مسئولية المشتري للمتجر مع عنوانه التجاري
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
هناك متاجر لها عناوين أو اسماء تجارية مثل محل البركة أو متجر البركة أو محل فلان وأولاده أو إخوانه...الخ، وقد اشترط القانون التجاري أن يتم قيد العنوان التجاري للمتجر في السجل التجاري.
لأن الزبائن والناس يتعاملون مع المتجر على أساس اسمه وعنوانه التجاري بصرف النظر عن شخصية مالك المتجر، فإذا تم بيع المتجر ذي العنوان أو الاسم التجاري إلى الغير، فإن المشتري أو المالك الجديد يكون هو المسئول عن الوفاء بكافة الديون والحقوق والإلتزامات السابقة القائمة على المتجر قبل إنتقاله إليه .
فعقد بيع المتجر حجته قاصرة على البائع والمشتري، عملاً بمبدأ نسبية العقود، فلا يكون هذا العقد حجة على زبائن المتجر أو المتعاملين السابقين مع المتجر الذين لهم حقوق أو ديون أو التزامات سابقة بذمة المتجر أو المحل التجاري ، ولا يعفي المشتري أو المالك الجديد للمتجر من هذه المسئولية إلا إذا كان هناك إتفاق فيما بينه وبين البائع له المالك السابق على ان المالك السابق هو الذي يتحمل الديون والحقوق والإلتزامات السابقة على المتجر أو المحل شريطة ان يتم تسجيل هذا الاتفاق في السجل التجاري أو ان يتم إخطار أصحاب الحقوق والديون والإلتزامات السابقة بأن الذي سوف يقوم بالوفاء بتلك الديون والحقوق هو المالك السابق للمتجر وليس المالك الجديد للمتجر أو المحل ،حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 25-8-2013م في الطعن رقم (42370) المسبوق بالحكم الاستئنافي الذي قضى (بأنه من الثابت أن من يملك عنواناً تجارياً تبعاً لمتجر يخلف سلفه في الإلتزامات والحقوق التي ترتبت تحت هذا العنوان ولا يسري أي إتفاق مخالف في حق الغير إلا إذا قيد في السجل التجاري أو اخبر به ذو الشأن، وذلك حسبما هو منصوص عليه في المادة (60) من القانون التجاري، وحيث أن ممثل المستأنف خلف لسلفه لشرائه المحل مع الاسم والعنوان، وحيث أن مؤدى نص المادة المشار إليها (أن الأصل أن من يملك عنواناً تجارياً تبعاً لمتجر فأنه يخلف سلفه في تحمل الإلتزامات والحقوق التي ترتبت تحت هذا العنوان وأنه لا يسري أي إتفاق مخالف لذلك الأصل في مواجهة الغير إلا إذا قيد هذا الإتفاق المخالف للأصل في السجل التجاري أو تم إخبار ذي الشأن به) فالمقصود بالإتفاق المخالف في هذا النص هو أن يتفق المشتري الجديد مع المالك السابق البائع إليه على أن يتحمل البائع كل الإلتزامات والحقوق المترتبة على المتجر وأن يقوم البائع والمشتري أي السلف والخلف بقيد هذا الإتفاق في السجل التجاري، وهذا بالتأكيد مالم يتم في هذه القضية، ومن ثم فأنه وفقاً للنص المشار إليه فإن مجرد قيد اسم الخلف وهو هنا المستأنف في السجل التجاري كمالك جديد فقط دون قيد الإتفاق المخالف للأصل ودون إخبار ذي الشأن لا يعد وفاءً بما اشترطه ذلك النص)، وقد أقر حكم المحكمة العليا الحكم الاستئنافي، وجاء ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: ((وفي السبب الرابع نعت الطاعنة على الحكم الاستئنافي الخطأ في فهم وتفسير ما نصت عليه المادة (60) من القانون التجاري...إلخ، والدائرة تجد: أن هذا السبب غير منتج، لأن الحكم المطعون فيه قد بين في حيثياته المقصود بما نصت عليه المادة المذكورة بما فيه الكفاية ولم يخرج عن مفهوم نص المادة ومدلوله)) ، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: تعريف المتجر:
