القبض الحكمي في عقد الصرف في القانون والقضاء اليمني

القبض الحكمي في عقد الصرف في القانون والقضاء اليمني 

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

اشترط الفقه الإسلامي والقانون المدني اليمني لصحة عقد الصرف أن يتم قبض العملتين في مجلس العقد يدا بيد أي أن يتم القبض فورا ، بمعنى أن يتم صرف العملة الاجنبية بالعملة الوطنية من قبل طرفي عقد الصرف يدا بيد في مجلس عقد الصرف أي في مكان ووقت العقد، وهذا هو القبض الحقيقي في عقد الصرف حسبما اشترط الفقه الاسلامي والقانون المدني اليمني, غير أنه في بعض الحالات لا يقوم الشخص بتسليم الصراف النقود التي يريد صرفها بعملة أخرى وانما يقوم بتسليم الصراف شيكا بالمبلغ المطلوب صرفه بعملة أخرى، كما قد يطلب الشخص من الصراف ان يصرف مبلغا من حسابه لدى الصراف بعملة أخرى وقيد المبلغ المصروف في حساب آخر وغير ذلك من الصور التي لا يتم فيها تسليم واستلام المبالغ المصروفة في مجلس عقد الصرف، وهذا ما يطلق عليه القبض الحكمي في عقد الصرف أي أن القبض في هذه الاحوال يأخذ حكم القبض الحقيقي أو يكون حكمه حكم القبض الحقيقي ، وتظهر القيمة العلمية للحكم محل تعليقنا أنه تناول حالة أو صورة من صور القبض الحكمي وهي حالة قيام شخص يصرف مبلغ في حسابه لدى بنك خارج اليمن مقابل أن يقوم الصراف بإيداع قيمة المبلغ في حساب ذلك الشخص لدي الصراف بالعملة الوطنية ، وقد كان الشخص صاحب العملة الاجنبية قد طلب من محكمة الموضوع إبطال عقد الصرف لعدم تمام القبض في مجلس العقد لأن ذلك مخالف للشريعة والقانون إلا المحكمة قضت بأن عقد الصرف صحيح شرعا وقانونا، لأن القبض الحكمي قد تحقق بقيد المبلغ المصروف في حساب الصراف في البنك خارج اليمن وقيد قيمة العملة الاجنبية في حساب البائع لها لدى الصراف داخل اليمن، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 8-9-2014م في الطعن رقم (55321)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((وحيث أن الحكم الابتدائي رفض دعوى فسخ عقد الصرف المقدمة من الطاعن واحتسب له الفارق على أساس سعر الدولار يوم قيد المبلغ المباع للبنك وخصم المبلغ المذكور مما للبنك المطعون ضده بذمة الطاعن للأسباب الواردة في الحكم وقضى للبنك بما تبقى له ،وقضى الحكم الاستئنافي بتأييد الحكم الابتدائي للأسباب الواردة في الحكم الابتدائي، لذلك فليس في الحكم المطعون فيه أية مخالفة للقانون))، وقد تضمنت أسباب الحكم الابتدائي التي اشار إليها حكم المحكمة العليا تضمنت: أن عقد الصرف قد تم إبرامه فيما بين الطاعن والمطعون ضده في اليمن على أساس أن يقوم الطاعن بإيداع المبلغ بالدولار في حساب المطعون ضده في الخارج على أن يقوم المطعون ضده بإيداع قيمة المبلغ بالريال اليمني في حساب الطاعن في اليمن، وجاء في أسباب الحكم الابتدائي: أن القبض في عقد الصرف الخارجي له طبيعة خاصة إذ يكون بإيداع المبلغ بالعملة الأجنبية خارج اليمن وقيام الصراف بإيداع القيمة بالعملة المحلية في حساب البائع للعملة الأجنبية في اليمن ولذلك فإن عملية القبض تستغرق وقتاً فلا تتم حالاً يداً بيد، ولذلك فإن سعر الصرف يكون بتاريخ تمام عملية الصرف وهو إيداع قيمة العملة الأجنبية المصروفة في حساب الصراف، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: تعريف عقد الصرف وشروطه في القانون المدني اليمني:

