توقيع البائع والمشتري على البصيرة
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
البصيرة
مصطلح يطلق في اليمن على وثيقة عقد البيع العقاري الذي يكون محله العقار، ويقوم
الأمين الشرعي المختص بتحرير البصيرة في وقت لاحق بعد إنعقاد عقد البيع بالإيجاب
والقبول في مجلس العقد، ويعتمد الأمين عند تحريره للبصيرة على البيانات المدونة في
دفتر قيد التصرفات الذي يتم فيه تدوين بيانات العقد عند إنعقاده، وقد اشترط قانون التوثيق في المادة (18) ولائحته التنفيذية
في المادة (60) اشترطا أن يتم توقيع أطراف
المحرر في ذيل المحرر، وهذا يعني وجوب توقيع البائع والمشتري في ذيل البصيرة ، حسبما
قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ
12-3-2012م في الطعن رقم (48079)، وقد تضمن الحكم المشار إليه في أسبابه: ((وفي
السبب الثاني نعى الطاعن على الحكم المطعون فيه قول الحكم في أسبابه أن عقد البيع
الذي قدمه الطاعن تأييداً لدعوى الإستحقاق للمحل التجاري محل التنفيذ لا يرقى إلى
مستوى الدليل لإثبات ملكية المحل، لان المحكمة لم تصادق إلا على ختم وتوقيع الأمين
ولم يمتد هذا التصديق إلى إرادة المتعاقدين، وقال الطاعن أن الحكم الاستئنافي قد
وقع في مخالفة جسيمة للشرع والقانون ذلك أن المادتين (2 و10) توثيق تنصان على أن
دور المحكمة يقتصر فقط على التصديق على ما تحرر بخط الأمين، ولا يشترط لصحة رسمية المحرر الذي بخط الأمين أن
يحضر الأطراف مع الأمين إلى المحكمة من أجل المصادقة على عمل الأمين ، كذلك اعطى
القانون الأمين الحق في أن يجري العقود بخط يده دون حاجة إلى توقيع الأطراف على ما
تحرر منه...إلخ آخر ما ورد في عريضة الطعن.
والدائرة تجد: أن هذا النعي مردود عليه بأن المادة (18) توثيق قد أوجبت التوقيع في ذيل المحرر من قبل الأمين وذوي العلاقة، ولما كان من البين من المحرر الذي قدمه الطاعن حينما أدعى بدعوى الإستحقاق الفرعية أن المحرر ليس له تاريخ ثابت إلا بحسب تعميد المحكمة ، وهو تاريخ في فترة الريبة ويصادف إجراءات التنفيذ مما يولد الشبهة في التصرف، كما أن محل التصرف عقار فلو كان التصرف صحيحاً لتم تسجيله في السجل العقاري))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الاول: التكييف الشرعي والقانوني للبصيرة:
البصيرة أو الحجة مصطلح يطلق في اليمن على
الوثيقة المتضمنة بيع العقار، فالبصيرة
عبارة عن: وثيقة مكتوبة تتضمن بيانات البيع والشراء للعقار، إذ تتضمن البصيرة
البيانات الشخصية للبائع والمشتري وصفتهما
وكذا البيانات الخاصة بالعقار المبيع وبيانات الثمن وبيانات شهود عقد البيع وتاريخ
العقد ومكانه وكاتبه وهو ما يسمى في اليمن الأمين الشرعي، ودائماً يتم تحرير
البصيرة في تاريخ لاحق لانعقاد البيع عن طريق صدور الإيجاب والقبول ودفع ثمن المبيع .
إذ يقوم الامين
الشرعي عند إبرام عقد البيع بتدوين بيانات عقد البيع في ما يسمى في اليمن بالدفاتر المخصصة لذلك المعدة نماذجها من قبل قطاع
التوثيق بوزارة العدل ، ويتم التوقيع في هذا الدفتر من قبل البائع والمشتري
والشهود ووضع بصماتهم في الدفتر المشار إليه، وفي وقت لاحق يقوم الأمين الشرعي
بتحرير البصيرة معتمداً في ذلك على البيانات الواردة في الدفتر أو السجل المشار
إليه.
وعلى هذا الأساس فان البصيرة بهذا المفهوم هي وثيقة تثبت شراء المشتري للعقار وانها منقولة من
الدفتر الذي يثبت وقوع عقد البيع أي انها تقوم مقام وثيقة عقد البيع العقاري، اذ
تكون البصيرة بحوزة المشتري تثبت ملكيته
للعقار الذي اشتراه، ولذلك يجب ان يتم التوقيع على البصيرة من قبل البائع والمشتري
والامين الشرعي والشهود .
