قسمة المنافع بين الشركاء مقابل اجر في القانون اليمني

قسمة المنافع بين الشركاء مقابل اجر في القانون اليمني

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

قسمة المنافع  يطلق عليها أيضا مسمى  قسمة المهايأة، ولا تكون هذه القسمة إلا بين الشركاء في المال أو الورثة في التركة الشائعة ،وهذه  القسمة مؤقتة غير نهائية للمال المشترك، اذ انها  تقتصر فقط على قسمة الانتفاع بالمال  المشترك بين الشركاء أو الورثة بحسب نصيب كل وارث أو حصة كل شريك في المال المشترك  الشائع، ولذلك فان قسمة المنافع قسمة  غير نهائية للمال المشترك ، وهذه القسمة جائزة في الشرع والقانون، غير أنه إذا كانت قسمة المنافع بالتناوب بين الشركاء ، عندما  يتم الاتفاق بين الشركاء على التناوب بينهم في الانتفاع في المال المشترك ، فيكون لكل شريك منهم  الانتفاع بالعين المشتركة مدة معينة بقدر حصته أو نصيبه  في المال المشترك كسنة مثلا ثم يقوم الشريك الآخر بالانتفاع  بالعين  وهكذا ، ففي هذه الحالة  لا يجوز أن يدفع الشريك  المنتفع بالعين  المشتركة  أثناء إنتفاعه لشريكه الآخر مبلغاً ثابتا، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 14-5-2013م في الطعن رقم (52290)، وقد ورد ضمن أسباب هذا الحكم: ((ان الشعبة قد أوضحت أن مقتضى المهايأة أن ينتفع كل شريك بكامل المال المشترك لمدة تتناسب مع حصته في المال، فكل شريك قد إذن لشريكه في الإنتفاع بحصته مقابل أن ينتفع هو بحصة شريكه، وان الشرط المنصوص عليه في الإتفاق بان يدفع كل شريك عند إنتفاعه بالمال مبلغ خمسة وسبعين ألف ريالاً يعارض ويناقض المهايأة، واذا ناقض الشرط مقتضى العقد صح العقد وبطل الشرط ، وهذا ما تميل إليه الدائرة ، لأن ذلك الشرط يؤدي إلى فوات الغرض من الشراكة في المال محل المهايأة)) ، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الاول: ماهية المهايأة أو قسمة المنافع وانواعها:

المهايأة أو قسمة المنافع هي قسمة مؤقتة غير نهائية تقتصر على قسمة منافع المال  الشائع المشترك بين الشركاء أو الورثة ، فينتفع كل واحد منهم  بالمال مدة معينة من الزمن بحسب حصته أو نصيبه في المال الشائع الذي تتم قسمته قسمة نهائية،  ولذلك فقسمة المهاياة أو قسمة المنافع  قسمة مؤقتة وليست نهائية، فقسمة المهايأة بالأعيان المشتركة، تعني تقاسم المنافع أي تكون على المنافع وليس على العين المشتركة ذاتها، فينتفع الجميع وتبقي ملكية العين شائعة بين جميع الورثة أو الشركاء، فقسمة المهاياة  تقع عندما يتفق الشركاء أو الورثة على أن يقوم كل واحد منهم بإستلام العين المشتركة والإنتفاع بها لمدة معينة بحسب حصته في العين المشتركة وهذه تسمى قسمة  التناوب اي تناوب الانتفاع بين الورثة أو الشركاء، وهناك نوع آخر من قسمة المنافع وهو إتفاق الورثة أو الشركاء على  أن ينتفع كل واحد منهم بجزء من المال المشترك الشائع عندما  يكون المال  المشترك قابلا للانتفاع  الجزئي  بين جميع الورثة أو الشركاء القسمة كما  لو كان المال  المشترك عمارة مكونة من عدة طوابق أو شقق فيتفق الورثة أو الشركاء على ان ينتفع كل واحد منهم بطابق أو شقة وكذا عندما التركة أو الشراكة مكونة من عدة حقول زراعية فيتفق الورثة أو الشركاء على ان ينتفع كل واحد منهم بحقل وهكذا.