عرّف القانون المدني اليمني عقد الصرف بأن (الصرف: بيع النقود بعضها ببعض وأصله بيع الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة أو بيع أحدهما بالآخر سواء كانا مضروبين أم لا)، والظاهر من سياق هذا التعريف انه مستفاد من معين الفقه الاسلامي، فهذا التعريف مقارب لتعريف عقد الصرف عند الحنفية وبعض الزيدية.
كما اشترط القانون المدني لصحة عقد الصرف الشروط ذاتها التي اشترطها الفقه الاسلامي واهمها القبض الفوري يدا بيد، وفي هذا الشأن نصت المادة (595) مدني على أن (يشترط لصحة الصرف ما يأتي: أولاً: تقابض البدلين قبل انتهاء مجلس العقد، ثانياً: التماثل في البدلين عند إتحاد الجنس)، فهذا النص صريح في اشتراط القبض أو تسليم العملتين المتغايرتين في مجلس أو مكان واحد وفي وقت واحد، وهذا القبض المذكور في النص القانوني السابق هو القبض الحقيقي الذي يتم حقيقة بتبادل العملتين محل الصرف في مكان وزمان واحد، وعلى هذا الأساس فلم يرد ذكر القبض الحكمي ضمن تنظيم القانون اليمني لعقد الصرف.
وقد صرح القانون المدني اليمني في المادة (18) على إن المرجع عند تطبيق النصوص القانونية وتفسيرها هي كتب الفقه الاسلامي ،ولذلك سوف نذكر في هذا التعليق القبض الحقيقي والحكمي في الشريعة الاسلامية وذلك في الاوجه الآتية.

الوجه الثاني: معنى الصرف والقبض الحقيقي أو الحسي في الفقه الاسلامي:

الصرف: هو بيع نقد بنقد، وهو جائز، سواء اتحد الجنس كصرف الف ريال يمني بفئات أقل من الريال اليمني كخمسمائة ريالا أو مائتين وخمسين ريالا أو اختلف الجنس كصرف ريال عماني بريال يمني، أو دولار أمريكي بريال يمني، وسواء اكان النقد من الذهب أو الفضة، أو من الأوراق النقدية المتعامل بها.
فلا يجوز في الفقه الاسلامي للمتصارفين أن يتفرقا إلا بعد استلام كل منهما كامل المبلغ الذي يستحقه، فمن أراد صرف الف ريالا، ولم يجد في المحل أو المصرف إلا ثمان مائة ريالاً لا يجوز له أن يأخذ الموجود، ويترك الباقي ليستلمه فيما بعد؛ لأن هذا ربا، لأن بيع العملات وصرفها لابد فيه من التقابض في مجلس العقد.
فالأصْلُ في القبْضِ في عقد الصَّرْفِ أنْ يكونَ بالتَّناوُلِ باليَدِ، وذلك باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ كالشَّافعيَّةِ والزيدية ولحَنفيَّةِ، والمالِكيَّةِ، والحَنابِلةِ وغيرهم، وقد استدلوا بما روي عن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضيَ اللهُ عنه، انه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه و واله وسلَّمَ: ((الذَّهَبُ بالذَّهَبِ، والفِضَّةُ بالفِضَّةِ، والبُرُّ بالبُرِّ، والشَّعيرُ بالشَّعيرِ، والتَّمرُ بالتَّمرِ، والمِلحُ بالمِلحِ، مِثلًا بمِثلٍ، يدًا بيَدٍ، فمَن زادَ أوِ اسْتَزادَ، فقد أرْبى، الآخِذُ والمُعْطي فيه سَواءٌ))، وكذا بما روي عن عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ رَضيَ اللهُ عنه، أنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه واله وسلَّمَ: ((الذَّهبُ بالذَّهبِ، والفِضَّةُ بالفِضَّةِ، والبُرُّ بالبُرِّ، والشَّعيرُ بالشَّعيرِ، والتَّمرُ بالتَّمرِ، والمِلحُ بالمِلحِ، مِثلًا بمِثلٍ، سَواءً بسَواءٍ، يَدًا بيَدٍ، فإذا اختلَفَتْ هذه الأصْنافُ، فبِيعوا كيف شِئْتُم، إذا كان يَدًا بيَدٍ)) فقولُه صلى الله عليه واله وسلم: ((يدًا بيَدٍ)) بيانٌ لحدِّ التَّسليمِ والتَّسلُّمِ؛ لأنَّ اليدَ آلةُ القبضِ فيما يُمكِنُ أنْ يُقبَضَ بها، ولأنَّ العُملاتِ المصروفةَ ممَّا يُتناوَلُ، وقَبْضَ ما يُتناوَلُ يكونُ باليَدِ.
والعملات النقدية الورقية المعاصرة تقوم مقام الذهب والفضة فيجب عند بيع عملة بأخرى أن يكون ذلك (يداً بيد) وهو ما يعبر عنه الفقهاء بقولهم: التقابض في مجلس العقد، أي: لا يجوز أن يفترق البائع والمشتري قبل أن يقبض كل واحد منهما ما يخصه من النقود الورقية. (فقه المعاملات المالية المعاصرة ،ا.د.عبد المؤمن شجاع الدين، ص141).
فالأوراق النقدية نقد قائم بذاته، له حكم الذهب والفضة، والنقود الورقية أجناس مختلفة، تتعدد بتعدد الدول التي تصدرها كالريال، والجنيه، والدولار، والليرة، واليَنّ، والرُّبِّيَّة، واليورو، والدرهم، وغير ذلك من عملات الدول، وكل عملة من هذه العملات جنس مستقل بذاته، يجري فيه الربا بنوعيه النسيئة والفضل كما يلي:
1- إذا باع نقداً بجنسه كذهب بذهب، أو ورق نقدي بجنسه كريال بريال، وجب التساوي في المقدار، والقبض في الحال.
2- إذا باع نقداً بنقد من غير جنسه كذهب بفضة، أو ريال يمني بجنيه مصري، أو دولار أمريكي بِيَنٍّ ياباني ونحو ذلك، فهنا يجوز التفاضل في المقدار، ويجب التقابض في المجلس.
3- إذا افترق المتصارفان قبل قبض الكل أو البعض، صح العقد فيما قُبض، وبطل فيما لم يُقبض كأن يعطيه ديناراً كويتياً ليصرفه بمائة ريال يمني، فلم يجد إلا خمسمائة ريالاً، فيصح العقد في نصف الدينار، ويبقى نصفه أمانة عند البائع.
4- من صرف عشرة ريالات من الورق بتسعة من المعدن فهو مرابي، والاثنان شريكان في الإثم.
فبيع العملات بعضها ببعض، يسمى صرفا في اصطلاح الفقهاء، وشرط جوازه بين العملات المختلفة (كالريال اليمني والريال العماني والدولار، والدينار الجزائري) أن يحصل التقابض في مجلس العقد.
والتقابض يكون يداً بيد إذا كانت العملات مختلفة ، فإذا باع عملة يمنية بعملة جزائرية أو غيرهما يداً بيد فلا بأس ، كأن يشتري دنانير جزائرية بريالات يمنية يداً بيد فيقبض منه ويُقبضه في المجلس ، أما إذا كانت إلى أجل فلا يجوز ، وهكذا إذا لم يحصل التقابض في المجلس فلا يجوز ، لأنه والحال ما ذكر يعتبر نوعاً من المعاملات الربوية ، فلا بد من التقابض في المجلس يداً بيد إذا كانت العُملات مختلفة ، أما إذا كانت من نوع واحد فلا بد من شرطين : التماثل والتقابض في المجلس ، لقول النبي صلى الله عليه واله وسلم : (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ . . الحديث السابق).
والتقابض والقبض يد بيد هو القبض الحقيقي وهو الذي يدرك بالحس كما في حالة الأخذ بالأيدي مناولة، حيث يكون البدلان في عقد الصرف موجودين حاضرين في مجلس العقد.
والأصل في الصرف تقابض العوضيين يداً بيد تقابض حسي قبل التفرق من مجلس العقد ،وقد أكد النبي - صلى الله عليه واله وسلم - على ذلك بقوله: ((يداً بيد))، ((عيناً بعين)) أي نفس العوض المعقود عليه.
و يلحق بالقبض في مجلس العقد ما كان مستقراً في الذمة من قبل، إما بقبض متقدم أو كان مترتب في الذمة حكماً، كما إذا كان عوضاً عن مبيع، كما في حديث ابن عمر - رضي الله عنه - في اقتضاء الدراهم من الدنانير، والدنانير من الدراهم ممن ترتبت في ذمته.
ويترتب على الإخلال بشرط التقابض في مجلس عقد الصرف يترتب على ذلك ربا النسيئة المجمع على تحريمه، لأن النسيئة في اللغة بمعنى التأخير.

