مسئولية الشريك المدير عن حصة شريكه في الفقه الإسلامي والقانون اليمني

مسئولية الشريك المدير عن حصة شريكه في الفقه الإسلامي والقانون اليمني

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

 المؤسسات التجارية الفردية والشركات العرفية وشركات الواقع تشكل مايقارب  من 80% من الشركات العاملة في اليمن، فهذه الشركات والمؤسسات لاتتخذ الاشكال القانونية المحددة للشركات في قانون الشركات كشكل الشركة المحدودة وشكل شركة التضامن وشكل الشركة المساهمة المفتوحة والمقفلة، في حين ان الشركات النظامية المنشاة وفقا لقانون الشركات لاتزيد نسبتها عن 20%من الشركات العاملة في اليمن، وإشكاليات حصة الشريك لدى شريكه لا تقع في الشركات النظامية الا نادرا.

في حين أن إشكاليات كثيرة بشأن  حصة  الشريك و أرباحها تحدث في الشركات غير النظامية  المشار إليها ، فحصة الشريك  في هذه الشركات غير النظامية تكون بعهدة شريكه الذي يتولى ادارة الشركة وحصص الشركاء  فيها والأرباح الناتجة عنها،  ويتحدد مصير حصة الشريك وأرباحها بكيفية أداء الشريك المدير للشركة وقيامه بالواجبات المحددة في القوانين والنظم والأعراف التجارية الخاصة بإدارة حصص الشركة وكذا الإلتزام بتوجيهات الشريك صاحب الحصة، ولذلك تحدث اغلب النزاعات بين الشركاء في الشركات غير النظامية كالشركات العرفية والمؤسسات الفردية، ففي حالات كثيرة لا يعرف الشريك في هذه الشركات مصير حصته وارباحها، ولذلك تحدث الإشكاليات التي ترهق القضاء.

ومن المعلوم في الشرع والقانون والقضاء ان حصة الشريك لدى شريكه أمانة لا يضمنها إلا إذا اعتدى الشريك عليها أو قصر في حفظها أو فرط فيها،  وقد تناول هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 6-10-2012م في الطعن رقم (49914)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: ((ومن جهة أخرى فإن على المدعي إثبات ما يدعيه بإحدى طرق الإثبات المحددة قانوناً ومنها اليمين واقسامها وأحكامها المحددة في قانون الإثبات ،فمن المعلوم أن عبء الإثبات يقع على عاتق الدائن، وبالمقابل فقد ورد في المادة (1191) مدني أنه (تعتبر حصة الشريك في يد الشريك الآخر أمانة لا يضمن تلفها إلا بتعد أو تقصير أو تفريط منه))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: إشكالية حصة الشريك في الشركات العرفية وشركات الواقع والمؤسسات الفردية:

لأسباب عدة  ليست مجال تعليقنا  لا تتخذ الشركات  العرفية وشركات الواقع والمؤسسات  الفردية في اليمن لاتتخذ الأشكال القانونية للشركات النظامية (الشركة المحدودة – شركة التضامن – شركة المساهمة...إلخ) ، لذلك يتم تسجيل الشركات غير النظامية لدى وزارة الصناعة يتم تسجيلها باسم  الشريك الذي يتولى ادارتها ، في حين ينظم حقوق الشركاء في هذه الشركات غير النظامية عقد شراكة يتم توقيعه بين الشركاء.

 كما أنه في الغالب لا يتم موافاة الشركاء في هذه الشركات بحسابات منتظمة عن  نشاط الشركة وميزانيتها أرباحها وخسائرها ، وفي بعض الحالات قد لا تكون الحسابات التي يتم موافاة  الشركاء بها مطابقة للواقع، ولذلك تحدث الإشكاليات بشأن حصة الشريك لدى الشريك الآخر الذي يتولى إدارة الشركة في هذا النوع من الشركات.

