حضور الخصوم عند أداء الخبير لمهمته في القانون اليمني

حضور الخصوم عند أداء الخبير لمهمته في القانون اليمني

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

اشترط قانون الإثبات اليمني في المادة (170) ان يقوم الخبير العدل بأداء مهمته بحضور الخصوم ما امكن ذلك، وهذا يعني أن القانون لم يشترط حضور الخصوم في كل مراحل عمل الخبير العدل أو في كل الأعمال التي يقوم بها الخبير العدل، فبعض أعمال الخبرة يحتاج فيها الخبير إلى مناقشة الخصوم وسماع اقوالهم وإفاداتهم واوجه دفاعهم بشأنها ومواجهتهم بها، وهي تلك المسائل العملية والواقعية والتفصيلية لأن الخصوم هم الأكثر دراية بها، فهم المعنيون بها، اذ تتوفر لدى الخصوم بشان هذه المسائل البيانات والمعلومات والمستندات اللازمة ، وكذلك الحال  بالنسبة للمسائل التي لم يستطع الخبير الإحاطة بتفاصيلها من خلال مطالعة الخبير  ومعاينته أو  مراجعته  للمستندات والسجلات وإجراء المعاينات لمحل الخلاف، فعندئذ يقوم الخبير بإستدعاء الخصوم وسؤالهم لإيضاح الأشياء التي تحتاج إلى ذلك ، اضافة إلى انه إذا قام أحد الخصوم بموافاة الخبير بمستندات أو بيانات أو معلومات فانه ينبغي على الخبير ان يواجه الخصم الآخر بها ويستمع إلى ملاحظاته بشانها،  غير أن الخبير العدل أثناء قيامه بمهمته قد يجد المسائل التي تدخل ضمن نطاق مهمته واضحة لا لبس فيها ومحل إتفاق بين الخصوم ففي هذه الحالة لايلزم  الخبير إستدعاء الخصوم .

إضافة إلى أن النتيجة التي توصل إليها الخبير لا ينبغي له إطلاع الخصوم عليها، حتى لا يكون الخبير العدل عرضة للتأثير والإغراء والضغط من قبل الخصوم، وقد أشار إلى هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 5-12-2011م في الطعن رقم (47115)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: ((وفي شأن النعي على الخبيرين عدم قيامهما بمهمتهما بحضور ذوي الشأن ومنهم الطاعنين : فإن المادة (170) إثبات لا تلزم الخبير بذلك لصريح نصها بأنه (يكون أداء المهمة بحضور الخصوم كلما امكن ذلك)، وبالتالي فإن إستدلال الطاعنين بالمادة (170) في غير موضعه)) ، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: حضور الخصوم عند قيام الخبير بعمله وفقاً للمادة (170) إثبات:

كانت المادة (170) إثبات محل النقاش في الحكم محل تعليقنا، فقد استند إليها الحكم كما استند إليها الطاعنان ، وإن كان إستدلال  الحكم بهذا النص على خلاف  إستدلال الطاعنين ، وقد نصت المادة (170) إثبات على أنه (يكون أداء المهمة بحضور الخصوم كلما امكن ذلك، ويجب على الخبير إستدعاؤهم لذلك وان يحرر محضراً بالإجراءات التي تمت يوقع عليه مع الخصوم الحاضرين ويثبت غياب من غاب منهم وإستدعائه له).

 ومن خلال إستقراء هذا النص يظهر أنه في بدايته قد قرر أن حضور الخصوم عند قيام الخبير بأداء مهمته يكون بحسب الإمكان أي بحسب ما إذا كان ذلك ممكناً بالنسبة للخبير، لأن المخاطب في النص هو الخبير، فذلك ظاهر في عبارة (يكون أداء المهمة) الواردة في بداية النص السابق، فالذي يقوم بأداء المهمة هو الخبير، ولذلك يكون تقرير إمكانية حضور الخصوم من عدمه خاضعا لتقدير الخبير ، حسبما ورد في قضاء الحكم محل تعليقنا ، فقد يجد الخبير أنه لا مناص من إستدعاء الخصوم وسماع أقوالهم وإفاداتهم وأوجه دفاعهم بشأن الأشياء التي يعتزم الخبير الإستناد إليها، كما أن الخبير قد يجد أن طبيعة المهمة لا تقتضي إستدعاء الخصوم لوضوح المسألة وسبق إتفاق الخصوم بشان  الاشياء  التي يعتزم الخبير الإستدلال بها والإستناد إليها في تقريره.