وقسمة المهاياة أو المنافع جائزة في  الشريعة الاسلامية ،فقد أجاز الفقهاء قسمة المهايأة ، وذلك لصعوبة الانتفاع بالأعيان المشتركة من جميع الشركاء  أو الورثة في آنً واحد، فقسمة المهايأة من المعاملات التي يحتاجها الناس في حياتهم، ولذلك فقسمة المهايأة مشروعة في القرآن الكريم، في قوله تعالى في سورة الشعراء، آية 155: “قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ “ فما ورد في الاية الكريمة يدل على مشروعية قسمة المنافع ، فقد قسم الله حق  الشرب من نبع الماء بين ناقة صالح وقوم ثمود يوم معلوم للناقة ويوم اخر معلوم لقوم صالح أو ثمود ،كما ورد في السنة النبوية الشريفة أيضاً ما يدل على مشروعية قسمة المهايأة على المنافع، حيث قسّم النبي _عليه الصلاة والسلام_ في غزوة بدر كل بعير بين ثلاثة نفر، وكانوا يتعاقبون على ركوبه، حسبما ورد  ورد في السيرة النبوية لابن هشام.

فقسمة المهايأة تكون في الأموال المشتركة الشائعة ، حتى يتمكن الشركاء من الانتفاع بها، وتُصبح قسمة المهايأة عقداً غير لازماً إذا تمّت بالتراضي، ويُمكن فسخها برضا الشركاء،
وإن لم يكن هناك عذر يستدعي الفسخ، كما أنّ موت أحد الشركاء لاينقض عقد قسمة المهاياة .

وتكون قسمة المهايأة لازمة إذا كانت بحكم أو قرار من القاضي ، ففي هذه الحالة لا يُمكن الورثة أو الشركاء فسخها، إلّا إذا ثبت وجود عذر مقنع للفسخ.

وقد نظمها القانون المدني اليمني في المواد (1220 و 1221 و 1122 و 1223)، فقد نصت المادة (1220) مدني على أن (قسمة المنافع نوعان: الأول: أن يختص كل من الشركاء بمنفعة جزء من المال المشترك يوازي حصته فيه متنازلاً لشركائه في مقابل ذلك عن الإنتفاع بباقي الأجزاء. الثاني: أن يتناوب الشركاء الإنتفاع بجميع المال المشترك كلٍ منهم لمدة تتناسب مع حصته فيه مهايأة بينهم)، وقد كانت القسمة التي اشار إليها الحكم محل تعليقنا من النوع الثاني، إذ اتفق الطاعن والمطعون ضده على أن يقوم كل واحد منهما بإستلام المطعم المشترك بينهما والإنتفاع به لمدة سنة كاملة بالتناوب بين الشريكين ، على أن يدفع المنتفع بالمطعم أثناء إنتفاعه للشريك الاخر مبلغا ثابتا قدره خمسة وسبعون ألف ريالاً في كل شهر، وقد قضى الحكم محل تعليقنا بان هذه القسمة بين الشريكين صحيحة مع بطلان الشرط المقترن بها ، وهو دفع الشريك المنتفع للشريك الآخر مبلغ خمسة وسبعين ألف ريالاً عن كل شهر إنتفاع، لأن الشرط الفاسد إذا اقترن بالعقد بطل الشرط وصح العقد ، حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا.

الوجه الثاني: بطلان شرط دفع المنتفع بالعين المشتركة لمبلغ ثابت شهرياً أو سنوياً مقابل إنتفاعه:

قضى الحكم محل تعليقنا بإبطال الشرط الذي اتفق عليه الشريكان في المطعم ،وهو أن يدفع المنتفع منهما  أثناء انتفاعه لغير  المنتفع مبلغ خمسة وسبعين ألف ريالاً شهرياً أثناء فترة انتفاعه وهي سنة كاملة ، وبعد إنتهاء السنة ينتقل المطعم إلى الشريك الآخر الذي يستلم المطعم لمدة سنة يقوم خلالها بدفع خمسة وسبعين ألف ريالاً إلى شريكه الآخر، فقد قضى الحكم محل تعليقنا بصحة الإتفاق على قسمة منافع المطعم على النحو  السابق بيانه ،غير أن الحكم قضى بإبطال شرط دفع المنتفع لغير المنتفع مبلغ خمسة وسبعين ألف ريالاً في الشهر أثناء إنتفاعه، لأن هذا الشرط يتنافى مع عقد الشراكة في المطعم فيما بين الشريكين، فمفهوم عقد الشراكة يعني أن الشريكين شركاء في الربح والخسارة، فدفع مبلغ ثابت شهرياً يتنافى مع مفهوم عقد الشراكة، علماً بأن هذا الشرط فيه شبهة الربا، لأن الإتفاق المسبق على تحديد مبلغ ثابت كأرباح محرم في الشريعة، وقد كان الطاعن يجادل بأن إتفاق الشريكين على تحديد مبلغ ثابت وهو خمسة وسبعون ألف ريالاً في الشهر جائز لأنه من قبيل الإجرة لحصة الشريك غير المنتفع، لأن الشريك غير المنتفع بالمطعم يكون قد قام بتأجير حصته في المطعم وهي النصف إلى الشريك المنتفع بالمطعم الذي يدفع إيجار الحصة بواقع خمسة وسبعين ألف ريالاً في الشهر، واستند الطاعن في تخريجه هذا إلى المادة (1223) مدني التي نصت على أنه (ليس للشريك الحاضر الإنتفاع بنصيب شريكه الغائب إلا بإذنه، وإذا انتفع بدون إذن شريكه لزمه أجر مثل المنفعة إلا لعادة جرت بغير ذلك، وإذا إذن له ولم يعتبر فلا اجرة له، وإذا كان الإنتفاع بالمال المشترك مما يختلف بإختلاف المنتفع أو بنقص من المال المشترك أو يضر به ضمن ما حصل من نقص أو ضرر بسبب الإنتفاع)، فقد كان الطاعن يرى أن هذا النص يسري على حالة الإتفاق على قسمة المنافع التي وقعت فيما بينه وبين المطعون ضده ، والواقع أن هذا النص يسري على حالة  انتفاع الشريك  بالعين المشتركة لوحده دون أن يكون هناك إتفاق مسبق بين  الشريكين على تناوب العين المشتركة .

