الصلح بعد الحكم مانع للطعن

الصلح بعد الحكم مانع للطعن

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

الصلح عقد  بحسم به الخصوم نزاعاتهم  حسبما ورد في تعريف الصلح في المادة (668) من القانون المدني، والحكم أيضا يحسم النزاع القائم  بين الخصوم ، ولذلك فان الصلح بعد صدور الحكم يكون تنفيذا اختياريا للحكم أو قبولا  بالحكم ، مما يمنع المحكوم عليه من الطعن بالحكم ،كما قد يكون  الصلح  بعد الحكم تعديلا للشئ المحكوم به كان يتنازل المحكوم له عن بعض  حقه المحكوم به ، لأن الصلح يتضمن في معناه الاسقاط ، وقد يكون محل الصلح ليس الشيء المحكوم به  وانما يكون محله موضوع النزاع الذي فصل فيه الحكم  فيتم التصالح على نحو مغاير لما ورد في منطوق  الحكم، فعنئذ يحل  عقد الصلح محل  الحكم الذي يعد في هذه الحالة تنازلا من المحكوم له عما قضى له  الحكم.

 ومن المقرر في المادة (273) مرافعات ان القبول أو التنفيذ للحكم يمنع  الطعن في الحكم ، فقد نصت هذه المادة على أنه (لا يجوز أن يطعن في الأحكام إلا المحكوم عليهم، ولا يجوز أن يطعن فيها ممن قبل الحكم صراحة في محضر الجلسة أو في جلسة لاحقة أو ممن قام بتنفيذ الحكم من تلقاء نفسه خلال مدة الطعن ولا ممن حكم له بكل طلباته)، وعلى هذا الأساس فإن الصلح فيما بين المحكوم له والمحكوم عليه إذا تم أمام المحكمة التي اصدرت الحكم او أمام  قاضي التنفيذ فان ذلك  قبول ورضاء بالحكم من قبل المحكوم عليه، وذلك القبول يمنعه من الطعن بالحكم ، لأن القاعدة أنه لا يجوز الطعن في الحكم مما قبله صراحةً وضمناً ، هذا إذا كان الصلح على المسائل التي فصل فيها الحكم  أو تم الصلح على إسقاط بعض الحقوق المحكوم فيها في الحكم ، غير أن الصلح إذا تضمن بنوداً أو مسائل لم يفصل فيها الحكم أو تم التصالح في النزاع على نحو مغاير لما ورد  في منطوق الحكم فإن الصلح في هذه الحالة يكون عقداً قابلاً للإبطال مثل غيره من العقود ، فيجوز لأحد طرفيه أن يرفع دعوى إبطال عقد الصلح وفقاً للقواعد المقررة في دعوى إبطال العقود، وقد أشار إلى هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 25-10-2011م في الطعن رقم (46183)، وقد ورد ضمن أسباب ذلك الحكم: ((وحيث أن المطعون ضده قد دفع بعدم قبول الطعن لوقوع التصالح بينه وبين الطاعنين أمام قاضي التنفيذ رئيس المحكمة التجارية بعد تقديم الطعن والرد عليه، ومؤدى رد الطاعنين على الدفع المشار إليه وقوع الصلح بين الطرفين، ومن ثم فإن الطعن غير مقبول))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: ماهية الصلح والفرق بينه وبين الحكم:

الصلح: عقد يحسم نزاعاً قائماً بين الخصوم أو يتوقى به المتعاقدون نزاعاً محتملاً، فالصلح عقد له أركان وشروط مثل غيره من العقود، وفي هذا المعنى نصت المادة (668) من القانون المدني اليمني على أن (الصلح عقد يرفع النزاع ويقطع الخصومة، يحسم به الطرفان نزاعاً قائماً أو يتوقيان به نزاعاً محتملاً، وذلك بأن يتنازل كل منهما عن جزء من إدعائه).

ومع أن الصلح يشابه الحكم من ناحيه حسمه للنزاع إلا أن الصلح يختلف عن الحكم من نواحي عدة من أهمها: أن الحكم يقوم على الفرض والإلزام والحكم بالحق كله من غير إسقاط وان الحكم يجوز الطعن فيه، في حين أن الصلح يقوم على التراضي والإسقاط أو التنازل وأنه لا يجوز الطعن فيه، وإنما يجوز رفع دعوى إبطاله وفقاً للقواعد العامة بشأن دعاوى إبطال العقد كما لو تخلف شرط من شروط العقد، ومن المعلوم أن دعوى إبطال العقد يتم رفعها أمام المحكمة الابتدائية في حين يتم رفع الطعن في الحكم أمام محكمة الطعن الأعلى من المحكمة التي اصدرت الحكم.

