إلتزام البنك الفاتح للإعتماد القطعي بدفع قيمة البضاعة
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
وفقاً
للمادة (401) من القانون التجاري اليمني فإن البنك المحلي عندما يقوم بفتح
الإعتماد المستندي القطعي فإن ذلك يعني نشوء إلتزام البنك بسداد قيمة البضاعة
المشتراة من قبل التاجر الذي طلب فتح الإعتماد وذلك إلى المستفيد صاحب البضاعة عن
طريق البنك المراسل الخارجي الذي اتفق عليه الطرفان المذكور في فتح الاعتماد ،
وإلتزام البنك في هذه الحالة قبل المستفيد يكون التزاما قطعيا ومباشرا ومستقلا غير
قابل للنقض ، ومؤدى ذلك أنه يجب على البنك الفاتح للاعتماد القطعي ان يدفع قيمة
البضاعة مباشرة إلى المستفيد عن طريق البنك المراسل الخارجي من غير حاجة إلى رجوع
أو إذن التاجر الذي طلب فتح الإعتماد ، لأن قيام البنك بفتح الإعتماد القطعي يعد إلتزاما قطعيا ومباشرا ومستقلا من
البنك بسداد قيمة البضاعة المدونة في
الإعتماد المستندي وذلك إلى البنك المراسل الخارجي الذي حدده المستفيد والمذكور في
فتح الاعتماد المستندي، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة
العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 29-4-2018م في الطعن رقم (60849)، الذي ورد ضمن
أسبابه: ((والدائرة تجد: أن الحكم الاستئنافي قد أوضح في حيثياته أن المطعون ضده
قد قام بالوفاء بالثمن إلى البنك الطاعن مباشرة، وأن البنك لم يقم بتنفيذ
إلتزاماته في هذا الخصوص، ولذلك فإن للمطعون ضده الحق في إسترداد المبلغ الذي دفعه
للبنك عند فتح الإعتمادين، لأن البنك لم يلتزم بالعلاقة القانونية التي يفرضها
الإعتماد المستندي وذلك بتسليم الثمن إلى البنك المراسل، والدائرة: تتفق مع ما ورد
في أسباب الحكم الاستئنافي في أن الأصل أن البنك هو المعني بالوفاء بإلتزاماته قبل
الشركة المستفيدة من فتح الإعتماد))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين
في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: ماهية الاعتماد المستندي:
الاعتماد المستندى هو تعهد مكتوب صادر من
بنك (يسمى المصدر) بناء على طلب المشتري (مقدم طلب فتح الاعتماد) لصالح البائع (المستفيد)، ويلتزم البنك بموجبه بالوفاء في حدود مبلغ محدد خلال فترة معينة متى
قدم البائع مستندات السلعة مطابقة لتعليمات شروط الاعتماد.
كما يُعرف الاعتماد المستندي بأنه : تعهد كتابي صادر من
البنك كطرف المستفيد الذي يصدر الاعتماد ، ويتم إصدار هذا التعهد أو الاعتماد بناء
على طلب أحد عملاء البنك وهو المستورد (المشتري) أو مقدم الطلب، ويفيد الاعتماد تعهد
البنك بدفع مبلغ معين أو تفويض بنك آخر للدفع أو قبول سحب مبلغ محدد لصالح المورد
عند الإطلاع أو في تاريخ مستقبلي محدد مقابل استلام مستندات أو وثائق مطابقة
للشروط الواردة في الاعتماد ذاته .
اما
القانون التجاري اليمني فقد عرف الاعتماد المستندي في المادة (400) التي نصت على
أن (عقد الاعتماد المستندي: -١ الاعـتماد ا لمستندي عقد يتعهد البنك بمقتضاه بفتح اعتماد
بناءً على طلب أحد عملائه (طالب فتح الاعتماد) لصالح شخص آخر (المستفيد) بضمان مستندات
تمثل بضاعة منقولة أو معدة للنقل. -٢ يكون عقد الاعتماد المستندي مستقلاً عن العقد المفتوح
الاعتماد بسببه، ويبقى البنك أجنبياً عن هذا العقد).
والاعتماد المستندي من أهم الأدوات في عملية التجارة الخارجية التي
ساهمت بشكل كبير في تيسير عملية الاستيراد والتصدير، لأن البنك هو المصدر هنا فهو
يمنح المستورد والمصدر مزيدا من الضمان والثقة، فالمُصدر على يقين بأنه سيستلم
قيمة البضاعة فور استلام المستورد لها ما دامت مطابقة للشروط والمواصفات الواردة
في الاعتماد المستندي.
الوجه الثاني: أطراف الاعتماد المستندي:
الاعتماد المستندي له 4 أطراف رئيسية تتمثل فيما
يلي:
1- المشتري: وهو مقدم طلب الاعتماد في شكل عقد
بينه وبين البنك.