المحل التجاري هو مجموع اموال مادية ومعنوية تخصص لمزاولة أعمال تجارية ، ويضم المحل التجاري العناصر اللازمة للنشاط التجاري ، وتنقسم هذه العناصر الى عناصر مادية كالبضائع والمهمات والآلات والأدوات وعناصر معنوية كالاتصال بالعملاء والسمعة التجارية والاسم التجاري والحق في الاجارة وحقوق الملكية الصناعية والأدبية والفنية والرخص ، هذا ولا تعتبر العناصر المادية اساسية في المحل التجاري على خلاف العناصر المعنوية التي لا يوجد المحل التجاري الا اذا توافر عنصر منها أو اكثر ، وتجدر الإشارة إلى أنه اذا كان التاجر مالكاً للعقار الذي يزاول فيه تجارته فان هذا العقار لا يعتبر عنصرا من عناصر المحل التجاري، وكل شرط على خلاف ذلك لا يعتد به.(المحل التجاري ، المحامي محمد المرزوقي، ص 3).
الوجه الثاني: ماهية المتجر ذي العنوان التجاري:
وفقاً للمواد (55 و 56 و 57 و 58 و 59 و 60 و 61) من القانون التجاري فإن المتجر ذي العنوان التجاري هو الذي له عنوان أي اسم ويتألف العنوان التجاري من اسم التاجر ولقبه كسعيد الصنعاني أو سعيد الصنعاني وأولاده أو متجرالصداقة أو محل الاخوة أو الخير وغيرها من المسميات والعناوين التجارية التي يتم وضعها على واجهة المتجر أو المحل التجاري أو اوراق المتجر ، ووفقا للقانون ينبغي أن يكون عنوان المتجر مميزاً عن غيره من العناوين التجارية، فلايكون مماثلا او مشابها لها ، وينبغي أن يتم قيد عنوان المحل التجاري أو اسمه في السجل التجاري ، ويجب على التاجر صاحب المتجر أو المحل أن يجري معاملاته التجارية وأن يوقع عليها بعنوانه التجاري وأن يكتب هذا العنوان فوق مدخل المتجر أو على إحدى جوانبه، ولا يجوز للتاجر أن يتصرف في العنوان التجاري تصرفا مستقلاً عن التصرف في المتجر ذاته .
وبالمقابل هناك متاجر ليس لها عنواناً تجارياً أو اسم تجاري بالمفهوم السابق، وتختلف مسئولية المشتري للمتجر ذي العنوان التجاري عن مسئولية المشتري للمتجر الذي ليس له عنواناً تجارياً حسبما سيأتي بيانه.
الوجه الثالث: مسئولية المشتري للمتجر ذي العنوان التجاري:
قضى الحكم محل تعليقنا بأن المشتري للمتجر ذي العنوان التجاري يكون مسئولاً عن الديون والحقوق والإلتزامات التي بذمة المالك السابق للمتجر (البائع) ، فلايعفى المشتري الخلف من تلك المسئولية إلا إذا كان هناك إتفاق على ان الذي يتحمل الحقوق والديون السابقة هو البائع أو المالك السابق للمتجر قبل بيعه للمتجر وإنتقاله إلى المشتري أو المالك الجديد شريطة أن يكون هذا الإتفاق مسجلاً في السجل التجاري للمتجر بحيث يستطيع الكافة الإطلاع على هذا الإتفاق ومعرفة الآثار المترتبة عليه أو إذا تم إخطار ذوي الشأن وهم أصحاب الديون والحقوق والإلتزامات السابقة المقررة لصالحهم أو المستفيدين منها الذين يتم اشعارهم بذلك الاتفاق ولم يعترضوا على ذلك الإتفاق وقبلوا بأن يرجعوا عند مطالبتهم بحقوقهم على المالك السابق وليس المشتري أو المالك الجديد، واستند الحكم محل تعليقنا في قضائه إلى المادة (60) من القانون التجاري التي نصت على أن (من يملك عنواناً تجارياً تبعاً لمتجر يخلف سلفه في الإلتزام والحقوق التي ترتبت تحت هذا العنوان ولا يسري أي إتفاق مخالف في حق الغير إلا إذا قيد في السجل التجاري أو أخبر به ذو الشأن، وتسقط المسئولية عن التزامات السلف بمضي خمس سنوات من تاريخ إنتقال المتجر).