الوجه الثاني: عقد البيع العقاري بين البصيرة والسجل الذي تنقل منه البصيرة:
أركان البيع ثلاثة هي: الصيغة (الإيجاب والقبول)
والمتعاقدان (البائع والمشتري) ومحل العقد: (العقار المبيع والثمن) الذي يدفعه
المشتري.وهناك شروط في كل ركن من اركان
البيع السابق ذكرها ،(فقه المعاملات المالية وتطبيقاتها المعاصرة ، أ.د.
عبد المؤمن شجاع الدين، ص 81).
فينعقد
عقد بيع العقار عن طريق الإيجاب والقبول
ودفع المشتري للثمن في مجلس العقد بحضور الأمين الشرعي (كاتب العقد) وبحضور شهود
العقد، وعلى هذا الأساس فإن عقد البال العقاري يتم قبل تحرير البصيرة، ولذلك يتم إثبات تمام
البيع في الدفتر النوعي المخصص لذلك، ومن
خلال ما تقدم يظهر أن عقد البيع ينعقد قبل تحرير البصيرة.
ووفقا
للمادة (18)من قانون التوثيق فانه يجب على
الامين الشرعي التحقق من صفات وبيانات البائع والمشتري ، وذلك يقتضي ان يتحقق الامين
من شخصيتهما ومن صفاتهما في البيع سيما ملكية وحيازة البائع للعقار وتوفر اصول وثائق ملكية البائع وحيازة البائع للمبيع، وكذا
يجب على الامين الشرعي ان يقوم بتوثيق البصيرة لدى قلم التوثيق المختص أو
متابعة البائع والمشتري لتوثيق البصيرة ،
ولايجوز للامين ان يحرر عقد البيع العقاري الا إذا كانت وثيقة ملكية البائع مسجلة
في السجل العقاري، وذلك في المناطق التي يوجد بها سجل عقاري .
وبحسب ماورد
في المادة (31) من قانون التوثيق فان البصيرة التي يحررها الامين دون ان يتم
توثيقها لدى قلم التوثيق المختص تكون
عرفية وليست رسمية ،اما إذا تم
توثيقها لدى قلم التوثيق المختص فتكون حجيتها
حجية المحررات الرسمية ، ومع ذلك تكون حجيتها قاصرة على البائع والمشتري، فلاتكون
للبصيرة الحجية القانونية المطلقة في مواجهة الكافة الا بعد تسجيلها في السجل
العقاري.
الوجه الثالث: الغرض من البصيرة والغرض من الدفتر المخصص لإثبات البيع:
البصيرة وثيقة خاصة بالمشتري تكون بحوزته يستدل
بها على ملكيته للعقار المبيع، وبموجبها يستطيع المشتري التصرف في العقار ، ومع أن
الأمين الشرعي يتولى تحرير البصيرة إلا أنه وفقاً لقانون التوثيق لا تكون محرراً
رسمياً إلا بعد توثيقها لدى قلم التوثيق المختص.
وعلى هذا الأساس فلا يستطيع المشتري التصرف في
العقار الذي اشتراه بموجب البصيرة إلا بعد إبراز أصل البصيرة للإستدلال بها على
ملكيته، وعند التصرف في العقار لا يتم البيع إلا بموجب أصل البصيرة أو أي أصل
وثيقة ملكية أخرى كالهبة والنذر ،ويقوم البائع بتسليم أصل البصيرة أو مافي حكمها إلى
المشتري عند البيع ،وكذا يتم تسليم الوثائق السابقة على البصيرة التي تم تحرير
البصيرة بموجبها.
اما الدفتر أو السجل الذي يتم استعماله ساعة إنعقاد البيع والشراء فيتضمن بيانات البائع والمشتري والمبيع والثمن والشهود والأمين الشرعي كاتب العقد وتوقيعات الجميع ، فإن لهذا الدفتر أغراض عدة منها: توثيق العقود والتصرفات وحفظها في سجلات منتظمة ومرتبة لتمكين قطاع التوثيق والإدارة العامة للتوثيق بوزارة العدل من بسط الرقابة على العقود والتصرفات وإستدراك أوجه القصور وتصويب أعمال الأمناء الشرعيين وتجويدها وتطويرها، وكذا توفير مرجع شرعي وقانوني عند فقدان البصيرة أو الوثائق التي يحررها الأمين الشرعي أو عند تزويرها، بإعتبار ما ورد في الدفتر هو المعتمد ، لأنه الذي جرى التعاقد عليه في وقت العقد.