2- البنك فاتح الاعتماد: وهو الذي يُصدر
الاعتماد بناءا على طلب المشتري بعد دراسة الطلب جيدا والموافقة عليه، مع توضيح
شروطه للمشتري وموافقته عليها أيضا، وعليه يُصدر الاعتماد ويرسله إلى المستفيد
ليُفيده بأنه سيستلم قيمة البضائع التي تعاقد على توريدها بشرط مطابقتها للشروط
الواردة في الاعتماد.
3- المستفيد: وهو الذي يقوم بتوريد البضائع
وفقا للشروط الواردة في الاعتماد المستندي، في حال تم تبليغه بالاعتماد من قبل بنك
آخر (البنك المراسل) هذا يعد عقد جديد بينه وبين البنك المراسل وعليه تسليم
البضاعة وفقا للشروط.
4- البنك المراسل: وهو بمثابة وسيط يقوم بإبلاغ
المستفيد أو المُصدر ببنود الاعتماد المستندي الوارد إليه من البنك المصدر، وهو
يلتزم بالالتزام المطلوب بوفائه من قبل البنك المصدر.
وغالبا ما يتم إجراء مفاوضات عدة بين البنك
المصدر والبنك المراسل قبل فتح الاعتماد المستندي للتأكيد على شروط البنك والاتفاق
على الشروط التي سيتم وضعها في الاعتماد بوضوح.
الوجه الثالث: المستندات المطلوبة في الاعتماد المستندي:
يسمى الاعتماد المستندي بهذا الاسم
نسبة إلى المستندات المطلوبة لفتحه،
فهناك 8 وثائق أساسية هي المستندات المطلوبة في الاعتماد المستندي، وبيانها
كما يأتي :
اولا: الفاتورة: وهي واحدة
من أهم المستندات المطلوبة في الاعتماد المستندي والتي تصدر من المستفيد وتوضح
قيمة البضاعة وكميتها ومواصفاتها بوضوح.
ثانيا :شهادة المنشأ:وهي وثيقة تصدر عن الغرفة
التجارية في بلد المستفيد وتوضح تلك الشهادة مكان انتاج البضائع، وبلد التصنع، و
مواصفات البضاعة، ويجب أن تحمل تلك الشهادة نفس التصديق الوارد في الفاتورة
التجارية، مع التأكيد على أن نسب الجمارك تختلف من بلد لأخرى.
ثالثا: بوليصة الشحن: وهي من
أهم المستندات المطلوبة في الاعتماد المستندي والتي توضح وسيلة الشحن: فعند الشحن
الجوي يجب أن تُصدر بوليصة شحن بالطائرة، وعند الشحن البحري يجب أن تُصدر بوليصة
شحن بحرية، فيتم اصدار البوليصة وفقا لنوع الشحن، وتتمثل البوليصة في ايصال إستلام،
وعقد نقل ووثيقة ملكية، ويتم إصدار البوليصة عن طريق شركة النقل بعد استلام
البضائع ومعاينتها، وتطلب كافة البنوك بوليصة الشحن للتأكد من استلام البضاعة
سليمة مع التأكيد على أن تتم المعاينة للبضائع من الخارج فقط ولا يتم تفريغها إلا
في ميناء الوصول.
وتحتوي بوليصة الشحن على عدة بيانات هامة هي: 1-
ميناء الشحن. 2- ميناء الوصول. 3- تكلفة الشحن. 4-وسيلة الدفع.
ولا يمكن تسليم البضائع إلا لمن يمتلك بوليصة
الشحن الأصلية ،ولهذا يستطيع البنك السيطرة على البضاعة وعدم تسليمها للعميل إلا
بعد سداد قيمة الاعتماد.
رابعا: شهادة الوزن: عادة ما تتعلق تلك الشهادة
بالبضائع التي تعتمد على الوزن مثل السكر أو الأرز أو ماشابه من بضائع، ومن
الممكن أن تصدر تلك الشهادة عن المستفيد على أن يقوم المشتري بمطابقة الوزن الوارد
في شهادة الوزن مع الوزن المذكور في بوليصة الشحن عند الاستلام.
خامسا: بيان التعبئة: فقد تكون البضائع الواردة
ليست من نفس النوع وهنا تأتي أهمية بيان التعبئة الذي يوضح أرقام الطرود
ومحتوياتها.
