بيانات حكم التحكيم في القانون اليمني

بيانات حكم التحكيم في القانون اليمني

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

اشترطت المادة (48) من قانون التحكيم اليمني أن يكون حكم التحكيم مكتوباً وأن يتضمن البيانات اللازمة كاسماء الخصوم أطراف التحكيم وعناوينهم وجنسياتهم وملخص طلبات الخصوم ودفوعهم وأقوالهم والمستندات المقدمة من الخصوم إلى هيئة التحكيم وأسباب الحكم ومنطوقه وتاريخ ومكان صدور حكم التحكيم، وهذه البيانات تماثل تقريباً البيانات التي اشترط قانون المرافعات اليمني توفرها في الأحكام الصادرة من القضاء، ولا ريب أن تضمين الحكم القضائي أو حكم التحكيم البيانات المشار إليها من أهم ضمانات المحاكمة العادلة ، فإذا تخلفت هذه البيانات فإن الحكم تعتريه الجهالة ، والقانون حينما اشترط وجود هذه البيانات في حكم التحكيم ابتغى من ذلك أن يكون حكم التحكيم وحدة واحدة كافية للإحتجاج بحكم التحكيم بصفة مستقلة عن اوراق القضية الأخرى، وتبعاً لذلك لا يجوز أن يحيل حكم التحكيم وقائعه  إلى المذكرات أو الأوراق المرفقة بملف القضية، إضافة إلى أنه لا يجوز للمحكم أن يكتب ديباجة الحكم ثم يلصق بها أوراق القضية أو المذكرات كما قدمها الخصوم ،بحسب الطريقة التي كانت سائدة قديماً عند بعض المحكمين في اليمن ،وإنما يجب على المحكم أن يكتب أو يلخص  المذكرات المقدمة من الخصوم في محصل الحكم ثم يذكر أسباب الحكم ومنطوقه، ويكون ذلك في مدونة حكم التحكيم، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 31-12-2013م في الطعن رقم (53693)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((وحيث أن هذه المناعي في غير محلها لما علل به الحكم المطعون فيه، ولأن المادة (48) تحكيم صريحة وواضحة بما يجب أن يشتمل عليه حكم التحكيم من بيانات والتي منها ملخص طلبات الخصوم ودفوعهم وأقوالهم ومستنداتهم وتاريخ إصدار الحكم  وأسبابه ومنطوقه...إلخ، ويستفاد من كلمة (ملخص) الواردة في المادة آنفة الذكر أنه لا يكفي الإلصاق على الطريقة المذكورة في الطعن، كما أن أحكام المادة (229) مرافعات قد حددت البيانات الواجب توفرها في الحكم، ولذلك فقد وافق الحكم الاستئنافي القانون في قضائه بقبول دعوى البطلان)). وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: البيانات الواجب توفرها في حكم التحكيم وفقاً للمادة (48) من قانون التحكيم اليمني:

استند الحكم محل تعليقنا في قضائه إلى المادة (48) تحكيم التي نصت على أن (تصدر لجنة التحكيم حكمها كتابة ويوقعه المحكمون جميعهم ماعدا في حالة صدور الحكم بالأغلبية فانه يجوز للمحكم الذي لم يوافق على الحكم عدم التوقيع مع ذكر الاسباب ، ويجب أن يصدر الحكم مسببا وإلا اعتبر ناقصا إلا إذا اتفق الطرفان على خلاف ذلك، ويجب أن يشتمل حكم لجنة التحكيم على البيانات الآتية: (أسماء أطراف التحكيم وعناوينهم وجنسياتهم وملخص الطلبات ودفوعات الخصوم وأقوالهم ومستنداتهم ومنطوق الحكم وأسبابه وتاريخ ومكان إصداره ويكون حكم التحكيم نهائيا وباتا في حالة اتفاق أطراف التحكيم عليه وكذا في حالة انتهاء التحكيم بالصلح وفي الحالات التي ينص عليها هذا القانون وعلى لجنة التحكيم أن تقوم بإرسال صور من الحكم موقعة من المحكمين إلى أطراف التحكيم)، ومن خلال التأمل في صيغة النص السابق نجد أنها قد صرحت بوجوب تضمين حكم التحكيم البيانات المشار إليها. وبما أن صيغة  النص تفيد الوجوب فلا تجوز مخالفة النص ،حسبما قضى الحكم محل تعليقنا.

