توقيع الخصم على صور المستندات ومطابقتها في القانون اليمني

توقيع الخصم على صور المستندات ومطابقتها في القانون اليمني

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

 نصت المادة (104) من قانون المرافعات اليمني على أنه يجب على الخصم عندما يقدم  إلى المحكمة العريضة أو المذكرة ويرفق بها صور مستندات للإستدلال بها على ما ورد في العريضة أو المذكرة فإنه يجب على الخصم عندئذ ان يقوم بالتوقيع على صور المستندات للتأكيد على نسبة تلك المستندات إلى مقدمها  حتى لاتكون تلك المستندات عرضة للضياع أو التلاعب، والفهم الشائع في محاكم اليمن ان المقصود بتوقيع الخصم على المستندات هو إعداد مايسمى حافظة المستندات وتضمينها البيانات اللازمة عن المستندات المرفقة بالعريضة  وتوقيع الخصم على حافظة المستندات للتدليل على أن الخصم هو قدم المستندات المبينة في الحافظة، وذلك بدلا عن توقيع الخصم على صورة كل مستند من المستندات المرفقة على حدة

ومن جانب آخر فإن المادة (104) مرافعات بوجوب قيام المحكمة  بمطابقة  صور المستندات المرفقة  بعريضة  الخصم على اصولها للتحقق من أن تلك الصور مطابقة بالفعل لاصولها، لأن حجية اصول  المستندات تختلف عن حجية صورها حسبما هو مقرر في قانون الإثبات اليمني.

ولاشك ان الغرض من توقيع الخصم على المستندات ومطابقتها هو التدليل على  تمام المطابقة وإن هذه المستندات مقدمة من الخصم وانها مرفقة بالعريضة  أو المذكرة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 3-10-2016م في الطعن رقم (58384)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((فقد لاحظت الدائرة: أن مدعي البطلان قد أورد في عريضته ثلاثة مستندات، ولكن الدائرة لم تجد تلك المستندات مرفقة بعريضة دعوى البطلان، مع أن الإجراء الذي كان يجب إتباعه أن يتم التأشير على كل مستند وبيان رقمه ومطابقة الصور مع الأصول إن وجدت حسبما هو مقرر في المادة (104) مرافعات بشأن  التوقيع والمطابقة  للصور على الأصول))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: المقصود بتوقيع الخصم على صور المستندات المرفقة حسبما ورد في المادة(104) من قانون المرافعات اليمني:

استند الحكم محل تعليقنا في قضائه إلى المادة (104) مرافعات التي تضمنت بيانات صحيفة إفتتاح الدعوى، ويتكون مضمون نص هذه المادة من صفحتين، فقد تضمنت المادة (104) المشار إليها البيانات الواجب توفرها في صحيفة الدعوى، ومحل الإستدلال من هذا النص بالنسبة لنا في هذا الوجه من التعليق هو بيان المقصود بتوقيع المدعي أو وكيله على صور المستندات المرفقة بالدعوى بحسب ماورد في المادة المشار إليها ، فيفهم من هذا النص  انه أوجب توقيع المدعي على صور المستندات المرفقة بالدعوى للتدليل على أن تلك المستندات مقدمة منه، ومؤدى ذلك إنه يجب على الخصم عند تقديمه لصور مستندات مرفقة بعريضته يجب عليه أن يقوم بالتوقيع على صور تلك المستندات للتأكيد على أن تلك المستندات مقدمة منه حتى لاتكون المستندات عرضة للضياع أو التلاعب، والفهم الشائع في محاكم اليمن ان المقصود بتوقيع الخصم على صور المستندات المرفقة هو قيام الخصم بإعداد مايسمى في اليمن  وغيرها حافظة المستندات تضمين الحافظة البيانات اللازمة عن المستندات المرفقة بالعريضة مثل رقم المستند ونوعه وعدد صفحاته وتاريخه ووجه الإستدلال به، ثم يقوم  الخصم بالتوقيع على حافظة المستندات للتدليل على أن الخصم هو الذي قدم المستندات المبينة تفاصيلها في الحافظة، فإعداد الحافظة على هذا النحو والتوقيع عليها من قبل الخصم الذي قدمها يغني عن توقيع الخصم على كل مستند من المستندات المرفقة، لأن الغرض من توقيع الخصم على صورة المستند  التحقق من صحة  ونسبة المستند إلى الخصم الذي قدمه.

