شروط الدعوى التي يمتنع القاضي عن نظرها

شروط الدعوى التي يمتنع القاضي عن نظرها

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

حددت المادة (128) من قانون المرافعات  اليمني حالات الإمتناع الوجوبي التي إذا  تحققت  وجب على القاضي الإمتناع عن نظر الدعوى أو الخصومة، ومن ضمن حالات الإمتناع الوجوبي حالة: سبق نظر القاضي للدعوى في مرحلة أدنى ، حسبما ورد في الفقرة (7) من المادة (128) مرافعات، بيد أنه يشترط أن يتحد موضوع وأطراف الدعوى، فإذا اختلفا فلا يكون ذلك مانعا للقاضي من  نظر الدعوى في مرحلة أعلى، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 30-4-2012م في الطعن رقم (48367)، وقد ورد ضمن أسباب ذلك الحكم: ((فأهم ما ورد في أسباب الطعن أن أحد أعضاء الشعبة قد سبق أن كانت لديه القضية فيما بين مالك العقار والمطعون ضده،فقد  كانت منظورة لديه  في المحكمة الابتدائية ثم قام بالتصالح فيما بين مالك العقار والمطعون ضده وهذا يوجب على ذلك القاضي التنحي عن نظر القضية إلا أنه لم يفعل حسبما ورد في نعي الطاعن.

والدائرة تجد: أن هذا النعي مردود عليه  بأن القضية التي اشار إليها الطاعن مختلفة من حيث أطرافها وموضوعها ، فقد اختلفت اطرافها  فقد كان اطرافها   مالك العقار والمطعون ضده  فلم يكن الطاعن طرفا في تلك الدعوى ، كما أن موضوع تلك  الدعوى مختلف أيضا ،فقد كان موضوعها مطالبة مالك العقار بالإيجارات المستحقة له لدى المطعون ضده، ولذلك فإن المادة (128) مرافعات لا تنطبق على هذه الحالة)) ، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: مانع سبق نظر الدعوى:

حددت هذا المانع المادة (128) من قانون المرافعات اليمني التي نصت على أنه (يكون القاضي أو عضو النيابة ممنوعاً من نظر الدعوى (الخصومة) ويجب عليه التنحي عن نظرها من تلقاء نفسه ولو لم يطلب الخصوم ذلك في الأحوال الآتية: -7- إذا كان قد افتى في الدعوى أو ترافع فيها عن أحد الخصوم أو كتب فيها ولو كان قبل اشتغاله بالقضاء أو كان قد سبق له نظرها قاضياً وحكم فيها في درجة أدنى أو نظرها خبيراً أو محكماً وابدى رأيه فيها أو أدى شهادة فيها قبل عمله بالقضاء أو كان لديه علم خاص بها).

فهذا النص صريح في منع القاضي وجوباً من نظر الدعوى أو الخصومة التي سبق له نظرها في مرحلة أدنى، وتطبيقا لذلك  يمتنع على  القاضي عضو الشعبة أن ينظر في الدعوى التي سبق له نظرها والحكم فيها عندما كان قاضياً في المحكمة الابتدائية ، وهذا المانع معلوم.

الوجه الثاني: الحكمة من منع القاضي من نظر الدعوى إذا كان قد سبق له نظرها في مرحلة أدنى:

من أهم ضمانات التقاضي والمحاكمة العادلة ومن أهم المبادئ الحاكمة للتقاضي أن يكون التقاضي على درجتين يستطيع فيها الخصوم إعادة طرح النزاع الموضوعي أمام محكمة موضوع أعلى درجة، تتكون هيئة الحكم فيها من قضاة عدة  ليس لديهم قناعات أو توجهات أو فهم مسبق عن الدعوى، حيث يقوم قضاة الاستئناف المتعددون (ثلاثة) بدراسة إجتهاد القاضي الفرد (القاضي الابتدائي) في ضوء أسباب الاستئناف المقدم أمامهم وفي حدود ما فصل فيه الحكم الابتدائي، فيكون ملف الدعوى ومرافعات الخصوم هو مصدر قناعة قضاة مرحلة الاستئناف، فإذا كان احد قضاة شعبة  الإستئناف قد سبق له نظر القضية والحكم فيها في مرحلة أول درجة فأنه يكون خلال ذلك قد توصل إلى قناعة معينة في الدعوى أفصح عنها في أسباب الحكم الابتدائي ومنطوقه، ولذلك فإن قناعته لن تتزحزح في مرحلة الاستئناف ، ومن حيث لا يدري سيكون المدافع المخلص عن حكمه السابق، ولذلك فقد قال الفيلسوف (برناردشو): (أن الأفكار بنات العقول ومثلما يحب الإنسان ابناءه فأنه يحب أفكاره).

وعلى هذا الأساس فقد منع القانون القاضي الذي سبق له نظر الدعوى في درجة أدنى من نظرها في درحة أعلى، وأوجب القانون على القاضي الإمتناع والتنحي في هذه الحالة. (الاستقصاء في موانع القضاء ، د. اسامة عبد الكريم ، ص86).

 وقد قضت محكمة النقض المصرية بانه (وحيث إن هذا النعى غير سديد ، ذلك أنه من المقرر – فى قضاء هذه المحكمة – أن ما تنص عليه المادة 146 من قانون المرافعات من عدم صلاحية القاضي لنظر الدعوى ووجوب امتناعه عن سماعها إذا كان قد سبق له نظرها يقتضى ألا يقوم القاضي بعمل يجعل له رأياً فى الدعوى أو معلومات شخصية تتعارض مع ما يشترط فيه من خلو الذهن عن موضوعها ليستطيع أن يزن حجج الخصوم وزناً مجردا). (الطعن رقم 2952 لسنة 65 ق).

الوجه الثالث: شروط الدعوى التي يمتنع على القاضي نظرها:

قضى الحكم محل تعليقنا بأن الدعوى إذا اختلف أطرافها أو موضوعها لا تكون مانعا  للقاضي من نظر الدعوى في مرحلة أعلى، لأن إختلاف أطرافها وموضوعها يدل على أن هذه الخصومة أو الدعوى غير تلك المنظورة أمام القاضي في درجة أعلى، فالمادة (128) مرافعات حينما حددت الدعوى أو الخصومة التي سبق للقاضي نظرها في مرحلة أدنى، فإن ذلك يعني أن تكون الدعوى هي  ذاتها التي سبق للقاضي ان نظرها في مرحلة أدنى ، وذلك من حيث موضوعها وأطرافها ، اما إذا اختلف موضوع الدعوى أو أطرافها فإن ذلك يدل على أنها دعوى أخرى لم سبق للقاضي نظرها، والله أعلم.

شروط الدعوى التي يمتنع القاضي عن نظرها
شروط الدعوى التي يمتنع القاضي عن نظرها