لا يجوز لحكم التحكيم المساس بالضرائب العامة

لا يجوز لحكم التحكيم المساس بالضرائب العامة

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

الضرائب العامة مقررة بموجب الدستور والقانون لتمكين الدولة من القيام باعمال للمصالح العامة ورعاية مصالح الشعب ، وينص الدستور  اليمني على أنه لا يجوز تقرير الضرائب أو الإعفاء منها إلا بقانون، ومن هذا المنطلق فإن الضرائب مورد سيادي للدولة للنهوض بالاعباء العامة ورعاية المصالح العامة ،فلا يجوز للوزارات والمصالح والمؤسسات والشركات الحكومية  وغيرها عند إبرام العقود  أن تضمن عقودها الإعفاء من أية ضريبة، وإذا تضمن أي عقود من عقود مؤسسات الدولة وغيرها شرط تحكيم، فيجب على هيئة التحكيم عند الفصل في الخصومة التحكيمية عدم المساس بالضريبة العامة ، حتى لو ورد في العقد أن المتعاقد مع مؤسسات الدولة معفي من الضريبة بموجب العقد ، بإعتبار حكم التحكيم إذا قضى بالإعفاء من الضريبة إعمالا للعقد يكون حكم التحكيم  في هذه الحالة قد مس النظام العام الذي لايجوز الاتفاق على خلافه، والذي لايجوز التحكيم بشانه حسبما هو مقرر في المادة (5) من قانون التحكيم اليمني ،وحسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 25-12-2013م في الطعن رقم (53695)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((وحاصل السبب الثاني من أسباب الطعن بالنقض النعي على الحكم المطعون فيه  بشأن قضاء حكم التحكيم بإسترجاع ضرائب الدخل ،لأن ذلك مخالف للنظام العام بإعتبار الضريبة مورداً سيادياً ،لا يكون الإعفاء منها إلا بقانون، وبشأن هذا السبب تقرر الدائرة: بأن على الشعبة الإطلاع على عقد المقاولة وبقية الأدلة التي استند عليها حكم التحكيم في قضائه بإعفاء المطعون ضدها من ضريبة الدخل، فإطلاع الشعبة على ذلك والإستيضاح لا يعني بأي حال من الأحوال الخوض في الموضوع، بل أن الرقابة القضائية تستوجب على الشعبة التأكد من أن حكم التحكيم لم يخالف الشريعة الإسلامية والنظام العام، لأن القانون المالي قد نص في المادة (74) على أن (إنشاء الضرائب العامة وتعديلها والغاؤها لا يكون إلا بقانون، ولا يعفى أحد من ادائها كلها أو بعضها إلا في الأحوال المبينة في القانون ، ولا يجوز تكليف أحد بأداء غير ذلك من الضرائب والرسوم والتكاليف العامة إلا بقانون)، وتخلص الدائرة إلى قبول هذا السبب من أسباب الطعن بالنقض ، وعلى الشعبة التجارية مراعاة ما سبق)) ،وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: الإعفاء من الضريبة لا يكون إلا بقانون:

وفي هذا المعنى نصت الفقرة (أ) من المادة (13) من الدستور اليمني على أن (-أ- إنشاء الضرائب العامة وتعديلها والغاؤها لا يكون إلا بقانون، ولا يعفى أحد من أدائها كلها أو بعضها إلا في الأحوال المبينة في القانون، ولا يجوز تكليف أحد بأداء غير ذلك من الضرائب والتكاليف العامة إلا بقانون)، وقد ورد هذا النص الدستوري ضمن الأسس الإقتصادية للدولة، فهذا النص من النصوص الأساسية، لأنه متعلق بالأسس والدعائم التي يقوم عليها النظام  العام للدولة، فضلاً عن أن هذا النص دستوري مما يجعله يتسم بالسمو والعلو على غيره من النصوص.