الوجه الثاني: المقصود بمطابقة صور المستندات المرفقة حسبما ورد في المادة (104) قانون المرافعات اليمني:

سبق القول : أن الفقرة (ب) من البند (7) من المادة (104) التي استند إليها الحكم محل تعليقنا قد نصت على أنه (على المدعي عند تقديمه عريضة دعواه أن يؤدي عنها الرسم المقرر وان يوقع هو أو وكيله على صور المستندات بعدد المدعى عليهم وذلك لمطابقتها على الأصول)، وقد صرح الحكم محل تعليقنا على أنه يجب على محكمة الموضوع إن تقوم بمطابقة صور المستندات المرفقة بالعريضة على اصولها، والمقصود بالمطابقة هو قيام المختص بالمحكمة بمقابلة صورة كل مستند باصل المستند المحفوظ لدى الخصم والمقارنة  بين  الأصل والصورة للتثبت من أن الصورة مطابقة تماما لاصلها، وبعد أن يتحقق المختص من التطابق بين الأصل والصورة يقوم المختص بإثبات عملية المطابقة في صورة المستند وذلك عن طريق التاشير على صورة المستند بما يفيد ان الصورة مطابقة لاصلها وأن المحكمة قد طابقت صورة المستند مع أصل المستند مع ذكر تاريخ إجراء المطابقة، ويكون محل تأشيرة المطابقة أو التدوين أو الكتابة في حاشية صورة المستند الذي تمت مطابقتها وليس في متن صورة المحرر أو المستند.

الوجه الثالث: الغرض من مطابقة صور المستندات مع أصولها:

اشترط قانون الإثبات اليمني للإحتجاج والإستدلال بصور المحررات أو المستندات كدليل كامل بأن تكون صور المستندات مطابقة لأصولها، حسبما هو مقرر في المادة (101) إثبات التي نصت على أنه (إذا كان أصل المحرر الرسمي موجوداً فإن صورته الرسمية خطية كانت أو فوتغرافية تكون حجة بالقدر الذي تكون فيه مطابقة للأصل...إلخ)، وكذا اشترطت المادة (111) إثبات للإحتجاج بالبرقيات أن يكون أصلها موجوداً، وقد درج القضاء في اليمن على الإستدلال بالنصين السابقين على أن صور المستندات لا تكون دليلاً كاملاً مالم تكن مطابقة لأصولها.

وخشية ضياع أصول المستندات أو العبث بها فإن الخصوم في اليمن وغيرها لا يقدموا إلى المحكمة أصول المستندات للإستدلال بها وحفظها ضمن ملف القضية، بل  يقدم الخصوم للمحكمة صور تلك المستندات، اما الأصول  فيحتفظ بها الخصوم لاستعمالها في الأغراض الخاصة بها ، ويكتفي الخصوم بتقديم صور منها مطابقة للأصل، ولا ريب أن للمطابقة أهميتها، إذ انها تؤكد سلامة صور المستندات وانها سليمة من التزوير سيما في هذا العصر الذي تطورت فيه تقنيات التصوير التي تظهر الصورة بمظهر الأصل  إلى درجة أنه يصعب على بعض الأشخاص التفرقة بين أصل المستند وصورته.

الوجه الرابع: حافظة المستندات وترتيب وترقيم المستندات المرفقة بالمذكرات:

 أشار الحكم محل تعليقنا إلى أنه يبغي ان يتم ترتيب وترقيم المستندات والمح الحكم إلى أن ذلك الترتيب والترقيم يكون ضمن حافظة المستندات، وحافظة المستندات مصطلح شائع في محاكم اليمن وغيرها ، والحافظة المشار إليها عبارة عن كشف أو جدول يتضمن رقم المستند المرفق وتاريخه ونوعه ووصفه ووجه الإستدلال به وعدد المستندات المرفقة العريضة ،ويتم ترتيب المستندات المرفقة بحسب ترتيب وقائع القضية أو صفحات العريضة، وكذا يتم ترقيم  المستندات في العريضة وفي حافظة المستندات بحسب ترتيب ذكرها في العريضة، أي بحسب ترتيب ورودها في صفحات العريضة، ويكون ترقيم المستندات في الحافظة مطابقا لأرقامها في العريضة.

 ولحافظة المستندات أهميتها البالغة سيما أنها تتضمن وجه إستدلال الخصم بالمستند المرفق، لأن عدم قيام الخصم ببيان وجه إستدلاله بالمستند يعني أنه ترك هذه المهمة واوكلها للمحكمة لفهم وجه إستدلاله من المستندات المرفقة وان المحكمة مفوضة في ذلك.

