الفرق بين أمر الحجز التحفظي والأمر على عريضة
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
من تداعيات الإشكاليات التي تفرزها الخلافات على السعاية أو مقابل السمسرة أن يقوم الساعي أو السمسار بطلب حجز البصائر لدى الأمين الشرعي الذي يتولى تحريرها حتى يتم إستيفاء الساعي للسعاية من المشتري، إذ يقوم الساعي بطلب هذا الأمر على عريضة وفقاً لأحكام الأوامر على العرائض المقررة في قانون المرافعات، والواجب على القاضي حينما يقوم بتحرير الأمر على العريضة في هذا الموضوع أن يستعمل مصطلح (عدم تسليم البصائر) وليس (حجز البصائر تحفظيا)، لأن الأمر على عريضة في هذه الحالة يختلف عن الأمر بالحجز التحفظي، فالحجز التحفظي وان كان من طائفة الاوامر الولائية التي يصدرها القاضي بموجب سلطته الولائية ، ومع ان أمر الحجز التحفظي مجرد تدبير وقتي لايمس موضوع الحق مثله في ذلك مثل الأمر على عريضة، الا ان أمر الحجز التحفظي له احكام خاصة تميزه عن الامر على عريضة ، فالامر بالحجز التحفظي وإن كان من طائفة الأوامر على عرائض الا انه يختلف عن الاوامر على عرائض في بعض الأحكام التي اختصه بها قانون المرافعات نظراً للآثار البالغة الخطورة للحجز التحفظي، فقد أفرد قانون المرافعات للأمربالحجز التحفظي بعض الأحكام التي تميزه عن الأوامر على عرائض ، حسبما هو مقرر في المواد من (385) حتى نهاية المادة (391) مرافعات ، ومن هذه الاحكام التي تميز أمر الحجز التحفظي عن غيره من الاوامر على عرائض : ان أمر الحجز التحفظي لايتم تنفيذه إلا بحضور شاهدي عدل مع توقيعهما على محضر الحجز، وكذا وجوب إعلان المحجوز عليه بأمر الحجز التحفظي خلال ثلاثة أيام من تاريخ صدور أمر الحجز، وكذا يشترط لصدور أمر الحجز التحفظي ان يكون لطالب الحجز دين محقق الوجود حال الأداء، وكذا يختلف الامر بالحجز التحفظي من حيث الحالات التي يجوز فيها طلب الأمر بالحجز التحفظي وهي ثلاث حالات: الأولى: أن يكون لطالب الحجز حكم ابتدائي أو أمر أداء، والثانية: اذا كان الدائن يخشى فقدان ما يضمن له الوفاء بدينه، والثالثة: إذا كان طالب الحجز مؤجراً فيطلب الحجز التحفظي على موجودات المستأجر ضماناً للإيجارات، وكذا يجب على من صدر الأمر بالحجز التحفظي لصالحه ان يبادر بتقديم دعوى صحة الحجز ،اضافة إلى انه إذا حكم ببطلان الحجز التحفظي أو إلغائه فيتم تغريم الحاجز بغرامة لا تقل عن خمسين ألف ريالاً وبتعويض المحجوز عليه، فهذه الاحكام تميز أمر الحجز التحفظي عن الاوامر على عرائض ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 25-12-2013م في الطعن رقم (53689)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: ((وقد نعى الطاعنان بأن النزاع في هذه القضية قد بدأ بأمر على عريضة من المحكمة الابتدائية إلى الأمين الشرعي تضمن الامرحجز البصائر حجزاً تحفظياً وعدم تسليمها إلى المشتري ، وإن المادة (389) مرافعات قد أوجبت على من صدر له أمراً بالحجز التحفظي تقديم دعواه خلال ثمانية أيام يخاصم فيها المحجوز عليه أو المحجوز لديه ، في حين ان المدعي قدم دعواه بعد (48) يوماً من تاريخ الأمر بالحجز التحفظي على البصائر ،واضاف الطاعنان بان محكمة أول درجة اخطأت في تكييفها للأمر بالحجز التحفظي ، حيث ذكرت بأنه ليس من أوامر الحجز التحفظي مع أن مضمونه وألفاظه تفيد أنه من أوامر الحجز التحفظي، والدائرة تجد: أن هذا النعي مردود عليه بما ورد في أسباب الحكم المطعون فيه بأن ذلك الأمر الصادر إلى الأمين الشرعي ليس من قبيل الأمر بالحجز التحفظي المنصوص عليه في المادة (385) مرافعات، فهو وإن كان يتساوى مع الأمر على عريضة محل القضية في كونه من ضمن طائفة الأوامر التي تصدر بموجب السلطة الولائية وكونها تتضمن إجراءات وقتية أو تحفظية...