أصل محرر المناقلة يدل على سبق تصفية الشراكة
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
المناقلة
أو المبادلة أو المقابضة بين الأموال مرحلة تالية لعملية قسمة التركة أو تصفية الشراكة، فالمناقلة
أو المقابضة أو المبادلة تعني: إتفاق الشركاء أو الورثة المتقاسمين على المبادلة فيما بينهم لملكية بعض الأموال التي سبق قسمتها فيما بينهم
بحسب الاحتياج للاموال التي تتم مبادلتها، ولذلك فإن وجود أصل محرر أو محررات
المناقلة والمقابضة يدل على سبق القسمة والتصفية للشراكة التي كانت قائمة بين
المتناقلين قبل المناقلة أو المقابضة، كما أن شهادة أو سعي أحد الأشخاص في
المناقلة دليل على انه لم يكن شريكا في الشراكة التي تمت تصفيتها والمناقلة بين بعض اموالها، حسبما
قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ
27-5-2012م في الطعن رقم (48595)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: ((وحيث
تضمن أصل محرر المناقلة خلاصة كافية لمحرر الإنفصال والصلح آنف الذكر والمحرر بقلم
الأمين الشرعي... ، الذي أقر به الطرفان أمام رئيس محكمة... ، والمقيد في سجل
المحكمة على النحو المبين في المحرر، وقد امتد ذلك المحرر وسرى أثره إلى عقارات
انتقلت ملكيتها وحيازتها إلى من تحددت باسمه في المحرر، ولما كان ذلك برعاية
وسعاية الطاعن الأول وممهوراً بتوقيعه، ولعدم تقديم دليل كافٍ من قبله لإثبات
شراكته، فلا مناص من رفض الطعن لعدم قيام سببه)) ، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم
حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: معنى المناقلة أوالمقابضة أو المبادلة بين الأموال وتكييفها في الفقه الإسلامي:
المناقلة
بين الأموال هي: إستبدال عقار في مكان بعقار آخر في مكان آخر مع دفع فارق القيمة
بين العقارين إذا لم يتساويا في القيمة والاهمية ، والمناقلة بهذا المعنى جائزة في
الفقه الإسلامي لأنها بمثابة بيع عقار ويكون الثمن عقاراً آخر وهو مال يصلح أن
يكون ثمناً، ويقررغالبية الفقه الإسلامي أن محل البيع في المناقلة هو المبيع وهو
العقار الأول الذي يتم ذكره في صيغة الإيجاب
والقبول ، ويكون الثمن هو العقار الآخر الذي يرد ذكره متاخرا في صيغة الإيجاب القبول، فالمبيع هو العقار الذي يتم ذكره أولاً في صيغة
الإيجاب والقبول، كأن يقول البائع: بعتك عقاري الكائن في جولة الجامعة مقابل عقارك
الكائن في حدة، فالمبيع في هذه الصفقة هو العقار الواقع في جولة الجامعة والثمن هو
العقار الواقع في منطقة حدة، وعلى ذلك فإن المناقلة أو المقابضة في الفقه الإسلامي يكون حكمها حكم البيع.
والمناقلة في غالب الأحيان تتم في العقارات إلا
أنه من الجائز أن تتم المبادلة في المنقولات من غير الأصناف الربوية كالنقود
والذهب والفضة وغيرها من الأصناف الربوية، لأن الشريعة الإسلامية تحرم بيع جنس من
الأصناف الربوية بجنسه مع زيادة في أحد البدلين على الآخر سواءً أكان ذلك البيع
معجلاً أو مؤجلاً لحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم (الذهب بالذهب والفضة
بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواءً
بسواء يداً بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) –
اخرجه البخاري.
(فقه المعاملات المالية وتطبيقاتها المعاصرة، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص127).
