المسئولية عن الحريق بسبب الكهرباء
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
الحرائق
والتماسات بسب التوصيلات الكهربائية والعبث بها تتسبب في وقوع ضحايا وفيات وإصابات، كما تتسبب
في أضرار مادية جسيمة، وحرائق الكهرباء تتنوع أسبابها، منها ما يرجع إلى المستهلك
للتيار الكهربائي، ومنها ما يرجع إلى شركة أو مؤسسة الكهرباء التي تقوم بتزويد
المستلك بالطاقة الكهربائية، ويمكن إثبات سبب وقوع الحريق أو التماس الكهربائي بكافة
طرق الإثبات المقررة قانونا بما في ذلك شهادة الشهود ، وفي ضوء مايثبت يتم تحديد المسئولية عن الحريق أو التماس
الكهربائي، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها
المنعقدة بتاريخ 30-9-2012م في الطعن رقم (50018)، وقد ورد ضمن أسباب هذا الحكم:
((اما ما جاء في النعي في السبب الخامس بأن محكمة ثاني درجة اخطأت في حكمها
المطعون فيه عندما قضت بقبول الاستئناف المقابل المرفوع من شركة الكهرباء موضوعاً
ورفض دعوى المدعية، حيث الثابت أن موضوع النزاع الذي نحن بصدده متعلق بمطالبة المدعية بالتعويض عن الأضرار التي لحقت
بها من جراء حادث الحريق المتمثلة بتعطيل
أعمالها اليومية جراء إنقطاع التيار الكهربائي، والدائرة تجد: أن هذا النعي غير
منتج ، لأن الشعبة الاستئنافية قد درست الموضوع ومن ذلك توصلت إلى المتسبب في نشوب
الحريق، فقد ظهر لها من خلال ذلك أن المتسببة فيه هي الطاعنة نفسها، فالشعبة لم
تعد بحاجة إلى النظر في عدد الأيام التي انقطع فيها التيار الكهربائي عن الطاعنة))
، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: نوع المسئولية عن حادث الحريق والتماس الكهربائي:
تقع حوادث الحريق والتماس الكهربائي بسبب
التوصيلات للتيار الكهربائي وسوء تركيبها أو سوء إستعمالها والعبث بها او محاولة
إصلاح الاعطال الكهربائية من قبل غير المتخصصين.
وإن كان الإنسان في كل الاحوال هو الذي يسيء
إستعمال الكهرباء أو يسيء في توصيلها إلا أن نسبة الحادث الكهربائي ترجع إلى فعل
الجماد كالحريق والتماس، فهو يرجع إلى فعل الجماد وهو (الكهرباء)، فلا يرجع الحادث
الكهربائي ذاته إلى فعل الإنسان، ولذلك فإن المسئولية عن حريق أو تماس الكهرباء تندرج
ضمن المسئولية عن فعل الجماد التي تناولها القانون المدني في المادة (317) التي
نصت على أن (حائز الشيء الذي يتطلب عناية خاصة أو حراسة كالآلات الميكانيكية يكون
مسئولاً عما يحدثه هذا الشيء من الضرر على الغير مالم يثبت أن وقوع الضرر كان بسبب
أجنبي لا يد له فيه مع مراعاة ما يرد في ذلك من أحكام خاصة في القوانين والقرارات
واللوائح النافذة)، ومع أن هذا النص قد
صرح بأن الحائز للجماد الذي يتطلب عناية خاصة يكون هو المسئول عن الحادث الذي يقع
بسبب الجماد، إلا أن النص بعد أن وضح القاعدة العامة في هذا الشأن اجاز للقوانين
الخاصة كقانون الكهرباء أن تضع معايير وضوابط للمسئولية عن الآلات التي تحتاج إلى
عناية خاصة، إلا أن قانون الكهرباء ولائحته التنفيذية لم يتناولا المسئولية
المترتبة عن حوادث الكهرباء.