الوجه الرابع: البصيرة التي يقوم الأمين الشرعي بالتوقيع عليها وحده:
في حالات كثيرة يقوم الأمين الشرعي بتحرير
البصيرة من واقع البيانات المدونة في السجل أو الدفتر السابق ذكره، ويقوم الأمين
الشرعي بالتوقيع وحده على وثيقة البصيرة أو وثيقة عقد البيع دون أن يتم التوقيع
عليها من قبل البائع والمشتري والشهود،
وفي هذه الحالة تكون البصيرة عبارة عن شهادة صادرة من الأمين الشرعي بأن البيع
والشراء قد انعقد بحضوره، فالبصيرة في هذه الحالة إخبار بالبيع والشراء، لأن
البيانات الواردة في البصيرة منسوبة للأمين الشرعي وحده فقط.
الوجه الخامس: البصيرة التي ينفرد الأمين الشرعي بالتوقيع عليها وتقوم المحكمة بتعميدها أو المصادقة عليها:
كان النقاش الذي أشار إليه الحكم محل تعليقنا كان
بشأن البصيرة التي قام الأمين الشرعي بتحريرها والتوقيع عليها منفرداً دون ان يتم
التوقيع عليها من قبل البائع والمشتري
والشهود، وبعد ذلك قام رئيس المحكمة بتعميد تلك البصيرة، وقد قضى الحكم بأن تعميد
البصيرة من قبل المحكمة لا يكسبها الحجية الرسمية ، لأن التعميد عبارة عن تعريف
بأن الخط المثبت في البصيرة هو خط الأمين الشرعي والتوقيع توقيعه والختم ختمه،
فالتعميد لا يعني المصادقة على صحة التصرف الوارد في البصيرة.
فتعميد البصيرة يختلف عن التوثيق المقرر في قانون
التوثيق الذي يكسب البصيرة صفة الحجية الرسمية، لأن التوثيق يعني حضور البائع
والمشتري أمام الموثق المختص وإقرارهما بصدور التصرف منهما بعد أن يتحقق الموثق من
بياناتها الشخصية وصفاتهما وتحقق أركان وشروط التصرف بحسب ماهو مقرر في قانون
التوثيق ولائحته التنفيذية.
ولذلك فإن الحكم محل تعليقنا لم يأخذ بالبصيرة
التي قام الأمين الشرعي وحده بالتوقيع عليها وقامت المحكمة بتعميدها.
الوجه السادس: اشتراط توقيع البائع والمشتري في ذيل المحرر أو البصيرة وفقاً للمادة (18) من قانون التوثيق:
أستند الحكم محل تعليقنا في قضائه بوجوب توقيع
البائع والمشتري على البصيرة أستند إلى المادة (18) من قانون التوثيق، فقد نصت
الفقرة (ج) من هذه المادة على أنه (يجب على الأمين عند قيامه بمهامه الإلتزام بما
يلي: -ج- قراءة المحرر الذي حرره على ذوي العلاقة والشهود مع ذكر ذلك فيه ثم
التوقيع معهم في ذيل المحرر) وقد ورد مثل هذا النص في الفقرة (5) من المادة (60)
من اللائحة التنفيذية لقانون التوثيق.
وهذا النص صريح في إشتراط توقيع البائع والمشتري والشهود في ذيل البصيرة أو غيرها من التصرفات التي يحررها الأمين الشرعي، غير أن بعض المهتمين يذهب أن المقصود بالمحرر في المادة (18) توثيق أو (60) من اللائحة هو المحرر المثبت في دفتر قيد التصرفات وليس البصيرة التي يتم تسليمها إلى المشتري، غير أن القانون قد اشترط توقيع ذوي العلاقة على المحرر بصفة عامة سواءً للمحرر المثبت في وثيقة البصيرة المسلمة للمشتري أو المحرر المثبت في دفتر قيد المحررات، فالنص عام لم يفرق بينهما ، إضافة إلى أن المحرر لا يتم إطلاقه حقيقة إلا على المحرر الذي يتم تسليمه إلى المشتري وهو (البصيرة)، والله اعلم.
![]() |
توقيع البائع والمشتري على البصيرة |