إلخ، الأمر الذي يعني أن الأمر الصادر من المحكمة موضوع الدعوى ليس أمر حجز تحفظي ،حسبما هو واضح في عريضة المدعي، ولذلك لا يلزم أن تلحقه أحكام أوامر الحجز التحفظي ، مما يستلزم رفض هذا النعي)) ، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: أوجه الشبه والإختلاف بين الأمر على عريضة والأمر بالحجز التحفظي:
لا ريب أن الأمر بالحجز التحفظي من طائفة الأوامر التحفظية الوقتية التي يصدرها القاضي في غيبة الخصم بمقتضى سلطته الولائية ،وان أمر الحجز يهدف إلى حفظ الدين المدعى به حتى لا يتم ضياعه أو تبديده أو إخفائه، ولذلك فالحجز التحفظي مجرد إجراء تدبير وقتي لحفظ الدين مثله في ذلك مثله في ذلك مثل الأمر على عريضة ، إضافة إلى أن الأمر بالحجز التحفظي مثل الأمر على عريضة يختص بإصداره رئيس المحكمة إذا لم تكن هناك دعوى منظورة أمام المحكمة أو القاضي المختص الذي ينظر الدعوى إذا كان هناك دعوى منظورة أمام المحكمة. حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا.
ومع هذا فإن الأمر بالحجز التحفظي نوع خاص من الأوامر التي يصدرها القاضي ، وأن كان الامر بالحجز التحفظي من طائفة الأوامر الولائية التي يصدرها القاضي ، إلا ان أمر الحجز التحفظي يختلف في بعض الأحكام التي اختصه بها قانون المرافعات نظراً للآثار البالغة الخطورة للحجز التحفظي، فقد أفرد قانون المرافعات للأمر بالحجز التحفظي بعض الأحكام التي تميزه عن الأوامر على عرائض حسبما هو مقرر في المواد من (385) حتى نهاية المادة (391) مرافعات، ويمكن تلخيص هذه الاحكام التي تميز الأمر بالحجز التحفظي عن الأوامر على عرائض، وذلك على النحو الآتي:
1- لا يتم الحجز التحفظي إلا بحضور شاهدي عدل مع توقيعهما على محضر الحجز، حسبما هو مقرر في نهاية المادة (385) مرافعات، في حين أن هذا الإجراء لم يشترطه القانون بالنسبة للأوامر على عرائض.
2- وجوب إعلان المحجوز عليه بأمر الحجز التحفظي خلال ثلاثة أيام من تاريخ صدور أمر الحجز ،حسبما هو مقرر في نهاية المادة (385) مرافعات، في حين لم يشترط القانون ذلك بالنسبة للأوامر على عرائض.
3- اشترط القانون لصدور الأمر بالحجز التحفظي أن يكون لطالب الحجز دين محقق الوجود حال الأداء ، حسبما ورد في المادة (387) مرافعات، في حين أن القانون لم يشترط ذلك بالنسبة للأوامر على عرائض.
4- حددت المادتان (386 و 387) مرافعات الحالات التي يجوز فيها طلب الأمر بالحجز التحفظي ، وهي ثلاث حالات: الأولى: أن يكون لطالب الحجز حكم ابتدائي أو أمر أداء، والثانية: إذا كان الدائن يخشى فقدان ما يضمن له الوفاء بدينه، والثالثة: إذا كان طالب الحجز مؤجراً فيطلب الحجز التحفظي على موجودات المستأجر ضماناً للإيجارات، اما الأوامر على عرائض فلم يحدد القانون حالات معينة لطلبها.
5- وجوب قيام المحجوز لصالحه حجزاً تحفظياً برفع دعوى صحة الحجز خلال مدة اقصاها ثمانية أيام من تاريخ إعلان المحجوز عليه، حسبما هو مقرر في المادة (389) مرافعات، ولا وجود لهذا الحكم بالنسبة للأوامر على عرائض .
6- إذا حكم ببطلان الحجز التحفظي أو إلغائه فيتم تغريم الحاجز بغرامة لا تقل عن خمسين ألف ريالاً وبتعويض المحجوز عليه، حسبما هو مقرر في المادة (391) مرافعات، ولا وجود لهذا الحكم القانوني بالنسبة للأوامر على عرائض.
