غرامة التأخير في عقد المرابحة المصرفية في القانون اليمني
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
عقد
المرابحة المصرفية من الصيغ المصرفية الإسلامية المستعملة في المصارف الإسلامية،
وقد اجاز قانون المصارف الإسلامية اليمني اجاز للمصارف الإسلامية إستعمال الصيغ
الإسلامية في تعاملاتها المصرفية، ويندرج عقد المرابحة ضمن هذه المعاملات المصرفية
التي تستعملها المصارف الإسلامية في اليمن، وصيغة عقد المرابحة المصرفية تثير جدلاً واسعاً في اليمن وغيرها سيما إذا
تضمن العقد غرامة التأخير، وقد كان من ضمن تداعيات هذا الجدل صدور قانون منع
المعاملات الربوية في اليمن عام 2023م
الذي اعتبر صيغتي المرابحة المصرفية والتورق من ضمن المعاملات الربوية، وفي هذا
الشأن نجد أنه من المناسب التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة
العليا عام 2014م في الطعن رقم (53852)، المسبوق بالحكم الابتدائي الذي ورد ضمن
أسبابه (أن قيام البنك بخصم مقابل تعويضات تأخير مبلغ وقدره..... ،ولما كان البنك
لم يقدم للمحكمة أي دليل على مقدار الضرر الذي اصابه ،فالمتعين معه استنزال المبالغ التي قيدها البنك في حساب المدعى عليه
مقابل التعويض وغرامات التأخير)، وقد قضى الحكم الاستئنافي بتأييد الحكم
الابتدائي، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي قضت الدائرة التجارية بإقرار
الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: ((فقد وجدت الدائرة أن
نعي الطاعنين في غير محله ،لأن الحكم المطعون فيه قد استند إلى تقرير المحاسب
القانوني، ولم تقم المحكمة بإجراء أي تعديل عليه إلا في إسقاط غرامة التأخير
والتعويض لعدم وجود نص يعطي البنك حق إحتساب مثل تلك المبالغ ، والدائرة: تجد أن
قضاء الحكم الاستئنافي وما ورد في أسبابه موافق لصحيح القانون ،حيث أن المادة
(175) إثبات قد نصت على إعتبار النتيجة التي توصل إليها الخبير أو الخبراء وتطمئن
إليها المحكمة دليلاً كاملاً في المسائل التي يعينون
فيها)، ولذلك فإن ما جادل به الطاعنان في غير محله))، وسيكون تعليقنا على هذا
الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الاول: التنظيم القانوني للمرابحة في القانون المدني اليمني:
نظم القانون المدني اليمني المرابحة في ثلاث مواد
هي المواد (570 و 571 و 572)، فقد تضمنت
المادة (570) تعريف المرابحة الفقهية البسيطة وشروطها، فقد نصت هذه المادة على أن
(المرابحة هي بيع الشخص ما اشتراه بعقد صحيح بالثمن الذي اشترى به مع زيادة ربح
معلوم، ويشترط لصحة بيع المرابحة زيادة على شروط صحة البيع عموماً ما يلي: -1-
بيان رأس المال وهو الثمن الذي اشترى به -2- بيان الربح وهو الزيادة على رأس المال
التي يشترطها البائع -3- يلزم البائع بيان العيوب التي حدثت بالمبيع ونقصه ورخصه
وما إذا كان قد اشتراه بثمن مؤجل أو ممن يحابيه أو يتسامح معه)، اما المادة (571)
مدني فقد تضمنت حكم خيانة البائع ووجود عيب في البضاعة، فقد نصت هذه المادة على
أنه (إذا ظهرت خيانة في المرابحة كان المشتري بالخيار بين امضاء العقد بجميع الثمن
أو فسخه إن كان المبيع قائماً ولم يتعيب بعيب جديد وله المطالبة بما تضرر به بسبب
الخيانة)، في حين بينت المادة (572) مدني حكم إضافة المؤن والتكاليف إلى ثمن
السلعة، إذ نصت هذه المادة على أنه (يجوز في المرابحة أن يضم إلى الثمن في العقد
الأول المؤن المعتادة التي غرمها المشتري كأجرة نقل المبيع).
