تقرير الخبير ملزم عند إنكار المستند أو الادعاء بتزويره
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
في
بعض الحالات ينكر بعض الأشخاص التوقيعات والبصمات في المحررات المنسوبة لهم أمام
المحكمة، وبإعتبار التحقيق والتحقق من صحة
البصمات والتوقيعات مسألة فنية دقيقة تحتاج إلى خبرة فنية متخصصة فإن المحكمة تحيل
أصول المحررات المثبتة فيها التوقيعات والبصمات المدعى بها بتزويرها إلى الخبير
الجنائي المختص (الإدارة العامة للأدلة الجنائية أو المعمل الجنائي) بإعتبار هذه الإدارة
هي الجهة الرسمية المختصة فنيا التي تمتلك
الأجهزة والخبرة الفنية اللازمة في الفحص والتدقيق لمعرفة ما إذا كانت البصمات
والتوقيعات صحيحة أو مزوَّرة، والأهم من هذا وذاك ان إنكار المستندات أو الادعاء
بتزويرها مع علم المنكر أو المدعي بصحة المستند يخل بالثقة المفترضة في المستندات،
ويدل على التقاضي الكيدي وسوء نية المنكر
أو المدعي بتزوير المستندات مع علمه بصحتها، لذلك فقد قررقانون الاثبات احكاما خاصة بتقرير الخبير في حالتي إنكار
المستند أو الادعاء بتزويره، ومن ذلك ان
النتيجة التي يتوصل إليها تقرير الخبير أو الإدارة العامة للأدلة الجنائية (المعمل
الجنائي) تكون ملزمة لها حجيتها، فينبغي على المحكمة أن تأخذ بها إضافة إلى توقيع عقوبة الغرامة والحكم بالتعويض على
المنكر للمستند أو المدعي بتزويره إذا اكد
تقرير الخبير صحة المستند الذي تم إنكاره أو الادعاء بتزويره ، حسبما هو مقرر في
المادتين (123 و 127) إثبات، وعلى ذلك لا يسري على تقرير الخبير أو المعمل الجنائي
في حالتي إنكار المستند أو الادعاء بتزويره ما يسري بشأن سلطة محكمة الموضوع بشأن
الأخذ بتقرير الخبير من عدمه حسبما هو مقرر في المادة (173) بالنسبة لتقارير
الخبراء الذين تستعين بهم المحكمة، فتقرير الخبير أو المعمل الجنائي بشأن فحص البصمات والتوقيعات
التي تم انكارها أو الادعاء بتزويرها واجب وملزم ينبغي الأخذ بما ورد فيه، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة
التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 30-4-2012م في الطعن رقم
(48388)، وقد ورد ضمن أسباب ذلك الحكم: ((اما ما ذكره الطاعن في هذا الصدد فأنه في
غير محله، لأن المحكمة التجارية الابتدائية قد احالت المستندات التي ادعي الطاعن
أنها مزوَّرة إلى الأدلة الجنائية، وبعد فحص بصمات الطاعن ومطابقتها على البصمات
التي على المستندات المقدمة من المطعون ضده أكد التقرير الفني الصادر عن الإدارة
العامة للأدلة على تطابق البصمتين موضوع الفحص مع بصمة إبهام اليد اليسرى للطاعن،
والمادة (123) إثبات تنص على أنه (إذا ثبت بعد التحقيق صدور السند من الخصم أخذت
المحكمة بمحتواه...) ، وكذا تنص المادة (127)
إثبات على أنه (إذا ثبت بعد التحقيق صحة السند أخذت المحكمة
بمحتواه...)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: الفرق بين المادتين (123 و 127) إثبات بشان حالتي إنكار المستند أو الادعاء بتزويره، وبين المادة (173) إثبات بشان الإستعانة بالخبراء العدول:
تقرر المادة (173) إثبات أن لمحكمة الموضوع سلطة
تقديرية في الأخذ أو عدم الأخذ بتقرير الخبير، وقد وردت هذه المادة ضمن مواد الباب الثامن في
قانون الإثبات وعنوانه (في الاستعانة بالخبراء العدول) أي ان هذه المادة تبين
السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع في الأخذ بتقرير الخبير أو عدم الأخذ به وذلك في
الحالات الأخرى غير حالتي إنكار المستند أو الادعاء بتزويره، اما المادتان (123 و 127) إثبات فقد وردتا ضمن
الفصل الرابع من الباب الرابع وعنوان ذلك الفصل (الفصل الرابع – إنكار السند
الكتابي والإدعاء بتزويره)، وتنظيم قانون الإثبات للمادتين (123 و 127) في باب آخر
وفصل اخر له دلالته، إذ أن القانون أراد أن يضع تنظيما خاصا لتقرير الخبير بشان المستند الذي يتم انكاره اوالادعاء بتزويره ، فقد
أراد القانون أن يجعل تقرير الخبير الفني
المتضمن نتيجة الفحص والتدقيق للمستند الذي ينكره الخصم أو يدعي بتزويره أراد القانون
أن تكون تلك النتيجة ملزمة يجب الأخذ بها والعمل بمقتضاها ، حسبما ورد في المادتين
(123 و 127) إثبات ، وحسبما قضى الحكم محل تعليقنا.