وقد اشترط قانون التحكيم توفر البيانات المشار إليها في حكم التحكيم، لأن عدم وجود تلك  البيانات في مدونة الحكم يؤدي إلى جهالة الحكم كله أو جهالة بعض مكوناته، فضلاً عن أن عدم وجود البيانات المشار إليها يعطل أوجه دفاع ودفوع الخصوم إضافة إلى أن ذلك يدل على عدم إحاطة المحكم بجوانب النزاع وأدلة الخصوم ،وإغفال المحكم لها  ،كما أن ذلك يؤدي أيضاً إلى عدم إتساق إجزاء حكم التحكيم ،فلا يعقل أن يناقش المحكم أدلة الخصوم وطلباتهم وهي ليست مثبتة أو مضمنة في محصل النزاع في مدونة الحكم ذاته، وكذا فإن وجود البيانات المشار إليها في حكم التحكيم يدل على عناية المحكم بالقضية وأن حكمه له أصل وسند في الأوراق المضمنة في محصل الشجار أو حتى تضمين ملخص لها  في مدونة الحكم حسبما ورد في النص القانوني السابق ذكره ،كما  أن وجود البيانات في حكم التحكيم وإعداد ملخص بسير إجراءات نظر هيئة التحكيم للقضية يدل على التزام المحكم بعقد جلسات تثبت إكتمال قوام هيئة التحكيم إذا كانت متعددة وتثبت حضور الخصوم أطراف التحكيم والأدلة والمذكرات والمستندات المقدمة منهم ،وأن المواجهة قد تمت بين الخصوم من خلال إثبات ملخص أقوالهم وطلباتهم وأدلتهم والردود والتعقيبات عليها وذلك في مدونة الحكم.

الوجه الثاني: مبدأ وحدة الحكم:

يعني هذا المبدأ أن الحكم وان تعددت مكوناته (ديباجة – محصل – أسباب – منطوق – توقيع القاضي مصدر الحكم) إلا أن هذه المكونات يجب أن تكون في مدونة واحدة هي مدونة الحكم، لأن مكونات الحكم مترابطة فيما بينها وكل واحدة  منها مترتبة على الأخرى ، فلا يجوز أن تكون كل  مكونات الحكم أو بعضها خارج مدونة الحكم.

ومبدأ وحدة الحكم يمكن محكمة الطعن من الرقابة على سلامة الحكم، كما أن ذلك يمكن الخصوم من دراسة مدونة الحكم عند الطعن فيها أو عند الرد على الطعن، وتطبيقاً لمبدأ وحدة الحكم فلا تجوز الإحالة في مدونة الحكم إلى خارج مدونة الحكم إلا إذا كانت الإحالة إستكمالاً لما قد تم  ذكره في مدونة الحكم.

الوجه الثالث: بيانات حكم المحكم والرقابة القانونية لمحكمة الاستئناف:

من المعلوم أن سلطة محكمة الاستئناف  بالنسبة لدعوى بطلان حكم التحكيم تختلف عن سلطتها كمحكمة طعن بالنسبة للطعن بالاستئناف، فمحكمة الاستئناف بالنسبة لدعوى البطلان تكون محكمة قانون تقتصر سلطتها على التحقق من  توفر حالات البطلان المدعى بها المنصوص عليها في المادة (53) تحكيم مثل محكمة الاستئناف في ذلك مثل المحكمة العليا حينما تتحقق من توفر حالات  الطعن النقض المنصوص عليها في المادة (292) مرافعات.