الوجه الثاني: تكييف الصلح بعد صدور الحكم:

من المؤكد أن الحكم يصدر بعد دعوى وإجابة ومرافعات للخصوم يقدموا خلالها أدلتهم وطلباتهم وأوجه دفاعهم بشان موضوع النزاع المنظور أمام المحكمة، فعند صدور الحكم تتحدد المسائل التي فصل فيها الحكم بحسب ما يرد في منطوق الحكم، وعندئذٍ تكون للحكم حجيته النسبية بين أطرافه، فبعد صدور الحكم قد يقع الصلح بين المحكوم عليه والمحكوم له على أساس تنفيذ منطوق الحكم كما ورد في الحكم من غير تعديل أو إسقاط وعندئذٍ يكون هذا الصلح بمثابة تنفيذ إختياري من قبل المحكوم عليه ، وفي هذه الحالة لا يجوز للمحكوم عليه أن يطعن في الحكم لأنه قد قام بتنفيذ الحكم ، وفقاً للمادة (273) مرافعات التي نصت على أنه (لا يجوز أن يطعن في الأحكام إلا المحكوم عليهم، ولا يجوز أن يطعن فيها ممن قبل الحكم صراحة في محضر الجلسة أو في جلسة لاحقة أو ممن قام بتنفيذ الحكم من تلقاء نفسه خلال مدة الطعن ولا ممن حكم له بكل طلباته)، فهذا النص يقرر أن القبول بالحكم يكون في محضر جلسة النطق بالحكم أو في جلسة لاحقة أمام محكمة الطعن، وعلى ذلك فإن الصلح الذي يتم أمام المحكمة يكون قبولاً بالحكم ولذلك فقد لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا قد أشار إلى أن الصلح كان قد تم أمام قاضي التنفيذ، وعلى هذا الأساس فقد اعتبر الحكم محل تعليقنا الصلح في هذه الحالة قبولاً بالحكم مع أن الصلح لم يتم تنفيذه بعد.

وقد يكون الصلح على أقل مما ورد في منطوق الحكم الذي تم التصالح بشأنه، وهذا الصلح جائز فقد سبق أن ذكرنا أن الصلح يتضمن أصلاً معنى التنازل، ويكون هذا الصلح تنفيذاً إختيارياً للحكم سند التنفيذ إذا تم الصلح أمام المحكمة وفقاً للمادة (273) مرافعات.

اما إذا تضمن الصلح مسائل أخرى غير تلك التي فصل فيها الحكم المتصالح عليه أو تضمن الصلح بنوداً إضافية غير تلك الواردة في منطوق الحكم، فإن عقد الصلح في هذه الحالة يكون تنفيذاً لما ورد في منطوق الحكم، وتكون البنود الإضافية أو المسائل الأخرى التي تضمنها  عقد الصلح تكون سنداً تنفيذاً آخر إذا تم إثباتها أمام المحكمة على النحو المقرر في المادة (173) مرافعات السابق ذكرها ووفقاً للمادة (328) مرافعات التي نصت على أن إتفاقيات الصلح تكون سندات تنفيذية إذا تمت المصادقة عليها من قبل المحاكم، وكذلك الحال  إذا تضمن عقد الصلح الفصل في النزاع على نحو مغاير لما ورد في منطوق الحكم أي تضمن الصلح تغييرا لمراكز الخصوم  .

ونخلص من هذا الوجه إلى القول: بأن الصلح إذا تم أمام المحكمة التي أصدرت الحكم أو أمام قاضي التنفيذ فإن ذلك يكون تنفيذا للحكم أو قبولاً به على النحو الوارد في عقد الصلح، وان هذا التنفيذ أو القبول يمنع المصالح المحكوم عليه من الطعن في الحكم حسبما قضى الحكم محل تعليقنا.

الوجه الثالث: الصلح عند التنفيذ الإجباري:

في حالات كثيرة يتم الصلح بين المحكوم عليه (المنفذ ضده) والمحكوم له (طالب التنفيذ) يتم الصلح بينهما على تنفيذ الحكم أثناء مباشرة المحكمة لإجراءات التنفيذ مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، والصلح أثناء التنفيذ الجبري للحكم ، يكون الصلح في هذه الحالة عدولاً عن التنفيذ الإجباري إلى التنفيذ الإختياري، والله أعلم.

الصلح بعد الحكم مانع للطعن
الصلح بعد الحكم مانع للطعن