ومن خلال إستقراء ما ورد في النصوص السابق ذكرها
يظهر أن المرابحة التي نظمها القانون المدني اليمني هي المرابحة الفقهية أو
المرابحة البسيطة التي اجازها جمهور الفقهاء، لأن عقد المرابحة في الأصل من عقود
الأمانة التي تعتمد على أمانة البائع في إقراره بالثمن الذي اشترى به السلعة، ولأن البائع يكون
صاحب خبرة ودراية بالسلعة وسعرها ومواصفاتها
وجودتها ويمتع بقدرة على المساومة والعلاقة الطيبة ومعرفة بظروف السوق واسعار السلع ومواصفاتها، وتمكنه
هذه الامكانيات من الحصول على سلع جيدة
باسعار مناسبة وجودة عالية ، ولذلك فالبائع يقدم للمشتري بالإضافة إلى السلعة
خبرته بشأن جودة السلعة وثمنها المناسب، لأن المشتري لو قام بنفسه بشراء السلعة من
غير الاستعانة بالبائع المرابح لما حصل المشتري على السلعة الجيدة بالثمن المناسب، وعلى
هذا الأساس فإن البائع في المرابحة الفقهية أو البسيطة يقدم خبرة وخدمة مناسبة
للمشتري يستحق نظيرها الزيادة أو الربح. (الفقه المقارن مع معاملات مالية معاصرة،
أ.د.عبدالمؤمن شجاع الدين، ص148).
وهذه المرابحة البسيطة تختلف عن المرابحة المنظمة
او المرابحة المصرفية التي تستعملها المصارف الاسلامية في معاملاتها ،كما تختلف
المرابحة البسيطة أو الفقهية عما يسمى بصيغة بيع المرابحة للأمر بالشراء، وهي
الصيغة التي تستعملها المصارف الإسلامية، فالبائع في المرابحة البسيطة يكون مالكاً
للسلعة التي هي موجودة بالفعل لديه ،بخلاف بيع المرابحة للآمر بالشراء، إذ أن
السلعة لا تكون موجودة لدى البنك وإنما موجودة لدى تاجر اخر أو المنتج للسلعة، وقد
اختلف الفقهاء بشأن حكم المرابحة للآمر بالشراء بصيغتها البسيطة التي تتم خارج
المعاملات المصرفية، فيذهب جمهور الفقهاء إلى جوازها، لأن المأمور بالشراء الذي
يتولى شراء السلعة أو البضاعة يكون خبيراً في البضاعة واسعارها وجودتها وظروف السوق والاسعار المنافسة، ويجيد المفاوضة
والمساومة ولذلك يلجأ المشتري الآمر بالشراء إليه لشراء السلعة لحسابه مقابل ربح
معين يتم الإتفاق عليه مقدماً بين المشتري الآمر والمأمور بالشراء ،كأن يقول الآمر
للمامور أشتري لي السلعة وأربحك بالدينار ديناراً ،حسب تعبير الفقهاء.
فالمرابحة
للآمر بالشراء في هذه الصورة البسيطة محل إتفاق جمهور الفقهاء ،لأن المأمور
بالشراء يقدم خدمة وخبرة حقيقية للمشتري الآمر، لأن المأمور بالشراء يكون صاحب
خبرة ودراية بالسوق والبضاعة واسعارها وظروف السوق والاسعار المنافسة ،ولذلك فإن المأمور يستحق شرعا الزيادة المتفق عليها كمرابحة نظير
الأعمال التي قام بها.