الوجه الثاني: الوضعية القانونية للإدارة العامة للأدلة الجنائية (المعمل الجنائي) التي تتولى الفحص للمستند الذي ينكره الخصم أو يدعي تزويره:
مع أن
قانون الاثبات قد نص على تقرير الخبير
بشان المستند الذي ينكره الخصم او يدعي بتزويره
من غير ان يذكر القانون مسمى الادارة العامة للادلة الجنائية أو المعمل
الجنائي ، الا ان هذه الإدارة هي التي تقوم بالفعل بالفحص الفني للمستندات عند
الادعاء بتزويرها أو انكارها .
وهذه الادارة هي الإدارة الفنية المختصة بالدراسة
والفحص للأدلة المترتبة عن الجرائم التي يتم ضبطها اوالتي يكلفها القضاء بفحصها، وعمل هذه الإدارة
التخصصية التابعة لوزارة الداخلية هو عمل فني محض، إذ تتولى هذه الإدارة الدراسة
والفحص الفني للأدلة، ومن ضمنها المحررات ومضاهاة الخطوط والتوقيعات والبصمات
للتحقق من مطابقتها مع بعضها أو إختلافها، ولهذا الغرض فإن هذه الإدارة تمتلك
الخبرات والأجهزة الفنية الدقيقة التي تمكنها من الفحص والتدقيق الفني للمحررات
والمضاهاة بينها، وتبعاً لذلك فإن عمل هذه الإدارة فني بحت لا مجال فيه للتقدير
الشخصي، وإن كان من المحتمل أن تكون النتيجة التي تتوصل إليها هذه الإدارة غير
صحيحة غير أن ذلك لا يرجع إلى العمل الفني الذي تباشره هذه الإدارة وإنما يرجع ذلك
إلى نوع وظروف ووقت وتاريخ المستندات التي يتم فحصها ومدى سلامتها، وهذا الأمر لا
يقدح في صحة النتائج التي تتوصل إليها هذه الجهة الفنية.
الوجه الثالث: حجية تقرير االخبير في حالة إنكار المستند في ضوء المادة (123) إثبات:
إذا انكر الخصم صدور المستند منه او انكر توقيعه
على المستند، فإن للخصم الذي يحتج بالسند أن يثبت صدور المستند من الخصم الذي
انكره بالبينة الشرعية كالشهادة والإقرار وغيرها، ويجوز إثبات صحة المستند وصحة صدور المستند وصحة التوقيع والبصمة في هذه الحالة عن طريق تحقيق الخطوط بشهادة خبيرين فنيين عدلين
أو أكثر حسب ما ورد في المادة (122) إثبات.
وبناءً على ذلك فإذا تم تكليف الجهة الفنية
الرسمية المختصة (الإدارة العامة للأدلة الجنائية أو المعمل الجنائي) بالفحص والتحقيق
والمضاهاة بين المستند أو المحرر المدعى الذي
انكره الخصم وبين محررات أخرى وبيان مدى
تطابقها أو إختلافها، ففي هذه الحالة تكون نتيجة تقرير المعمل الجنائي بشان تحقيق
الخطوط ملزمة يجب الأخذ بها، وفي هذا
المعنى نصت المادة (123) إثبات على أنه (إذا ثبت بعد التحقيق صدور السند من الخصم
أخذت المحكمة بمحتواه وحكمت على المنكر بالغرامة التي تراها المحكمة وبتعويض مناسب
للخصم إذا طلب ذلك، ولا يحكم على الوارث أو الخلف بشيء ويخضع تقدير الحاكم لقواعد
الاستئناف).