وتأكيداً للنص الدستوري السابق ذكره ، وردت المادة (74) من القانون المالي التي استند إليها الحكم محل تعليقنا ،ووفقا  لمبدأ التدرج القانوني فان الدستور يقع  في قمة  الهرم التشريعي أي في المرتبة العليا، وضمن نطاق الدستور تحتل النصوص المنظمة لأسس الدولة أو النظام العام للدولة قمة هرم الدستور ذاته ، ومن بعد الدستور تأتي القوانين الأساسية التي تنظم الحقوق الأساسية كالقانون المدني الذي ينظم مجموعة من الحقوق وكذا قانون الإنتخابات العامة وقانون الأحزاب التي تنظم الحقوق السياسية والقانون المالي وقانون أراضي وعقارات الدولة، وبعد ذلك تأتي القوانين العادية كقانون الشركات ،وبعد ذلك تأتي اللوائح التنفيذية للقوانين ثم اللوائح التنظيمية ثم القرارات التنظيمية ثم المنشورات والتعاميم ثم القرارات الإدارية الفردية الخاصة بالافراد كل فرد على حدة .

ومقتضى مبدأ التدرج القانوني أنه لا يجوز للتشريع الأدنى أن يخالف التشريع الأعلى منه ، وعلى هذا الأساس لا يجوز لعقد المقاولة المبرم فيما بين الجهة الحكومية وغيرها أن يخالف الدستور، عملاً بمبدأ سمو الدستور وعلوه، كما لايجوز لعقد المقاولة أن يخالف القانون المالي الأعلى منه مرتبة أو يخالف القوانين الضريبية التي تڨرر الضريبة  العامة ،لان هذه القوانين  أيضا اعلى مرتبة من العقد.

الوجه الثاني: الضرائب العامة من النظام العام:

سبق القول أن الدستور اليمني وغيره نظم الضرائب ضمن الأسس الاقتصادية العامة التي يقوم عليها النظام العام للدولة، بإعتبار الضرائب مورداً من الموارد السيادية للدولة التي تتولى تحصيلها وصرفها وفقاً للقوانين الضريبية والمالية بما يعود بالنفع على كافة أفراد المجتمع، فالضرائب مورد عام لا يخص جهة بعينها، وعلى هذا الأساس لا يجوز للجهات المختلفة الاتفاق على الاعفاء من اية ضريبة  أو التحكيم فيما يتعلق بالإعفاء من  اية ضريبة .

وقد صرح قانون التحكيم اليمني في المادة (5) بعدم جواز التحكيم في المسائل المتعلقة بالنظام العام، وتندرج الضرائب ضمن مفهوم النظام العام ،وفي هذا الشان  نصت المادة (5) تحكيم على أنه (لا يجوز التحكيم فيما يأتي: -هـ- كل ما يتعلق بالنظام العام)، ومؤدى ذلك أنه إذا ورد  شرط التحكيم ضمن عقد من العقود مثلما حدث في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا فلا يجوز أن يشمل التحكيم المسائل المتعلقة بالنظام العام سواء وردت في العقد الذي تضمن شرط التحكيم أو غيره.

الوجه الثالث: وجوب تحقق محكمة الاستئناف من عدم مخالفة حكم التحكيم للنظام العام:

صرح الحكم محل تعليقنا بذلك، وهو محق في تصريحه، لأن القضاء هو الحارس الأمين للنظام العام، ولذلك فأنه من المقرر في القانون والفقه والقضاء أن القضاء يتصدى للمسائل المتعلقة بالنظام العام من تلقاء ذاته، حتى لو لم يتمسك به خصم من الخصوم ،بل أنه يجوز إثارة المسائل المتعلقة بالنظام العام في أية مرحلة من مراحل التقاضي حتى أمام المحكمة العليا.

كما أن محكمة الاستئناف هي أداة القضاء ووسيلته في الرقابة القانونية على أحكام التحكيم، بإعتبار محكمة الاستئناف محكمة قانون في دعاوى بطلان أحكام التحكيم، فيجب عليها التحقق من عدم توفر حالات البطلان المقررة في المادة (53) ومنها عدم مخالفة التحكيم لكل ما يتعلق بالنظام العام ،حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، والله أعلم.

لا يجوز لحكم التحكيم المساس بالضرائب العامة
لا يجوز لحكم التحكيم المساس بالضرائب العامة