في حين كان الطاعنان يجادلا في أن حضور الخصوم أثناء قيام الخبير بمهمته وجوبي ، لأن نص المادة (170) إثبات السابق ذكرها قد صرح بأنه يجب على الخبير إستدعاء الخصوم وان يستمع إلى أقوالهم وأوجه دفاعهم وان يتم إثبات ذلك في محاضر يتم التوقيع عليها من قبل الخصوم والخبير سيما أن مهمة الخبير كانت ميدانية تتطلب منه الإنتقال إلى أماكن وجهات عدة وإجراء معاينات والإستماع إلى إيضاحات وإفادات من الخصوم ودراسة سجلات ومستندات والحصول  على مستندات وإفادات لم يسبق للخصوم الوقوف عليها أثناء اجراءات المحاكمة، فهذه المسائل جميعها تحتاج إلى أن يقف الخصوم عليها وان يقدموا الإيضاحات اللازمة  بشانها إلى الخبير وان يبدوا أوجه دفاعهم ازاء بعض المستندات أو المعلومات التي من شأنها التأثير في النتيجة التي سينتهي إليها الخبير، حتى يكون تقرير الخبير رشيداً ومنضبطاً.

والواقع أن ما قضى به الحكم صحيح ، فإن نص المادة (170) إثبات قد اجاز للخبير أن يؤدي مهمته من غير حضور الخصوم إذا وجد الخبير أن طبيعة المهمة لا تستلزم إستدعاء الخصوم إذا كانت المهمة واضحة ومحددة لا تحتاج إلى الإستماع إلى إيضاحات من الخصوم وان المسائل التي وقف عليها الخبير محل إتفاق بين الخصوم وان الخصوم قد سبق لهم أن ابدوا أوجه دفاعهم بشأنها أو أن بعض المسائل قانونية محضة تخضع لتقدير القاضي وليس الخبير، ولن يبدي الخبير رأيه بشانها.

ونخلص من هذا الوجه إلى القول: أن إستدعاء الخبير الخصوم لا يكون واجباً إلا إذا كانت بعض المسائل تحتاج إلى إيضاح أو معرفة وجهات نظر الخصوم بشأنها لعدم سبق اطلاع الخصوم عليها وعدم مناقشتهم لها.

الوجه الثاني: الغرض من حضور الخصوم أثناء قيام الخبير بأداء مهمته:

وفقاً للمادة (165) إثبات فإن القاضي يقوم بندب أو تكليف خبير أو خبراء في المسائل الفنية التي يدق على القاضي فهمها أو الإحاطة بها أوالاحاطة بوقائعها ، وأوجب القانون على القاضي أن يحدد مهمة الخبيربدقة ، فطبيعة مهمة الخبير ميدانية تمكن الخبير من دراسة المسائل التي ندبته المحكمة لدراستها والإحاطة بها من كافة جوانبها ومعرفة كافة التفاصيل والبيانات والمعلومات والمستندات ذات الصلة بها، فللخبير الرجوع إلى الجهات والأشخاص الذين قد يجد أنه من الضروري الرجوع إليها لمعرفة بعض البيانات أو المعلومات المتعلقة بمهمته، ومن أهم مصادر الإحاطة بتفاصيل المسألة الفنية التي يدرسها الخبير تكون المعلومات والبيانات والإيضاحات التي يدلي بها الخصوم بل أن أغلب هذه المعلومات والمستندات وغيرها تكون لدى الخصوم ،لأنهم المعنيون بالقضية والمهتمون بها، فضلاً عن أن الخبير قد يعتمد ويستند في اداء مهمته على بيانات ومعلومات ومستندات غير صحيحة فلو عرضها على الخصوم لتغيرت وجهة الرأي لدى الخبير، كما أن حضور الخصوم عند قيام الخبير بمهمته  وتوقيعهم على المحاضر التي يجريها الخبير يقلص من إعتراضات الخصوم وملاحظاتهم على تقرير الخبير عند تقديمه إلى المحكمة، وفي هذه الحالة  يكون تقرير الخبير دليلاً كاملاً يرجح أن يأخذ به القاضي وفقاً للسلطة التقديرية المقررة للقاضي في هذا الشأن وفقاً لقانون الإثبات.