فمحكمة الاستئناف بالنسبة لدعوى بطلان حكم التحكيم ليست محكمة موضوع، ولذلك فدعوى البطلان ينبغي أن تتناول وتبين حالات البطلان المدعى بها حسب ورودها في حكم التحكيم وان تبين موضعها في حكم التحكيم على الأقل تحديد رقم الصفحة الواردة في الحكم، فوجود أي مكون من مكونات حكم التحكيم خارج مدونة حكم التحكيم لا يمكن المدعي بالبطلان من تحديد حالة البطلان وبيانها في مدونة الحكم، كما أن ذلك يعطل دور محكمة الاستئناف في الوقوف على حالات البطلان في مدونة الحكم ،كما يعطل دورها في الرقابة القانونية على أحكام المحكمين.

ولأهمية إشتمال مدونة حكم التحكيم على البيانات اللازمة فإن غالبية المحكمين في اليمن يضمنوا أحكامهم كافة البيانات التي اشترطها القانون في  المادة (48) تحكيم السابق ذكرها، فالمحكم في اليمن يستهل حكم التحكيم بالبسملة والصلاة على النبي وآله ثم يذكر تاريخ صدور الحكم ومكانه ثم يذكر اسماء الخصوم أطراف التحكيم ثم يذكر وثيقة التحكيم أو إتفاق التحكيم، ثم يعرض  ملخصا للدعوى والإجابة عليها والتعقيب على الرد، وفي سياق ذلك يذكر الأدلة المقدمة من الخصوم وردودهم عليها حتى ينتهي المحكم في حكمه إلى ما يسمى في اليمن (رقم الإستكمال أو قطع المقال) وهي وثيقة مكتوبة يصرح فيها الخصوم بأنهم قد استكملوا ما لديهم من أقوال وأدلة بشأن النزاع ،وبعدها يذكرتاريخ حجز القضية  للحكم، وبعد ذلك يقوم المحكم بدراسة أوراق القضية بحسب تواريخ تقديمها حتى يحيط المحكم بكافة وقائع النزاع وأدلة الخصوم وطلباتهم ودفاعهم، وبعد ذلك يقوم المحكم بالرجوع إلى القانون الموضوعي الذي يحكم النزاع (مدني، تجاري، شخصي..) ثم يقوم بالرجوع إلى القانون الإجرائي (قانون التحكيم وقانون المرافعات) وهذا ما يسمى بدراسة القضية ،وبعد دراسة القضية يقوم المحكم بتلخيص طلبات الخصوم ودفاعهم وادلتهم ويناقشها من حيث سلامتها وفقاً للقانون، وهذا هو التسبيب ثم يقوم المحكم بتدوين منطوق الحكم على هيئة فقرات. وفي نهاية الحكم يقوم المحكم بذكر تاريخ النطق بالحكم وفي ذيل الحكم يدون المحكم اسمه وتوقيعه.

وقد تعمدت أن اذكر بيانات حكم التحكيم في هذا التعليق لأن بعض الاعيان والمشايخ يتساءلون عن مدى إتفاق حكم التحكيم مع حكم القضاء من حيث بياناته، ومن خلال ما تقدم يظهر أن بيانات حكم التحكيم هي البيانات ذاتها الواجب توفرها في الحكم القضائي، وقد اشار الحكم محل تعليقنا إلى ذلك حينما اشار إلى أن بيانات الحكم من النظام العام في قانون المرافعات التي أوجب قانون التحكيم على المحكم عدم الإخلال بها حسبما ورد في المادة (32) تحكيم.

وقد قضت المحكمة العليا في اليمن بانه (يجب أن یشتمل حكم التحكيم على وقائع النزاع وطلبات الخصوم ودفوعھم وكامل أدلتھم وأسانیدھم القانونیة والواقعیة كما أن المادة ( ٤٨ ) تحكیم قد أوجبت اشتمال حكم التحكیم على ملخص طلبات الخصوم ودفوعھم ومستنداتھم، والبین أن حكم التحكیم  لم یكن مشتملا لتلك البیانات التي اشترطھا القانون سیما أدلة النزاع وتضمین سیر الإجراءات واحتجاج كل طرف فما ورد تدوینه بأسباب حكم التحكیم غیر مبني على إجراءات وأدلة معلومة يتمكن من خلالھا المطلع الوقوف على سلامة النتیجة التي انتھى إلیھا، وأن الأدلة المطروحة للاستدلال توصل إلى تلك النتيجة، فإغفال  تلك البیانات یترتب عليه بطلان الحكم … كما أن حیثیات الحكم قد تضمنت أسباباً غیر واضحة مما یصم الحكم بالإبهام والغموض). (الطعن التجاري رقم /48242/ – صدر في عام 2012).

