القائمة الرئيسية

الصفحات

 

عدم تسليم تقرير الخبير إلى الخصم في القانون اليمني 

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

 يجب على الخبير حين تندبه المحكمة للقيام بالمهمة الفنية أن يستقبل مستندات الخصوم ويستمع إلى أقوالهم وملاحظاتهم ويباشر  الإجراءات في مواجهته ما أمكن ذلك ، وبناءً على ذلك وعلى أصول وقواعد الخبرة فإن الخبير يقوم بإعداد تقريره  النهائي المتضمن النتائج التي توصل إليها، ويقوم  الخبير بتقديم تقريره إلى المحكمة، وعندئذٍ يجب على المحكمة أن تقوم بتسليم الخصوم نسخ من تقرير الخبير كي يتسنى لهم دراسة التقرير وابداء الملاحظات وإجراء المناقشات اللازمة وإقتراح التصويبات عليه، بإعتبار التقرير من أدلة الإثبات التي يجب مواجهة الخصوم بها في متسع من الوقت، فلا يغني عن ذلك قيام الخبير أو المحكمة بتلاوة التقرير في جلسة المحاكمة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7-3-2017م في الطعن رقم (58864)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((فقد ورد في نعي الطاعن أن ما ورد في أسباب الحكم الاستئنافي غير صحيح، لأن الشعبة لم تسلمه صورة من تقرير المحاسب حتى يقدم ملاحظاته عليه وإنما قامت هيئة الشعبة بقراءة التقرير في جلسة النطق بالحكم وقبل النطق بالحكم بدقائق، وأنه قد قام بالإعتراض على التقرير في محضر الجلسة وأنه تمسك بالمستندات التي اغفلها التقرير، وقد تبين للدائرة: أن هذا النعي وجيه، فعند رجوع الدائرة إلى أوراق القضية لم تجد في محاضر جلسات الشعبة ما يفيد تسليم الخصوم صور من تقرير المحاسب الذي استند عليه الحكم الاستئنافي، وذلك حتى يتمكن الخصوم من تقديم مناقشاتهم على التقرير إن ارادوا))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم، حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: ماهية تقرير الخبير وحجيته:

 يعد الخبير العدل تقريرين: التقرير الأول :تقرير اولي:عبارة عن خارطة طريق لعمل الخبير، يتضمن الخطوات والإجراءات التي سيقوم بها الخبير في سبيل تنفيذ المهمة التي ندبته المحكمة للقيام بها، وكذا يتضمن التقرير المدة التي سيستغرقها الخبير  في تنفيذ المهمة واجور الخبير، ويتم تقديم التقرير الأولي بعد ندب الخبير وقبل قيامه بالمهمة، ويجب على المحكمة تسليم الخصوم نسخة من التقرير الأولي لمناقشته وإبداء ملاحظاتهم عليه.

اما التقرير الثاني الذي يقدمه الخبير العدل فهو التقرير النهائي  : وهو وثيقة تتضمن بيانات عدة من أهمها: تاريخ تكليف الخبير بالمهمة وتحديد المهمة المسندة له بحسب قرار التكليف الصادر من المحكمة  وتاريخ أداء الخبير للقسم وتاريخ تقديمه للتقرير الأولي وملاحظات الخصوم والمحكمة عليه والخطوات والإجراءات التي قام بها الخبير، وفي نهاية التقرير يورد الخبير النتائج التي توصل إليها والتوصيات التي يراها، ويجب على الخبير أن يرفق تقريره النهائي المستندات المؤيدة لصحة كل ما ورد في التقرير، ومع أن النتيجة التي يتوصل إليها الخبير في تقريره النهائي غير ملزمة للمحكمة التي عينته حسبما هو مقرر في المادة (173) إثبات إلا أن لتقرير الخبير حجيته القوية سيما حينما تكون مهمة الخبير فنية دقيقة، وعلى هذا الأساس فإن مواجهة الخصوم بتقرير الخبرة يحتاج الى وقت كافٍ لدراسته من قبل الخصوم، وربما أن الأمر  قد يحتاج إلى رجوع الخصوم إلى فنيين متخصصين لمراجعة المسائل الفنية الواردة في التقرير، ولذلك لا يكفي أن تقوم المحكمة أو الخبير نفسه بقراءة التقرير أو النتيجة التي توصل إليها الخبير في الجلسة، حسبما قضى الحكم محل تعليقنا.

