المستندات المعتمدة عند مضاهاة التوقيعات في القضاء اليمني

المستندات المعتمدة عند مضاهاة التوقيعات في القضاء اليمني

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

المستندات المعتمدة عند مضاهاة التوقيعات ينبغي أن تكون أصول للمستندات المطلوب مضاهاة التوقيعات المثبتة فيها، كما ينبغي أن تكون أصول تلك المستندات معاصرة في وقتها وتاريخ صدورها للمستند المدعى بتزوير التوقيع الثابت فيه، لأن طريقة توقيعات الأشخاص تتغير نسبياً بين الفترة والاخرى، وكذا ينبغي أن تشتمل عملية المضاهاة والفحص  الفني على  تحديد عمر المستند المدعى تزوير التوقيع المدون  فيه، بالاضافة الى تحديد عمر الخط في المستند المدعى بتزوير التوقيع فيه ،حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 10-8-2014م في الطعن رقم (55069)، المسبوق بالحكم الاستئنافي الذي قضى بأنه (بالإطلاع على الأوراق يتبين: أن النعي على الحكم الابتدائي في محله فيما يخص كيفية إدارة المحكمة الابتدائية لقرارها القاضي بشان دعوى التزوير الفرعية ، فقد أكد خبراء الخطوط الذين استجوبتهم الشعبة بإجماع ارائهم : أن التوقيع المعاصر للواقعة محل البحث يعطي نتيجة مضمونة ،وافادوا بأنه عندما عرض عليهم طلب محكمة أول درجة  مضاهاة التوقيع طلبوا نماذج توقيعات معاصرة للفترة التي صدر فيها المستند المتضمن التوقيع محل النزاع ، وذكر الخبراء أنه تم تقديم نموذج توقيع واحد فحسب، وعندئذ  طلبت منهم محكمة أول درجة رفع تقرير بالحاصل، حسبما ورد في محضر جلسة المحكمة – ولتفادي ذلك القصور الذي شاب إجراءات تحقيق دعوى التزوير من قبل محكمة اول درجة ،وبهدف الوصول إلى نتيجة موضوعية ومنطقية  لعملية الفحص والمضاهاة للتوقيع المثبت في الضمانة محل النزاع، ولهذا الغرض فقد خاطبت هيئة الشعبة بعض المؤسسات الرسمية بموافاتها ببعض أصول المستندات الرسمية المعاصرة لتاريخ تلك الضمانة التي قام المستأنف ضده بالتوقيع عليها، ومن خلال المضاهاة والفحص من قبل لجنة الخبراء ،فقد توصلت اللجنة إلى إتفاق طريقة تكوين التوقيعات الثابتة بكرت التوقيعات المحفوظ لدى البنك كما أنه مطابق لتوقيعات المستأنف ضده في بعض المستندات الجديدة المرسلة إلى الشعبة من الجهات الأخرى كالواجبات والضرائب، أي ان التوقيعات المتعددة الواردة في تلك المستندات مطابقة للتوقيع المثبت في الضمانة)، وقد قضت الدائرة التجارية بإقرار الحكم الاستئنافي، وورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: ((وحيث أن هذه المناعي في غير محلها، فهي مردودة بالثابت في الأوراق وبما أوضحته الشعبة في حيثيات حكمها، فمن خلال الرجوع إلى الأوراق: يتضح جلياً أن الشعبة قد حررت مذكرات إلى مدير الواجبات وإلى مدير البنك والضرائب  لموافاتها ببعض أصول المستندات التي يوجد فيها توقيع للطاعن ،ثم قامت الشعبة بإرسال تلك الأصول إلى الإدارة العامة للأدلة التي توصلت في تقريرها إلى أن توقيعات الطاعن في تلك المستندات مطابقة للتوقيع المثبت في وثيقة الضمانة محل النزاع))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه  الأول: معنى المضاهاة:

المقصود بالمضاهاة هو:  مقارنة الخط أو الإمضاء او البصمة أو الختم المنسوب لمن تشهد عليه الورقة بخط او إمضاء أو بصمة او ختم ثابت له ،وتتم المضاهاة الفنية  في اليمن بواسطة الادارة  العامة للادلة الجنائية (المعمل الجنائي) باعتبارها الجهة  المختصة قانونا  بذلك ، اذ يوجد في الادارة العامة للادلة الجنائية الخبراء المختصون بمضاهاة الخطوط وكذا الاجهزة الفنية الدقيقة، فعند الادعاء بتزوير مستند أو توقيع  وكان التزوير المدعى به خفيا  فان المحكمة المختصة تقوم باحالة المستند المدعى بتزويره إلى الادارة العامة للادلة الجنائية.