الوجه الثالث: القبض الحكمي في عقد الصرف في الفقه الاسلامي:

يكون القبض حسيا عند اجتماع المتعاقدين في مجلس واحد، وقد يكون القبض حُكْميا إذا حصل معناه مع تباعد المتعاقدين، وعدم اجتماع أبدانهما في مكان واحد، والقبض الحكمي: هو القبض التقديري الذي لا يدرك بالحس كالتخلية،ويسمى القبض الحكمي لأن حكمه يكون حكم القبض الحقيقي أو الحسي.
ومن خلال استقراء اقوال الفقهاء المعاصرين بشان القبض الحكمي التقديري للأموال ، يمكن تلخيص صور القبض الحكمي في عقد الصرف على النحو الآتي:
أولاً: يقوم قَبضِ الشِّيكِ المُصدَّقِ مَقامَ قَبضِ بدَلِ الصَّرْفِ، ويسمى هذا الشيك في اليمن مقبول الدفع ، لأن البنك يقر في هذا الشيك بان لدى الساحب للشيك رصيد كاف لصرف الشيك، وقد قرر مجمع الفقه الاسلامي أن هذه الصورة من صور التسليم الحكمي الجائزة حسبما سياتي بيانه.
ثانياً: يعتبر القيدُ المصرفي لمبلغٍ من المال في حساب العميل إذا أودعه في حسابه شخصٌ آخر أو جَعَله فيه بحوالةٍ مصرفيةٍ قبضًا حكميًّا من المستفيدِ صاحبِ الحسابِ، وتبرأ ذمةُ الدافع بذلك إذا كان مدينًا له به، وينطبق هذا الحكم على عقد الصرف.
ويمكن تعريف القيد المصرفي بأنه: إجراء كتابي يقوم به البنك في سجلاته يثبت به استحقاق شخص معين لمبلغ محدد من المال في ذمة البنك، ولا يتم بهذا القيد نقل حسي للنقود، ولكن يترتب عليه ثبوت ملكية الشخص المستفيد حكماً للمبلغ المقيد في حسابه لدى البنك، ويحصل هذا الأثر الحكمي من تاريخ قيد المبلغ المعين في حساب المستفيد، وقد أصبح هذا عرفاً بنكياً معمولاً به في الدول كافة.
وبموجب هذا القيد المصرفي فإن الشخص المستفيد يستطيع أن يتصرف بالمبلغ المقيد له في سجلات البنك تصرفاً كاملاً، فله أن يسحب كل المبلغ من البنك أو بعضه أو يحيل عليه، أو يصارف به في أي وقت يختاره ما لم تكن عليه قيود خاصة.
والناس يعدون النقود المقيدة في حساباتهم لدي البنوك في متناول أيديهم حكماً، وهي طريقة يفضلها كثير من الناس في هذا العصر إذا اطمئنوا إلى ملاءة البنك.
ومع ذلك فقد اختلف الفقهاء المعاصرون بشان اعتبار القيد المصرفي قبضاً حكميا في صرف العملات الورقية، وللفقهاء في هذا العصر قولان:-القول الأول: إن القيد المصرفي فيه قبض حكمي يقوم مقام القبض الحقيقي، وإلى هذا ذهب الكثير من الباحثين في هذا العصر، وبه أخذ أكثرية أعضاء المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي، ومجمع الفقه الإسلامي في منظمة المؤتمر الإسلامي أما القول الثاني: فقد ذهب الى إن القيد المصرفي ليس قبضاً حكمياً، ولا يقوم مقام القبض الحقيقي وهو قول محمد بن العثيمين من السعودية.
ثالثاً: إذا كان للعميل حسابٌ لدى مصرفٍ بعملةٍ ما، فأمَرَ المصرف بقيدِ مبلغٍ منه في حسابه بعملةٍ أخرى بناءً على عقد صرف ناجز تَمَّ بينه وبينَ المصرف، واستيفاءِ المبلغ الذي اشترى به من حسابه، فيعتبرُ القيدُ المصرفي المعجّلُ بالعملة المشتراةِ قبضًا حكميًّا من قِبَلِ العميل الآمر، ويعتبرُ الاقتطاعُ الناجزُ من قِبَلِ المصرف للبدلِ من حساب العميل قبضًا حكميًّا له من المصرف. ويُعَدُّ مجموعُ ذلك بمثابة التقابض بينَ البدلين في الصرف، وإنْ اتّحدَتْ يدُ القابض والمُقْبِضِ حسًّا، وهذه الصورة تنطبق على القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا.
رابعاً: إذا اشترى شخصٌ نقدًا من مصرفٍ بنقدٍ آخر، فدفَعَ إليه البدلَ، وأخَذَ منه في المجلس شيكًا بعوضه من النقد الآخر مسحوبًا على البنك المراسل للمُصْدِرِ، فيعتبر قَبْضُهُ للشيك قبضًا حكميًّا لمضمونه، ويكونُ ذلك بمنزلة التقابض في البدلين قبل التفرق.
خامساً: إذا اشترى شخصٌ نقدًا من مصرف بنقدٍ آخر، فدفَعَ إليه البدل، وأرسل المصرفُ – بناءً على طلب المشتري – رسالة إلى بنكه المراسل يأمره فيها بدفعِ العوض من النقد الآخر لحساب المشتري أو لحساب مستفيدٍ آخر لدى مصرف ثالث، فيعتبرُ أَمْرُ المصرف الناجزُ (بالتلكس) لبنكه المراسل بأداءِ بدل الصرف حالا إقباضاً حكميًّا للمشتري، ويُنزَّلُ التعامُل بتلك الكيفية منزلةَ التقابض الناجز بين البدلين في الصرف، وتنطبق هذه الصورة ايضا على القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا. (القبض الحقيقي و الحكمي، الشيخ نزيه حماد ص ٢٣).
سادساً: الحوالة بعملة وتسليمها للمستفيد بعملة أخرى أو تحويل الراتب من عملة إلى أخرى، فيجوز تحويل الورق النقدي لدولة إلى ورق نقدي لدولة أخرى، ولو تفاوت العوضان في القدر؛ لاختلاف الجنس، لكن بشرط التقابض في المجلس، وقبض الشيك أو ورقة الحوالة حكمه حكم القبض في المجلس، فإذا قام الشخص بتقديم حوالة او شيكاً بالعملة المحلية إلى احد المصارف، فقام المصرف بتسليمه شيكاً أو حوالة بما يقابل المبلغ بعملة اجنبية فلا حرج في ذلك، وكذلك إذا قام الشخص بتحويل نقود من العملة المحلية لإيداعها في حسابه في مصرف خارج الدولة بعملة اجنبية، فهذا جائز أيضاً.

