إستلام المشتري للإيجار أثناء فترة الإقالة في القانون اليمني

 

إستلام المشتري للإيجار أثناء فترة الإقالة في القانون اليمني

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

في بيع الإقالة العرفية (بيع الوفاء) إذا اشترط البائع اوالمشتري في عقد بيع الإقالة ان يستلم المشتري  إيجارات العين المبيعة أثناء فترة الإقالة  فإن ذلك الشرط يكون باطلا بل انه يترتب على وجود هذا الشرط في عقد بيع الإقالة بطلان العقد ذاته حسبما هو مقرر  في الفقرة (ثالثاً) من المادة (578) من القانون المدني اليمني، غير أنه إذا لم يرد هذا الشرط في عقد بيع الإقالة ولم يقترن هذا الشرط بصيغة عقد الإقالة(الإيجاب والقبول)، ولكن بعد تمام عقد بيع الإقالة اتفق البائع والمشتري على أن يقوم المشتري بقبض ايجارات العين محل بيع الإقالة اثناء فترة الإقالة بغرض سداد جزء من  الثمن المدفوع من المشتري إلى البائع، فإن ذلك جائز لا يترتب عليه  بطلان عقد الإقالة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 20-4-2012م الذي ورد ضمن أسبابه: ((فيما يخص إستلام المطعون ضده للإيجارات خلال فترة الإقالة، فإن هذه المسألة أن صحت فلا تأثير لها على سلامة عقد البيع لعدم إإقتران إستلام المشتري للإيجارات أثناء فترة الإقالة بعقد الإقالة حتى يكون ذلك مبطلاً للعقد وفقاً لنص المادة 578 مدني، فذلك يسمح بإستفادة البائع من إيجارات العين المبيعة خلال فترة الإقالة وإستلام  المشتري للإيجارات وفقاً لأحكام المادة (577) مدني، ونظراً لإنقضاء مدة الإقالة دون رد الثمن فقد صار عقد البيع نافذاً وفقاً لأحكام المادة (578) مدني))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:  

الوجه الأول: بطلان عقد بيع الإقالة إذا تضمن العقد شرطاً ينص على أن المشتري يستلم إيجارات العين المبيعة أثناء فترة الإقالة:

صرح القانون المدني اليمني بأن عقد بيع الإقالة يكون باطلاً إذا تضمن عقد بيع الإقالة شرطاً ينص على أن المشتري يتقاضى إيجارات العين المبيعة أثناء فترة الإقالة، حسبما هو مقرر في الفقرة (ثالثاً) من المادة (578) مدني التي نصت على أنه (إذا اقترن العقد بشرط الغلة للمشتري في مدة الشرط بطل العقد والشرط)، فهذا النص صريح في أن الإقتران بين هذا الشرط وبين العقد يبطل العقد والشرط معاً، فالمقصود بالإقتران أن يكون شرط تقاضي المشتري للإيجار قد صدر مصاحباً ومقارناً للفظ عقد بيع الإقالة أي أن تتضمن هذا الشرط صيغة الإيجاب والقبول في عقد الإقالة، وقد كان الطاعن في القضية محل تعليقنا يحاجج بان عقد بيع الإقالة باطل، لأن المشتري في عقد الإقالة كان يستلم إيجارات العين محل بيع الإقالة طوال فترة بيع الإقالة، في حين أن الحكم محل تعليقنا قضى بأن عقد الإقالة لم يتضمن ذلك الشرط ولم يصدر ذلك الشرط مقترنا بصيغة عقد بيع الإقالة وهي الإيجاب والقبول السابقين على تحرير العقد .