الوجه الثاني: العلاقة بين مصطلحات المناقلة والمبادلة والمقابضة والنقال:
لا ريب أن مصطلح المناقلة مرادف لمصطلح النقال،
فبعض المناطق في اليمن تستعمل مصطلح المناقلة في حين بعضها يستعمل مصطلح النقال،
وكذلك الحال بالنسبة لمصطلحي المقابضة والمبادلة، فجميع هذه المصطلحات مترادفة، فمعناها
واحد ، وهو مبادلة عقار بعقار مساوٍ له في القيمة والأهمية، وإن تفاوتا فينبغي على
مالك العقار الأقل قيمة أن يدفع (النقيصة) أو (الفارق) أو (التوفية)، وهناك من
الفقهاء من يفرق بين المبادلة والمناقلة والمقابضة، فالمناقلة والمقابضة عند هؤلاء
تكون بالنسبة للعقارات، في حين يكون مصطلح
المبادلة خاص بالنسبة للمنقولات. (فقه
المعاملات المالية وتطبيقاتها المعاصرة، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص125).
الوجه الثالث: المناقلة في القانون المدني اليمني (المقابضة):
أطلق
القانون المدني اليمني على المناقلة أو النقال مصطلح (المقابضة)، فقد
نصت المادة (585) مدني على أن (المقابضة هي تبادل مال بمال ليس من النقود وتسري
عليه أحكام البيع بالقدر الذي تسمح به طبيعتها ويعتبر كل من المتقابضين بائعاً
للشيء الذي قايض به ومشترياً للشيء الذي قابض عليه ويتحمل المتقابضان المصاريف
مناصفة مالم يوجد إتفاق بغير ذلك).
وقد صرح هذا النص بان المناقلة أو المقابضة لاتكون في النقود ،لأن مبادلة النقود المختلفة مثل مبادلة الريال اليمني بالدولار يكون من قبيل عقد الصرف وليس من قبيل
المناقلة أو المقابضة ، اما المقابضة بين
النقود من جنس واحد فلاتجوز مثل بيع ريال
يمني بريال يمني أو بيع دولار بدولار ، كما أن هذا النص يقرر ان المقابضة
أو المناقلة في القانون اليمني شاملة للعقارات والمنقولات غير النقود.
الوجه الرابع: دلالة المناقلة على تصفية الشراكة وقسمة حصيلة التصفية:
قضى الحكم محل تعليقنا بأن وجود أصل محرر المناقلة
المتضمن تحديد الأموال التي صارت لكل شريك في حصيلة تصفية الشراكة وقيام الشركاء
المتقاسمين بالمناقلة بين بعض العقارات فيما بينهم دليل على وجود أصل محرر تصفية
الشراكة وانه قد تنفيذه من قبل الشركاء
المتقاسمين ، وان الصورة الفوتغرافية لمحرر التصفية صحيحة لتطابق ما ورد فيها مع
ما ورد في أصل محرر المناقلة، كما أن وجود المناقلة بين الشركاء المتقاسمين لحصيلة
تصفية الشراكة دليل قاطع وعملي على رضاء وقبول الشركاء المتقاسمين بنتائج تصفية
الشراكة ، لأن المناقلة عبارة عن تصرف ناقل للملكية، فقيام الشريك المقاسم بالتصرف
في المال الذي صار له بموجب تصفية الشراكة دليل على أن الشريك قد قبض ما تقرر له بموجب
التصفية وقام بالتصرف فيه عن طريق
المناقلة، ولذلك لا تقبل منه الدعوى بعدم وجود التصفية أو عدم قبوله بنتائج
التصفية.
كما أن سعي الشخص ورعايته أو شهادته على محرر المناقلة يعد اقرارا منه بانه ليس شريكا من ضمن الشركاء في الشراكة التي تمت تصفيتها وقسمة اموالها بين الشركاء وتمت المناقلة بين المتقاسمين في بعض اموالها ، حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، والله أعلم.
![]() |
أصل محرر المناقلة يدل على سبق تصفية الشراكة |