الوجه الرابع: سقوط مسئولية المالك السابق للمتجر بمضي خمس سنوات من تاريخ انتقال المتجر منه:
وردت في نهاية المادة (60) تجاري السابق ذكرها وردت عبارة ( وتسقط المسئولية عن التزامات السلف بمضي خمس سنوات من تاريخ إنتقال المتجر)، فهذا النص صرح بأن مسئولية السلف وهو المالك السابق للمتجر عن الديون والحقوق والإلتزامات السابقة التي ترتبت للغير أثناء ما كان المتجر بعهدته تسقط بمضي خمس سنوات من تاريخ إنتقال المتجر إلى الخلف ، فبعد مضي هذه المدة لا يجوز لصاحب الدين او الحق أن يطالب المالك السابق للمتجر بتلك الديون والحقوق والإلتزامات.
وهذا النص عام بالنسبة للسلف سواء اكان هناك إتفاق على ان يتحمل السلف الوفاء بتلك الحقوق أو الديون أو لايوجد إتفاق ، اما بالنسبة للخلف فلايتناوله هذا النص ، وعلى هذا الأساس فان الحقوق والديون التي تنتقل إلى الخلف تبعا لانتقال المتجر تخضع لقواعد التقادم العامة.
الوجه الخامس: مسئولية المشتري للمتجر الذي ليس له عنوان تجاري:
سبق القول بأن مسئولية المشتري للمتجر الذي ليس له عنواناً او اسما تجارياً تختلف عن مسئولية المشتري للمتجر الذي له عنوان أو اسم تجاري، فالمشتري للمتجر الذي ليس له عنواناً تجارياً لا يكون مسئولاً عن الإلتزامات السابقة القائمة قبل شرائه للمحل وإنتقال ملكية المحل إليه ، حسبما ورد في المادة (61) من القانون التجاري التي نصت على أن (من انتقل له متجر دون عنوانه التجاري لا يكون مسئولاً عن التزامات سلفه مالم يكن هناك إتفاق مخالف مقيد في السجل التجاري) ، فالأصل وفقاً لهذا النص أن المشتري للمتجر الذي ليس له عنواناً لا يكون مسئولاً عن الإلتزامات السابقة قبل إنتقال المتجر إليه،لان المتجر ليس له اسم أو عنوان تجاري ، فتعامل الغير السابق مع المتجر كان تعاملا شخصيا مع مالك المحل بشخصه ولم يكن تعاملا مع اسم أو عنوان تجاري لعدم وجود اسم أو عنوان للمتجر أو المحل ، وهذا هو الأصل بالنسبة للمتجر الذي ليس له أسم أو عنوان تجاري ، والإستثناء في هذه الحالة انه يجوز الإتفاق بين البائع المالك السابق للمتجر وبين المشتري المالك الجديد للمتجر على أن الخلف أو المشتري أو المالك الجديد يتحمل الإلتزامات السابقة القائمة على المتجر الذي ليس له أسم أو عنوان تجاري قبل إنتقاله إلى المالك الجديد شريطة أن يتم قيد أو إشهار هذا الإتفاق لدى السجل التجاري، والله أعلم.
![]() |
مسئولية المشتري للمتجر مع عنوانه التجاري |