اما المرابحة للآمر بالشراء المركبة أو المنظمة
او المصرفية التي تتم عن طريق المصارف
الإسلامية، فقد كانت محل خلاف شديد بين الفقهاء المعاصرين، لأن الإجراءات والعقود
التي تتبعها المصارف الإسلامية قد اضفت عليها عقود وإجراءات مركبة كالوعد بالعقد
والرهن والتوكيل بقبض البضاعة وإعفاء البنك من الضمان وتحميل الأمر بالشراء نفقات
البضاعة قبل تسليمها وغير ذلك، وكل هذه الإجراءات المصاحبة لبيع المرابحة للأمر
بالشراء الذي تباشره المصارف الإسلامية قد أثار انتقادات واعتراضات عدة من الفقهاء
المعاصرين. (النظرية المصرفية الإسلامية، أ.د.عبدالمؤمن شجاع الدين، 272).
ولذلك فإن صيغة بيع المرابحة للآمر بالشراء تحتاج
إلى معالجات حتى تكون موافقة لاحكام الشريعة الإسلامية.
الوجه الثاني: واقع بيع المرابحة المصرفية للأمر بالشراء:
كان من أسباب منع قانون المعاملات الربوية صيغة
بيع المرابحة المصرفية للآمر بالشراء المخالفات المصاحبة لهذه الصيغة، ومن هذه
المخالفات أن هذه الصيغة تشتمل على أكثر من عقد وصفقة ،فهي تتضمن الوعد بالعقد
بالبيع ،لأن السلعة لا تكون حاضرة عندما يطلب العميل من البنك شراء السلعة، وكذا
يتم إبرام عقد قرض حسن حتى يشتري به البنك البضاعة لحساب العميل ، ويتم إبرام عقد رهن
فيما بين العميل والبنك يرهن العميل الآمر بالشراء مالاً كضمان لسداد العميل لمبلغ القرض للبنك،وكذا يتم إبرام عقد المرابحة المتضمن نسبة معينة للبنك ، كما
أن هذه الصيغة تشتمل على توكيل من العميل الآمر إلى البنك بقبض السلعة نيابة عن
الآمر...إلخ، وهذه العقود والإجراءات المتعددة تخالف حديث أن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم (نهى عن صفقتين في صفقة أو بيعين في بيع أو دين وبيع أو بيع وسلف) بحسب
الروايات المتساندة للحديث.
ويمكن
معالجة مسألة تعدد الاجراءات والعقود في صيغة المرابحة المصرفية للأمر بالشراء عن
طريق حمل الحديث الشريف السابق ذكره على
الحالة التي يتم فيها التعاقد بعقود عدة بصيغة إيجاب وقبول واحدة ،اما إذا تم
إبرام هذه العقود بصيغ إيجاب وقبول متعددة و مستقلة لكل عقد حدة فلا محظور في ذلك،
وكذلك يؤخذ على صيغة المرابحة للأمر بالشراء أنها تتعامل مع الوعد بالعقد كما لو
أن الوعد بالعقد ملزم لطرفيه خلافاً لقول
جمهور الفقهاء الذين ذهبوا إلى أن الوعد بالعقد غير ملزم، لأن في ذلك معنى الغرر،
فالمسلم لا يعلم بما سيحدث في المستقبل، فقد لا يتمكن من الوفاء بالعقد، ويمكن
معالجة هذه المخالفة عن طريق إستبدال الوعد بالعقد بتعهد يلتزم فيه الآمر بالشراء بأنه
ملتزم للبنك بشراء أو إستلام البضاعة حينما يحصل عليها أو يستوردها البنك، غير أن
المسألة الشائكة التي تحتاج إلى بحث ودراسة هي إشكالية أن الآمر بالشراء حينما
يذهب إلى البنك ويأمره بالشراء لا يكون دافع الآمر حين الذهاب إلى البنك الإستفادة
من خبرة البنك ودرايته بالسلعة واسعارها وجودتها وظروف السوق ،وإنما يذهب الأمر بالشراء إلى البنك لأنه يريد الإقتراض من البنك
لتمويل الصفقة التي يعتزم العميل شراءها، ولذلك يتم تحرير عقد قرض حسن فيما بين
البنك والعميل لا يتضمن أية فائدة، لأنه كما ذكرنا قرض حسن، في حين يتم النص في
عقد المرابحة على أن البنك يستحق نسبة معينة، والإشكالية أن البنك ليس خبيراً في
السلعة واسعارها وجودتها سيما عندما يقوم البنك بتمويل الشركات الكبيرة الوكيلة
لشركات أجنبية، إذ تكون هذه الشركات الوكيلة أكثر معرفة وخبرة بالسلعة واسعارها من
البنك وظروف السوق والاسعار المنافسة، ولذلك فإن البنك لا يقدم أي خبرة أو خدمة
للعميل سوى تمويل الصفقة ،وعلى هذا الأساس فإن النسبة المذكورة في صيغة المرابحة
المصرفية للأمر بالشراءانما هي في حقيقتها
مقابل القرض الحين ، ولذلك تكون فيها شبهة الربا، ولذلك فإن هذه الجزئية هي
المشكلة الحقيقية التي تحتاج إلى معالجة شرعية. (المعاملات المعاصرة مع الفقه
المقارن، أ.د.عبدالمؤمن شجاع الدين، ص156 محاضرات لطلبة دبلومي الشريعة والقانون
العام جامعة صنعاء).