الوجه الثاني: الفرق بين التوقيع والإمضاء:

أصل التوقيع مستفاد من الواقعات التي يدل التوقيع على وقوعها وصدورها من صاحب التوقيع أو نسبتها إليه أو موافقته على  الواقعة ،فقد تكون الواقعة بيع أو إجارة أو زواج أو رهن أو اقرار أو ضمانة وغيرها، فيقوم الشخص الصادرة منه الواقعة أو الوثيقة بالتوقيع عليها للتدليل على صدورها منه أو موافقته ورضاه بما ورد فيها، ولذلك يجب أن يكون التوقيع واضحاً وكافياً في دلالته على نسبته للشخص الذي صدر منه التوقيع ،حتى لا تكون نسبة التوقيع إلى صاحبه سبباً مفضياً إلى النزاع في المستقبل. (مهارات الصياغة القانونية، أ.د.عبدالمؤمن شجاع الدين، ص43).

وعلى هذا الأساس فإن التوقيع السليم : هو قيام الشخص نفسه بكتابة اسمه الرباعي بخط يده حتى إذا حدث النزاع بشأن نسبة التوقيع لصاحبه تتم عملية المضاهاة بيسر وبسهولة ودقة بل أنه من الممكن في هذه الحالة معرفة نسبة التوقيع لصاحبه عن طريق العين المجردة.

وإذا كان ما سبق بيانه هو التوقيع فإن الإمضاء: هو علامة يضعها الشخص لنفسه (التوقيع المشبوك) ويتعمد الشخص عند الامضاء ان يكتبه بطريقته الخاصة التي لا يدركها أحد  إلا صاحب الإمضاء نفسه، وهذه التفرقة ظاهرة ربما في كل الدول عدا اليمن، إذ يطلق الأشخاص على الإمضاء التوقيع، بإستثناء محلات الصرافة التي تشترط كتابة الاسم  بالإضافة إلى الامضاء ، وهذا هو التوقيع الحقيقي ، والأفضل والأحوط  ان يتم الجمع بين الامضاء والتوقيع بحسب المفهوم السابق. (المرجع السابق، ص41).

الوجه الثالث: إشكالية إستعمال الإمضاء وحده بدلاً عن التوقيع في اليمن وتوصية إلى المقنن اليمني وتوصية إلى قطاع التوثيق بوزارة العدل:

سبق القول أنه بالنسبة لليمن فإن هناك خلط واضح بين التوقيع والإمضاء بل أن الإمضاء يحل محل التوقيع ويتم الاكتفاء بالتوقيع فقط، وهذا الأمر يحدث إشكاليات كثيرة في التطبيق العملي ،وقد اشار الحكم محل تعليقنا إلى جانب منها، وتظهر هذه الإشكالية في أنه  من المعلوم عدم التطابق التام بين الامضاءات المتعددة للشخص نفسه، إذ أنه من المؤكد أن إمضاء الشخص لا يتطابق تماماً مع الإمضاء الآخر  للشخص  نفسه  حتى في وثيقة واحدة وفي وقت واحد، إذ تتباين الإمضاءات، ولذلك فقد ابتدعت البنوك والمصارف كرت إمضاء العميل الذي يقوم فيه العميل بالإمضاء ثلاث مرات أو أربع مرات بل أنه عند صرف الشيكات تطلب البنوك  ان يقوم الشخص بالإمضاء أكثر من مرة.

بالإضافة إلى ذلك فإن البنوك تقوم عند صرف الشيكات تقوم بمطابقة الإمضاء الوارد فيها مع الإمضاءات المتعددة  المثبتة في كرت الإمضاءات المحفوظ لدى البنك، ومع ذلك فإن مطابقة الإمضاء الوارد في الشيك مع الإمضاءات المثبتة في كرت الإمضاءات لا يكون مطابقا تماماً، إذ أن مطابقة الإمضاءات تكون نسبية بمعنى أن تكون نسبة المطابقة 70% اما إذا كانت مطابقة تماماً فهذا يعني أن التوقيع مقلد، وهذا الأمر ثابت عند المصرفيين في اليمن وغيرها.

