متى يكون إستجواب الخصوم واجباً؟
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
إستجواب
الخصوم طريقة من طرق الإثبات وفقاً للمادة (17) من قانون الإثبات اليمني، ولكن الاستجواب
في الواقع ليس طريقة اثبات مستقلة ، فهو وسيلة للحصول على اقرار الخصم عن
طريق استنطاق الخصم او استجوابه في جلسة المحكمة للحصول على اقراره.
وقد نصت المادة (176) اثبات على أن لجوء المحكمة
إلى إستجواب الخصوم جوازي، ومع ذلك فان إستجواب الخصوم قد يكون وجوبياً عندما يحيط
الغموض ببعض وقائع النزاع أو بعض ادلتها أو
تكون هناك بعض التناقضات في الوقائع والادلة أو يكون فيها إجمال أو نقص أو قصور مما يؤدي إلى عدم إحاطة
محكمة الموضوع بوقائع النزاع وادلته سيما اذا كانت هذه الوقائع والادلة مؤثرة في
النزاع ، يترتب على فهمها تغيير وجه الرأي في القضية، فعندئذ ينبغي على المحكمة إستدعاء
الخصوم او الخصم لإستجوابه وسؤاله عن الجوانب أو المسائل
الغامضة أو الناقصة حتى تظهر للمحكمة الحقيقة ، فيكون حكمها عنوانا للحقيقة ، حسبما
قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ
21-4-2012م في الطعن رقم (48693)، وقد تضمن ذلك الحكم في أسبابه: ((ومن جهة أخرى
فقد لاحظت الدائرة: أن المبلغ الذي ذكرته الشعبة منسوباً إلى شهادة الشاهد بأن
ممثل الطاعنة قد أقر به، فذلك خطأ من الشعبة، فقد كان الواجب عليها الوقوف على قدر
المبلغ الذي ذكره الشاهد، وبغرض الوصول إلى الحقيقة ، فأنه كان على الشعبة إستفصال
الخصوم والتأكد من مستنداتهم والوقوف على تحديد بداية ونهاية فترة التعامل بين
الطاعنة والمطعون ضده في ضوء الإتفاقية المبرمة فيما بينهما)) ، وسيكون تعليقنا
على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: ماهية إستجواب الخصوم:
إستجواب
الخصوم طريقة من طرق الإثبات العامة المقررة في قانون الإثبات اليمني في المادة
(13) التي نصت على أن (طرق الإثبات هي: -1- شهادة الشهود -2- الإقرار -3- الكتابة
-4- اليمين وردها والنكول عنها -5- القرائن الشرعية والقضائية -6- المعاينة
(النظر) -7- تقارير الخبرة -8- إستجواب الخصوم). الا ان الاستجواب ليس طريقة اثبات
مستقلة وانما هو وسيلة للحصول على اقرار من الخصوم بشان المسائل الناقصة أو
المجملة أو الغامضة أو إستيفاء الادلة الناقصة.
فالاستجواب لغة الاستنطاق، اما في الاصطلاح فيعرف
الاستجواب بانه سؤال المدعي عليه عن بعض المسائل المتعلقة بالدعوى ومن ثم جوابه
عنها بالسلب او الايجاب، وهو يعتبر طريقا من طرق تحقيق الدعوى، يلجأ بواسطته الخصم
او المحكمة الى سؤال الخصم الاخر في الدعوى، عن وقائع معينة بغرض الحصول على
اقراره منه.
فالاستجواب
طريق من طرق تحقيق الدعوى القصد منه الحصول على إقرار أو اعتراف الخصم أمام
القضاء بواقعة قانونية مدعى بها عليه، وذلك أثناء السير فى الدعوى المتعلقة بهذه
الدعوى، فالاستجواب وثيق الصلة بالإقرار، اذ غالبا ما يؤدي الاستجواب بعد مناقشة
الخصم في مجلس القضاء الى اقراره بالواقعة المستجوب بشأنها واعترافه بالحق كليا او
جزئيا.(قواعد الترجيح بين أدلة الإثبات المتعارضة في الدعوى المدنية،د. حسبن رجب الزيدي ، ص 61)
الوجه الثاني : كيفية إستجواب الخصوم
:
يتم الاستجواب بناء على طلب من الخصم، كما يصح
للمحكمة ان تستجوب من تلقاء نفسها من يكون حاضرا من الخصوم كما يحق للمحكمة إستدعاء
الخصوم لاستجوابهم إذا لم يكونوا حاضرين ، اذ تقوم المحكمة بإستدعاء الخصوم أو
الخصم إلى جلسة المحاكمة وتقوم المحكمة بتوجيه
الأسئلة إلى الخصم بشأن المسائل التي ترى المحكمة ضرورة الإحاطة بها ومعرفة
حقيقتها، ولهذا الغرض تقوم المحكمة بتوجيه الأسئلة إلى الخصم بحسب ما تراه المحكمة
لازماً للإحاطة بالمسائل التي ترى المحكمة أنها غامضة أو مجملة أو ناقصة تحتاج إلى
توضيح، وضمن الإستجواب يحق للخصم الآخر أن يوجه الأسئلة إلى خصمه عن طريق المحكمة شريطة
ان تكون هذه الأسئلة متعلقة بالجوانب الغامضة أو المتناقضة أو الناقصة أو المجملة
التي جعلت المحكمة تقرر إستدعاء الخصم للاستجواب.
