صلاحيات المحكمة العليا عند فصلها في إلتماس إعادة النظر
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
يصرح قانون المرافعات اليمني بأنه يتم رفع إلتماس
إعادة النظر أمام المحكمة العليا إذا كان الحكم
الملتمس فيه قد صدر منها، بيد ان المحكمة
العليا لاتفصل عند رفع الالتماس إليها الا
في أسباب قبول الالتماس شكلا إذا لم تكن
المحكمة العليا قد خاضت في موضوع الحكم
الملتمس فيه، اما إذا كانت المحكمة العليا قد خاضت في موضوع الحكم الملتمس فيه فانها تفصل في الالتماس شكلا
وموضوعا، حسبما هو مقرر في المادة (305)
مرافعات، وحسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها
المنعقدة بتاريخ 23-6-2012م، وقد ورد ضمن أسباب ذلك الحكم: ((ولأن الحكم الملتمس
فيه كان بشأن قرار وقف التنفيذ الصادر من الشعبة الاستئنافية، ولذلك فإن الدائرة:
لم يسبق لها ان خاضت في موضوع النزاع، مع أنه من متطلبات تطبيق
المادة (305) مرافعات أنه إذا كانت المحكمة العليا قد خاضت في موضوع الحكم محل
الإلتماس فعليها الفصل في الإلتماس شكلاً وموضوعاً، لذلك فإن الدائرة: تقرر عدم
قبول الإلتماس شكلاً لعدم توفر متطلبات أحكام الإلتماس فيه من حيث الشكل))،
وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: حالات فصل المحكمة العليا في الإلتماس المرفوع إليها:
نصت
الفقرة (3) من المادة (305) مرافعات على أنه (3- إذا صار الحكم باتاً لصدوره من
المحكمة العليا فيقدم الإلتماس إليها للفصل فيه من حيث الشكل، فإذا رأت قبوله
احالته إلى المحكمة التي اصدرت الحكم، اما إذا كانت المحكمة العليا قد خاضت في
موضوع الحكم محل الإلتماس فعليها الفصل في الإلتماس شكلاً وموضوعاً).
ومن خلال إستقراء هذا النص يظهر أنه قد نظم
الإلتماس في الأحكام الصادرة عن المحكمة العليا، وأن هذا النص قد حدد صلاحيات
المحكمة في الفصل في الإلتماس المقدم إليها ، وان هذه الصلاحيات تختلف بحسب نوع الحكم الملتمس فيه الصادر عن للمحكمة العليا، فإذا كان الحكم الملتمس فيه لم يخض في الموضوع وإنما أكتفى بإقرار الحكم الملتمس
فيه أو نقضه وإعادته إلى الشعبة فإن المحكمة العليا في هذه الحالة تفصل فيه من حيث
الشكل فقط أي ان المحكمة العليا تتحقق من صفة طالب الالتماس وما إذا كان قد تم تقديم الالتماس في الميعاد
المقرر (30يوما) وما إذا كانت حالات الالتماس المقررة في المادة (304) مرافعات قد
توفرت في طلب الالتماس ، فإذا قررت المحكمة العليا قبول طلب الإلتماس شكلا فانها
تقوم بإحالته إلى محكمة الموضوع التي فصلت في موضوع النزاع للفصل في الالتماس من
الناحية الموضوعية ، لأن حالات الالتماس المحددة في المادة (304) مرافعات تقتضي في
الغالب إجراء تحققي موضوعي من قبل محكمة الموضوع التي اصدرت اصلا الحكم الملتمس
فيه ، فحالات الالتماس كالغش والاقراربالتزوير...الخ تحتاج إلى تحقيق موضوعي من
محكمة الموضوع .
واذا قررت المحكمة العليا رفض الإلتماس شكلا فانها
تكتفي بذلك ولاتقوم باحالة الإلتماس إلى محكمة الموضوع .
اما
بالنسبة لالتماس إعادة النظر في الحكم الذي خاضت المحكمة العليا في موضوعه أي
موضوع النزاع الوارد في الحكم ، فان الحكم
الذي تخوض المحكمة العليا في موضوعه يتضمن الحكم في هذه الحالة قضاءً للمحكمة
العليا، ففي هذه الحالة فان المحكمة
العليا تفصل الالتماس شكلا وموضوعا، لانه قد سبق لها ان نظرت في الموضوع حينما
اصدرت حكمها الملتمس فيه سيما إذا كان طلب
الالتماس قد اتجه إلى الموضوع الذي سبق للمحكمة العليا ان خاضت فيه .