وللأسف فإن الخصوم في  اليمن يدركون هذه الحقيقة وهي  صعوبة إثبات نسبة الإمضاء المشبوك لصاحبه، ولذلك فإن اسهل طريقة للخصوم المكايدين  كي يتحللوا من التزاماتهم هي إنكار (الإمضاء) مثلما حدث في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا.

 وللتاكيد على صحة ماذكرناه في هذا الوجه فإننا نذكر ماقاله خبير كشف جرائم التزوير والتزييف/حسام  الدين  مصطفى /فقد قال مانصه (التوقيعات المحررة بطريقة الألفاظ المقروءة من ألفاظ منفصلة (بأى لغة) يمكن معرفة هل صدرت من الشخص المنسوبة له من عدمه. وتكون النتيجة أن هذا الشخص كتب ، وأن هذا التوقيع قد صدر من يده. أو تكون النتيجة لم يكتب ، وأنما هو توقيع مزور عليه بطريقة....../ أو حرر بيد شخص آخر غيره. لكن فى حالات مدلولات الألفاظ او التكوينات المدمجة بالأسلوب الصياغى ( form) فإن الأمر يكون مختلفا ؛ فتكون النتيجة هنا كما يلى : توقيع صحيح : وهو محرر يتفق فى خط سير القلم وفى الأوضاع النسبية مع نماذج المضاهاة. توقيع مزور : وهو محرر بخط غير طبعى ويتفق ظاهريا مع نماذج المضاهاة. توقيع مختلف : وهو محرر بخط سير للقلم وبأوضاع نسبية مغايرة لنماذج المضاهاة).

توصية المقنن اليمني: نوصي بان يتم تعريف التوقيع في قانون الاثبات في الباب الخاص بالمحررات الرسمية والعرفية ، على ان يتضمن هذا التعريف ان التوقيع يشمل كتابة الشخص نفسه بخط يده  لاسمه الرباعي بالاضافة إلى الامضاء المشبوك.

توصية إلى قطاع التوثيق بوزارة العدل: نوصي القطاع المختص المشار إليه بتوجيه تعميم إلى مكاتب واقلام التوثيق والامناء الشرعيين بوجوب الزام اطراف  العقود والتصرافات بكتابة الاسم بالإضافة إلى الامضاء المشبوك.

الوجه الرابع: عند مضاهاة التوقيع ينبغي الإعتماد على أصول المستندات المدونة فيها التوقيعات الأخرى خلال الفترة التي صدر فيها المحرر المدعى تزوير التوقيع فيه:

قضى الحكم محل تعليقنا بذلك، إذ أنه أقر الحكم الاستئنافي الذي استند في حكمه بمطابقة التوقيع محل النزاع استند إلى أصول مستندات معاصرة من حيث وقتها وتاريخها للفترة التي صدرت فيها الضمانة المذكور فيها التوقيع المدعى تزويره، فقد كلفت الشعبة بعض الجهات الرسمية بموافاتها ببعض أصول للمستندات الصادرة عن تلك الجهات الموثوقة مستنداتها كالإقرارات الضريبية والزكوية وكرت التوقيعات المحفوظ لدى البنك، والحكم محل تعليقنا له قيمته العلمية، إذ أنه ارشد بحق الى أن تكون المستندات التي يتم الإستناد إليها عند مضاهاة التوقيعات محررات صادرة خلال الفترة التي صدرت فيها الوثيقة  المدعى بتزوير التوقيع فيها.

لأن توقيعات الأشخاص (الإمضاء) تتغير بين الفترة والأخرى، كما أن  استكتاب الشخص قبل المضاهاة لا يركن إليه، لأن الشخص أو الخصم يتعمد في غالب الأحيان التغيير في التوقيعات أو الكتابة التي يتم طلبها منه من قبل المختصين قبل المضاهاة، وبالإضافة إلى ما سبق فقد ارشد الحكم محل تعليقنا إلى أن عملية المضاهاة للخطوط والتوقيعات ينبغي أن تشتمل أيضاً على تحديد العمر الزمني للوثيقة المدون عليها التوقيع المدعى بتزويره ،وكذا تحديد عمر الخط المكتوب على تلك الوثيقة ،لما لذلك من أهمية بالغة في تعزيز نتيجة المضاهاة بين التوقيعات.