الوجه الثاني: وجوب مواجهة الخصوم بالإجراءات والأعمال التي يقوم بها الخبير أثناء قيامه بالمهمة:

يجب على الخبير أن يقوم بإطلاع الخصوم على الإجراءات التي يقوم بها  أثناء تنفيذه لمهمته، ولذلك فقد اشترط قانون الإثبات اليمني حضور الخصوم اثناء قيام الخبير بالمهمة، حسبما هو مقرر في المادة (170) إثبات التي نصت على أن (يكون أداء المهمة بحضور الخصوم كلما امكن ذلك، ويجب على الخبير إستدعاؤهم لذلك وأن يحرر محضراً بالإجراءات التي تمت ليوقع عليه مع الخصوم الحاضرين ويثبت غياب من غاب منهم وإستدعائه له)، وفي السياق ذاته نصت المادة (171) إثبات على أنه (للخبير العدل أن يستمع إلى أقوال الخصوم وأقوال شهودهم وأن يجري المعاينات والأبحاث اللازمة والمقيدة في أداء مهمته)، فلا ينبغي أن يقوم الخبير بأداء مهمته من غير أن يعلم الخصوم بالإجراءات التي يباشرها، لأن علم الخصوم وإطلاعهم على ذلك يضمن ترشيد أعمال الخبير وإستيفائها وتصويبها وتقديم ملاحظاتهم عليها في حينه وفي الوقت المناسب وعندها يقوم الخبير باستيعاب ملاحظات الخصوم قبل إعداد التقرير النهائي ، مما يجعل التقرير محل قبول الخصوم بعد ذلك، وذلك يقلل من إعتراض الخصوم على التقرير مستقبلاً.

الوجه الثالث: مواجهة الخصوم بالتقرير النهائي للخبير العدل:

مع أن الخبير قد باشر مهمته بحضور الخصوم وإطلاعهم على النحو السابق بيانه في الوجه الثاني، إلا أنه ينبغي مواجهة الخصوم بالتقرير النهائي الذي يقدمه الخبير إلى المحكمة، كي يتحقق الخصوم مما إذا كان التقرير النهائي مطابقاً للأعمال والإجراءات التي تمت بحضورهم، ومما إذا كان التقرير قد استوعب أقوالهم والمستندات والبيانات المقدمة منهم، فمواجهة الخصوم بالتقرير النهائي المقدم من الخبير مفيد للعدالة، وفي الوقت ذاته يحقق ويحفظ مصالح وحقوق الخصوم، ولذلك فقد نصت المادة (173) إثبات على أنه (للمحكمة أن تأخذ بتقرير الخبراء أو الخبير الذي تطمئن إليه مع بيان الأسباب إذا خالف التقرير الذي أخذت به تقريراً آخر، ولها أن تستمع إلى مناقشات الخصوم في شأن التقارير المقدمة وملاحظاتهم عليها وأن تكلف الخبير أو الخبراء مرة أخرى لإستكمالها أو تصحيحها إذا لزم الأمر أو ترفض طلبات الخصوم)، وعند قيام الخصوم بإبداء ملاحظاتهم على تقارير الخبراء فإن المحكمة تكلف الخبير بدراسة ملاحظات وإعتراضات ومناقشات الخصوم والرد عليها حتى تستبين المحكمة  الأمر، فتكون  المحكمة على بينة من الامر بشأن مدى سلامة ما ورد في التقرير وما إذا كان جديراً بالإعتماد عليه والإستناد إليه عند الحكم.

الوجه الرابع: قراءة تقرير الخبير على الخصوم لا تحقق المواجهة:

سبق القول أن التقرير يشتمل على بيانات ومستندات ونتائج وتوصيات ذات طابع فني تحتاج إلى الدراسة العميقة والرجوع إلى الفنيين المتخصصين ، وذلك يحتاج إلى وقت، والمواجهة لا تعني مواجهة الخصوم بالتقرير فحسب بل تعني أن تتيح المحكمة للخصوم الوقت المناسب لدراسة التقرير واسانيده ومستنداته وإبداء الملاحظات عليه، وعلى هذا الأساس فإن مجرد تلاوة قراءة تقرير الخبير في جلسة المحاكمة لا يحقق مبدأ المواجهة مثلما قضى الحكم محل تعليقنا.

الوجه الخامس: عدم تسليم الخصوم تقرير الخبير تعطيل لمبدأ المواجهة:

قضى الحكم محل تعليقنا بأنه يجب على المحكمة أن تسلم الخصوم نسخ من تقرير الخبير العدل، وأنه يجب إثبات تسليم الخصوم التقرير في محضر جلسة المحكمة حتى يتمكن الخصوم من دراسة التقرير وإبداء الملاحظات عليه، فإذا لم تقم محكمة الموضوع بتسليم الخصوم نسخ من تقرير الخبير فإن ذلك يعطل مبدأ المواجهة وهو من المبادئ الحاكمة للتقاضي، مما يؤدي إلى بطلان الحكم إذا كان قد استند إلى التقرير، والله اعلم.

عدم تسليم تقرير الخبير إلى الخصم في القضاء والقانون اليمني
عدم تسليم تقرير الخبير إلى الخصم في القضاء والقانون اليمني


تعليقات

التنقل السريع