توقيع حكم التحكيم الحكومي من رئيس الهيئة وأمين السر

توقيع حكم التحكيم الحكومي من رئيس الهيئة وأمين السر

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

اشترط قانون التحكيم واللائحة التنفيذية لقانون قضايا الدولة اشترطا أن يقوم المحكمون جميعاً بالتوقيع على نسخة حكم التحكيم الأصلية، لأن توقيع المحكمين جميعاً على نسخة الحكم دليل على صدور الحكم منهم جميعاً ، كما أن التوقيع على نسخة الحكم دليل على نسبة الحكم إلى المحكمين  جميعاً، فتوقيع المحكمين جميعاً على نسخة الحكم من أهم بيانات الحكم التي تحقق في الحكم مبدأ وحدة الحكم وكفايته للإحتجاج به والمطالبة بتنفيذه من غير حاجة إلى إحالة بعض بيانات الحكم  إلى وثائق أخرى غير مدونة الحكم ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 15-10-2012م في الطعن رقم (50052)، وقد ورد ضمن أسباب ذلك الحكم: ((والبين من حيثيات الحكم المطعون فيه أن الشعبة قد ذكرت بأنها قد قامت ببحث مسألة توقيع حكم التحكيم من قبل رئيس اللجنة وأمين سرها دون بقية الأعضاء،  وأنه تبين لها أن جميع أعضاء اللجنة موقعون على مسوّدة الحكم المودعة لدى وزارة الشئون القانونية وعلى محضر النطق بالحكم، فما ذكرته الشعبة تقصد به الرد على (2 و 3) من أسباب دعوى البطلان، إلا أن هذا الرد  غير كاف نظراً لإغفال الشعبة فرض رقابتها القضائية على حكم التحكيم، وما يتعلق بالسبب الثاني فقد بحثته الشعبة وتبين عدم وقوع الإكراه المدعى به لعدم إثباته وتوقيع المحكمين على مسوّدة الحكم ، إلا أن الشعبة لم تبحث بقية الأسباب))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: توقيع أعضاء هيئة التحكيم الحكومي على نسخة حكم التحكيم الأصلية وفقاً للمادة (40) من لائحة قضايا الدولة:

نصت الفقرة (3) من المادة (40) من اللائحة التنفيذية لقانون قضايا الدولة على أنه (3- يجب أن يكون الحكم مكتوباً ويوقعه المحكمون جميعهم ما عدا حالات صدوره بالأغلبية فأنه يجوز للمحكم الذي لم يوافق على الحكم عدم التوقيع عليه مع ذكر الأسباب في مسوّدة الحكم).

ومن خلال إستقراء هذا النص يظهر أنه يفيد الوجوب فقد تصدر النص فعل (يجب) وإذا ورد لفظ الوجوب في النص فأنه يكون من النصوص الآمرة التي لا تجوز مخالفتها، وبناءً على ذلك فأنه يجب أن يقوم جميع أعضاء هيئة التحكيم الحكومي بالتوقيع على نسخة الحكم الأصلية، ولا يغني عن ذلك توقيعاتهم على مسوّدة الحكم.

الوجه الثاني: توقيع أعضاء هيئة التحكيم الحكومي على نسخة حكم التحكيم الأصلية وفقاً لنص المادة (48) من قانون التحكيم:

قانون التحكيم هو القانون الواجب التطبيق في قضايا التحكيم المدنية والتجارية والحكومية ، وبشأن توقيع المحكمين على نسخة حكم التحكيم الأصلية،  فقد نصت المادة (48) من قانون التحكيم على أنه (تصدر لجنة التحكيم حكمها كتابة ويوقعه المحكمون جميعهم ماعدا في حالات صدور الحكم بالأغلبية فأنه يجوز للمحكم الذي لم يوافق على الحكم عدم التوقيع مع ذكر الأسباب...إلخ)، وهذا النص مقارب في مضمونه لما ورد في الفقرة (3) من المادة (40) من لائحة قضايا الدولة السابق ذكرها، فقد اشترطت المادة (48) تحكيم توقيع جميع المحكمين على نسخة الحكم الأصلية، وهذا الحكم يسري على التحكيم الحكومي.

الوجه الثالث: توقيعات المحكمين أو هيئة التحكيم من أهم البيانات التي يجب أن يشتمل عليها حكم التحكيم:

التوقيع مشتق من الوقوع أو الواقعة، فالتوقيع يدل على نسبة الواقعة أو التصرف أو الحكم إلى مصدره، فالتوقيع على وثيقة تتضمن واقعة معينة  كالإقرار فإن التوقيع عليها يدل على صدورها من الشخص الذي قام بالتوقيع عليها ، وتوقيع المتعاقدين على وثيقة العقد دليل على نسبة الواقعة محل العقد إليهم، كما أن توقيع القاضي أو المحكم على الوثيقة المتضمنة الحكم دليل على نسبة الحكم إلى القاضي أو المحكم، فهذه هي وظيفة التوقيع على الوثائق المختلفة. (مهارات الصياغة القانونية، أ.د. عبدالمؤمن شجاع الدين، ص32).

وعلى هذا الأساس فإن توقيعات أعضاء هيئة التحكيم جميعاً على نسخة حكم التحكيم الأصلية دليل على نسبة صدور الحكم إليهم جميعاً.

كما أن  توقيع بعض أعضاء هيئة التحكيم فقط  على نسخة الحكم  يؤدي إلى التجهيل بالمحكمين الآخرين الذي لم يوقعوا على الحكم.

الوجه الرابع: توقيعات جميع المحكمين على نسخة حكم التحكيم الأصلية يحقق مبدأ وحدة الحكم وإستقلاله:

من أهم مبادئ الحكم بصفة عامة أنه يجب أن يكون وحدة واحدة مستقلة يشتمل على كافة بياناته بما فيها توقيعات المحكمين الذين صدر الحكم  عنهم ، فلا تجوز الإحالة بشأن بعض مكونات الحكم إلى غير مدوّنة الحكم حتى لو كانت الإحالة إلى مسوّدة الحكم، فيجب أن يكون الحكم وثيقة أو مدونة واحدة مستقلة كافية بحد ذاتها للإحتجاج بها أو المطالبة بتنفيذها إختياراً أو جبراً.

كما ان توقيع جميع هيئة التحكيم على نسخة الحكم يحقق مبدا وحدة وتكاملية ولاية هيئة التحكيم، لأن ولاية هيئة التحكيم وحدة واحدة غير قابلة للتجزئة أو التبعيض، فتوقيع جميع  اعضاء هيئة التحكيم على نسخة الحكم يدل على ان الحكم قد صدر من جميع اعضاء الهيئة الذين انعقدت لهم الولاية كوحدة واحدة  وهيئة واحدة لنظر الخصومة التحكيمية ،والله أعلم.

توقيع حكم التحكيم الحكومي من رئيس الهيئة وأمين السر
توقيع حكم التحكيم الحكومي من رئيس الهيئة وأمين السر