ويشترط في الواقعة المراد الاستجواب عنها ان تكون
متعلقة بالدعوى ذاتها ومنتجة فيها وجائز قبولها.
وفي كل
الأحوال يتم تدوين الأسئلة الموجهة إلى الخصوم وإجاباتهم عليها وذلك في محضر جلسة
المحكمة المخصصة لإستجواب الخصوم، ثم تقوم المحكمة بتلاوة الأسئلة وإجاباتها على
الخصم وبعدها يقوم الخصم بالتوقيع على المحضر، وفي هذا المعنى نصت المادة (176) من
قانون الاثبات اليمني على أنه (يجوز للمحكمة من تلقاء نفسها أو بناءً على طلب
الخصم إستجواب خصمه للإحاطة بجوانب المسائل المتنازع عليها ويكون توجيه الأسئلة
للخصم عن طريق المحكمة أو من تندبه لذلك من قضاتها أو قضاة المحاكم الأخرى، ويبدأ
بتوجيه الأسئلة التي ترى المحكمة أو القاضي المنتدب توجيهها ثم اسئلة الخصم،
وللخصم المستجوب الإجابة فإن امتنع أثبت إمتناعه في المحضر وسببه إن وجد، ولا يخل
ذلك بما تستنبطه المحكمة من قرائن تفيد في إثبات أو نفي الحق المتنازع عليه)، وفي
السياق ذاته نصت المادة (177) إثبات يمني على أن (يحرر محضر يثبت فيه الإستجواب
وتتلى على الخصم المستجوب إجاباته لإبداء ملاحظاته عليها ويوقع عليه مع رئيس
المحكمة أو القاضي المنتدب والكاتب).
الوجه الثالث: الأصل أن قيام المحكمة
بإستجواب الخصوم جوازي:
صرحت المادة (176) من قانون الإثبات اليمني بأن
إستجواب الخصوم أمر جوازي للمحكمة ، فيجوز لها أن تستجوب الخصم من تلقاء ذاتها،
كما يحق لها أن تستجيب لطلب الخصم باستجواب خصمه الحاضر او إستدعاء خصمه لإستجوابه،
كما يحق لها أن لا تستجيب لذلك، فإستجواب الخصوم في الحالتين يخضع لتقدير محكمة
الموضوع في ضوء الأدلة المقدمة أمامها ومدى وضوح وقائع النزاع أمام المحكمة من
خلال أقوال الخصوم ومذكراتهم وأدلتهم المقدمة إلى المحكمة وما إذا كان هناك إجمال
أو نقص أو تناقض أو قصور في وقائع النزاع وادلته ، فإذا كانت الأدلة المقدمة أو
وسائل الإثبات المقدمة من الخصوم واضحة وكافية ، وكذا إذا كانت وقائع النزاع واضحة
وقد استطاعت محكمة الموضوع الإحاطة التامة بجوانب النزاع وتفاصيله، ففي هذه الحالة
لا تلجأ المحكمة إلى إستجواب الخصوم، لأن الاستجواب وسيلة إثبات، وقد استطاعت المحكمة الاحاطة بوقائع النزاع وادلته تفصيلا عن طريق وسائل الإثبات
الأخرى التي أوضحت حقيقة النزاع وتفاصيله المختلفة ، كما ان المحكمة في هذه الحالة
لا تستجيب لطلبات الخصم إستجواب خصمه اذا كانت المحكمة قد احاطت تفصيلا بوقائع
النزاع والادلة عن طريق وسائل الاثبات الأخرى ، لأن طلب الخصم
استجواب خصمه يكون في هذه الحالة نوع من اللدد والعناد بقصد إرهاق خصمه،لانه يشترط فى الوقائع المراد توجيه
الاستجواب بشأنها مايشترط فى الوقائع المراد إثباتها، اى يجب أن تكون متعلقة
بالدعوى ومنتجة فيها وجائزة الإثبات، فإذا لم تتوافر هذا الشروط قضت برفض طلب
الاستجواب. فإقرار الخصم بجوهر الواقعة المراد إثباتها بالاستجواب يجعل طلب
الاستجواب غير منتج.
