الفارق هو العائد
المتحقق من النشاط وهو ما يسمى (ربح المرابحة).
الوجه السادس: الغرض من استخدام عقد المرابحة المصرفية:
تواجه المؤسسات والشركات المختلفة والأفراد صعوبةً
كبيرةً عند رغبتهم بالحصول على تمويل، وذلك بسبب الفوائد المترتبة على معظم القروض
التمويليّة الممنوحة من جهات تمويليّة غير اسلامية ، لأنَّ هذه الفوائد والقروض تعد
من الربا المحرّم شرعًا ، وبسبب حاجة المؤسسات الماليّة الإسلاميّة والبنوك الإسلاميّة
إلى عقد مقبول شرعيّ يساهم في حل مشكلة التمويل جاء مفهوم عقد المرابحة؛ بحيث يكون
مبدأ عمل المرابحة في البنوك والمؤسسات الإسلاميّة تمويل الناس والشركات بالأصول والسلع
بدلًا من إقراض المال نقدًا، لذلك قد تكون المرابحة متمثلةً بشراء بيوت وسلع وسيارات
للناس أو شراء أصول لشركات أو بشكل مبسط في خطابات الاعتماد قصيرة الأجل.
الوجه السابع: مزايا المرابحة:
تتميّز المرابحة بشكل رئيس بميّزتين هما :
الميزة الأولى: المرابحة وسيلة تمويل ميسّرة ومقبولة
شرعًا، وذلك لتمويلها للأفراد والشركات ما يحتاجونه دون اللجوء للربا والفوائد.
الميزة
الثانية :تستخدم البنوك الاسلامية المرابحة في صيغ وعقود ماليّة أخرى تقدّمها المؤسسات
والبنوك الإسلاميّة مثل الإجارة المنتهية بالتمليك.
وتُستخدم المرابحة من قِبل البنوك والمؤسسات الإسلاميّة
في العقود والخدمات المختلفة مثل إصدار خطابات الاعتماد التي يُستفاد فيها من الجدارة
الائتمانيّة لهذه المؤسسات الماليّة الإسلاميّة.( أهم المعلومات عن المرابحة، دانا
النسور، ص3).
الوجه الثامن: عيوب المرابحة:
تظهر عيوب استخدام المرابحة في المؤسسات والبنوك الإسلاميّة؛ بسبب طبيعة هيكل التمويل لهذه المؤسسات والعوائق التي تواجهها وليس في المرابحة ذاتها، لذلك ظهرت بعض النواقص في استخدام المرابحة ، كما يأتي:
العيب الأول:
عدم وجود صورة واضحة لطرق استخدام المرابحة في المؤسسات والبنوك الإسلاميّة، لذلك لا
تستند أسعار المرابحة على قيم خاصة بها فهي تعتمد على أسعار الفائدة السائدة.
العيب
الثاني: تواجه المؤسسات الماليّة والبنوك الإسلاميّة مشكلات عدةً عند استخدامها للمرابحة
كصيغة تمويليّة؛ مثل فقدان الميّزة الضريبيّة وزيادة معدل تكلفة رأس المال.
العيب الثالث : وجود تكاليف إضافيّة لإعداد صيغة
المرابحة وإصدارها؛ اذ تتميّز معظم العقود الإسلاميّة بصيغ مختلفة عن بعضها البعض،
والمرابحة إحدى هذه الصيغ التي تحتاج لمعاملات خاصة تُكتتب عليها.
العيب
الرابع: عدم توافق بعض قوانين الدول أو اللوائح الماليّة العالميّة مع المنتجات الماليّة
الإسلاميّة كالمرابحة مثلًا؛ بسبب تميّز المنتجات والصيغ الماليّة الإسلاميّة عن غيرها
من المعاملات الماليّة الأخرى التي تعد شائعة أكثر.
الوجه
التاسع: تعثر المدينين في المرابحة:
استطاعت المرابحة أن تقدّم حلًّا جيّدًا لمسألة التمويل
في المؤسسات والبنوك الإسلاميّة، ولكن على الرغم من ذلك ما زالت هذه المؤسسات تواجه
خطر تعثر المدينين وعدم قدرة بعضهم على السداد ، مع عدم وجود معالجات واضحة للتعامل
مع هذه المشكلة، وتكمن هذه المشكلة في ثبات عقود المرابحة دون القدرة على إضافة شيء
عليها في حال تحقق موعد استحقاق الدفع ولم يدفع العميل ما عليه، لذلك تقوم بعض المصارف
والبنوك الاسلامية بمنح المتعثرين مهلةً قصيرةً للسداد عملا
بقوله تعالى (وان كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) ، وبعد هذه المهلة تقوم
البنوك بوضع المدينين المتعثرين في قائمة سوداء
حتى لايتم التعامل معهم
في المستقبل. (أهم المعلومات عن المرابحة، دانا النسور، ص 4).
الوجه العاشر: إختلاف البيانات الواردة في عقد المرابحة عنها في المستندات الأخرى:
سبق القول ان عقد المرابحة المبرم فيما بين البنك الاسلامي وعميله هو الأساس والمرجع الذي يتم الرجوع اليه لمعالجة إختلاف البيانات الواردة في وثيقة عقد المرابحة عن تلك الواردة في المستندات الأخرى ذات العلاقة بعقد المرابحة ، عندما يكون إختلاف البيانات محل خلاف فيما بين البنك وعميله ، فمثلا قد يوجد إختلاف بين البيانات الواردة في حساب عملية المرابحة وبين البيانات الواردة في وثيقة عقد المرابحة أو بين البيانات الواردة في أي من المستندات ذات العلاقة بعقد المرابحة وبين البيانات الواردة في وثيقة عقد المرابحة ، ولمعالجة هذا الاختلاف في البيانات ، فقد قضى الحكم محل تعليقنا بان العبرة بتلك البيانات الواردة في وثيقة عقد المرابحة بإعتبار البيانات الواردة فيه محل رضاء وقبول الطرفين عند التعاقد وعملا بقاعدة العقد شريعة المتعاقدين ،وعلى أساس ان وثيقة العقد تلغي ماورد في الوثائق والمستندات المتبادلة بين الطرفين قبل توقيع العقد، اما المستندات الصادرة بعد التوقيع على العقد فأنها نكون بمثابة اجراءات تنفيذية لماورد في العقد ، فإذا تضمنت بيانات تخالف ماورد في العقد فانها تكون بمثابة تعديل العقد إذا تمت برضا الطرفين، اما إذا لم يرض بها الطرف الآخر فلاتكون ملزمة له مع أنها ملزمة وحجة على الطرف الذي صدرت عنه تلك المستندات. (مهارات الصياغة القانونية ، أ.د.عبد المؤمن شجاع الدين، ص 28). وعلى أساس ما تقدم فقد قضى الحكم محل تعليقنا بان العبرة بما ورد في عقد المرابحة، والله أعلم.
![]() |
العبرة بما ورد في عقد المرابحة المصرفية |