ومن خلال سياق هذا النص يظهر أن التقرير الذي
يتوصل إليه الخبير الفني بعد تحقيقه للخطوط أو التوقيعات والبصمات يجب على المحكمة
الأخذ به والعمل بموجبه، فالوجوب في النص القانوني السابق ظاهر في عبارة (أخذت
المحكمة بمحتواه)، فما ورد في هذا النص حكم خاص بالمستند الذي ينكره الخصم، وهذا
الحكم يختلف عن الحكم الوارد في المادة (173) إثبات التي وضعها القانون في سياق
الباب الثامن المخصص لبيان أحكام الاستعانة بالخبراء العدول فقد نصت المادة (173)
إثبات على أنه (للمحكمة أن تأخذ بتقرير الخبراء أو الخبير الذي تطمئن إليه مع بيان
الأسباب إذا خالف التقرير الذي أخذت به تقريراً آخراً ولها أن تستمع إلى مناقشات
الخصوم...إلخ) ، فهذا النص صريح في أن سلطة المحكمة تقديرية في الحالات التي تستعين فيها المجكمة بأعمال الخبرة وذلك في الحالات الأخرى غير حالتي إنكار المستند أو
الادعاء بتزويره بحسب ماهو مقرر في النصوص الواردة في الباب الثامن ، ففي الحالات
الأخرى غير حالتي إنكار المستند أو الادعاء بتزويره تكون لمحكمة الموضوع
السلطة التقديرية في أن تأخذ بتقرير
الخبير أو لا تأخذ به على النحو المبين في المادة (173) إثبات السابق ذكرها.
الوجه الرابع: حجية تقرير الخبير في حالة الادعاء بتزوير المستند في ضوء المادة (127) إثبات:
استند الحكم محل تعليقنا في قضائه إلى المادة
(127) إثبات الواردة ضمن الفصل الخاص بإنكار المستند والإدعاء بتزويره، فقد نصت
هذه المادة على أنه (إذا ثبت بعد التحقيق صحة السند أخذت المحكمة بمحتواه وحكمت
على مدعي التزوير بغرامة ألف ريال وبتعويض مناسب للخصم إذا طلب ذلك)، وهذا النص
أيضاً خاص بحالة الإدعاء بتزوير المحرر،
كما أن هذا النص صريح في وجوب الأخذ بتقرير الخبيرفي هذه الحالة ، فالوجوب في هذا النص
ظاهر من صيغة عبارة (أخذت المحكمة بمحتواه)، وللتدليل على أن هذا
النص قد تضمن حكما خاصا بحالة الادعاء بتزوير المستند ، وان هذا الحكم الخاص
يختلف عن الأحكام العامة الواردة في باب
الاستعانة بأعمال الخبرة، فان هذا النص قد تضمن عقوبة يتم توقيعها على المدعي
بتزوير المستند ، كما قرر هذا النص حق الخصم المدعى عليه بالتزوير في المطالبة
بالتعويض، وهذه الأحكام لا وجود لها بالنسبة للأحكام العامة افي لاستعانة بالخبراء
العدول.
الوجه الخامس: الغرض من إفراد المادتين (123 و 127) إثبات بأحكام خاصة لحالتي إنكار المستند أو الادعاء بتزويره خلافاً للأحكام العامة الواردة في باب الإستعانة بالخبراء العدول:
الغرض من ذلك ظاهر وهو حماية المستندات والمحررات من إدعاءات تزويرها أو انكارها، لأنه يترتب على ذلك إثارة الشكوك في المستندات والوثائق، فالواجب أن تتوفر الثقة والاطمئنان بالمستندات والمحررات، لأنها وسيلة من أهم وسائل حفظ الحقوق والمصالح وتوثيقها، فإنكار المستندات وجحودها أو الإدعاء بتزويرها يخل بثقة الأفراد بالمستندات، ويسرب الشك إلى كافة المستندات مما يؤدي إلى إشاعة الإضطراب والبلبلة في المجتمع، بخلاف الحال بالنسبة لأعمال الخبرة في الحالات إلأخرى المقررة في الباب الخاص بالإستعانة بالخبراء العدول غير حالتي إنكار المستند أو الادعاء بتزويره، والله أعلم.
![]() |
تقرير الخبير ملزم عند إنكار المستند أو الادعاء بتزويره |