على أنه إذا كان للمحكمة سلطة رفض طلب استجواب
الخصم باعتبار أنه من الرخص المخولة لها، إلا أن ذلك مشروط بأن يكون
رفضها لهذا الطلب قائم على اعتبارات سائغة لها أصلها الثابت بالأوراق، ذلك أن
استجواب الخصوم طريق من طرق تحقيق الدعوى شرع لاستجلاء بعض عناصرها ووقائع
المنازعة المرددة فيها توصلا إلى معرفة وجه الحق فيها.
ويلاحظ أن للمحكمة بعد أن تقضى بالاستجواب الحق
فى العدول عنه وفق الضوابط المنصوص عليها فى المادة 9 إثبات.(استجواب الخصوم أمام
القضاء المدني ، محمد العيسوي، ص2)
اما إذا كانت بعض مسائل النزاع غير واضحة وكانت
الأدلة غير كافية أو غير واضحة او متناقضة إاو مجملة فانه يجب على المحكمة إستجواب
الخصم أو الخصوم جميعاً للوقوف على الجوانب الغامضة في وقائع النزاع وأدلته وكذلك
لمعرفة التفاصيل للعموم والإجمال الوارد في بعض الأدلة المقدمة إلى المحكمة أو
لإزالة أوجه التناقض بين بعض الادلة أو الوقائع.
فوجوب إستجواب الخصوم في هذه الأحوال لا يستفاد
من نص المادة (176) إثبات السابق ذكرها
التي افادت الجواز وإنما يستفاد من النصوص
والمبادئ والقواعد القانونية والقضائية التي توجب على محكمة الموضوع الإحاطة
التامة بكافة تفاصيل وقائع النزاع وأدلة الخصوم ،حتى تتمكن المحكمة من المناقشة
التفصيلية في أسباب حكمها لوقائع النزاع وأدلة الخصوم تطبيقاً لما ورد في المادة
(231) مرافعات وإلا كان حكمها باطلاً.
الوجه الرابع: اجراءات الاستجواب:
يتم
الاستجواب بناء على طلب الخصم، كما أن للمحكمة من تلقاء ذاتها أن تستجوب من يكون
حاضرا من الخصوم أو تطلب حضوره لاستجوابه.
فإذا لم ينازع الخصم المطلوب استجوابه فيما يوجه
إليه من أسئلة أو نازع فيها وقضت المحكمة بقبول الاستجواب، يوجه رئيس المحكمة
الاسئلة التى يراها إلى الخصم، ويوجه اليه أيضا ما يطلب الخصم الآخر توجيهه منها،
ويكلفه بالإجابة عليها فى نفس الجلسة، على أن له أن يطلب مهلة للاجابة، ويكون
للمحكمة أن تجيبه، ولايجوز الاستعانة بمذكرات أو بمحام عند الإجابة على الأسئلة.
ويجب تدوين الأسئلة والأجوبة بالتفصيل بمحضر
الجلسة، وبعد تلاوتها يوقع عليها الرئيس والكاتب والمستجوب، وإذا امتنع المستجاب
عن الإجابة أو التوقيع ذكر فى المحضر سبب امتناعه.
الوجه الخامس:جزاء تخلف الخصم أو امتناعه عن الاستجواب:
إذا أمرت
المحكمة حضور الخصم المراد استجوابه فعليه أن يحضر بنفسه الجلسة التى حددها
القرار، فإذا تخلف عن الحضور -لعذر قهرى كالمرض- جاز للمحكمة أن تندب أحد قضاتها
لاستجوابه. فإذا كان الخصم يقيم خارج دائرة المحكمة ولا يستطيع الحضور، جاز ندب
قاضى المحكمة التى يقيم فى دائرتها من
يراد استجوابه لاجراء الاستجواب.
وإذا تخلف الخصم عن الحضور للاستجواب دون عذر
مقبول، أو حضر لكنه امتنع عن الإجابة على ما يوجه إليه من أسئلة دون مبرر قانونى
لهذا الامتناع، جاز للمحكمة أن تقبل الإثبات بشهادة الشهود أو القرائن فى الأحوال
التى ما كان يجوز فيها ذلك، بالنسبة للوقائع التى كان يجب إثباتها بالكتابة.
الوجه السادس: أهلية الخصم المراد
استجوابه:
الاستجواب وسيلة للحصول على اقرار من الخصم.