الوجه الرابع: صور القبض الحكمي في قرار مجمع الفقه الاسلامي:

بتاريخ 20 مارس، 1990 صدر قرار مجمع الفقه الاسلامي الآتي:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قرار رقم: 53 (6/4)[1]
بشأن القبض: صورة - وبخاصة المستجدة منها- وأحكامها
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17-23 شعبان 1410هـ الموافق 14-20 آذار (مارس) 1990م، بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: (القبض: صوره، وبخاصة المستجدة منها، وأحكامها)، واستماعه للمناقشات التي دارت حوله:
قرر ما يلي:
أولًا: قبض الأموال كما يكون حسِّيًّا في حالة الأخذ باليد، أو الكيل أو الوزن في الطعام، أو النقل والتحويل إلى حوزة القابض، يتحقق اعتبارًا وحكمًا بالتخلية مع التمكين من التصرف ولو لم يوجد القبض حسًّا. وتختلف كيفية قبض الأشياء بحسب حالها واختلاف الأعراف فيما يكون قبضًا لها.
ثانيًا: إن من صورة القبض الحكمي المعتبرة شرعًا وعُرفًا:
1- القيد المصرفي لمبلغ من المال في حساب العميل في الحالات التالية:
أ- إذا أودع في حساب العميل مبلغ من المال مباشرة أو بحوالة مصرفية.
ب- إذا عقد العميل عقد صرف ناجز بينه وبين المصرف في حال شراء عملة بعملة أخرى لحساب العميل.
ج- إذا اقتطع المصرف -بأمر العميل- مبلغا من حساب له إلى حساب آخر بعملة أخرى، في المصرف نفسه أو غيره، لصالح العميل أو لمستفيد آخر، وعلى المصارف مراعاة قواعد عقد الصرف في الشريعة الإسلامية.
ويغتفر تأخير القيد المصرفي بالصورة التي يتمكن المستفيد بها من التسلم الفعلي، للمدد المتعارف عليها في أسواق التعامل، على أنه لا يجوز للمستفيد أن يتصرف في العملة خلال المدة المغتفرة إلاّ بعد أن يحصل أثر القيد المصرفي بإمكان التسلم الفعلي.
2- تسلّم الشيك إذا كان له رصيد قابل للسحب بالعملة المكتوب بها عند استيفائه وحجزه المصرف. والله أعلم.
وقد تضمن المعيار الشرعي رقم 18 حالات القبض الحكمي لعقد الصرف وغيره من العقود، فقد ورد ان نطاق هذا المعيار: يتناول القبض في العقود وما يقوم مقامه حكماً (القبض الحكمي)، مع بيان كيفية تحققه في العقار والمنقول، وفيما هو معين بذاته أو موصوف في الذمة، مع بيان من تقع عليه أعباء القبض (نفقاته و مصروفاته) في العقود المختلفة، والله اعلم.
القبض الحكمي في عقد الصرف في القانون والقضاء اليمني
القبض الحكمي في عقد الصرف في القانون والقضاء اليمني