ومن المعلوم ان المحكمة العليا تفصل في
موضوع النزاع إذا كان الطعن بالنقض للمرة
الثانية، وكذا تقوم المحكمة العليا بالفصل
في موضوع النزاع اذا كانت القضية صالحة للفصل فيها من قبل المحكمة العليا وفقاً
للتعديل الأخير في (يناير 2021م) في المادة (300) مرافعات، كما تفصل المحكمة
العليا في موضوع النزاع في حالات العرض الوجوبي في الاحكام الصادرة بالاعدام أو
القصاص أو بحد يترتب عليه ذهاب النفس أو
عضو من الجسم حسبما هو مقرر في المادة (434) اجراءات جزائية.
ففي حالات خوض المحكمة العليا في موضوع النزاع في
الحكم الملتمس فيه فإن حكم المحكمة العليا يكون قد تضمن قضاءً في الموضوع وليس
مجرد قراراً بنقض الحكم او إقراره، ففي حالات خوض المحكمة العليا في موضوع الحكم
الملتمس فإن المحكمة العليا قد ترفض الإلتماس شكلاً لتخلف أحد الشروط الشكلية كما
أنها قد تفصل في الإلتماس شكلاً وموضوعاً بالقبول أو الرفض.
ونخلص من هذا الوجه إلى القول: أن الفقرة (3) من
المادة (305) مرافعات حددت صلاحيات المحكمة بشأن الإلتماس المرفوع إليها وهو أن
الإلتماس لا يتم تقديمه إلى المحكمة العليا إلا إذا كان الحكم الملتمس فيه قد صدر
من المحكمة العليا ، وأن المحكمة العليا تكتفي بالفصل في الجانب الشكلي من
الإلتماس إذا لم يتضمن حكمها الملتمس فيه خوضاً
في الموضوع، اما إذا خاضت في الموضوع في حكمها الملتمس فيه فأنها تفصل في طلب
الإلتماس شكلاً وموضوعاً ، حسبما ورد في المادة (305) مرافعات السابق ذكرها،
وحسبما قضى الحكم محل تعليقنا.
الوجه الثاني: معنى خوض المحكمة العليا في الموضوع في الحكم الملتمس فيه:
خوض المحكمة في الحكم الملتمس فيه يعني: قيام
المحكمة العليا بموجب الصلاحيات القانونية المقررة لها في قانوني المرافعات
والإجراءات الجزائية قيامها بالفصل في
موضوع النزاع عند نظرها في الطعن بالنقض السابق
رفعه إليها، وتبعاً لذلك لا يعني الخوض في
الموضوع خوض المحكمة العليا في الأسباب
الموضوعية للطعن بالنقض، حسبما يتوهم بعض المتابعين، فالخوض في الموضوع يعني خوض
المحكمة العليا في أصل النزاع وموضوعه الناشب بين الطاعن والمطعون فيه وفصلها فيه
في حكمها الملتمس فيه .
الوجه الثالث: الحكمة من التفرقة بين الحكم الذي تخوض المحكمة العليا في موضوعه وغيره فيما يتعلق بالإلتماس أمام المحكمة العليا:
سبق القول أن الفقرة (3) من المادة (305) مرافعات
قد فرقت فيما يتعلق بحدود فصل المحكمة العليا في الحكم الملتمس فيه بين الحكم الذي
تخوض في موضوعه المحكمة العليا والحكم الذي لا تخوض في موضوعه.
وترجع هذه التفرقة إلى أن الحكم الذي خاضت المحكمة العليا في موضوعه اوفصلت في موضوعه قد تضمن قضاءً من المحكمة العليا، فالمحكمة العليا في هذه الحالة تكون قد قضت في موضوع النزاع، ومن المعلوم في قانون المرافعات وشروحه أن معنى إلتماس إعادة النظر هو طلب الملتمس من المحكمة التي أصدرت الحكم أي فصلت في موضوع النزاع أن تعيد النظر في قضائها ، بخلاف الحال في الحكم الذي لا تخوض المحكمة العليا في موضوعه الذي يطلق عليه مسمى قرار وليس حكما ، لأنه لم يتضمن قضاءً موضوعيا ،والذي تكتفي المحكمة العليا بقبوله شكلا واحالته الى محكمة الموضوع التي تقوم بإعادة النظر في موضوعه الذي سبق لها ان فصلت فيه. (إلتماس إعادة النظر، أستاذنا الدكتور نبيل إسماعيل عمر، ص137)، والله اعلم.
![]() |
صلاحيات المحكمة العليا عند فصلها في إلتماس إعادة النظر |