الفرق بين رأي المحكم وحكم المحكم في القضاء اليمني
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
في
بعض الحالات يختلف الأشخاص الطبيعيون أو الإعتباريون بشأن تفسير عقد أو لائحة أو
قانون معين ولحسم هذا الخلاف يقوم المختلفون بإختيار أشخاص تكون مهمتهم هي بيان
المعنى المقصود بالبند أو المادة محل الخلاف، وبناءً على هذا الإختيار يقوم
المختارون بدراسة النص أو البند محل الخلاف، ثم يقوم المختارون بتقديم تقرير يتضمن
الرأي الذي استقر عليه المختارون دون ان يتضمن التقرير الالفاظ التي تدل على جزم
او الزام للخصوم، فهذا يكون مجرد رأي للخصوم وليس حكماً مع أن الخصوم قد اختاروا
الأشخاص وصرحوا بقبولهم ورضاهم بالرأي الذي سيتوصل إليه المختارون، وفي قضايا أخرى قد يختار الخصوم محكما أو هيئة تحكيم للفصل في النزاع القائم بينهم ،وبدلا من ان يتوصل
المحكم في نهاية اجراءته الى اصدار حكم
تحكيم يتضمن في منطوقه الفاظ الجزم والحسم للنزاع والإلزام للخصوم
، فبدلا من ذلك يقوم المحكم بتضمين الوثيقة التى يصدرها الفاظا أو كلمات
يفهم منها ان ما ورد في الوثيقة هو مجرد رأي
للمحكم وليس جزما أو حسما للنزاع ، فيكون ذلك رايا وليس حكما ، اما حكم التحكيم
فأنه وان أتفق في إجراءاته مع رأي المحكم من
حيث وجود خلاف بين الأشخاص وقيامهم بإختيار شخص أو أشخاص لدراسة النص أو البند محل
الخلاف أو تطبيق مستند على الأرض أو غير ذلك، إلا أن حكم التحكيم يختلف مع الرأي
في أن حكم التحكيم يتضمن الجزم والالزام ،في
حين يكون رأي المحكم مجردا من الالزام ،وهذا هو
الفرق الجوهري بين حكم المحكم ورأي
المحكم ، فضلا عن ان إجراءات حكم المحكم تختلف عن رأي المحكم ، فراي المحكم لايشترط أن تسبقه اية اجراءات ، اما حكم المحكم فيحب ان
تسبقه اجراءات عدة من حيث الدعوى أو الطلب المكتوب والرد عليه ووجوب قيام المحكم
بعقد جلسات لنظر الخصومة التحكيمية وسماع أقوال وأدلة الخصوم، ووجوب تسبيب الحكم وتضمين منطوق الحكم الفاظ الجزم والالزام والنطق
بالحكم وايداعه بحسب الإجراءات المقررة في قانون التحكيم، حسبما
قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ
11-8-2014م في الطعن رقم (551057)، وقد ورد ضمن أسباب هذا الحكم: ((ومن خلال ذلك
يتضح للدائرة جلياً: أن اللجنة تولت إستعراض وجهة نظر كل طرف بشأن تطبيق قانون
ضريبة المبيعات وقيام رئيس اللجنة بترجيح وجهة نظر ممثلي الغرفة التجارية كرأي
قانوني مفسر لتطبيق القانون المذكور، فما صدر عن اللجنة ليس حكم تحكيم، ومما سبق
فقد توصلت الدائرة: إلى قبول الطعن بالنقض وتقرر خطأ الحكم المطعون فيه بشأن
تكييف ما عرض عليها بأنه حكم تحكيم، وتقرر الدائرة: نقض الحكم المطعون فيه))، وسيكون
تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: الفاظ الجزم في الحكم والفاظ الرأي:
كان جانب من الخلاف في القضية التي تناولها الحكم
محل تعليقنا كان بشأن الالفاظ الواردة في تقرير اللجنة المختارة من الطرفين المتنازعين
، فقد كان طرف من أطراف النزاع يرى ان ما توصلت إليه اللجنة المختارة من الطرفين المتنازعين
هو حكم تحكيم ،لأن اللجنة مختارة على أساس
حسم النزاع القائم بين الطرفين، كما ان رأي اللجنة قد حسم النزاع بشأن تفسير النص
القانوني محل الخلاف، فهناك خصومة اوخلاف وهناك إختيار من اطراف النزاع لهيئة
تحكيم وهي اللجنة المختارة،كما أن هناك
تقرير مكتوب صدر من اللجنة يعد بمثابة حكم
تحكيم فهو وثيقة مكتوبة، وعلى ذلك فإن ما صدر عن اللجنة حكم تحكيم وليس مجرد رأي،
في حين توصل الحكم محل تعليقنا إلى نقض الحكم الاستئنافي على أساس أن ما صدر عن
اللجنة المختارة لحسم الخصومة ليس حكماً من خلال الألفاظ الواردة فيه فاسمه
(تقرير) وليس (حكماً) كما أن ذلك التقرير تضمن
عبارة رأي اللجنة وليس حكم اللجنة.