الوجه الثاني: إستلام المشتري في بيع الإقالة لإيجارات العين لا يبطل عقد الإقالة إذا كان قد تم الإتفاق لاحقاً على ذلك حسبما قضى الحكم محل تعليقنا:

ورد في الحكم محل تعليقنا أن نعي الطاعن لم يكن في محله، لأن إستلام المشتري لإيجارات العين خلال فترة الإقالة لم يكن بموجب شرط مقترن بعقد بيع الإقالة، وإنما كان  ذلك بموجب إتفاق لاحق لعقد بيع الإقالة،  فبعد تمام عقد بيع الإقالة بمدة اتفق  الطرفان على أن يستلم  المشتري ايجارات العين، فلم يكن إستلام المشتري في هذه الحالة بموجب شرط مقترن بصيغة عقد بيع الإقالة وهي الإيجاب والقبول، ولذلك فإن إستلام المشتري لإيجارات  العين اثناء مدة الإقالة لا يبطل عقد بيع الإقالة، طالما أن الإتفاق اللاحق بين الطرفين لم يكن بناءً على تواطؤ بين البائع والمشتري عملاً بالمادة (579) مدني التي نصت على أن (كل تواطؤ بين المتعاقدين قبل العقد يعتبر كأنه مقارن للعقد وتجري عليه الأحكام السابقة)، فهذا النص يقرر أن التواطؤ بين البائع والمشتري السابق على عقد بيع الإقالة وذلك على إستلام المشتري لأجرة  العين الموقوفة خلال مدة الإقالة مبطل لعقد الإقالة، بخلاف الإتفاق اللاحق لعقد بيع الإقالة الذي لم يكن بناء على تواطؤ سابق للعقد  فلا يشمله هذا النص.

الوجه الثالث: الحكمة من بطلان عقد بيع الإقالة بسبب إشتراط إستلام المشتري لإيجارات العين خلال فترة الإقالة:

أخذ القانون المدني هذا النص من معين الفقه الإسلامي، حيث ذهب جماعة من الفقهاء إلى أن: إشتراط تقاضي المشتري في بيع الوفاء (الإقالة العرفية) لاجرة العين محل بيع الإقالة مبطل لعقد بيع الوفاء أو الإقالة العرفية، لأن بيع الوفاء أو الإقالة العرفية ليس نافذاً من حين التلفظ بصيغة (الإيجاب والقبول) فبيع الوفاء أو الإقالة معلق خلال فترة الإقالة المتفق عليها فهو لا يخرج العين ومنافعها إلا بعد إنقضاء فترة الإقالة من غير أن يقوم البائع بإعادة الثمن إلى المشتري، وتبعاً لذلك لا يحق للمشتري أن يقبض غلال أو إيجارات العين قبل إنقضاء فترة الإقالة، وفي هذا المعنى نصت المادة (577) مدني على أن (بيع الوفاء المعروف بالإقالة العرفية هو أن يشترط حال العقد أو بعده انه اذا رد البائع للمشتري الثمن رد له المشتري المبيع وله حكم خيار الشرط، وتكون  فوائد المبيع للبائع في مدة الشرط). (فقه المعاملات المالية في الشريعة الإسلامية، أ. د. عبدالمؤمن شجاع الدين، ص221).

الوجه الرابع: نفاذ بيع الإقالة العرفية (بيع الوفاء) وإشكاليات ذلك وتوصبتنا لقطاع التوثيق بوزارة العدل المقنن اليمني:

قضى الحكم محل تعليقنا بأن انقضاء مدة الإقالة من غير أن يقوم البائع بإعادة الثمن الذي سبق له قبضه من المشتري يجعل البيع نافذا، و استند الحكم في ذلك إلى  الفقرة (رابعا) من المادة (578) مدني التي نصت على أنه (رابعا: يستقر المبيع في ملك المشتري وبه يستحق الشفعة إذا أمضى البائع البيع أو انقضت المدة دون رد)، فهذا النص صريح في التقرير بأن مجرد انقضاء مدة الإقالة المتفق عليها في عقد الإقالة تجعل بيع الإقالة نافذا، ومؤدى ذلك أن المبيع ينتقل إلى ملك المشتري وعندئذٍ يحق للمشترى ان يقبض ايجارات العين المبيعة، ويحق له أن يتصرف فيه تصرف المالك كيف يشاء ومتى مايشاء.