والاقرار لا تكون له حجيته في الاثبات باعتباره تصرفا قانونيا الا اذا كان صادرا
ممن له اهلية التصرف في هذا الحق قانونا، ولذلك يشترط في الخصم المطلوب استجوابه
أن يكون اهلا للتصرف فى الحق المتنازع عليه فإذا لم يكن له أهلية فلاجدوى من
استجوابه. وترتيبا على ذلك إذا كان الخصم المراد استجوابه عديم الأهلية أو ناقصها
جاز استجواب من ينوب عنه الولى،الوصى،القيم متى كان مخولا التصرف فى الحق المتنازع
فيه.
واذا كان ناقص الأهلية مأذون له بالإرادة جاز
استجوابه فى المسائل المأذون بإرادتها.
واذا كان الخصم شخصا معنويا كشركة أو مؤسسة أو
جمعية أو نقابة جاز استجواب الممثل القانونى لها.
والاستجواب طريق من طرق تحقيق الدعاوى عن طريق
توجيه الاسئلة الى الخصوم عن بعض الوقائع، كي يصل الخصم طالب الاستجواب من وراء توجيه الاسئلة إلى
خصمه الإجابة عليها او الاقرار بها من قبل خصمه الى اثبات مزاعمه او دفاعه ،كذلك تتمكن المحكمة من خلال الاستجواب إلى تلمس الحقيقة والاحاطة
بتفاصيل القضية ، فالاستجواب لا يوجه الا للخصوم في الدعوى، اما ما عداهم فلا تسمع
اقوالهم الا في صورة الشهادة او الخبرة، ولا يجوز للخصم المقرر استجوابه ان ينيب
عنه في الإجابة على الاستجواب شخصا آخر، وللمحكمة، من تلقاء ذاتها او بناء على طلب
الخصوم ان تستجوب من ترى موجبا لاستجوابه من أطراف الدعوى ، ولمحكمة الموضوع حق
رفض طلب استجواب الخصوم على ان تبين سبب الرفض،خاصة اذا وجدت في عناصر الدعوى ما
يكفي لتكوين عقيدتها .
الوجه السابع: الاستجواب من أهم
مظاهر الدور الايجابي للقاضي :
مبدا حياد القاضي يستلزم ان يكون القاضي سلبيا في مواجهة الخصوم ، بيد ان هناك بعض الاستثناءات ترد على مبدا سلبية القاضي منها مراقبة الخصوم لضمان حسن النية في اجراءات التقاضي وسلطة القاضي في إستجواب الخصوم ،فيعد استجواب الخصم من المظاهر البارزة لدور المحكمة الايجابي في الاثبات، حيث يمكن الاستجواب المحكمة من الزام الخصوم بالحضور امام المحكمة ومناقشتهم وبذلك تتزود المحكمة بمعلومات جديدة او تتمكن من استخلاص قرائن للأثبات، وقد يؤدي الى اقرار الخصم بالوقائع التي تناولها الاستجواب لمصلحة الخصم الآخر، فالاستجواب يعد تمهيداً او وسيلة فعالة للوصول الى اقرار الخصم بالحق المدعى به، وهذا متفق عليه فقها، فكثير من المتقاضين يقول الحقيقة ويقر بالحق عند مناقشة القاضي له ومجابهته بالحقائق في مجلس القضاء ، نظرا لما يوحي به مجلس القضاء من رهبة خاصة في نفوس المتقاضين، لذلك يطلق على الاقرار الذي يتم عن طريق الاستجواب، الاقرار المنتزع من بين اجابات الخصم الذي يتم استجوابه، ومع ذلك فان عنصر الاختيار بالنسبة الخصم لا يزال متوفرا في الاستجواب، حيث يستطيع الخصم المستجوب ان يقر او لا يقر بالواقعة المتنازع عليها. والاستجواب قد يكون مقيدا وهو يستهدف الوصول الى اقرار قضائي من الخصم، وقد يكون حرا، وهو يرمي الى الحصول على ايضاحات بشأن وقائع القضية المعروضة، مما ينير المحكمة ويساعدها على تحري حقيقة النزاع وكشفها، فيصبح الأمر المدعى به قريب الاحتمال، فاذا لم يبلغ الاستجواب درجة الاقرار اصبح مبدأ ثبوت بالكتابة وتستكمل دلالته بالشهادة والقرائن فيما يجب اثبات بالكتابة او يصلح كقرينة قضائية لاثبات المدعى به اذا كان مما يجوز اثباته بالشهادة والقرائن .(شرح قانون الاثبات، د. عصمت عبد المجيد بكر، ص165)، والله أعلم.