الوجه الثالث: الإتفاق المسبق على تقدير التعويض في القانون المدني اليمني:
كان جانب من الجدال في الحكم محل تعليقنا كان
بشأن غرامات التأخير التي يتفق عليها مسبقاً في عقد المرابحة فيما بين البنك وعميله أو يرد
ذكرها في النظم المصرفية الخاصة بالبنك .
وغرامات
التأخير هي صورة من صور الإتفاق المسبق على تقدير التعويض عن الضرر الذي يلحق
المتعاقد من عدم الوفاء بالإلتزامات المقررة في العقد في الوقت المحدد لذلك.
وبشأن
الإتفاق المسبق بين المتعاقدين على تقدير التعويض فقد نصت المادة (348) مدني على
أنه (يجوز الإتفاق على مقدار التعويض، وفي جميع الأحوال يجوز للقاضي أن ينقص مقدار
التعويض أو لا يحكم بتعويض إذا كان صاحب الحق قد اشترك بخطئه في إحداث الضرر أو
زاد فيه)، ومن خلال إستقراء هذا النص يظهر أن الإتفاق المسبق على تقدير التعويض
يكون قابلاً للتعديل في المستقبل،ونخلص من هذا الوجه إلى القول بأن القانون المدني
اجاز الاتفاق المسبق على غرامة التأخير.
الوجه الرابع: غرامة التأخير في الفقه الإسلامي:
من خلال
دراسة الفتاوى والقرارات الصادرة بشأن غرامات التاخير بصفة عامة يظهر ان في
هذه المسألة اربعة اقوال:
القول
الاول : يجوز للدولة ان تقرر غرامة التاخير بالنسبة للمبالغ المستحقة للدولة،
لأن حكم الغرامة في هذه الحالة يكون حكم العقوبة
التعزيرية بالمال ، وذلك جائز بالنسبة للدولة ، لأن توقيع العقوبة التعزيرية من اختصاصها.
فإذا وقعت المماطلة من العميل أو المدين فإن
المستحق هو الدين فقط دون أي زيادة ،لأنه يعامل معاملة الغاصب للمال المثلى وجزاؤه
رد المثل دون زيادة مع الإثم على عمله هذا، ولم يعهد من قضاة الشرع إيجاب زيادة
للدائن يأخذها من المدين المماطل لالتباس ذلك بالربا، ولكن لتحقيق استرجاع أموال
البنك واعادة استثمارها يمكن الضغط على المدين المماطل بفرض عقوبة مالية عليه من
باب التعزير بأخذ المال ويتأكد هذا إن كان المدين من أعضاء مجلس الإدارة لوجود
المماطلة وخيانة الأمانة الموكولة إليهم والإخلال بواجبهم في حفظ أموال البنك
وتنميتها ما أمكن،
وفي جميع الأحوال فإن البنك لا يتمول بهذه
الغرامات بل يصرفها في وجوه الخير العامة وينبغي لسهولة تحصيلها بدون القضاء وضع
شرط في العقد يبت فيه من محكمين يتضمن تعهد المدين المماطل بأن يدفع نسبة كذا إلى
البنك ليصرفها في وجوه الخير بمعرفة الهيئة الشرعية لديه. )فتاوى
هيئة الرقابة الشرعية لمصرف قطر الإسلامي فتوى رقم (١٨).