فلو افترضنا أن البضاعة الواردة أحذية
وأدوات تجميل وادوات منزلية مثلا يأتي بيان التعبئة يوضح أن الطرد رقم 1 يحتوي على
أدوات تجميل، والطرد رقم 2 يحتوي على أدوات منزلية وهكذا، ويساهم بيان التعبئة في
تحديد قيمة الشحن وفقا لنوع البضاعة وفرض الرسوم دون الحاجة إلى فتح الطرد، وغالبا
ما يتكفل المستفيد بهذا البيان ما لم ينص الاعتماد المستندي على غير ذلك.
سادسا: بيان المواصفات: ويستعمل بيان
المواصفات لبيان البضائع التي تحتوي على أشكال وأحجام مختلفة مثل الأثاث.
سابعا :شهادة المعاينة: وتصدر شهادة
المعاينة عن شركات متخصصة تقوم بمعاينة البضائع للتأكد من مطابقتها للشروط المواصفات،
وتتم عملية المعاينة في مخازن المُصدر، ومن الممكن استبدال تلك الشهادة عن طريق
ارسال المشتري موظف من طرفه لمعاينة البضائع قبل شحنها.
ثامنا: الشهادة الصحية: عادة ما
تُطلب تلك الشهادة في البضائع الغذائية للتأكد من مكوناتها وسلامتها وتاريخ
صلاحيتها. )ماهو
الاعتماد المستندي وما لفرق بينه وبين خطاب الضمان، مقالات من لينكيت).
الوجه الرابع: أنواع الاعتمادات المستندية من حيث قوة تعهد البنك المصدر للإعتماد:
من حيث قوة تعهد البنك المصدر
للإعتماد فهناك نوعان من أنواع الاعتماد المستندي هما:
النوع الأول: الاعتماد المستندي القابل للإلغاء: وهذا
النوع من أنواع الاعتماد المستندي يُفيد بأن البنك المصدر له الحق في تعديل أو
إلغاء الاعتماد في أي وقت دون الرجوع إلى المستفيد، وهو أحد الأنواع التي لا تلقى
قبولا لما قد يسببه من خسائر كبيرة للمورد في حال إلغاء الاعتماد أو إضافة شروط
غير عادلة.
النوع الثاني: الاعتماد القطعي: وهذا
النوع لا يمكن تعديله إو إلغائه أو إضافة شروط عليه إلا بالتراضي بين كافة أطراف
الاعتماد الأربعة، وهو النوع المعمول به في الغالب نظرا لحفظه حقوق كافة الأطراف،
وهذا النوع هو الذي نظمه القانون التجاري اليمني وصرح بأنه قطعي غير قابل للنقض وأنه لايجوز تعديله الا
برضا أطرافه حسبما ورد في المادة (401) من القانون التجاري اليمني و حسبما ورد في
أسباب الحكم محل تعليقنا، فقد نصت المادة (401) على أنه (-1- يكون الإعتماد
المستندي غير قابل للنقض ويصبح إلتزام البنك فاتح الإعتماد قطعياً ومباشراً قبل
المستفيد وكل حامل حسن النية للصك المسحوب تنفيذاً للعقد المفتوح للإعتماد بسببه
-2- ولا يجوز نقض الإعتماد أو تعديل شروطه إلا بإتفاق جميع الأطراف فيه (المستفيد
وطالب فتح الإعتماد) -3- كل هذا مالم يتفق على أن يكون الإعتماد قابلاً للنقض)،
وقد اجاز هذا النص الإتفاق على نقض الاعتماد أو تعديل شروطه.
الوجه الخامس: أنواع الاعتماد المستندي من حيث قوة تعهد البنك المراسل:
تحت هذا التصنيف يندرج نوعان من أنواع الاعتماد
المستندي:
النوع الأول: الاعتماد غير المعزز: في الاعتماد
غير المعزز يكون الالتزام بالسداد مهمة البنك فاتح الاعتماد وعلى البنك المراسل أن
يلعب دور الوسيط مقابل عمولة محددة ولا شأن له بأي خلل بشروط الاعتماد.
النوع الثاني: الاعتماد القطعي المعزز: ذكرنا أن
البنك المراسل عادة ما يكون طرف في الاعتماد الذي يدخل به أكثر من بنك، وهو ملتزم
بما يلتزم به البنك المصدر وفقا للاعتماد القطعي المعزز فهو ملتزم بسداد القيمة
مادامت البضائع مطابقة للشروط الواردة في الاعتماد المستندي، ولهذا يمكننا القول
أن هذا النوع ينطوي على تعهد البنك المصدر (فاتح الاعتماد) وتعهد البنك المراسل.
وفي
هذا الشأن نصت المادة (٤٠٢) من القانون التجاري اليمني على أن : -١ يجـوز تعزيـز الاعـتماد
غير القابل للنقض من بنك آخر يلتزم بدوره بصفة
قطعية ومباشرة قبل المستفيد. -٢ ولا يعتـبر مجرد الإخطار بفتح الاعتماد المستندي غير
القابل للنقض المرسل إلى المستفيد عن طريق بنك آخر تعزيزاً من هذا البنك للإعتماد ).
