توقيع وكيل الوزارة على العقود

 توقيع وكيل الوزارة على العقود

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

الممثل القانوني للوزارة هو وزيرها الذي يتولى تنفيذ السياسة العامة للحكومة في نطاق وزارته، وكذا يتولى الوزير تنفيذ خطط وبرامج الحكومة على صعيد الوزارة بإعتبار الوزير عضو الحكومة أو السلطة التنفيذية ، لذلك فهو المسئول الأول في الوزارة الذي يقوم بالتوقيع على العقود التي تكون الوزارة طرفا فيها وذلك نيابة عن الوزارة .

   غير أنه يجوز للوزير أن يفوض وكيل الوزارة في التوقيع على العقود بصفة نهائية من غير حاجة إلى الرجوع الى الوزير للمصادقة أو تعميد العقود التي قام الوكيل بالتوقيع عليها ، كما يجوز للوزير أن يفوض الوكيل في التوقيع على العقود مع إحتفاظ الوزير بتعميد تلك العقود أي أنها تكون موقوفة على إعتماد الوزير لها فلايتم تنفيذها الا من تاريخ تعميد الوزير لها.

ويتم تفويض الوزير لوكيله بتوقيع العقود يتم ذلك التفويض كتابة، غير أن هناك أدلة وقرائن يستدل بها على تفويض الوزير وموافقته على توقيع الوكيل على العقود نيابة عن الوزير ، ومن هذه القرائن صدور مذكرات من الوزير نفسه موجهة إلى إدارات الوزارة أو إلى الجهات الأخرى تتضمن توجيه الوزير بتنفيذ العقد أو العمل بموجب العقد الذي قام بالتوقيع عليه وكيل الوزارة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 9-9-2013م في الطعن رقم (52721)، وقد ورد ضمن أسباب هذا الحكم: ((وحيث يتحصل الدفع الثاني للطاعنة بعدم صفة وكيل الوزارة الذي قام بالتوقيع على العقد، والدائرة تجد: أن هذا الدفع غير مقبول، ذلك أن الوزير حرر للوكيل تفويضاً بتاريخ... وذلك بتوقيع عقد التوريد، وكان التوقيع على العقد من قبل الوكيل بعلم الوزير وإشرافه بدليل المذكرات الصادرة من الوزير إلى رئيس مجلس الوزراء وإلى وزير المالية بشأن الإعتماد المالي الخاص بقيمة العقد)) ، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: الوضعية الدستورية والقانونية للوزير:

وفقاً للمواد (من 129 حتى 144) من الدستور اليمني فإن الوزير عضو في الحكومة (مجلس الوزراء) السلطة التنفيذية ، فالوزير هو المسئول عن تنفيذ السياسة العامة وبرامج وخطط الحكومة في نطاق الوزارة التي يتولاها ويشرف عليها ، والوزير هو المسئول عن ذلك أمام رئيس الوزراء، كما أن وظيفة الوزير وظيفة سياسية إشرافية ، اذ يتم تعيينه بموجب قرار سياسي صادر من رئيس الدولة (رئيس الجمهورية).

 وعلى هذا الأساس فإن الوزير هو المسئول الأول والممثل القانوني للوزارة الذي يتولى شئون الوزارة المختلفة بما في ذلك إبرام العقود والتصرفات نيابة عن الوزارة، فالوزير هو الذي يتولى توقيع العقود التي تكون الوزارة طرفاً فيها. وعندما يقوم الوزير بالتوقيع على العقود نيابة عن الوزارة فإن ذلك لا يعني أن الوزير ينفرد وحده بالتوقيع بداية ونهاية من غير ان يرجع إلى القطاعات والادارات المختصة ،فهذا الأمر غير مقبول في دولة المؤسسات ، وإنما يقوم الوزير بالتوقيع بعد أن تتولى الإدارات والوكيل المختص بالوزارة بدراسة البيانات والمعلومات والإقتراحات والتوصيات والقوانين واللوائح والخطط والبرامج ذات الصلة بالعقد المطلوب التوقيع عليه.

وبعد الدراسات والمناقشات وآخذ الموافقات والتوجيهات اللازمة يتم إعداد وصياغة مشروع العقد من قبل الإدارات المختصة بالوزارة ، وبعد ذلك يقوم الوزير بالتوقيع على العقد.

وبما أن الوزير عضو في فريق الحكومة (السلطة التنفيذية) ينفذ سياسة وبرامج الحكومة وخططها في نطاق الوزارة التي يتولاها، فإن الوزير يحتاج إلى فريق يعاونه في القيام بواجباته الدستورية والقانونية ، وتطبيقا للعمل المؤسسي والنظامي فان الفريق المعاون للوزير للنهوض باعباء وظيفته هو قطاعات وادارات وموظفي الوزارة التي يتولاها الوزير، وعلى هذا الأساس فإن الوزير قد يقوم بالتفويض الإداري لوكيل الوزارة المختص بتوقيع العقد بدلاً عن الوزير. (المسئولية السياسة للوزارة، د. ماهر ابراهيم عبيد، ص3).