القول الثالث: يجوز
للبنك الاتفاق المسبق مع عميله على
إن يدفع العميل غرامة تأخير اذا لم
يسدد العميل القرض للبنك في الوقت المحدد، بما ذلك عقد المرابحة.
ويجوز
للبنك الاحتفاظ بالمبالغ المتحصلة من غرامات التاخير ،وقد ذكر المجيزون للغرامة فروقاً
بينها وبين الفائدة الربوية منها أن الفوائد الربوية مثبتة في البداية وغرامة التأخير
محتملة فلو لم يتأخر المدين فإنه لن يدفع شيئاً، وأن الفوائد الربوية تفرض على
المدين مطلقاً بغض النظر عما إذا كان موسرا أو معسرا، وغرامة التأخير لا ينبغي أن تفرض
إلاّ عند الإيسار والمماطلة .
القول الرابع : لايجوز
مطلقا للبنك الاتفاق المسبق مع عميله على تحديد غرامة تأخير إذا لم يقم العميل
بسداد القرض في الميعاد المتفق عليه حتى لو قام
البنك بصرف المبالغ المتحصلة من غرامات التاخير في وجوه البر أو أحتفظ بها
البنك لنفسه ،فاشتراط هذه الغرامة في الديون الآجلة سواء أكانت الغرامة مبلغا محددا،
أو نسبة من الدين، أو نسبة حسب أرباح ودائع البنك.. كل ذلك لا يجوز وليس للمصارف الإسلامية
فعله، والبدائل التي تحفظ لها حقها وتستطيع من خلالها إلزام المدين المماطل بالسداد
كثيرة.
فتساهل البنوك الإسلامية وأخذها بمثل هذه بالحيل،
والأقوال الشاذة والمرجوحة يقربها تماما من البنوك الربوية، ولذا كثر القول في أوساط
الناس أن لا فرق بين عمل البنوك
الاسلامية وعمل البنوك التجارية الربوية، ومن أسباب ذلك القول شكلية الإجراءات
وصوريتها في كثير من المعاملات التي تجريها المصارف الاسلامية ، وكذلك الأخذ بمثل هذه الحيل التي تشبه
الفوائد الربوية .
قد يقول قائل: إن المسألة ليست محل اتفاق وأن من أهل
العلم من قال: بجواز فرض غرامة التأخير على المدين الموسر المماطل، لكن لا يجوز للدائن
أخذها، بل يجب عليه صرفها في وجوه البر، ومنهم من قال بجوز فرضها وأنه لا حرج في استفادة
البنك منها إذا كانت بمقدار الضرر الفعلي، وفي المسألة أقول أخرى. فلا تحجروا واسعا.
ولكن الخلاف في هذه المسألة لا يكاد يعتد به، وقد
قال الحطاب رحمه الله في تحرير الكلام في مسائل الإلتزام ص176: “إذا التزم المدعى عليه
للمدعى أنه إذا لم يوفه في كذا فله عليه كذا وكذا، فهذا لا يختلف في بطلانه، لأنه صريح
الربا، وساء كان الشيء الملتزم به من جنس الدين أو غيره، وسواء كان شيئاً معيناً أو
منفعة، وحكم به بعض قضاة المالكية الفضلاء بموجب الالتزام، وما أظن ذلك إلاّ غفلة منه”.
