إعتبار أسباب الاستئناف أسباباً للطعن بالنقض
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
المحكمة
العليا أو محكمة النقض متقيدة بالأسباب التي يذكرها الطاعن في عريضة طعنه ، فلا يجوز للطاعن أن
يعتبر أية أسباب أخرى لم يذكرها في عريضة طعنه أسباباً لطعنه ، فقول الطاعن بالنقض
في عريضة طعنه بأن اية ورقة أو وثيقة اخرى تعتبر من أسباب طعنه يعد تمسكا منه باسباب أخرى لم تشتملها عريضة
طعنه ، وذلك يخالف نص المادة (299) مرافعات التي صرحت بانه لايجوز للطاعن ان يتمسك
باسباب لم تشتمل عليها عريضة طعنه ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية
بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 12-9-2012م في الطعن رقم (49663)، وقد
ورد ضمن أسباب ذلك الحكم: ((وحيث أن من المبادئ القانونية المنصوص عليها في المادة
(299) مرافعات أنه لا يجوز التمسك بغير الأسباب التي اشتملت عليها عريضة الطعن إلا
إذا كانت متعلقة بالنظام العام، لذلك فإن طلب الطاعنة إعتبار ما ورد بعريضة
استئنافها جزءً من أسباب طعنها بالنقض طلب غير مقبول ، مما يتوجب رفض الطعن لعدم
قيام سببه))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: عدم جواز التمسك بغير الأسباب التي اشتملت عريضة الطعن بالنقض وفقاً للمادة (299) مرافعات:
استند الحكم محل تعليقنا في قضائه إلى ما ورد في نهاية المادة (299) مرافعات ، وقد وردت هذه المادة ضمن الفصل الخاص بالطعن بالنقض، وقد نصت هذه المادة في نهايتها على أنه (ولا يجوز التمسك بغير الأسباب التي اشتملت عليها عريضة الطعن إلا إذا كانت متعلقة بالنظام العام فتأخذ بها المحكمة من تلقاء نفسها وعليها في هذه الحالة تنبيه الخصوم إن رأت موجباً لإستعمال حقهم في الدفاع) ، فهذا النص صريح في انه لايجوز للطاعن بالنقض ان يتمسك بغير الأسباب التي أوردها في عريضة طعنه، وعلى ذلك لا يجوز له أن يتمسك بالأسباب التي سبق له أن ذكرها في عريضة استئنافه المقدمة منه أمام الشعبة الاستئنافية في مرحلة الاستئناف، ومؤدى ذلك أنه لا يجوز للطاعن بالنقض أن يتمسك بأي أسباب أخرى لم يذكرها في عريضة الطعن بالنقض ، إلا إذا كانت تلك الأسباب متعلقة بالنظام العام فأنه يجوز له التمسك بها ، لأن المحكمة العليا تتصدى من تلقاء ذاتها للأسباب المتعلقة بالنظام العام حتى لو لم يتمسك بها الخصوم.
الوجه الثاني: مشتملات عريضة الطعن بالنقض:
استند
الحكم محل تعليقنا في قضائه إلى ما ورد في نهاية المادة (299) مرافعات وهو (لا
يجوز التمسك بغير الأسباب التي اشتملت عليها عريضة الطعن) ، وهذا يعني أن الأساس
والأصل في مشتملات عريضة الطعن بالنقض هو أسباب الطعن الشكلية والموضوعية وما
يتعلق بها من الوقائع اللازمة لبيان أسباب الطعن والطلبات، وبيان مشتملات عريضة
الطعن بالنقض كما ياتي:
القسم
الأول: ديباجة عريضة الطعن بالنقض: وتتكون من اسم الدائرة المرفوع إليها الطعن ،وبيانات
الحكم المطعون فيه وبيانات الطاعن وبيانات المطعون ضده.
القسم
الثاني: الوقائع: تتضمن عرض
وقائع القضية اللازمة لبيان أسباب الطعن بالنقض ، وليس تلخيص القضية منذ البداية
حتى صدور الحكم الاستئنافي المطعون فيه حسبما هو متبع.
القسم الثالث: أسباب الطعن الشكلية:
ويتضمن تاريخ إستلام الحكم المطعون فيه وتاريخ تقديم الطعن وسداد الرسوم والكفالة
وبيان صفة الطاعن أو وكيله .
القسم الرابع: أسباب الطعن الموضوعية:
وتتضمن بيان أوجه المخالفة للقانون والخطأ في تطبيقه التي شابت الحكم المطعون فيه وغيرها من حالات
الطعن بالنقض المحددة في المادة (292) مرافعات.
القسم الخامس: الطلبات:
وتتضمن طلبات الطاعن بالنقض كطلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وطلب نقضه.
القسم السادس: خاتمة الطعن:
وتتضمن بيان اسم الطاعن أو وكيله وتوقيعه وختمه ان وجد.
وهذا التقسيم لا بأس عليه إلا أن بعض الخصوم يسهب
في عرض وقائع الطعن، في حين أنه ينبغي الإقتصار في وقائع الطعن على الوقائع ذات
الصلة بأسباب الطعن الشكلية والموضوعية التي تبين تلك الاسباب، كما أنه من المناسب عرض الوقائع ذات
الصلة بأسباب الطعن ضمن أسباب الطعن وليس عزلها في بداية الطعن بعيداً عن أسباب
الطعن كما هو متبع ، وقد سبق لنا التعليق على حكم للمحكمة العليا في هذا الشأن،
فقد ارشدت فيه المحكمة العليا الخصوم الى الإقتصار على ذكر الوقائع ذات الصلة
بأسباب الطعن، وأن يتم ذلك في سياق تناول الطاعن لأسباب الطعن، وهذا هو المسلك
السليم الذي يتبعه المحامون في كثير من الدول، وقد بدا هذا الإتجاه في اليمن
مؤخراً لدى بعض المحامين الذين يعرضوا الوقائع ذات الصلة بأسباب الطعن في سياق
بيان أسباب الطعن ، فلا يتم الفصل بين الوقائع والأسباب في عريضة الطعن. (مهارات
الصياغة القانونية، ا.د. عبد المؤمن شجاع الدين،ص73).