الوجه الثاني: الوضعية القانونية والإدارية لوكيل الوزارة:

وكيل الوزارة وظيفة إشرافية من وظائف الإدارة العليا ، ويتم تعيين وكيل الوزارة بقرار من رئيس الدولة (رئيس الجمهورية)، ووظيفة الوكيل وان كانت وظيفة سياسية كوظيفة الوزير الا انه يغلب على وظيفة وكيل الوزارة الطابع الفني التخصصي، ولذلك يشترط القانون في الوكيل أن يكون من ذوي الخبرة والإختصاص في مجال الوظيفة التي يشغلها بخلاف الوزير ، إضافة إلى أن وكيل الوزارة يدير مجموعة من الإدارات الفنية التخصصية تحت إشراف الوزير، ويمتلك الوكيل مهارات التواصل والتفاهم السريع مع الفنيين التابعين للقطاع الذي يديره الوكيل بحكم خبرة الوكيل وتخصصه ، وعلى هذا الأساس فإن الوزير يقوم بتفويض وكيل الوزارة المختص بالتوقيع على العقد. (التفويض في القانون الاداري، برهان زريق،ص 68).

الوجه الثالث: المسئولية عن توقيع العقد المخالف للقانون:

كان جانب من النقاش في الحكم محل تعليقنا قد اتجه إلى دفع الوزارة بأن العقد الذي تم توقيعه من قبل وكيل الوزارة مخالف لقانون المناقصات العامة، وقد قضى الحكم محل تعليقنا بأن المختصين جميعا في الوزارة هم المسئولون عن هذه المخالفة إذا كان ما ذكرته الوزارة في دفعها صحيحاً آي اذا العقد مخالف للقانون بالفعل.

 ومن المعلوم في الفقه والقضاء أن المسئولية عن توقيع العقد الحكومي تكون جماعية وعلى قدر مشاركة كل موظف في المخالفة، ولا يعفى من المسئولية إلا الموظف الذي اعترض أو تحفظ على العقد المخالف ، أوالموظف الذي قام بإبلاغ المسئول الآمر له أو رئيسه بأن الأمر أو التوجيه الصادر له بشان العقد يتضمن مخالفة للقانون ،ومع ذلك أصر المسئول أو الآمر على تنفيذ أمره المخالف للقانون.

والمسئولية الجماعية عن توقيع العقد المخالف القانون تتأسس على أساس أن العمل في الوزارة أو مافي حكمها يتم تنفيذه أو إنجازه عن طريق عدة إدارات ولجان فنية ورقابية وبواسطة مجموعة من الموظفين الفنيين المتخصصين وضمن مسئوليات ومستويات إدارية متفاوتة في درجاتها، وعن طريق لجان مكونة من موظفين عدة، وقد حددت القوانين والنظم طرق وأساليب إعداد وصياغة العقد في الجهات الحكومية والمماثلة لضمان سلامة العقد وعدم مخالفته للقانون والنظام وعدم إضراره بحقوق ومصالح الجهات الحكومية اوغيرها ، ولذلك فإن كل مسئول إداري يكون مسئولاً عن العقد المخالف على قدر دوره في المخالفة، فالمسئول الذي يامر بإعداد وصياغة العقد المخالف يكون مسئولا عن امره المخالف ،والموظف الذي يتولى صياغة العقد يكون مسئولاً عن إعداده وصياغته مالم يقم بإبلاغ المسئول الامر بوجه المخالفة، وبعد صياغة العقد فانه يمر بمراحل مراجعة وتدقيق من قبل مستويات إدارية مختلفة، فكل مسئول إداري أعلى يكون مسئولاً عن العقد المخالف لأنه لم يقم بمراجعة العقد وتدقيقه للتأكد من عدم مخالفته، وإلا فما الفائدة من تعدد وتدرج المستويات الإدارية التي تتولى صياغة ومراجعة العقد الإداري وتدقيقه لضمان صحته وسلامته وعدم مخالفته للنظم والقوانبن .

 وبناءً على ذلك فليس صحيحاً الفهم السائد بأن المسئولية قاصرة على الموظفين المختصين الذين قاموا بصياغة العقد المخالف أو الذين اقترحوا إعداده وصياغته. (مهارات الصياغة القانونية، أ.د. عبدالمؤمن شجاع الدين، ص36).

 الوجه الرابع: حجية العقد المخالف للقانون:

إذا كان مضمون العقد قد تضمن مخالفة أو مخالفات للقانون ، فأنه عقد باطل، لأن إحترام القانون من النظام العام فيجب أن تكون كافة العقود موافقة للقانون، فلايجوز الإتفاق على خلاف القانون ، فإذا خالفت العقود القانون فإنها تكزن باطلة، لأنه لا يجوز الإتفاق أو التعاقد على خلاف ما ورد في القانون.

 ومن هذا المنطلق فلا يجوز للمستفيد أن يتمسك بالعقد المخالف للقانون أو يحتج به أو يطالب بتنفيذ الإلتزامات الواردة فيها لأنها غير قانونية، فالعقد لا يجوز له أن يخالف للقانون ، فلايجوز للافراد الإتفاق على خلاف القانون. (مهارات الصياغة القانونية، أ.د. عبدالمؤمن شجاع الدين، ص35)، والله اعلم.

توقيع وكيل الوزارة على العقود
توقيع وكيل الوزارة على العقود