وجوب تضمين الحكم وقائع النزاع وطلبات الخصوم

وجوب تضمين الحكم وقائع النزاع وطلبات الخصوم

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

من حسنات تعديل قانون المرافعات في (يناير 2021م) ما ورد في المادة (228) مرافعات التي نصت في الفقرة (1) على أنه (قبل حجز القضية للحكم على القاضي رئيس هيئة الحكم تكليف أمانة السر بتحصيل القضية وتسليم نسخة منه للخصوم للإطلاع وإبداء أي ملاحظة عليه خلال خمسة أيام من تاريخ تسليم النسخة) ، فهذا النص يفيد الوجوب، لأنه ورد بصيغة (على القاضي)، وقد جاء هذا النص لمواجهة ظاهرة عدم تضمين الحكم بعض الوقائع والإجراءات لعدم اهميتها في تقدير البعض، لأن القاضي بعد أن يقرر قفل باب المرافعة وحجز القضية للحكم يقوم القاضي بدراسة كافة أوراق القضية وليس مدونة الحكم فقط، ولذلك ترد في بداية أسباب  الحكم عبارة (بعد الاطلاع على اوراق القضية) للتاكيد على ان القاضي قد درس كل ورقة من اوراق ملف القضية، وفي ضوء ذلك يقوم القاضي بإعداد مسوّدة الحكم توطئة للنطق بالحكم، ولذلك لا يلزم أن تتضمن مدونة الحكم كافة أقوال الخصوم ومذكراتهم وأدلتهم حسب رأي البعض لأنه من الواجب على القاضي  دراسة كل ورقة من أوراق القضية ، بيد أن وجهة النظر هذه مع إحترامنا وتقديرنا لأصحابها وسلامة نوايا هم ومقاصدهم، إلا أن ترك ما ينبغي أن تشتمل عليه مدونة الحكم للسلطة التقديرية عند إعداد مدونة الحكم له مخاطره البالغة لإخلال ذلك بمبدأ وحدة الحكم وكفايته وإستقلاله عند الإحتجاج به أو الطعن فيه أو عند تنفيذه ، فمن غير المقبول عند الإحتجاج بالحكم أو طلب تنفيذه أو تفسيره الإحالة إلى اوراق القضية ، وكذلك الحال عند تفسير الحكم او الإحتجاج به، كما أن تضمين الحكم بعض الوقائع وعدم تضمينه بعضها بذريعة عدم أهميتها يكون حكم مسبق بعدم أهمية بعض المستندات والمذكرات والأقوال التي تمت أثناء المحاكمة، وعلى هذا الأساس ، فقد حددت المادة (229) مرافعات البيانات التي يجب أن يشتمل عليها الحكم، ومن ضمنها (-6- نوع القضية ورقمها ووقائع النزاع وطلبات الخصوم ودفوعهم وكامل أدلتهم واسانيدهم القانونية والواقعية)، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 29-4-2013م في الطعن رقم (52126)، وقد ورد ضمن أسباب هذا الحكم: ((فإن الدائرة لاحظت على الشعبة مصدرة الحكم إغفالها ما جاء في المادة (229) مرافعات خاصة ما نصت عليه الفقرة (6) من هذه المادة وأهمها وقائع النزاع وطلبات الخصوم ودفوعهم وكامل أدلتهم وأسانيدهم القانونية والواقعية – فما كان ينبغي الاتكاء على حيثيات الحكم الابتدائي)) ، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: وحدة الحكم وترابط مشتملاته:

أشار الحكم محل تعليقنا إلى وجوب الإلتزام بتضمين الحكم البيانات المحددة في المادة (229) مرافعات التي نصت على أنه (يجب أن يشتمل الحكم على البيانات التاليــة: 1-   اسم المحكمة التي أصدرته وتاريخ الحكم ومكان إصداره .2- أسماء القضاة الذين سمعوا المرافعة واشتركوا في المداولة .3-   اسم عضو النيابة الذي أبدى رأيه في القضية وطلباته ودفوعه إن كان طرفاً فيها.4-أسماء الخصوم كاملة وصفاتهم وموطن كل منهم أو وكلائهم أو من تعينه المحكمة . 5-   حضور الخصوم وغيابهم .6-    نوع القضية ورقمها ووقائع النزاع وطلبات الخصوم ودفوعهم وكامل أدلتهم وأسانيدهم القانونية والواقعية.7-منطوق الحكم وأسبابه .8-        توقيع الكاتب وتوقيع هيئة المحكمة)، فالبيانات المذكورة في هذ النص القانوني يجب تضمينها مدونة الحكم ، ومن هذه البيانات وقائع النزاع وطلبات الخصوم ودفاعهم واسانيدهم القانونية والواقعية.