ووفقا لما ورد في نص المادة (317) مدني السابق
ذكرها فان شركة الكهرباء التي تقوم بتزويد المستهلكين بالتيار الكهربائي هي
المسئولة عن حوداث الحريق والتماس
الكهربائي، لانها هي التي تقوم بحيازة الات توليد الطاقة الكهربائية وكذا تتولى
شركة الكهرباء نوصيل التيار الكهربائي عن طريق اعمدة الكهرباء أو توصيلات الكهرباء
أو دفن تمديدات الكهرباء في الارض ،اضافة إلى ان شركة الكهرباء هي التي تقوم بتركيب
عدادات الكهرباء ، ومن المعلوم ان الات
الكهرباء ووسائطها والطاقة الكهربائية ذاتها خطيرة جدا تتسبب في حوادث عدة
منها الحريق والتماس ، ولذلك فان انتاج وتوليد الطاقة الكهربائية ونقلها
وتركيبها يحتاج إلى عناية خاصة من قبل
الجهة التي تتولى ذلك وهي شركة الكهرباء ، وعلى هذا الأساس فان شركة الكهرباء تكون
المسئولة قانونا عن حوادث الحريق والتماس ، ولكن شركة الكهرباء تستطيع التخلص من
هذه المسئولية إذا استطاعت إثبات ان الحريق أو التماس وان حدث بسبب الكهرباء الا إن
ذلك قد حدث بسبب لايد لها فيه كسبب اجنبي
أو ان ذلك قد حدث بسبب عبث المستهلك وسوء تعامله
واستعماله للكهرباء أو اهماله لتحذيرات شركة الكهرباء، مثلما حصل في القضية التي
تناولها الحكم محل تعليقنا، فقد استطاعت شركة الكهرباء في هذه القضية ان تثبت ان المستهلك كان يقوم بنفسه بتركيب
العدادات وتوصيل التيار إليها وانها قد حذرت المستهلك بعدم تشغيل المكيفات الا انه
تجاهل ذلك مما إلى حدوث الانفجار والحريق وانقطاع التيار الكهربائي لعدة ايام .
الوجه الثاني: إثبات عدم مسئولية شركة الكهرباء أو مؤسسة الكهرباء عن حوادث الحريق بسبب الالتماس:
كان الحكم محل تعليقنا قد قضى بعدم مسئولية شركة الكهرباء عن الأضرار التي حدثت بسبب التماس الكهربائي والحريق الذي نشب على إثره في العمارة ،مع ان الاصل ان شركة الكهرباء هي المسئولة عن حوادث الكهرباء لأنها الحائز للطاقة الكهربائية ، مع ذلك فقد قضى الحكم بعدم مسئؤلية شركة الكهرباء ، لأن الشهود سكان العمارة كانوا قد شهدوا أمام محكمة الموضوع بأن المهندس المكلف من شركة الكهرباء كان قد فحص العدادات الخاصة بالشركة الطاعنة التي كانت محلاتها تقع في الدور الاول من العمارة (الدكاكين) ،وكان مهندس شركة الكهرباء قد حذر الشركة المستهلكة للتيار الكهرباء بأن هناك تماس في العدادات والخطوط في الدور الأول من العمارة وحذر مهندس الكهرباء من تشغيل المكيفات إلا أن الشركة المستهلكة لم تهتم بتحذيرات مهندس الكهرباء ، كما افاد الشهود سكان العمارة بأن الشركة المستهلكة للكهرباء الواقعة محالها في الدور الأول كانت تحدث اعطال في عداداتها بصفة مستمرة مما كان يتسبب في إنقطاع التيار الكهربائي عن العمارة كلها في أحيان كثيرة، وأن الشركة المستهلكة الطاعنة كان لديها مهندس خاص بها يتولى إصلاح الأعطال التي تحدث بصفة مستمرة في التوصيلات والعدادات ، أي أن الشركة المستهلكة هي التي كانت تتعامل مع العدادات التي حدث فيها الإنفجار الذي تسبب في نشوب الحريق، ولذلك فقد قضى الحكم محل تعليقنا بعدم مسئولية شركة الكهرباء عن الحريق وإنقطاع التيار الكهربائي لعدة أيام عن المحلات التجارية للشركة المستهلكة للتيار الكهرباء ، بل أن الحكم محل تعليقنا قد أقر الحكم الاستئنافي الذي قضى بقبول الدعوى الفرعية المرفوعة من شركة الكهرباء ضد الشركة المستهلكة للتيار الكهربائي، والله اعلم.
![]() |
المسئولية عن الحريق بسبب الكهرباء |