الوجه الثاني: أهمية إستعمال المحكمة للمصطلحات القانونية في أحكامها وقراراتها:
في تعليقات سابقة ذكرنا التعاريف المختلفة لعملية التكييف القانوني التي تقوم بها المحكمة للوصول إلى التسمية القانونية الصحيحة للفعل أو التصرف أو الواقعة ، لأن إستعمال التسمية القانونية الصحيحة يعني التطبيق الصحيح للنصوص القانونية المقررة بحسب المسمى القانوني للفعل أو التصرف أو الواقعة ، لأن القاضي أو الخصم أو المتصرف لا يملك إلا إطلاق التسمية على الواقعة أو التصرف اما ترتيب الآثار على إطلاق التسمية فمن إختصاص الشرع والقانون، فعندما تستعمل المحكمة مصطلح الأمر بالحجز التحفظي على البصائر فإن ذلك يعني حجزها حجزاً تحفظياً وومن ثم تطبيق أحكام الحجز التحفظي عليها.
ولذلك فقد كان محور النقاش وأساسه في الحكم محل تعليقنا هو مدى تطبيق أحكام الحجز التحفظي على أمر المحكمة بحجز البصائر حجزاً تحفظياً ، حسبما ورد في الامر على عريضة ، وظل هذا النقاش مستعر بهذا الشان حتى وصول القضية إلى أروقة المحكمة العليا.
وقد اضطرت محكمة الموضوع ومن بعدها المحكمة العليا إلى دراسة حيثيات صدور الأمر بحجز البصائر وأمر المحكمة بالحجز على البصائر، فوجدتا أن الأمر بحجز البصائر تحفظياً ليس من قبيل الأمر بالحجز التحفظي بحسب المفهوم القانوني للحجز التحفظي وإنما هو مجرد أمر للأمين الشرعي بعدم تسليم البصائر للمشتري حتى تفصل المحكمة في الدعوى المرفوعة من السمسار التي طالب فيها بمقابل السعاية أو السمسرة.
الوجه الثالث: الحكم الصادر في التظلم من أمر الاداء لا يقبل الطعن إلا بالاستئناف:
حسبما هو مقرر في المادة (251) مرافعات التي نصت على أنه (لمن صدر الأمر ضده أو رفض طلبه التظلم إلى مصدر الأمر أو إلى المحكمة إستقلالاً أو تبعاً للدعوى الأصلية خلال عشرة أيام من تاريخ إعلانه بالأمر أو رفض طلب الأمر بتقرير تذكر فيه أسباب التظلم وإلا رفض قبوله وحكم بتأييد الأمر أو تعديله أو بالغائه ، ولا يكون الحكم قابلاً للطعن فيه إلا بالاستئناف فقط طبقاً للقواعد المقررة ويسقط الحق في التظلم بصدور الحكم في الخصومة الأصلية) ، وهذا النص تم تعديله بموجب تعديلات قانون المرافعات التي تمت بموجب القانون رقم (2) لسنة 2010م، وقد كانت هذه المادة قبل التعديل تنص على أنه (لمن صدر الأمر ضده أو من رفض طلبه التظلم إلى مصدر الأمر أو المحكمة المختصة إستقلالاً أو تبعاً للدعوى الأصلية بتقرير تذكر فيه أسباب التظلم وإلا رفض قبوله ويحكم بتأييد الأمر أو تعديله أو بإلغائه ، ويكون الحكم قابلاً للطعن فيه بالاستئناف طبقاً للقواعد المقررة ويسقط الحق في التظلم بصدور الحكم في الخصومة الأصلية)، ومن خلال المقارنة بين النص بعد التعديل وقبله يظهر أن النص بعد التعديل قد أراد التأكيد على قصر الطعن في الحكم الصادر في التظلم على مرحلة الاستئناف فقط فقد وردت كلمة (فقط) في النص بعد تعديله للتاكيد على ذلك.
ولذلك يحجم غالبية المحامين عن التظلم من الأمر على عريضة، وبدلا من ذلك يقوم المحامي بموالاة إجراءات التقاضي في الدعوى الأصلية إذا كانت مرفوعة أو يقوم برفع دعوى موضوعية بالحق أمام المحكمة حتى يتم الفصل فيها بحكم قابل للطعن بالاستئناف وبالنقض ،فالمحامي عند صدور أمر على عريضة يحجم عن التظلم منه خشية حرمان موكله من حق الطعن بالنقض ، لأن النص القانوني المشار إليه اجاز للخصوم مواصلة إجراءات التقاضي في الدعوى الأصلية حتى يتم الفصل فيها بحكم قابل للطعن وفقاً للقواعد العامة للطعن أي الطعن بالاستئناف وبالنقض من بعد ذلك، والله أعلم.