الوجه الثالث: مدى كفاية ملاحظات الخصوم على تقرير الخبير في معالجة عدم حضور الخصوم أثناء قيام الخبير بمهمته:

بعض المهتمين وبعض الخبراء يبرروا عدم إستدعاء الخصوم أثناء قيام الخبير بمهمته يبرروا ذلك بأنه من الممكن إستدراك ذلك بعد تقديم  الخبير للتقرير إلى المحكمة، اذ يتم موافاة الخصوم  بنسخ من تقرير الخبير ومرفقاته، وعندئذٍ سيتمكن  الخصوم من دراسة كل ماورد في التقرير ومرفقاته وسيتمكن الخصوم عندئذ من إبداء ملاحظاتهم وبيان وجهات نظرهم بشأن كل  ما ورد في التقرير، وفي ضوء ذلك يتم إستيفاء أوجه القصور في تقرير الخبير بعد موافاة الخبير بملاحظات  الخصوم، ولكن الواقع العملي يشهد أن الخبير في غالب الأحيان  لا يستدرك أوجه القصور ،لأن الخبير قد تولدت لديه القناعة المسبقة بصحة وسلامة ما ورد في تقريره، فمن النادر أن يستجيب الخبير لملاحظات الخصوم وهذه المسألة معروفة.

ولمواجهة  هذه الاشكالية فإن القضاة يأخذوا بعين الإعتبار مدى وجاهة الملاحظات التي لم يأخذ بها الخبير عند الحكم في القضية ، لأنه يحق القاضي ان يأخذ بتقرير الخبير من غير تعديل كما يحق للقاضي  ان يأخذ ببعض ماورد في التقرير وكذا يحق له أن يطرح كل ماورد في للتقرير وكذا يحق له ان يكلف الخبير بإعادة الدراسة في ضوء ملاحظات الخصوم ، كما يحق القاضي ان يكلف خبيرا أخر للقيام بالمهمة وفقا للسلطة التقديرية للقاضي المقررة في قانون الاثبات.

الوجه الرابع: حضور الخصوم أثناء قيام الخبير بمهمته في القانون والقضاء المصري:

ذهب المحامي وليد عثمان في مقالته (أسباب الطعن في تقرير الخبير في القوانين العربية) إلى أن تقرير الخبير يبطل إذا لم يقم الخبير بإستدعاء الخصوم، لأن المادة ١٤٦ من قانون الاثبات قد أوجبت علي الخبير دعوة الخصوم بكتاب مسجل بموعد ومكان وساعة الاجتماع الأول، كما حددت مواعيد الحضور أمام الخبير، وعدم قيام الخبير بإخطار أي من الخصوم بإخطارات مسجلة بالموعد والمكان الذي حدده لمباشرة المأمورية طبقا لنص القانون، يعد سبباً لبطلان تقرير الخبير، كما أن قيام الخبير بفتح محضر أعماله في موعد أو مكان مغاير للمكان والموعد المحدد في محاضر أعماله وفي الإخطارات القانونية المرسلة لأطراف النزاع يبطل التقرير، ويكفي الخبير اخطار الخصوم بحضور الاجتماع الأول ما دام العمل مستمراً، فإذا انقطعت الاجتماعات وجب عليه دعوة الخصوم لحضور في اليوم الذي يحدده لاستئناف العمل، ويكفي أن يتثبت الخبير بمحضر أعماله اخطار الطرفين قبل مباشرة المأمورية،  ولا يترتب البطلان علي اغفال ارفاق ايصالات خطابات الاخطار، وقد قضي بأن " الأصل في الإجراءات أنها روعيت، وإذ كان يبين من تقرير الخبير ومحاضر أعماله أنه أَخطَرَ الخصوم في الدعوى بتاريخ مباشرته للمأمورية، وكان المشرع لم يُوجب على الخبير إرفاق إيصالات الإخطارات الموصي عليها التي يُرسلها للخصوم أو ذكر أرقامها وتواريخها، وأنَّ إغفال إرفاق هذه الإيصالات لا ينفي واقعة الإخطار ذاتها، وكانت أوراق الدعوى قد خلت مما يفيد عدم وصول الإخطار إلى الطاعن، ومن ثم يكون النعي على تقرير الخبير بالبطلان غير مقبول.