وأكثر المعاصرين أيضا على القول بمنع غرامة التأخير
مطلقا ،وهذا هو ما صدر به قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي،
وجعل هذه الغرامة كربا الجاهلية الذي نزل القرآن بتحريمه ومما تضمنه قراره:
” قرر المجمع الفقهي بالإجماع ما يلي:
إن الدائن إذا شرط على المدين أو فرض عليه أن
يدفع له مبلغا من المال غرامة مالية جزائية محددة، أو بنسبة معينة إذا تأخر عن السداد
في الموعد المحدد بينهما فهو شرط، أو فرض باطل، ولا يجب الوفاء به بل ولا يحل، لأن
هذا بعينه هو ربا الجاهلية الذي نزل القرآن بتحريمه.”
وكذلك صدر بتحريم هذه الغرامة قرار مجمع الفقه
الإسلامي الدولي في دورة مؤتمره السادس، رقم 53(2/6). ومما جاء فيه: “إذا تأخر المشتري
المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد، فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين، بشرط
سابق أو بدون شرط لأن ذلك ربا محرم.
– يحرم على المدين المليء أن يماطل في أداء ما حل
من الأقساط، ومع ذلك لا يجوز شرعاً اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الأداء.” انتهى.
وجاء في القرار رقم: 109(3/12) بشأن موضوع الشرط الجزائي:
“يجوز أن يشترط الشرط الجزائي في جميع العقود المالية ما عدا العقود التي يكون الالتزام
الأصلي فيها ديناً، فإن هذا من الربا الصريح.
وإن كان القول بأخذ الغرامة وصرفها في وجه البر لإلزام
المماطل بالسداد وحثه عليه أمثل من القول بأنه يجوز للبنك أخذها والاستفادة بها،
لكن من الطريف هنا أن بعض البنوك احتال حتى على هذا القول الذي يرى جواز فرض
غرامة التأخير وصرفها في وجوه البر إذ يقول الشيخ القره داغي في بحث له : “وهذا الذي
خيف منه قد تحقق فعلاً فقد استطاع أحد البنوك ـ بعد تركي مراقباً شرعياً له ـ تحصيل
الموافقة من الهيئة الشرعية على اشتراط التعويض عن التأخير، وعلى غرامة التأخير، فوافقت
الهيئة على أن تصرف في وجوه الخير، ولكن الإدارة كانت ذكية فأخذت موافقة أخرى من الهيئة
على اقتطاع جزء من هذه الغرامة في مقابل الإجراءات الإدارية، وحينئذ كلفت الإدارة أحد
موظفيها باحتساب مقدار التكلفة الإدارية حيث بلغت قريباً من الغرامة المحصلة، وبالتالي
دخلت المبالغ المتحصلة من غرامات التاخير في خزينة البنك.
وقد افتى الدكتور أحمد بن عبد العزيز الحداد - كبير
المفتين - مدير إدارة الإفتاء في دبي انه: بشان النسبة التي تأخذها البنوك الإسلامية عن
تأخر السداد يسمونها غرامة تأخير ويصرفونها لجهات الخير المختلفة بإشراف الهيئة
الشرعية للبنك، وتؤخذ على سبيل الوعد الملزم من العميل عند توقيع العقد، عملا بما
رآه بعض أهل العلم من المالكية من جواز الإلزام بفعل الخير، و هو رأي فقهي خالفه
جمهور أهل العلم، ونصت على منعه المجامع الفقهية، ورأت أنه يمكن حمل العميل على
السداد بطرق أخرى كشرط حلول بقية الأقساط أو رفع قضيته للمحكمة ومنع التعامل معه
مستقبلا، إلا أن العمل جار في المصارف الإسلامية على هذا القول، لما فيه من حمل
المتعاملين على الوفاء بالتزاماتهم نحو البنك الذي يدير الاستثمار للمؤسسين
والمودعين، ورأت الهيئات الشرعية أنها لا تستطيع حمل الناس على الوفاء إلا بهذه
الغرامة التي لا يعود نفعها للبنك أصلا.