ولا ريب أن هناك فرق واضح بين الحكم والرأي من
ناحية الجزم والالزام، فالحكم يتضمن ألفاظ (الحكم والجزم والحسم والفصل) وليس مجرد
عرض رأي أو مقترح أو توصية ، ولذلك كانت تنتهي أحكام قضاة اليمن المتقدمين
والمتأخرين بألفاظ مثل (هذا ما ظهر لي وبه حكمت وجزمت)، فلفظ الرأي عندما يرد في
الوثيقة الصادرة من المختارين أو هيئة
التحكيم فانه يكون مجرد رائ لحسم الخصومة حتى لو صدر من هيئة تحكيم، فإن
ذلك يعني أنه مجرد راي خال من عنصر الجزم والإلزام، فهو مجرد رائ للمحكم لحسم
الخصومة ،وللخصوم أن يأخذوا به أو
يطرحوه، فلا يكون الرأي حاسماً للنزاع، فعنصر الجزم والإلزام من أهم خصائص وعناصر
الحكم التي تجعله قابلاً للتنفيذ حتى بقوة السلطة العامة.
الوجه الثاني: إجراءات نظر الخصومة التحكيمية كعلامة تميز حكم التحكيم عن الرأي:
حدد قانون التحكيم الإجراءات الواجب على هيئة
التحكيم الإلتزام بها عند نظرها في الخصومة التحكيمية بما فيها الإجراءات المقررة
في قانون المرافعات التي تعد من النظام العام، وعلى هذا الأساس فإنه يجب على
المدعي أن يقدم أمام المحكم دعوى مكتوبة أو
بيان مكتوباً، وينبغي على المدعى عليه ايضا أن يقدم إلى هيئة التحكيم رده مكتوباً ،ويجب
على هيئة التحكيم عقد جلساتها بكامل قوامها ، وينبغي عليها أن تدون إجراءاتها في
محاضر جلسات تتضمن تاريخ ومكان الجلسة وحضور وغياب الخصوم وأقوال الخصوم وأوجه
دفاعهم ودفوعهم والأدلة التي استدلوا بها، وبعد ذلك تصدر هيئة التحكيم حكمها
المشتمل على وقائع سير إجراءات نظر الخصومة التحكيمية ثم تقوم بتسبيب حكمها ثم تذكر
نتيجة الحكم اومنطوقه الجازم والحاسم للنزاع، وبالاضافة إلى ذلك ينبغي أن تتضمن
مدونة الحكم اسماء هيئة التحكيم وإتفاق التحكيم واسماء الخصوم وملخص للدعاوى
وللردود والطلبات ثم يذيل بأسماء وتوقيعات هيئة التحكيم، فهذا هو الحكم من حيث
مكوناته ،اما تحرير مذكرة الرأي فلا يلزم
ان تسبقها إجراءات كاجراءات حكم التحكيم .
الوجه الثالث: أمثلة لرأي المحكم التي لا تعد حكماً:
من خلال المطالعة لأغلب الأحكام الصادرة عن المحكمة العليا في اليمن خلال الفترات السابقة حتى الآن نلاحظ أنها لا تعد رأي المحكم حكماً، وذلك من خلال نظرها في الالفاظ الواردة في قرار المحكم، فإذا ذكر المحكم في قراره الفاظ مثل: أرى أن يصنع الخصوم أو الخصم كذا او اقنرح أو أوصي بأن يتم كذا وما شابهه هذه الالفاظ ، فإن ذلك لا يعد حكماً بل مجرد رائ ، اما إذا تضمن قرار المحكم لفظ الجزم السابق بيانه فإنه يكون حكماً، طالما وهو مكتوب حتى لو كان في صفحة واحدة إذا كانت طبيعة الخصومة لا تستدعي عقد جلسات مثل النزاع بشان تطبيق مستندات الخصوم أو وضع فاصل في الأرض محل النزاع، فإن طبيعة النزاع في هذه الأحوال لا تستدعي إنعقاد جلسات في الخصومة التحكيمية في هذه النزاعات التي يكون الخلاف فيها بشان اجراء محدد، والله أعلم.
![]() |
الفرق بين رأي المحكم وحكم المحكم في القضاء اليمني |