الوجه السادس: فتح الإعتماد المستندي
القطعي ينشئ إلتزام البنك الفاتح للإعتماد بدفع قيمة البضاعة للمستفيد، وهذا
الالتزام قطعي ومباشر ومستقل:
قضى الحكم محل تعليقنا بأن البنك ملتزم بموجب قيامه بفتح الإعتماد المستندي ملتزم بدفع قيمة البضاعة إلى المستفيد عن طريق البنك المراسل في الخارج الذي حدده المستفيد بالاتفاق مع طالب فتح الاعتماد وتم ذكره في طلب فتح الإعتماد، فإن لم يدفع البنك فاتح الاعتماد قيمة البضاعة فيحق للمستفيد المستحق لقيمة البضاعة أن يرجع على البنك مباشرة لإقتضاء قيمة البضاعة دون حاجة إلى الرجوع على طالب فتح الإعتماد ولا يحق للبنك التمسك بأية دفوع أو تحفظات في مواجهة المستفيد وان كان يحق للبنك التمسك بها في مواجهة طالب فتح الاعتماد ، وهذا هو مقتضى الالتزام القطعي والمباشر والمستقل للبنك قبل المستفيد بموجب فتح البنك للإعتماد المستندي، إضافة إلى البنك الفاتح للإعتماد يكون مسئولا عن تعويض الاضرار التي لحقت المستفيد وطالب فتح الاعتماد بسبب إمتناع البنك عن دفع قيمة البضاعة تنفيذ للإعتماد المستندي، كما أنه إذا قام المشتري طالب فتح الإعتماد إذا قام بدفع قيمة البضاعة إلى المستفيد بطريقة أخرى غير الإعتماد المستندي الذي سبق له أن طلب من البنك فتحه ، فيحق لطالب فتح الاعتماد في هذه الحالة إستعادة المبالغ التي دفعها إلى البنك مقابل فتح الإعتماد، حسبما قضى الحكم محل تعليقنا ، وقد استند الحكم محل تعليقنا في قضائه إلى المادة (401) من القانون التجاري اليمني التي نصت على أن (-1- يكون الإعتماد المستندي غير قابل للنقض ويصبح إلتزام البنك فاتح الإعتماد قطعياً ومباشراً قبل المستفيد وكل حامل حسن النية للصك المسحوب تنفيذاً للعقد المفتوح للإعتماد بسببه -2- ولا يجوز نقض الإعتماد أو تعديل شروطه إلا بإتفاق جميع الأطراف فيه (المستفيد وطالب فتح الإعتماد) -3- كل هذا مالم يتفق على أن يكون الإعتماد قابلاً للنقض)، فهذا النص صريح في أن إلتزام البنك فاتح الإعتماد المستندي قبل المستفيد صاحب البضاعة قطعي ومستقل ومباشر، وذلك يعني أن البنك يصبح مسئولاً عن دفع قيمة البضاعة المحددة في الإعتماد وأن هذا الإلتزام غير قابل للنقض حتى لو طلب طالب فتح الإعتماد عدم دفع قيمة البضاعة طالما والبضاعة مطابقة للمستندات، ومؤدى هذا أنه يجب على البنك فاتح الإعتماد أن يبادر إلى سداد قيمة البضاعة إلى المستفيد ولا يحق للبنك ان يتمسك في مواجهة المستفيد بأية دفوع أو تحفظات أو طلبات كان من حق البنك التمسك بها في مواجهة طالب فتح الاعتماد، فإذا لم يقم البنك بدفع قيمة البضاعة فيحق للمستفيد الرجوع على البنك مباشرة لإقتضاء القيمة وللمستفيد في هذا السبيل أن يلجأ إلى القضاء لإقتضاء قيمة البضاعة فضلا عن المطالبة بتعويضه عن الاضرار المادية والمعنوية التي لحقت به بسبب إمتناع البنك عن سداد قيمة البضاعة على النحو المحدد في فتح الإعتماد، وإذا كان طالب فتح الإعتماد المشتري للبضاعة قد قام بدفع قيمة البضاعة إلى المستفيد بطريقة أخرى غير فتح الإعتماد بسبب تقاعس البنك عن الوفاء بإلتزاماته فعندئذٍ يحق للمشتري طالب فتح الإعتماد أن يرجع على البنك لإقتضاء المبالغ التي دفعها مقابل فتح البنك للإعتماد المستندي مثلما وقع في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، والله اعلم.
![]() |
إلتزام البنك الفاتح للإعتماد القطعي بدفع قيمة البضاعة |