وليس هناك أية إشكالية عندما يقوم البائع نفسه بامضاء أو إنفاذ بيع الإقالة، لأن ذلك يتم بناء على تفاهم  وتراضي فيما المشتري والبائع، لكن الحال يختلف بالنسبة بانفاذ بيع الإقالة بمضي المدة، فهناك إشكاليات شرعية وقانونية و توثيقية تتصل بمسألة نفاذ بيع الإقالة بمضي المدة، ونشير هذه الإشكاليات  بايجاز بالغ كما يأتي:

اولا: إشكالية توثيق نفاذ بيع الإقالة بمضي مدة الإقالة من غير رد الثمن إلى المشتري وتوصبتنا لقطاع التوثيق بوزارة العدل:

 صرح القانون المدني في الفقرة (رابعا) من المادة (578) السابق ذكرها بأن عقد بيع الإقالة  يكون نافذا بمجرد مضي المدة، ولكن  من اللازم القيام ببعض الإجراءات لتطبيق الحكم القانوني المشار اليه، فعند إنقضاء مدة الإقالة ينبغي على المشتري ان يطلب من الأمين الشرعي الذي قام بتحرير عقد بيع الإقالة ان يحرر مايفيد ان مدة الإقالة قد انقضت من غير أن يقوم البائع برد الثمن الذي سبق للمشتري ان دفعه للبائع، وبناء على ذلك فقد صار البيع نافذا من تاريخ اليوم التالي لآخر يوم من أيام مدة الإقالة ، ويقوم بعض الامناء الشرعيين بالكتابة في ظهر عقد بيع الإقالة ذاته ان بيع الإقالة المذكور في باطن المحرر قد نفذ بمضي المدة من غير أن يقوم البائع برد الثمن، في حين أن بعض الامناء يقوم عند انقضاء مدة الإقالة بتحرير عقد بيع نافذ جديد يشير فيه إلى أن بيع الإقالة قد صار نافذا بمضي المدة، ومن وجهة نظرنا ان الطريقة الأولى اسلم.

ولضبط وتوحيد وتنميط إجراءات نفاذ بيع الإقالة بمضي المدة فإننا نوصي قطاع التوثيق بوزارة العدل بإعداد نموذج خاص بنفاذ بيع الإقالة بمضي المدة.

ثانيا: الإشكالية الشرعية والقانونية لنفاذ بيع الإقالة بمضي المدة وتوصيتنا للمقنن اليمني:

من المقرر في فقه الشريعة الإسلامية والقانون ان البيع عقد عماده التراضي فيما بين البائع والمشتري،ونفاذ بيع الإقالة العرفية (بيع الوفاء) بمجرد انقضاء مدة الإقالة تمليك جبري للمشتري رغما عن البائع، وذلك يتعارض مع قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيب من نفسه) فضلا عن ان البائع في بيع الإقالة في غالب الأحيان وفي واقع الحال لايريد بيع ماله وإنما قصده ونيته متحهة إلى الحصول على مال لقضاء ضرورة أو حاجة المت به وتعذرعليه الحصول على قرض حسن فلجاء إلى بيع الإقالة، ولذلك لايكون الثمن  في بيع الإقالة العرفية ثمنا مناسبا للمبيع، وعلى هذا الأساس فإن الشبهات تحيط ببيع الإقالة أو بيع الوفاء من كل ناحية، ولذلك  فقد ذهب قسم من الفقهاء إلى تحريم بيع الوفاء.(فقه المعاملات المالية في المعاصرة في الشريعة الإسلامية، أ. د. عبدالمؤمن شجاع الدين، ص223)، كما أن بعض الامناء يحجم عن تحرير نفاذ بيع الإقالة بمضي المدة، ولذلك فأنا أوصي المقنن المادة بإلغاء الثلاث المواد التي نظمت بيع الإقالة العرفية في القانون المدني، وهي المواد (577و578و579) والاكتفاء بأحكام الإقالة الشرعية وأحكام الرهن  المقررة في القانون المدني، لأنها تؤدي الغرض، والله اعلم.

إستلام المشتري للإيجار أثناء فترة الإقالة في القانون اليمني
إستلام المشتري للإيجار أثناء فترة الإقالة في القانون اليمني