 ومن خلال مطالعة بيانات الحكم المحددة في النص القانوني السابق يظهر أن تلك  البيانات مترابطة فيما بينها، وأنه يتعذر فهم الحكم إذا تم إغفال هذه البيانات سيما البيانات المتعلقة بوقائع النزاع وطلبات الخصوم ودفاعهم واسانيدهم القانونية والواقعية،، كما يظهر أن  بيانات الحكم المشار إليها  متكاملة مع بعضها حسبما هو مقرر في المادة (230) مرافعات التي نصت على أنه (تعتبر بيانات الحكم مكملة بعضها لبعض وإغفال بيان منها إذا كان يؤدي إلى التجهيل بالقضية التي صدر فيها الحكم أو القضاة الذين اشتركوا في سماع المرافعة والمداولة أو بطلبات النيابة أو الخصوم يجعل الحكم باطلا).

ًبل أن بعض بيانات  الحكم مترتبة على بعضها الآخر، ويتعذر فصل بعضها عن بعض أو إغفالها، مثل وقائع النزاع وطلبات الخصوم ودفوعهم وكامل أدلتهم وأسانيدهم القانونية والواقعية، فتضمين هذه البيانات في الحكم تسهل للقاضي الاستهداء بها في إعداد أسباب الحكم ومنطوقه ، لأن القاضي يستهل تسبيبه بعرض موجز بليغ يستعرض فيه القاضي بإيجاز وقائع النزاع ودفوع الخصوم ودفاعهم واسانيدهم ، وفي سياق ذلك يناقش القاضي طلبات الخصوم وأدلتهم وأسانيدهم ويوازن بينها ثم يرحج مايراه راجحا ، ثم يخلص القاضي بعد ذلك إلى منطوق الحكم الذي يكون نتيجة لأسباب الحكم السائغة  المرتبة الموصلة إلى المنطوق، ومن هذا المنطلق فإن أسباب الحكم عبارة عن إستخلاص  لما ورد في وقائع النزاع وطلبات الخصوم وأسانيدهم، لذلك يجب تضمين الحكم وقائع النزاع وطلبات الخصوم واسانيدهم حتى تكون مدونة الحكم وحدة واحدة مترابطة ومتصلة ببعضها ، وحتى تكون كافية ومستقلة في الإحتجاج بها عملاً بمبدأ وحدة الحكم وإستقلاله وكفايته، وحتى تكون مدونة الحكم مفهومة وواضحة عند الاطلاع عليها لوحدها دون حاجة إلى الرجوع إلى أوراق القضية.

ويمكن إلى  تقسيم  بيانات الحكم على النحو الاتي:

1الديباجة: وتتضمن ديباجة الحكم تاريخ صدور الحكم والبسملة (بسم الله الرحمن  الرحيم ) ثم باسم الشعب بالنسبة للاحكام الجزائية، وكذا اسم المحكمة التي أصدرت الحكم وتاريخ صدوره، ومكان صدوره، ورقم القضية ونوعها ، وكاتب الجلسة، وأسماء القضاة الذين اشتركوا في إصدارالحكم ، وكذا أسماء الخصوم وألقابهم وصفاتهم، وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه البيانات هي محددة سلفا وفقا للأنموذج وما على كاتب  إلا أن يقوم بوضع البيانات المطلوبة في الفراغات الخاصة بكل بيان.

2. عرض مجمل لوقائع النزاع (إجراءات المحاكمة) : يشمل هذا ا القسم عرض اجراءات  المحكمة بحسب ترتيبها  مثل إثبات حضور الخصوم وغيابهم وأسماء وكلائهم واقوالهم وادلتهم  والمذكرات المقدمة منهم وطلباتهم والقرارات والاجراءات التي اتخذتها المحكمة اثناء المحاكمة.

 3. أسباب الحكم ومنطوقه: يلزم القانون المحكمة أن تذكر أسباب الحكم القضائي   ،والأسباب التي تلزم المحكمة بذكرها هي تلك المتعلقة بالوقائع القانونية والحجج التي استند اليها القاضي في الحكم، والغاية من التسبيب هو لرصانة الحكم، وعدم تحيز القاضي لجهة أحد الخصوم، وإقناع المتقاضي بالأسباب، حيث يذكر القاضي طريقة إثبات الوقائع التي استخلص الحكم، منها وذكر النصوص القانونية التي طبقها، ويجب أن يكون التسبيب واضحا وغير مبهم، وغير متناقض في الأسباب. وفي حال أخذت المحكمة بطلبات الخصوم أو رفضتها، عليها أن تسبب لذلك ، أما بالنسبة إلى منطوق الحكم فهو محصلة الحكم او  نتيجة  الحكم : فهو الذي يحوز حجية الشيء المقضي به، ولذلك يجب أن يكون المنطوق واضحا وغير متناقض.