وقال الدكتور القرة داغي في تأصيله
لغرامة التأخير: الخلاصة أن اشتراط شرط في عقود المرابحات والالتزامات
الدينية الآجلة، ينص على إلزام المدين بدفع مبلغ محدد، أو نسبة من الدين، أو نسبة
حسب أرباح ودائع البنك شرط فاسد، لا يجوز ارتكابه، ولا يجوز للبنوك الإسلامية أن
تقدم عليه؛ لأنها بهذا العمل تقترب تماماً من البنوك الربوية؛ فالربا الجاهلي
المجمع على حرمته، فسره العلماء بقريب مما ذكر، بل بمثله، فقد قال قتادة وغيره في
تفسير قوله تعالى: {وحرم الربا}: "إن ربا الجاهلية أن يبيع الرجل البيع إلى
أجل مسمى، فإذا حلّ الأجل ولم يكن عند صاحبه قضاء، زاد وأخر". وذكر الجصاص أن
العرب لم يكونوا يعرفون البيع بالنقد، "فأخبر الله تعالى أن تلك الزيادة
المشروطة، إنما كانت ربا في المال المعين، لأنه لا عوض لها من جهة المقرض".
ولا خلاف بين الفقهاء في أن اشتراط الزيادة على الدين غير الربوي، يجعل الدين
ربوياً. يقول الجصاص: "ولا خلاف أنه لو كان عليه ألف درهم، فقال له: أجلني
وأزيدك فيها مائة درهم، لا يجوز؛ لأن المائة عوض عن الأجل". وقد نقل الإجماع
على ذلك غير واحد، ونقل ابن عبد البر عن مالك عن زيد أسلم أنه قال: "كان
الربا في الجاهلية: أن يكون للرجل الحق إلى أجل، فإذا حل الأجل، قال: أتقضي أم
تربي؟ فإن قضى أخذ، وإلاّ زاده في حقه، وأخر عنه في الأجل". ثم ذكر ابن عبد
البر أن المعنى الجامع الذي حرم لأجله الربا، هو أن يكون بإزاء الأمد الزائد بدل
وعوض، يزداده الذي يزيد في الأجل".
واضاف القره داغي : ان الخلاصة أنه لا خلاف يعتد
به بين المعاصرين في عدم جواز اشتراط الشرط الجزائي في الديون، كما لا خلاف بين
فقهاء السلف في ذلك.
يقول الحطاب: "إذا التزم المدعى عليه،
للمدعي، أنه إذا لم يوفه في كذا، فله عليه كذا وكذا، فهذا لا يختلف في بطلانه؛
لأنه صريح الربا، وسواء كان الشيء الملتزم به من جنس الدين أو غيره، وسواء كان
شيئاً معيناً أو منفعة، وحكم به بعض قضاة المالكية الفضلاء، بموجب الالتزام، وما
أظن ذلك إلاّ غفلة منه".
وهذا ما عليه المجامع الفقهية، والندوات والحلقات
الفقهية والاقتصادية، حيث صدرت منها قرارات وفتاوى وتوصيات مجلس المجمع الفقهي
الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي المنعقد بمكة المكرمة في الفترة من يوم الأحد ١٣
رجب ١٤٠٩ هـ الموافق ١٩ فبراير قد نظر في موضوع السؤال التالي:
إذا تأخر المدين عن سداد الدين في المدة المحددة
فهل له - أي البنك - الحق بأن يفرض على المدين غرامة مالية جزائية بنسبة معينة
بسبب التأخير عن السداد في الموعد المحدد بينهما؟
وفي هذا الشان ورد في قرار المجمع الفقهي انه ; بعد البحث
والدراسة قرر المجمع الفقهي بالإجماع ما يلي: إن الدائن إذا شرط على المدين
أو فرض عليه أن يدفع له مبلغا من المال غرامة مالية جزائية محددة أو بنسبة معينة
إذا تأخر عن السداد في الموعد المحدد بينهما فهو شرط أو فرض باطل ولا يجب الوفاء
به بل ولا يحل سواء أكان الشارط هو المصرف أم غيره ،لأن هذا بعينه هو ربا الجاهلية
الذي نزل القرآن بتحريمه.