فإذا لم يكن هناك إتفاق بين الشريكين على تناوب الإنتفاع بالعين المشتركة، فإن هذا النص لا يسري ،لأنه يجب على الشريك إذا انفرد بالإنتفاع بالعين المشتركة من غير تناوب مع شريكه الآخر فأنه تلزمه اجرة حصة أو نصيب شريكه الآخر.

الوجه الثالث: التأجير الجزافي للأسواق والمشاريع والأراضي بمبلغ ثابت (القبال):

كان الطاعن في مذكراته في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا كان يجادل بأن قسمة الإنتفاع  بالتناوب مقابل مبلغ ثابت قدره خمسة وسبعون ألف ريالاً في الشهر يدفعها الشريك المنتفع بالمطعم للشريك الآخر مثلها في ذلك مثل التأجير الجزافي للأسواق والأراضي والمشاريع مقابل مبلغ ثابت في الشهر أو السنة بصرف النظر عما إذا كان المشروع أو السوق أو الأرض التي ينتفع بها المستأجر قد حقق ربحاً أم  خسارة، فإن المستأجر ملتزم بدفع الإجرة المتفق عليها التي تسمى في اليمن (قبال) ، فالمستأجر يلتزم بدفع مبلغ ثابت في الشهر أو السنة بصرف النظر عن النتيجة المتحققة من نشاطه سواء أكانت ربحاً أم خسارة، وذلك من وجهة نظر الطاعن  يماثل قسمة المنافع بين  الشريكين مع دفع المقابل.

والواقع أن نظام (القبال) لا ينطبق على علاقة الشراكة القائمة فيما بين الطاعن والمطعون ضده، لأن القبال عبارة عن  إجارة فيما بين المالك (المؤجر) والمستأجر (المتقبل) الذي يتقبل الأرض أو المشروع أو السوق مقابل أجر محدد شهري أو سنوي، ومع ذلك فإن نظام (القبال أو التقبيل) محل خلاف بين الفقهاء الذين ذهب قسم منهم إلى جوازه بإعتبار هذا التصرف إجارة منفعة يلتزم المستأجر بدفع عوضها سواءً أنتفع بها أم لم ينتفع طالما أن المالك المؤجر قد قام بالتخلية فيما بين المستأجر والعين المؤجرة، في حين يذهب قسم من الفقهاء إلى عدم جواز نظام التقبيل لجهالة المنفعة، لأن من شروط عقد الإجارة أن يكون محله معلوماً علماً نافياً للجهالة، ومحل عقد الإجارة كما هو معروف هو منفعة العين المؤجرة ومقدار الأجرة اللذين ينبغي أن يكونا متناسبين ومعلومين علما نافيا للجهالة، فالمستأجر عند إبرام عقد الإيجار بنظام (التقبيل) لا يعلم إذا كان سيربح أم يخسر في المشروع أو السوق أو الأرض، والفقهاء المعارضون للتقبيل هم انفسهم الذين ذهبوا إلى عدم جواز عقد المزارعة لجهالة العوض فيها، ولا ريب أن المختار هو القول الأول. (فقه المعاملات المالية المعاصرة، أ.د.عبدالمؤمن شجاع الدين، ص256) والله اعلم.

قسمة المنافع بين الشركاء مقابل اجر في القانون اليمني
قسمة المنافع بين الشركاء مقابل اجر في القانون اليمني