الوجه الثالث: الإحالة العامة في عريضة الطعن إلى أوراق القضية:
من تطبيقات عدم جواز تمسك الطاعن بغير الأسباب
التي اشتملت عليها عريضة الطعن بالنقض المقررة في المادة (299) مرافعات السابق
ذكرها من تطبيقات ذلك أنه لا يجوز للطاعن بالنقض أن يحيل في عريضة طعنه إلى أوراق
أخرى ولو كانت من أوراق القضية التي يشتمل عليها ملف القضية، والاحالة الممنوعة قانونا الإحالة العامة ، كأن يذكر
الطاعن في عريضة الطعن عبارة: وعند رجوع الدائرة إلى عريضة الإستئناف ستجد الدائرة كذا من غير تحديد رقم
الصفحة أو وجه الاستشهاد، أو عبارة: وعند
رجوع الدائرة إلى مدونة الحكم الطعين سيظهر للدائرة كذا ، اوعبارات حسبما هو ثابت
في أوراق الحكم أو حسبما هو ثابت في عريضة الاستئناف أو حسبما هو مدوّن في مدونة
الحكم أو حسبما هو مقرر في تقرير الخبير من غير ان يقوم الطاعن بتحديد الصفحة أو
الفقرة التي يستدل بها ووجه الاستدلال بها،
لأن الإحالة العامة في عريضة الطعن إلى أوراق القضية تعني ان الطاعن قد فوض المحكمة العليا في مراجعة الحكم
المطعون فيه كله أو مراجعة تقرير الخبير كله أو عريضة الاستئناف كلها لإستنباط أسباب لطعن الطاعن أو للاستدلال للطاعن ، وهذا لا يجوز قانونا ، مع أن المحكمة
العليا ملزمة بمطالعة كل أوراق القضية حسبما يرد في العبارة التي تستهل بها
المحكمة العليا أسباب أحكامها (بعد الرجوع إلى الأوراق مشتملات الملف)، فرجوع
المحكمة العليا لكافة أوراق القضية يكون الغرض
منه التأكد من إحترام الأحكام للشرع والقانون والنظام العام والإلتزام
بها وليس بناءً على إحالة الطاعن لها في عريضة طعنه.
والإحالة الممنوعة كما سبق القول هي: الإحالة العامة من غير تحديد موضع الإحالة بالصفحة أو السطر ومن غير تحديد وجه الاستدلال ، اما الإحالة المحددة مع بيان وجه الإستدلال بها فذلك جائز كأن يذكر في الطعن عبارة (حسبما هو ثابت في بداية ص4 أو منتصف ص4 أو في نهاية ص4 من عريضة الاستئناف أو في بند (أولاً) من عريضة الاستئناف ، فذلك جائز ، لأنه من قبيل الإستدلال على سلامة وصحة ما ورد في أسباب عريضة الطعن بالنقض، فمن غير المعقول أن يقوم الطاعن بتدوين كل ما يريد الإستدلال والإستشهاد به في عريضة الطعن بالنقض.
الوجه الرابع: إختلاف أسباب الطعن بالنقض عن أسباب الاستئناف:
كان الحكم محل تعليقنا قد قضى بأنه لا يجوز للطاعن بالنقض أن يتمسك بأسباب الإستئناف ، لأن المادة (299) مرافعات قد صرحت بانه لايجوز للطاعن ان يتمسك باية أسباب غير تلك التي اشتملت عليها عريضة طعنه بالنقض، فأسباب الطعن بالنقض تختلف من حيث مضمونها وأهدافها عن أسباب إستئناف الحكم الابتدائي ، فضلاً عن إختلاف وظيفة محكمتي الطعن (محكمة الاستئناف والمحكمة العليا)، فأسباب الطعن بالنقض محددة حصراً في المادة (292) مرافعات واسباب الطعن بالنقض ذات طبيعة قانونية تتجه إلى الحكم الاستئنافي المطعون فيه ، فعريضة الطعن بالنقض يتم رفعها إلى محكمة القانون وهي المحكمة العليا ،في حين أن أسباب الاستئناف موضوعية تتجه إلى الحكم الابتدائي، ويتم رفعها أمام محكمة الموضوع محكمة الدرجة الثانية وهي محكمة الإستئناف، وبموجب ذلك يتم إعادة طرح النزاع الموضوعي أمام محكمة الإستئناف عملاً بمبدأ الأثر الناقل للاستئناف، فلا يستساغ التمسك في عريضة الطعن بالنقض بأسباب الاستئناف الواردة في عريضة الاستئناف لاختلافهما ، ولكن الطاعن بالنقض يستطيع الإستدلال بما ورد في عريضة الاستئناف على أن الحكم الاستئنافي لم يناقش أسباب الاستئناف أو اغفلها شريطة أن يكون الاستدلال محدداً وواضحا، والله أعلم.
![]() |
إعتبار أسباب الاستئناف أسباباً للطعن بالنقض |