 واضاف وليد عثمان بان المادة 146 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 قد اوجبت في فقرتها الأولى على الخبير أن يدعوا الخصوم بكتب مسجلة ترسل قبل تاريخ بدء العمل بسبعة أيام على الأقل يخبرهم فيها بمكان أول اجتماع و يومه و ساعته ، و لئن نصت في فقرتها الأخيرة على أنه يترتب على عدم دعوة الخصوم بطلان عمل الخبير إلا أن البطلان إنما يترتب على عدم دعوة الخصم للحضور لا على مخالفة الشكل الذى نظم به القانون هذه الدعوة ، بمعنى أن مطلق الدعوة للخصم أياً كان وسيلتها هو إجراء جوهري قصد منه تمكين طرفي الخصومة من الحضور و الدفاع عن صوالحهم أمام الخبير فإن لم تحصل الدعوة على وجهها الصحيح و نازع الخصم في أنها لم تبلغ محلها الواجب إبلاغها إليه فإنه يتعين على قاضى الموضوع أن يمحص هذا الدفاع ، و لما كان البين من الحكم المطعون فيه أنه انتهى إلى رفض الدفع ببطلان تقرير الخبير على سند مما أثبته في محاضر أعماله من أنه حرر خطابات بطريق البريد المسجل إلى الخصوم و أنه سلمها إلى سكرتارية مكتب الخبراء لتتولى هي إرسالها وكان تقرير الخبير خلواً مما يثبت إرسال هذه الكتب المسجلة إلى الطاعنين وكان مجرد قول الخبير أنه سلم الكتب المسجلة إلى الجهة الإدارية - سكرتارية مكتب الخبراء - لا يفيد حصول دعوة و إنها أرسلت إلى الطاعن فعلاً ولا يسيغ للخبير أن يباشر المأمورية في غيبتهم .

وقد قضي بأن " إذ كان البين من مطالعة الصورة الرسمية لتقرير خبير الدعوى - وما أقرت به الطاعنة ذاتها – أن وكيل الطاعنة مثل أمام الخبير وقدم مذكرة بدفاعها بانتفاء مسئوليتها عن تلفيات مشمول الرسالتين، وهو ما يعد تعرضاً لموضوع الدعوى، مما يعد تنازلًا – منها – عن التمسك ببطلان إعلانها، ومن ثم فلا على الحكم المطعون فيه إن لم يرد على دفاعها في هذا الشأن، ويضحى ما تثيره الطاعنة غير مقبول". 

ويبطل  تقرير الخبير لعدم مراعاة المواعيد المسافة، فعدم مراعاة الخبير لمدة المسافة عند تحديده مواعيد المباشرة في الدعوى، حيث نصت المادة ١٦ من قانون المرافعات على الآتي " إذا كان الميعاد معيناً في القانون للحضور أو لمباشرة إجراء فيه زيد عليه يوم لكل مسافة مقدارها خمسون كيلو متراً بين المكان الذي يجب الانتقال منه والمكان الذي يجب الانتقال إليه، وما يزيد من الكسور على الثلاثين كيلو متراً يزاد له يوم على الميعاد، ولا يجوز أن يجاوز ميعاد المسافة أربعة أيام.

ويكون ميعاد المسافة خمسة عشر يوما بالنسبة لمن يقع موطنه في مناطق الحدود." وتنص المادة ١٧ من قانون المرافعات على أن ميعاد المسافة لمن يكون موطنه في الخارج ستون يوماً، ويجوز لقاضي الأمور الوقتية إنقاصها.

كما يبطل  تقرير الخبير إذا اخل بحقوق الدفاع، فيجب على الخبير منح الخصوم الفرص الكاملة للدفاع وتقديم جميع الطلبات والمستندات، فإذا أخل الخبير بذلك كان تقرير باطلاً لإخلاله بحقوق الدفاع.

ويبطل تقرير الخبير للإخلال بالمعاملة المتساوية للخصوم ، لأنه يجب على الخبير منح الخصوم فرص متكافئة لإبداء دفاعهما، فإذا منح أحد الخصوم أجلاً لتقديم دفاع أو مستند، وجب أن يمنح الخصم الآخر نفس الأجل دون نقص للرد عليه.(أسباب الطعن على تقرير الخبير في ضوء  القوانين العربية، المحامي وليد عثمان ، ص3).، والله أعلم.

حضور الخصوم عند أداء الخبير لمهمته في القانون اليمني
حضور الخصوم عند أداء الخبير لمهمته في القانون اليمني