حضور جميع المحكمين في جلسات التحكيم واجب
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
عندما
يتعدد المحكمين فأنهم يشكلوا هيئة تحكيم واحدة مكتملة ، تكون لها ولاية واحدة متكاملة غير قابلة للتبعيض والتجزئة ، اذ تنعقد الولاية للمحكمين المتعددين كهيئة واحدة ، لذلك يجب
حضورجميع المحكمين المختارين أو المعينين في هيئة تحكيم واحدة ، فيجب حضورهم جميعاً
في الجلسات كافة التي تعقدها هيئة التحكيم النظر في خصومة التحكيم ، وإن كان في
الجائز قانوناً أن يصدر حكم التحكيم بأغلبية المحكمين في هيئة التحكيم إلا أنه من المقرر قانونا أنه يجب على
المحكمين جميعاً الحضور في الجلسات التي تعقدها هيئة التحكيم لنظر الخصومة
التحكيمية بإعتبار ذلك من القواعد الإجرائية المتعلقة بالنظام العام ، حسبما قضى
الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ
21-11-2011م في الطعن رقم (47449)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: ((وحيث
أن هيئة التحكيم مكونة من ثلاثة محكمين، وحيث أن هيئة التحكيم قد عقدت جلساتها
بحضور اثنين من المحكمين فإن ذلك يخالف القواعد الإجرائية المتعلقة بالنظام العام التي
أوجبت عقد جلسات نظر الخصومة بحضور جميع المحكمين وإلا كانت الإجراءات باطلة
بطلاناً مطلقاً، ومن ثم فقد توفرت حالة من حالات بطلان حكم التحكيم المقررة في
المادة (53) تحكيم))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه
الآتية:
الوجه الأول: حالات تعدد المحكمين في هيئة التحكيم:
يتعدد المحكمون في هيئة تحكيم واحدة عندما يتم
ذكر عدد المحكمين في شرط التحكيم ، كأن
يتضمن بند التحكيم أو شرط التحكيم الذي يرد ذكره في العقد أنه( عند حدوث خلاف بشأن تنفيذ العقد
أو تفسيره يتم حسمه بواسطة هيئة تحكيم مكونة من ثلاثة أو خمسة)، كما يتعدد
المحكمون في إتفاق التحكيم حينما يتضمن
إتفاق التحكيم ان (المحكمين المعينين أو المختارين ثلاثة أو خمسة )، وكذا
يتعدد المحكمون عندما يقوم الخصم بإختيار محكم
أو أكثر في وثيقة مستقلة في حين يقوم الخصم الآخر بإختيار محكم آخر أو
أكثر في وثيقة اخرى مستقلة.
فمفهوم
إتفاق التحكيم وفقاً لقانون التحكيم اليمني لا يشترط أن يتم إثبات إتفاق التحكيم
المتضمن أسماء المحكمين وموضوع التحكيم في وثيقة واحدة، فيجوز ان يتم ذلك في أكثر
من وثيقة ، حسبما هو مقررفي المادة (15)، التي نصت في نهايتها على انه(يكون
الإتفاق مكتوبا إذا تضمنته وثيقة تحكيم أو
برقيات أو خطابات أو غيرها من وسائل
الاتصال الحديثة ذات الطابع التوثيقي) .