وكذا ورد في كتاب - الأجوبة الشرعية في التطبيقات
المصرفية - الجزء الأول - إدارة التطوير والبحوث - مجموعة دلة البركة فتوى
رقم (٥٧) انه: لا
يجوز تطبيق غرامة التأخير على القرض الحسن أما إذا كانت القروض الحسنة بين بنوك
فيمكن معالجتها عن طريق تبادل الودائع بدون أرباح محددة (فوائد) .
وكذلك ورد في كتاب - الفتاوى الشرعية في المسائل
الاقتصادية - - بيت التمويل الكويتي فتوى رقم (٨٥) انه : لا
يجوز للدائن أن يشترط على المدين المماطل غرامة تأخير لصالح الدائن، لأن ذلك ذريعة
إلى المراباة بطريقة (زدني أنظرك) ،ولا يحل للدائن تملك تلك الغرامة على
أنه لا مانع من أن يشترط الدائن على المدين المماطل تسليم غرامة بنسبة محددة يقوم
الدائن بصرفها في وجوه الخير وذلك للحيلولة دون تساهل المدين المماطل في دفع
التزاماته وقيامه بدفع الديون الأخرى ذات الفوائد.
كما ورد في كتاب - الفتاوى الشرعية في المسائل
الاقتصادية - - بيت التمويل الكويتي فتوى رقم (٥٢٧) لا يجوز الاتفاق مع
العميل بشرط ملحوظ أو ملفوظ على حط جزء من الثمن المؤجل عند تعجيله بل في حالة
تعجيل السداد يحق إجراء الخصم المناسب بما تراه الإدارة على ألا يكون هناك سعران
محددان أحدهما للأجل والثاني للتأخير (المماطلة في الدفع) احتياطيا
لتأخير السداد ينظر إليه على أنه من الثمن ويطبق عليه بالنسبة للحط ما سبق.
كما ورد في فتاوى هيئة الرقابة الشرعية لمصرف قطر
الإسلامي فتوى رقم (٦٤) انه: لا يجوز فرض أي غرامة للتأخير وإنما يمكن فقط
اتخاذ الإجراءات القانونية ضد هؤلاء العملاء.
وكذا
ورد في المصدر السابق ماياتي :السؤال: لوحظ
أن بعض العملاء دأبوا على التأخر في سداد بعض الأقساط المستحقة عليهم أو جميع
المبالغ المستحقة للمصرف عن عمليات المرابحات والمشاركات التي سبق أن أجريت بين
هؤلاء العملاء والمصرف وذلك لعلمهم بأن تأخيرهم في السداد لن يقابله أي نوع من
أنواع الجزاء وفي حالة اتخاذ الإجراءات القانونية فإنها تطول أمام المحاكم المدنية
الابتدائية والاستئنافية لعدة سنوات وبعدها يتم تقسيط المبالغ المستحقة مما يؤدي
ذلك إلى تحمل المصرف لخسائر كبيرة من جراء هذا التأخير وخاصة أن كثيرا من هؤلاء العملاء
لا ينطبق عليهم نص الآية الكريمة (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) فهل
يمكن فرض غرامات تأخير على مثل هؤلاء العملاء يتم الاتفاق على قيمتها مسبقا في عقد
المرابحة حتى يمكن خلالها وضع حد للتلاعب وتطبيقا للشريعة الإسلامية السمحاء بأنه
لا ضرر ولا ضرار؟
الجواب:
لا يجوز ورأت الهيئة إمكانية أن يزيد المصرف من نسبة الربح وفي حالة التزام العميل بالسداد في المواعيد يقوم المصرف بمنحه نسبة من الربح الذي سبق أخذه تشجيعا له على السداد ،على أن تستمر الاستعانة والعمل بشرط التحكيم في حالة تأخر العميل عن السداد ،ويجوز أن ينص على ذلك في الاتفاقيات المعقودة بين المصرف وعميله، والله أعلم.
![]() |
غرامة التأخير في عقد المرابحة المصرفية في القانون اليمني |