الوجه الثاني: الوضعية القانونية لحصة الشريك لدى شريكه المدير:

الشريك المدير هو  الشريك  الذي يتولى إدارة الشركة وتصريف أعمالها، وهو في الغالب هو الشريك الذي يتم تسجيل الشركة أو النشاط التجاري  باسمه ،وهذا الشريك هو الذي يمثل الشراكة  أمام الغير ، وعلى ذلك فإن حصة الشركاء الآخرين تكون لدى الشريك المدير أمانة، وتبعاً لذلك فإن الشريك المدير الذي بعهدته ا الحصة لا يضمن الحصة إلا إذا قام الشريك المدير نفسه  بالإعتداء عليها أو فرط في الحصة واهملها أو قصر في حفظها ، حسب ما ورد في المادة (1191) من القانون المدني اليمني التي نصت على أن (تعتبر حصة الشريك في يد الشريك الآخر أمانة ولا يضمن تلفها إلا بتعد أو تقصير أو تفريط منه).

الوجه الثالث: نطاق ضمان الشريك المدير لحصة شريكه:

 ضمان الشريك لحصة شريكه في الفقه الإسلامي يعني مسئولية الشريك وفقا للتعبير القانوني، وقد حددت المادة (1191) مدني السابق ذكرها مسئولية الشريك  المدير عن حصة شريكه، فصرحت  المادة المشار إليها بان الشريك الذي يدير حصة شريكه  لا يضمن تلفها إلا إذا كان ذلك  التلف بتعد أو تقصير أو تفريط من الشريك المدير ، فالنص لم يتناول إلا الحصة دون الأرباح الناتجة منها، ومع ذلك فإن الأرباح تدخل ضمن الحصة لأنها  نما الحصة، فالارباح تتبع الحصة،  فحكم ارباح الحصة حكم الحصة ذاتها.

إضافة إلى أن  نص المادة (1191) مدني السابق ذكرها لم يصرح إلا بشأن تلف الحصة فلم يتعرض للاضرار  الأخرى التي قد تلحق بالحصبة ، إلا أن ماهو أدنى من التلف يشمله الحكم القانوني الوارد في النص السابق، فضلاً عن أن النص السابق صرح بأن الشريك المديرالذي بعهدته حصة شريكه لا يضمن تلف الحصة إلا في ثلاث حالات: الحالة الأولى: تعدي الشريك المدير نفسه على حصة شريكه ، والحالة الثانية: إذا كان تلف الحصة يرجع إلى تقصير الشريك المدير ، والحالة الثالثة، تفريط الشريك  المدير في الحصة  حسبما ورد في النص المشار إليه.

الوجه الرابع: معنى تعدي  الشريك الذي يتسبب في تلف حصة شريكه:

من خلال سياق نص المادة (1191) مدني السابق ذكرها يظهر أن التعدي المذكور في النص المشار إليه هو التعدي على الحصة من قبل الشريك نفسه الذي بيده حصة شريكه، والمقصود  فعل الإعتداء العمدي الذي يصدر من الشريك نفسه كأن يقوم بإحراق المتجر للحصول على مبلغ التأمين أو يقوم بتبديد أموال الشراكة في القماراو غيره ، اما إذا لم يتعمد الشريك الفعل المتلف فأنه لا يضمن التلف الجزئي أو الكلي للحصة، ،وكذلك الحال إذا وقع التلف بسبب فعل غير الشريك سواء أكان الفعل عمداً أم خطأً فإن الشريك لا يضمن التلف.

غير أنه يدخل في معنى تعدي الشريك  قيام التابعين للشريك المدير باتلاف الحصة أو تبديدها أو الإضرار بها بناء على توجيهات  الشريك المدير .

ومن التعدي في الفقه الإسلامي مخالفة الشريك نهي شريكه،  فاذا نهاه شريكه امتنع عليه فإذا خالفه ضمن حصة شريكه، ومثال ذلك: إذا قال له لا تركب البحر بمال التجارة فركب أو قوله لا تبع إلا نقداً فباع نسيئة.

والمقصود بالتلف: هلاك الحصة كلها أو بعضها ويندرج ضمن تلف الحصة ضياعها أو تبديدها أو ضياع ارباحها أو الإضرار بالحصة مما يترتب عليه نقص قيمة  الحصة .

الوجه الخامس: معنى التقصير والتفريط الذي يجعل الشريك ضامن لحصة شريكه إذا تلفت بسبب التقصير والتفريط:

تقصير الشريك في حفظ الحصة هو عدم قيامه ببذل العناية المعتادة التي يبذلها الأشخاص المماثلون للشريك في المحافظة على الاموال وإتخاذ التدابير والإحتياطات المناسبة للمحافظة على المال أو الحصة وعائداتها.