الوجه الثاني: تفاوت بيانات الحكم من حيث اهميتها أو جوهريتها وتصدي المحكمة العليا عند إغفال الحكم للبيانات الجوهرية:

تضمنت المادة (229) مرافعات السابق ذكرها البيانات التي يجب أن تشتمل  عليها مدونة الحكم، بيد أن أهمية بيانات الحكم المشار إليها تتفاوت من حيث أهميتها، ولذلك يقسم الفقه والقضاء بيانات الحكم إلى بيانات جوهرية وغير جوهرية، فالبيانات الجوهرية: هي التي يؤدي إغفالها إلى فقدان الحكم لشرط من شروطه مثل اسم القاضي وتوقيعه وبعضها تؤدي إلى جهالة الحكم كإغفال اسماء الخصوم أو وقائع النزاع وأدلة الخصوم، وعلى هذا الأساس فإن إغفال البيانات الجوهرية يؤدي إلى بطلان الحكم، حسبما هو مقرر في المادة (230) مرافعات التي نصت على أنه (تعتبر بيانات الحكم مكملة بعضها لبعض وإغفال بيان منها إذا كان يؤدي إلى التجهيل بالقضية التي صدر فيها الحكم أو القضاة الذين اشتركوا في سماع المرافعة والمداولة أو بطلبات النيابة أو الخصوم يجعل الحكم باطلاً)، وقد اشار هذا النص إلى جوهرية  البيانات الخاصة بطلبات الخصوم ووجوب تضمينها في مدونة الحكم.

وعلى اساس  التفرقة بين بيانات الحكم الجوهرية وغير الجوهرية ، فان المحكمة العليا تتصدى من تلقاء ذاتها عند إغفال الحكم المطعون فيه البيانات الجوهرية، لأن وجود هذه البيانات في الحكم من النظام العام الذي تحرسه المحكمة العليا وتسهر على احترامه باعتبارها محكمة القانون.

الوجه الثالث: وجوب تضمين الحكم الاستئنافي مرافعات الخصوم وأدلتهم وأسانيدهم المقدمة أمام محكمة الاستئناف وعدم الإكتفاء بما ورد في الحكم الابتدائي:

صرح الحكم محل تعليقنا بذلك في قضائه، إذ يجب على الحكم الاستئنافي أن يتضمن البيانات ذاتها المحددة في المادة (229) مرافعات السابق ذكرها، لأن القانون قد اشترط أن يشتمل أي حكم قضائي على تلك البيانات ، فالحكم الاستئنافي ليس نسخة من الحكم الابتدائي بل أنه حكم مستقل في بياناته عن الحكم الابتدائي، فيجب أن يتضمن الحكم الاستئنافي  البيانات المحددة في المادة (229) بما في ذلك وقائع النزاع أمام محكمة الاستئناف ودفاع الخصوم واسانيدهم القانونية والواقعية حتى يكون الحكم الاستئنافي كمدونة مستقلاً عن مدونة الحكم الابتدائي.

الوجه الرابع: ملاحظات المحكمة العليا تميزها وأهميتها:

ضمن أسباب الحكم محل تعليقنا وردت ملاحظة المحكمة العليا بوجوب إشتمال الحكم الاستئنافي لبيانات الحكم المقررة في المادة (229) مرافعات،  ومن أهم هذه البيانات وقائع النزاع وطلبات الخصوم واسانيدهم القانونية والواقعية ، مع أن الخصوم أمام المحكمة العليا لم يثيروا ذلك في الطعن اوالرد عليه.

فورود هذه الملاحظات في أحكام المحكمة العليا ظاهرة صحية ومظهر من أهم مظاهر الرقابة القانونية التي تباشرها المحكمة العليا  لضمان حُسن تطبيق القانون لما فيه تحقيق العدل والإنصاف، فهدف الملاحظات التي ترد في سياق أحكام المحكمة العليا هو حسن تطبيق القانون وتجويد الأحكام، ولذلك لا تخلوا أحكام المحكمة العليا ومحاكم النقض والتمييز والتعقيب في  كل الدول من الملاحظات التي ترد في غالب الحالات في نهاية أسباب الحكم.

ووفقاً لما هو مقرر في الفقرة (ج) من المادة (13) من قانون السلطة القضائية، فإن رئيس المحكمة العليا في اليمن هو المختص (بتوجيه منشورات قضائية عامة لكافة قضاة المحاكم بالملاحظات المستخلصة من خلال التدقيق في القضايا المنظورة أمام المحكمة العليا وإصدار التوجيهات والقرارات الملزمة لجميع المحاكم) ، فالملاحظات الواردة في أحكام المحكمة العليا  من اهم المصادر التي يعتمدها رئيس المحكمة العليا في اليمن في توجيه المنشورات القضائية المشار إليها التي تكتسب  الزاميتها واهميتها من كونها مستلة من احكام قضائية ، والله أعلم.

وجوب تضمين الحكم وقائع النزاع وطلبات الخصوم
وجوب تضمين الحكم وقائع النزاع وطلبات الخصوم