الوجه الثاني: إرادة الخصوم وولاية المحكمين عند تعددهم:
من
المعلوم ان التحكيم ينعقد بشرط التحكيم أو إتفاق التحكيم ، وقد سبق القول بان
المادة (15) من قانون التحكيم قد صرحت بأن إتفاق التحكيم قد يقع في عدة
وثائق صادرة عن الخصوم المحتكمين ، فقد
نصت المادة (15) في نهايتها على انه (يكون الإتفاق مكتوبا إذا تضمنته وثيقة تحكيم أو برقيات أو خطابات أو غيرها
من وسائل الاتصال الحديثة ذات الطابع التوثيقي) ، وعندما يتعدد المحكمون يطلق عليهم مسمى هيئة التحكيم أو لجنة التحكيم،
وعندما يقبل الخصوم حسم خلافهم عن طريق التحكيم فأنهم تبعاً لذلك قد ارتضوا وقبلوا
بطريقة تعيين أو إختيار المحكمين، ومؤدى ذلك أن الخصم إذا قبل بفكرة حسم الخلاف عن
طريق هيئة تحكيم يتعدد فيها المحكمون وافصح عن
اراداته سواء في شرط التحكيم أو في
إتفاق التحكيم الذي يتم إفراغه في وثيقة
واحدة أو في عدة وثائق ، ففي كل هذه الاحوال يكون الخصم المحكم قد قبل ووافق على المحكم الذي قام الخصم نفسه بإختياره
وتسميته، وفي الوقت ذاته فأنه يكون قد قبل ووافق أيضاً على المحكمين الآخرين الذين
اختارهم الخصم الآخر، وبناءً على ذلك فإن الخصم في كل الاحوال المشار إليها يكون قد قبل بولاية هيئة التحكيم
المشكلة من محكمين عدة.
الوجه الثالث: عدم قابلية ولاية هيئة التحكيم المتعددة للتبعيض والتجزئة:
عندما يشترط الخصوم او يتفقوا على حسم خلافهم عن طريق هيئة تحكيم تتكون من أكثر من محكم أو
هيئة تحكيم متعددة، فعندئذٍ ينفذ شرط
التحكيم او ينعقد إتفاق التحكيم، ويكون ملزماً للخصوم الذين عينوا المحكمين، ومن
آثار عقد التحكيم أو إتفاق التحكيم أو شرط التحكيم وجود ونشؤ ولاية هيئة التحكيم
المتعددة كهيئة واحدة ، لها ولاية واحدة غير قابلة للتبعيض والتجزئة، فالمحكم في
هيئة التحكيم المتعددة المحكمين بعد
تعيينه لا يعد تابعاً أو ممثلا للخصم الذي اختاره أو عينه ،وإنما يكون المحكم بمثابة القاضي الذي يفصل في الخصومة
وفقاً لما ورد في قانون التحكيم وقانون المرافعات، حيث يقوم المحكم في الفصل في للخصومة
التحكيمية بحسب الطلبات والأدلة التي يقدمها الخصوم أمام هيئة التحكيم، فالمحكم بعد
تعيينه يكون مستقلا عن الخصم الذي اختاره، فالمحكم بعد اختياره يكون محايدا، ولذلك
لا يحق للخصم أن يرد المحكم الذي سبق له أن اختاره، لان المحكم بعد اختياره تنقطع صلته بالخصم الذي اختاره.
ومن تطبيقات مبدأ عدم قابلية ولاية هيئة التحكيم
المتعددة للتبعيض والتجزئة أن المحكمين المتعددين يجب أن يشاركوا جميعاً في جميع
إجراءات نظر الخصومة التحكيمية من أول جلسة حتى جلسة النطق بالحكم، وهذا هو الأصل،
بيد أنه ترد بعض الاستثناءات في هذا الشأن التي لاتقدح في هذا الأصل مثل: إختلاف المحكمين أثناء المداولة وصدور
الحكم بالأغلبية ورفض الأقلية التوقيع على حكم التحكيم.
الوجه الرابع: ولاية هيئة التحكيم المتعددة وولاية هيئة القضاة المتعددة:
يستمد المحكمون المتعددون ولايتهم في نظر للخصومة
التحكيمية من شرط التحكيم أو إتفاق الخصوم على التحكيم المتضمن إختيار وتعيين هيئة
التحكيم المتعددة، اما هيئة الحكم المكونة من قضاة عدة فأنها تستمد ولايتها من قرار السلطة المختصة تعيين
أعضاء هيئة الحكم سواء أكان ذلك قراراً
واحدا أم عدة قرارات بتعيين قضاة في الهيئة، ففي الحالتين فإن قرارات التعيين
المتعددة من السلطة المختصة بتعيين القضاة في هيئة الحكم قد افصحت عن إرادة مصدر القرار بتعيين
القاضي ضمن هيئة حكم واحدة وليس فرداً.