وقد تضمن  قانون  الشركات الواجبات والصلاحيات التي يتمتع بها   المديرالممثل القانوني للشركة  بصفة عامة ، ولذلك يجب على الشريك المدير الذي يدير حصة شريكه القيام بكافة  الواجبات المقررة على المدير في القانون أو العرف التجاري  والالتزام بها، وكذا يجب على الشريك المدير للحصة  القيام بالواجبات والأعمال التي يقوم بها نظراؤه في الشركات الاخرى  مثل الاشراف والتخطيط والمتابعة الرقابة والتنظيم ومسك السجلات والحسابات الكافية والمناسبة، كما يجب  على الشريك المدير الإلتزام الصارم  بشروط وتوجيهات شريكه مالك الحصة ،فإذا لم يبذل الشريك المدير للحصة عنايته أو لم يقم بالواجبات السابق ذكرها  فأنه يكون مقصرا ، ومن ثم  يكون  مسئولاً أو ضامناً لأية تلفيات قد تلحق بحصة شريكه وعائداتها.

اما تفريط الشريك المدير  فهو: مصطلح في الفقه الإسلامي مماثل لمصطلح الإهمال الجسيم في القانون: فتفريط الشريك الذي بيده حصة شريكه يقع  حينما يجعل للشريك  المدير حصة شريكه عرضة أو معرضة للتلف الجزئي والكلي أي فرط في حفظها، فجعلها تتعرض للتلف الجزئي أو الكلي، فالتفريط وإن كان مقارباً للتقصير إلا أن التفريط أكثر خطراً على الحصة.

الوجه الساس: حصة الشريك أمانة عند شريكه:

يعني ذلك أن الشريك الذي بعهدته حصة شريكه يكون مؤتمناً عليها،  فلا يضمن تلف الحصة أو ارباحها أو تبديدها أو ضياعها ، فلا يكون مسئولاً عن ذلك  الا في الحالات الثلاث وهي : تعديه الشخصي على الحصة أو تقصيره في حفظها أو تفريطه فيها، فيكون الشريك في هذه الحالات الثلاث ضامناً تلف الحصة أو ارباحها ، فإذا تلفت الحصة بسبب هذه الحالات فإن الشريك يكون ملزما بتعويض صاحب الحصة بمثل الحصة إن كانت من المثليات أو قيمة الحصة إن كانت من القيميات.

فالقاعدة في الأمانات أنها لا تضمن إلا بالتعدي أو التقصير والتفريط ، فإذا لم يتعد الشريك أو يقصر فأنه لا يضمن، فقد اتفق الفقهاء على أن يد الشريك يد أمانة بالنسبة لمال الشركة أياً كان نوعها، لأنه مال مقبوض بإذن مالكه، لا يستوفي بدله، ولا يستوثق به أشبه الوديعة، والقاعدة في الأمانات أنها لا تُضمن إلا بتعد أو تقصير، فما لم يتعد الشريك أو يقصر، فإنه لا يضمن حصة شريكه، ولو ضاع مال الشركة أو تلف، ويُصدق بيمينه في مقدار الربح والخسارة.

الوجه السابع: اثبات مسئولية الشريك عن تلف حصة شريكه:

سبق القول ان يد الشريك على حصة شريكه امانة وانه لايضمن تلف الحصة وانه مصدق بيمينه ، ولذلك فليس لصاحب الحصة عند الخلاف الا ان يثبت تعدي الشريك المدير على الحصة أو تقصيره أو تفريطه فيها ، فان لم يستطع صاحب الحصة إثبات ذلك بوسائل  الاثبات المقررة في القانون فلاسبيل  امامه الا طلب يمين الشريك الذي بعهدته الحصة، وكذلك الحال إذا اختلف الشريكان بشأن أرباح الحصة، فصاحب الحصة في هذه الاحوال يدعي بخلاف الأصل العام وهو أن الشريك لايضمن الا في الحالات الثلاث السابق بيانها، والله أعلم.

مسئولية الشريك المدير عن حصة شريكه في الفقه الإسلامي والقانون اليمني
مسئولية الشريك المدير عن حصة شريكه في الفقه الإسلامي والقانون اليمني