الوجه الخامس; امكانية خطأ الخبير عند مضاهاة التوقيعات:

يقول  الخبير الاستشاري /محمود بسوسي/ قد يخطئ بعض الخبراء في فحص توقيع ما و يعطى نتيجة عكسية على غير الحقيقة ... للأسباب الآتية : .. كتابة التوقيع بخط اليد لا تأخذ نمط واحد ثابت متطابق فى كل توقيعات الشخص، فيد الإنسان ليست مثل خاتم أكلاشيه ، كما وأن الكتابة تتأثر بالحالة النفسية للشخص و سرعة الكتابة و نوعية أداة الكتابة (مداد جاف أم سائل) و كذا وضع الشخص (جالس أم واقف) بل مسند ورقة الكتابة ... و التغيير فى نمط التوقيع لا يتم بدرجة كبيرة ... ولكن فى جميع الأحوال فإن جميع التوقيعات تجمعها خصائص و مميزات واحدة .. تميز توقيع شخص عن آخر .. .. و المميزات الخطية للإنسان تعتمد علي مدي تعلمه أو جهلة للكتابة ، و تتغير مميزاته الخطية بمرور الزمن أثناء حياته ، اثناء فترة تعليمه و أثناء عمله و مدي استخدامه للكتابة في نواحي حياته . .. هناك بعض التكوينات الخطية للألفاظ كثيرة الحروف و صعبة التكوين من النادر أن يتشابه فى كتابتها إثنين مثل الألفاظ المركبة (ابو العنين ... .أبو ...) ، (عبد الرحمن .. عبد ...) و ألفاظ ذات سلسلة طويلة كثيرة الحروف (البشبيشى ـ الرشيدى .. الاسكندراني .... ..) و هذه الألفاظ من الصعب تقليدها ، لذا فإن فحصها و مقارنتها تكون سهلة بالنسبة للخبير و نادر ما يختلف عليها الخبراء . .. و هناك بعض الألفاظ تكويناتها الخطية بسيطة سهلة التكوين و ممكن أن يتشابه فى كتابتها أكثر من شخص مثل ألفاظ (بدر - محمد ـ حسن ـ سيد . سالم) لذلك يسهل تقليدها ، فهذه الأخيرة عند مضاهاتها بالأستكتاب و أوراق المضاهاة يمكن أن تختلف فيها الآراء و يمكن إعطاء نتيجة عكسية على غير الحقيقة . .. هذا بالإضافة إلى أنه توجد بعض المؤثرات الأخري قد تؤثر في رأي الخبير عند فحصه لخط شخص ، فقد لا تتوافر له أوراق مضاهاة كافية معاصرة للتوقيع موضوع الفحص ، كما وأن كثير من الأشخاص عند الاستكتاب يقومون بالتلاعب و تغيير خطهم، و لا يقدمون أوراق للمضاهاة أو يقدمون أوراق مضاهاة مصطنعة.، و قد ينخدع الخبير بمثل تلك المؤثرات . .. لكل هذه الأسباب قد يخطأ بعض الخبراء عند فحصه و مضاهاته لتوقيع و يعطى نتيجة عكسية علي غير الحقيقة في تقريره الفني. لذلك تستجيب المحكمة في بعض القضايا التي سبق تقديم تقرير عنها لطلب أحد الخصوم لإعادة الفحص و طلب لجنة ثلاثية من خبراء آخرين غير الخبير الأول، و كثيراً ما تكون نتيجة تقرير اللجنة الثلاثية مخالفة لتقرير الخبير الأول و قد تتفق معه. (محمود بسوسي، خبير استشاري في مضاهاة الخطوط، ص2)، والله اعلم.

المستندات المعتمدة عند مضاهاة التوقيعات في القضاء اليمني
المستندات المعتمدة عند مضاهاة التوقيعات في القضاء اليمني