ومن ابجديات العمل القضائي والقانوني أن ولاية
هيئة الحكم المتعددة القضاة تكون ولاية واحدة ، تعد وحدة واحدة متكاملة لا تقبل
التجزئة والتبعيض ، فهذه الولاية تنعقد لجميع أعضاء الهيئة، ومؤدى ذلك أنه يجب
حضور ومشاركة جميع قضاة هيئة الحكم جميع
إجراءات المحاكمة من أول جلسة حتى جلسة النطق بالحكم، بيد أنه ترد بعض الاستثناءات
التي لاتخل بمبدا وحدة ولاية هيئة الحكم ، ومن هذه الاستثناءات المحصورة نقل القاضي أو تعذر حضوره بعد توقيعه على
مسوّدة الحكم.
وعلى ذلك فولاية هيئة التحكيم يجب ان تكون على
غرار ولاية هيئة الحكم المتعددة القضاة ، لأن هذا الأمر من النظام العام في قانون
المرافعات الذي يجب على هيئة التحكيم المتعددة الإلتزام به.
الوجه الخامس: حضور جميع هيئة التحكيم جميع إجراءات الخصومة التحكيمية:
تنعقد الولاية لهيئة التحكيم المتعددة في نظر الخصومة التحكيمية كهيئة واحدة متكاملة، ومقتضى ذلك أنه يجب على جميع المحكمين
الذين تتشكل منهم هيئة التحكيم يجب عليهم الحضور والمشاركة في جميع إجراءات الخصومة
التحكيمية منذ أول جلسة حتى جلسة النطق بالحكم، إلا أنه في الواقع العملي يقع
الخلاف بين المحكمين فتتباين آراؤهم في جلسة المداولة فيتم حسم الخلاف عن طريق
الأغلبية ،ولذلك فقد ترفض الأقلية التوقيع
على مسوّدة الحكم ،وتبعاً لذلك قد ترفض أيضاً التوقيع على نسخة الحكم ، كما قد ترفض الأقلية أيضاً الحضور
والمشاركة في جلسة النطق بالحكم، ورفض الأقلية التوقيع على مسوّدة الحكم اوحضور
جلسة النطق بالحكم لا يؤثر على وحدة هيئة التحكيم في هذه الحالة، لأن المادة (47) تحكيم قد اشترطت
حضور جميع هيئة التحكيم جلسة المداولة وصرحت بان الخلاف بين هيئة التحكيم عندئذ يتم حسمه عن طريق الأغلبية وعند المساواة يرجح
الجانب الذي فيه رئيس الهيئة، فلم تشترط هذه المادة التوقيع على مسوّدة الحكم.
فضلا عن ان المادة (48) تحكيم اجازت في حالة صدور حكم التحكيم بالأغلبية اجازت
للمحكم الذي لم يوافق على الحكم عدم
التوقيع على نسخة الحكم مع ذكر الأسباب أي أسباب عدم توقيع المحكم على نسخة الحكم.
الوجه السادس: عدم حضور جميع المحكمين جلسات التحكيم يعد من حالات بطلان حكم التحكيم:
قضى الحكم محل تعليقنا بانه يجب ان تكون هيئة التحكيم مكتملة في كل جلسات التحكيم، وانه إذا لم يشارك أي عضو في جلسة من جلسات الخصومة التحكيمية فان هذا يعد من الاجراءات غير الصحيحة التي تعد حالة من حالات بطلان حكم التحكيم المقررة في المادة (53) تحكيم، التي نصت على انه (مع مراعاة احكام هذا القانون لايجوز طلب إبطال حكم التحكيم الا في الاحوال الاتية: -ج- إذا كانت الاجراءات غير صحيحة)، والله أعلم.
![]() |
حضور جميع المحكمين في جلسات التحكيم واجب |