 وفي قانون المرافعات النمساوي المعدل بقانون (2006/1/13م) تستوجب المادة (606) توقيع المحكمين الذين أصدروه ويكفي توقيع الأغلبية مع بيان سبب عدم توقيع الأقلية ويشترط أن يكون مسببا ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك وتاريخ ومكان إجراء التحكيم الذي سيعتبر مكانا لصدور الحكم.

  و في قانون المرافعات الهولندي تستوجب المادة (1057) أن يشتمل الحكـم علـى أسمـاء المحكمين وعناوينهم وأسماء الخصوم وعناوينهم وتاريخ ومكان صدور الحكم وتوقيع المحكمين الذين أصدروه أو أغلبيتهم مع بيان سبب عدم توقيع الأقلية وأسباب الحكم وفي المادة (1065) فإن عدم توقيع المحكمين أو تسبيبهم للحكم يستوجب البطلان.

 في قانون التحكيم الإماراتي لعام 2018م تستوجب المادة (41) أن يشتمل الحكم على أسماء الخصوم وعناوينهم وأسماء المحكمين وجنسياتهم وعناوينهم ونص اتفاق التحكيم وملخص لطلبات الخصوم وأقوالهم ومستنداتهم ومنطوق الحكم وأسبابه إذا كان ذكرها واجبا وتاريخ ومكان صدوره. 

والبيانات ذاتها  التي  اشترطها قانون التحكيم الاماراتي تم النص عليها في قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية القطري لعام 2017م في المادة (31).

 وكذا وردت هذه البيانات في المادة (42) من نظام التحكيم السعودي لسنة 2012م، والمادتين (791، 791 من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني لسنة 1983م.طرق وأسباب الطعن في حكم التحكيم دراسة قانونية مقارنة، محمد علي فرح ص2).

الوجه الرابع: المقصود بإلصاق الأوراق في بعض أحكام التحكيم في اليمن:

اشار الحكم محل تعليقنا إلى ذلك وصرح الحكم بأن الإلصاق للأوراق لا يجعل الحكم وحدة واحدة.

وقد لاحظت شخصياً في بعض الاحكام  القديمة  أن بعضها لم يكن  يتم  تدوين أو تلخيص اوراق في  مدونة الحكم وانما كان يتم لصق اوراق القضية ببعضها، فيتم أولا تحرير ديباجة الحكم أو مقدمته المتضمنة اسم المحكمة واسم القاضي أو المحكم واسماء  الخصوم ثم يتم  لصق هذه  الورقة بإتفاق التحكيم ثم يلصق بإتفاق التحكيم عريضة الدعوى كما هي ثم عريضة الرد على الدعوى وهكذا وفي نهاية هذه السلسلة من الأوراق المتلاصقة يقوم بإلصاق الورقة المتضمنة منطوق الحكم وتاريخ النطق بالحكم.

وقد كانت هذه الطريقة موجودة في القديم لعدم توفر الوسائل الحديثة كالاقلام والاوراق والطباعة ، فقد كانت هذه  الطريقة نتاج تلك الازمنة القديمة ،اما إستعمال هذه الطريقة في العصر الحاضر فانه يخالف القانون.

فهذه الطريقة غير قانونية  في العصر الحاضر ، لأن الأوراق المتلاصقة ليست كلها صادرة من المحكم بل منسوبة إلى مقدميها ، فلا تصلح أن تكون جزء من الحكم، مع أنه ليس هناك أي مانع قانوني من تضمين أو كتابة  أو طباعة مذكرات الخصوم كاملة كما قدمها الخصوم في مدونة الحكم، غير أن مجرد  لصقها لا يكون تضمينا لها في  مدونة الحكم ،حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، والله أعلم.

بيانات حكم التحكيم في القانون اليمني
بيانات حكم التحكيم في القانون اليمني