وتسهل حافظة المستندات على القاضي دراسة المستندات المرفقة كوحدة واحدة وتوفر عليه الوقت و الجهد، و تقلل من احتمال الخطأ و تمنع النسيان أو الغفلة عن احد المستندات المرفقة المذكرة.

وفي الصفحة الأولى من الحافظة يتم نسبة الحافظة إلى العريضة المرفقة بها والخصم الذي قدمها عن طريق الكتابة في أعلى الصفحة  عبارة (حافظة المستندات المرفقة بعريضة.... المقدمة من... بتاريخ... او في جلسة تاريخ....)، للتأكيد على أن الحافظة تابعة للمذكرة المقدمة من الطرف الفلاني حتى لا تختلط أو تشتبه بأخرى أو بمذكرة الخصم،وبعد عنوان الحافظة السابق ذكره يتم إعداد جدول يتكون من ثلاثة أعمدة:  يتضمن الجدول سطور  بعدد المستندات المرفقة التي يتم تضمينها في الجدول ، و يتم تخصيص العمود الأول: لأرقام المستندات  متسلسلة (مرفق رقم 1 مرفق رقم 2... الخ  بحسب عدد المرفقات)، والعمود الثاني يتم تخصيصه لبيان أوصاف المحرر أو المستند (صورة بصيرة / صورة عقد /محضر... إلخ)، بالإضافة إلى الأوصاف الأخرى للمستند وذلك بصورة مختصرة للتعريف بالمستند  وتمييزه عن غيره مثل تاريخ المستند وعدد صفحاته، والعمود الثالث:يتم تخصيصه لبيان وجه الاستدلال  بالمستند، وهذا هو أهم عمود في حافظة المستندات، لانه يجعل الدليل الصامت وهو المستند يجعله دليلا متكلما، فربما ان المستند يدل على أمور متعددة و لكن مقدم الحافظة يريد  الإستدلال باحدها أو ببعضها  وليس كلها، وفي نهاية  حافظة  المستندات أو الجدول يتم ذكر اسم الخصم الذي قدم الحافظة وتوقيعه عليها، للتدليل على   نسبة الحافظة إلى الخصم الذي قدمها وإذا كانت الحافظة مكونة من عدة صفحات فيجب التوقيع على صفحاتها كلها.

 بيد أنه إذا كانت  المستندات المرفقة قليلة جدا فلا يلزم أن يتم إرفاقها بحافظة مستندات، إذ يغني عن الحافظة الإشارة إلى رقمها ونوعها ووجه الإستدلال بها من متن العريضة ذاتها، والإشارة إلى أنها مرفقة بالعريضة بارقامها المذكورة في العريضة ، اما إذا كانت المستندات المرفقة كثيرة فيلزم إعداد حافظة مستندات لها. ومن عيوب حافظة المستندات انها تعزل  مستندات الخصم عن العريضة التي قدمها ففي حالات كثيرة يصعب على القاضي الربط بين الوقائع المذكورة في العريضة والمستندات المرفقة بالحافظة، فالقاضي يدرس العريضة إلى أن يكملها ثم يدرس الحافظة والمستندات المرفقة بها، ولذلك فقد ظهرت مدرسة بين المحامين في الشام ومصر والعراق تقوم بتضمين صور المستندات المستدل بها في متن العريضة ذاتها، وذلك في مواضع الإستدلال بها في العريضة حتى يدرس القاضي الواقعة مع المستندات الدالة عليها في وقت واحد بدلا من إحالة  القاضي إلى  المستنات المرفقة بالحافظة ، ففي هذه الطريقة يتم تصوير المستندات في متن العريضة عن طريق الاستفادة من التقنيات الحديثة في مجال تصوير واستنساخ المستندات، وقد بدا بعض الرواد من المحامين اليمنيين بإستعمال هذه الطريقة وانا شخصيا احبذ هذه الطريقة ، ولمعالجة حالة المطابقة لصور المستندات المصوّرة في متن العريضة ذاتها عند اتباع هذه الطريقة الحديثة ، فأنه يشار في العريضة ذاتها بأن تلك الصور قد تمت مطابقتها حسبما هو مبين في المرفقات. (مهارات الصياغة القانونية، أ.د. عبدالمؤمن شجاع الدين،ص112)، والله اعلم.

توقيع الخصم على صور المستندات ومطابقتها في القانون اليمني
توقيع الخصم على صور المستندات ومطابقتها في القانون اليمني